شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"أعرف شعور انتظار المساعدة"... عرب أوكرانيا، لاجئون ومتطوعون في برلين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 28 مارس 202206:16 م

تعجّ محطة القطارات الرئيسية في برلين العاصمة بلافتات باللغة الأوكرانية وبلغات أخرى، هدفها إرشاد اللاجئين/ات الواصلين/ات من أوكرانيا قبل نحو شهر. كما تعج بالمتطوعين من مختلف الجنسيات والذين غادروا ولا زالوا يغادرون هرباً من الحرب والدمار.

منذ الأيام الأولى لوصول اللاجئين/ات من أوكرانيا، تحول جزء كبير من محطة القطارات الرئيسية التي تقع في وسط برلين خلية نحل. حراك مبني كله على التطوع. مئات من المتطوعين/ات في أقسام عديدة تهتم بتوفير الملابس والأدوات الصحية، والأطعمة، والكشوف الصحية. أو تقدّم مساعدة لراغبين/ات في الانتقال إلى مدن أخرى في ألمانيا أو فرنسا أو من أجل الحصول على ملجأ للإقامة المؤقتة وبعض الاستشارات القانونية المتوفرة في المحطة.

لا يقتصر التطوع على الموجودين في المحطة بل هناك أيضاً الذين تبرعوا بالمواد الغذائية والصحية، والملابس، ونقل الراغبين بالسيارة للملاجئ، بالإضافة للمتطوعين بمنازلهم/ن أو بغرف في بيوتهم/ن لإيواء اللاجئين/ات وعوائلهم/ن.

تفرقنا الحرب وتجمعنا الإنسانية

زكريا برقية، طالب مغربي يدرس في خاركوف- أوكرانيا إدارة الأعمال الدولية. وصل إلى برلين في الأيام الأولى للحرب عبر سلوفاكيا وبولندا. يقول لرصيف22: "طليعة الذين خرجوا من أوكرانيا هم الأجانب الذين يعيشون هناك سواء للعمل أو للدراسة، واجهنا عنصرية كبيرة من قِبل بعض الأوكرانيين، الذين سمحوا لمواطنيهم بالخروج، فيما أبقوا الأجانب إلى وقت متقدم من الليل، حتى أن بعض اللاجئين الأجانب توفوا خلال الانتظار في البرد الشديد. كانت لحظات صعبة جداً، كما نفد الطعام خلال الرحلة وبقي الكثيرون من دون طعام عدة أيام".

واجهنا عنصرية من قِبل الأوكرانيين، الذين سمحوا لمواطنيهم بالخروج، فيما أبقوا الأجانب إلى وقت متقدم من الليل، حتى أن بعضهم توفوا خلال الانتظار في البرد الشديد

وصف برقية استقبال ألمانيا للاجئين من أوكرانيا: "استقبلنا الشعب الألماني بحفاوة، أخذنا عدد من الطلبة الألمان، أنا ومجموعة من الطلبة العرب للعيش معهم، وبالفعل نحن كالأخوة نعيش معهم حالياً"، مضيفاً: "يشهد العالم جنوناً حقيقاً، ونسأل الله أن يلطف بالعباد، وأن تتواضع البشرية بعض الشيء. فهذه الحروب هي نتيجة التكبر والجنون اللذين تدفع ثمنهما أرواح بريئة. نأمل أن تعود البشرية لصوابها وتنتهي الحروب".

زكريا برقية، طالب مغربي

برقية هو متطوع اليوