مضى أكثر من خمسة أشهر على انتهاء الانتخابات البرلمانية في العراق، ولم تحسم القوى السياسية أمرها بتشكيل الحكومة، وجلّ ما حدث هو انعقاد البرلمان واختيار رئيسه ونائبين له، بعد اتفاق القوى السنيّة على محمد الحلبوسي صاحب أكبر عدد من المقاعد السنية في الانتخابات رئيساً للبرلمان.
ولا تُشبه هذه الدورة الانتخابية أي واحدة من تلك التي تشكلت على إثرها الحكومات المختلفة منذ عام 2003، إذ تميزت ببروز قوى سياسية جديدة تحمل فكر ثورة تشرين التي شهدها العراق عام 2019، كذلك أفرزت ما يزيد عن أربعين نائباً مستقلاً لا يحركهم رئيس حزب ولا يدير قرارهم رئيس كتلة نيابية.
الواقع الجديد الذي تُضاف إليه خسارة القوة التقليدية، وتحديداً تلك التي تدور في فلك إيران، أدى إلى تغيير المواقف لدى غالبية الأحزاب والكتل، إذ وحده الإطار التنسيقي الذي يضم القوى الشيعية الموالية لإيران مع حكومة توافقية، وهذا ما يرفضه صاحب أكبر مقاعد برلمانية شيعية، الزعيم الديني مقتدى الصدر، الذي تحالف مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود برزاني، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وما زالت مساعيهم مستمرةً لتشكيل حكومة أغلبية بعيداً عن الإطار.
رؤية الإطار التنسيقي
يقول القيادي في ائتلاف دولة القانون، الذي يتزعمه نوري المالكي، عادل المانع، لرصيف22، إن "الإطار التنسيقي ما زال ينظر إلى انتخابات 2021 على أنها متلاعب بها ومزورة ولا تُعبر عن إرادة الشارع الحقيقية، والخريطة السياسية التي أفرزتها الانتخابات مرسومة بفاعل إقليمي ودولي ولعل البصمة البريطانية واضحة جداً فضلاً عن أنها معقدة وقد يصعب تفكيكها في وقت قصير".
مضى أكثر من خمسة أشهر على انتهاء الانتخابات البرلمانية، ولم تحسم القوى السياسية أمرها بتشكيل الحكومة، وجلّ ما حدث هو انعقاد البرلمان واختيار رئيسه ونائبين له
ويضيف: "موقف الإطار التنسيقي واضح مع التحالفات الأخرى، إذ يرمي إلى التوافق الوطني بعيداً عن فرض الإرادات، ويعمل على أن يكون هو الكتلة الأكثر عدداً لتتسنى له تسمية رئيس الوزراء مع التيار الصدري، ولا يدور في خلدنا أننا سنذهب للمعارضة التي هي خيار لا فرض ولا إجبار".
وتواجه العراق اليوم معضلة دستورية تتمثل في عدم قدرة أي طرف على تشكيل حكومة، والتي يجب أن يتوافر في جلستها نصاب 220 نائباً، وهو ما لا يتحقق في حال لم يُشارك نواب الإطار التنسيقي، وهو العدد المطلوب أيضاً لاختيار رئيس للجمهورية، وهو ما حصل يوم السبت الماضي، إذ حضر الجلسة 192 نائباً وتالياً لم يتوافر النصاب.
إنقاذ وطن
تشكَّل تحالف إنقاذ وطن بعد الانتخابات النيابية، وهو يُشكل أغلبيةً في مجلس النواب بمقاعد تتجاوز 170 نائباً من أصل 329 نائباً، ويتكون من التيار الصدري صاحب أكبر عدد من المقاعد الشيعية (75 مقعداً)، وكتلة السيادة صاحبة أكبر عدد من المقاعد السنية (62 مقعداً)، والحزب الديمقراطي الكردستاني صاحب أكبر عدد من المقاعد الكردية (31 مقعداً)، ومستقلين آخرين.
ونجح التحالف في الحصول على ثلاثة مناصب رئيسية، وهي: محمد الحلبوسي رئيس مجلس النواب عن كتلة السيادة، وحاكم الزاملي النائب الأول لرئيس مجلس النواب عن التيار الصدري، وشاخوان عبد الله النائب الثاني لرئيس مجلس النواب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، وقرر تشكيل حكومة أغلبية سياسية بعيداً عن قوى الإطار التنسيقي التي ما زالت تصرّ على تشكيل حكومة توافقة كما يجري في كل انتخابات منذ التغيير السياسي بعد عام 2003.
ورفض زعيم التيار الصدري مراراً ما أسماه "خلطة العطار"، في إشارة إلى التوافق مع الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة وتقسيم المناصب بين القوى وفق اتفاق.
وقدّم تحالف إنقاذ وطن نفسه على أنه الكتلة النيابية الأكثر عدداً في البرلمان العراقي، وقدّم مرشحه لرئاسة الجمهورية (ريبر أحمد عن الحزب الديمقراطي وهو يشغل منصب وزير داخلية إقليم كردستان العراق)، كذلك قدّم مرشحه لمنصب رئيس الوزراء، وهو جعفر محمد باقر الصدر الذي يشغل منصب السفير العراقي في بريطانيا.
لا يمتلك مقتدى الصدر القدرة على تأمين نصاب الثلثين في البرلمان لإيصال مرشحه لرئاسة الجمهورية وكذلك الأمر بالنسبة للإطار التنسيقي الذي يمتلك قدرة التعطيل، وهذا ما حوّل الكتلة المستقلة المنبثقة من تشرين إلى كُتلة مقررة، فهل تستفيد من هذا الواقع الجديد؟
وعلى الرغم من عدم تمكن التحالف من تحقيق النصاب الذي فرضته المحكمة الاتحادية العليا في تفسيرها لجلسة انتخابات رئيس الجمهورية، وهو نصاب مئتين وعشرين نائباً، إلا أنه بقي مصراً على رفضه تشكيل حكومة توافقية، وأعلن الصدر أنه لن يتغير شيء وسينتظر الجلسة المقبلة لاختيار رئيس الجمهورية، كذلك أعلن الحلبوسي أن البرلمان سيستمر في تحديد مواعيد لجلسة اختيار رئيس الجمهورية إلى حين تحقيق النصاب.
بيضة القبّان
تحتاج جلسة اختيار رئيس الجمهورية إلى نصاب الثلثين من عدد النواب، وهذا ما لم يستطِع تحقيقه لا الإطار التنسيقي ولا كتلة إنقاذ وطن، من دون النواب المستقلين البالغ عددهم أربعين نائباً، والقوى السياسية الجديدة التي نتجت عن الحراك الشعبي الذي انطلق عام 2019، وتالياً تتوجه أنظار الجميع إلى موقف هذه القوى مما يحصل وأين في النهاية ستصب أصواتها وكفة من ستُرجح؟
يقول منار العبيدي، الناطق الرسمي باسم حركة امتداد، لرصيف22، إن "الخريطة السياسية بعد 2021، غيّرت المعادلة التي توزعت بين كتل تعتمد على المكونات الطائفية والعرقية بالدرجة الأولى، إلى تقريباً كتلتين بالإضافة إلى كتلة أخرى هي كتلة المستقلين، وتالياً هناك تغيير واضح في الخريطة السياسية داخل مجلس النواب وأيضاً في الشارع العراقي ومن المتوقع أن يستمر هذا التبدل بموازاة توجه الرأي العام نحو أحزاب جديدة والابتعاد عن الأحزاب التقليدية".
يضيف: "القوى السياسية الحاكمة اليوم تحاول الانفتاح أكثر على المستقلين بعد اكتشافها أنها غير قادرة على أخذ القرارات منفردة أو أنها أخطأت كثيراً في إدارة البلد، وتحاول اليوم تصحيح مساراتها من خلال الاعتماد على مجموعة من الوجوه الشابة في إدارة مفاصل الحركات السياسية"، مشيراً إلى "حالة تذمر عامة من هذه الأحزاب وتالياً من الصعب جداً أن تعيد تسويق نفسها داخل المجتمع العراقي".
رفض زعيم التيار الصدري مراراً ما أسماه "خلطة العطار"، في إشارة إلى التوافق مع الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة وتقسيم المناصب بين القوى
يقول المحلل السياسي علي البيدر، لرصيف22، إن "أبرز ما تغيّر في العملية السياسية في العراق هو دخول منهاج تشرين إلى المنظومة السياسية بشكل عام وبروز خط وطني يتناغم مع التوجه الإصلاحي الذي ينشده الشارع العراقي، ولكن في المجمل لم يتغير الكثير لأن العديد من الوجوه السياسية ما زالت حاضرةً في المشهد وربما الشارع العراقي فقد الثقة بسبب وجود الأشخاص أنفسهم في الواجهة السياسية".
وبرأيه، فإن وجود أحزاب تشرين ظاهرة صحية لتقويم العمل السياسي وتخويف بعض الجهات التي استأثرت بالسلطة، ووجودهم يبعث رسالةً إلى تلك الجهات بأن هناك رغبةً في التغيير سواء النيابي أو الحكومي.
تبدل التفسيرات القانونية
لم يكن التغيير في انتخابات 2021 على مستوى الوجوه السياسية وبروز أحزاب جديدة ومستقلين فحسب، إنما في تفسيرات المحكمة الاتحادية العليا في البلاد للنصوص الدستورية التي تبدلت مؤخراً بعد الانتخابات التي جرت أواخر 2021.
يقول الخبير القانوني علي التميمي لرصيف22، إن "المحكمة الاتحادية قالت في قرارها رقم 7 لسنة 2022 أن الكتلة الأكثر عدداً يمكن أن تقدم إلى رئيس البرلمان سواء في الجلسة الأولى أو ما بعدها حتى بعد انتخاب رئيس الجمهورية ما دامت هذه الكتلة لم تقدم إلى رئيس البرلمان والغاية من ذلك هو إتاحة الوقت للتحالفات بين الأحزاب والكتل والمستقلين على أن يراعى قانون الانتخابات 9 لسنة 2020".
ويختلف هذا التفسير عن تفسير المحكمة الاتحادية في القرار 25 لسنة 2010 والذي نص على أن الكتلة الأكثر عدداً تقدم في الجلسة الأولى، كما أن المادة 45 من قانون الانتخابات الجديد 9 لسنة 2020 منعت انتقال النواب والأحزاب والكتل المنضوية في قوائم مفتوحة مسجلة في الانتخابات وهذا لا يحول دون انتقال المستقلين أو الأحزاب أو الكتل غير المسجلة في قوائم مفتوحة من التحالفات كما قالت المادة 45 من هذا القانون".
ويرى التميمي أن "هناك فرقاً بين التكتل وبين التحالف، فالتكتل هو اندماج في بوتقة واحدة تتحول فيها كل الأطراف إلى كتلة واحدة وهذا تفسير المحكمة الاتحادية العليا السابق في القرار 25 لسنة 2010 أما التحالف الوارد ذكره هنا فهو دخول أطراف مع كتلة كبيرة دون أن تفقد شخصيتها بل يبقى القرار للكتلة الأكبر ويكون لها ومن تحالف معها إستراتيجية مستقبلية مشتركة وهذا هو ما جاء به تفسير المحكمة الاتحادية الجديد للمادة 76 من الدستور".
تشترط المحكمة الاتحادية عقد جلسة البرلمان بنصاب الثلثين وأن يتخذ القرار بوجود هذا العدد في الجولة الأولى من التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية
وتشترط المحكمة الاتحادية عقد جلسة البرلمان بنصاب الثلثين والذي يتطلب حضور 220 نائباً وأن يتخذ القرار بوجود هذا العدد في الجولة الأولى من التصويت على انتخاب رئيس الجمهورية.
ويفسر التميمي هذا الأمر بأن "المادة 70 من الدستور العراقي التي نصت على أن ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه وهي استثناء من الأصل الوارد في المادة 59 من الدستور التي أوجبت أن يكون الانعقاد بحضور 165 نائباً وأن تتخذ القرارات بالأغلبية البسيطة".
صراع المكونات والقوميات
وعلى الرغم من بروز قطبين كبيرين للخلاف السياسي، وهما كتلة إنقاذ وطن وقوى الإطار التنسيقي، فإن الخلاف السياسي لا يقتصر عليهما، إنما يتغلغل إلى داخل المكونات الطائفية والعرقية، فمثلاً يمتد الخلاف إلى داخل الأحزاب الكردية التي لم تستطع الاتفاق على تحالف واحد للتفاوض مع الأحزاب الأخرى، ويتصدر الخلاف الحزبان الكرديان الكبيران، الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني.
ويتنافس الحزبان الكرديان على الظفر بمنصب رئيس الجمهورية، وهو من حصة الأكراد، وتختلف معهما حركة الجيل الجديد التي استطاعت نيل (تسعة مقاعد)، وتعمل كمعارضة لهما.
وينقسم الخلاف داخل المكون الشيعي بين قوى الإطار التنسيقي التي ترغب في تشكيل الكتلة النيابية الشيعية الأكبر عدداً، وترشيح رئيس وزراء توافق عليه جميع القوى الشيعية وتقسم الوزارات من حصة الشيعة على القوى المتحالفة معه، وهذا ما يرفض تحقيقه الزعيم الشيعي مقتدى الصدر الذي فضّل الانفراد عنهم والتحالف مع قوى سنية وكردية لتشكيل حكومة أغلبية سياسية، ولم تستطع المبادرات جمع القوى الشيعية في هذا المشهد السياسي.
ولا يقتصر الخلاف الشيعي على تبادل المناصب والمقاعد أو شكل الحكومة الجديدة، إذ يقف أيضاً وراء هذا الاستعصاء اختلاف التوجهات السياسية لكلا الطرفين. فبينما يُحاول الصدر أن يطرح نفسه كزعيم عراقي متحرر من الالتزامات الخارجية، لا ينفي كُثر في الإطار التنسيقي ولاءهم لإيران التي تُقدّم لهم مُختلف أنواع الدعم.
وعلى الرغم من توحد الحزبين السنيين الكبيرين، تحالف تقدّم بزعامة الحلبوسي، وتحالف عزم برئاسة خميس الخنجر، وتشكيلهما تحالف السيادة الذي يحقق (62 مقعداً)، شهد المكون السني بروز كتلة تحمل اسم عزم في إشارة إلى الانشقاق عن خميس الخنجر وذهاب بعضهم نحو معارضة توجهات تحالف السيادة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع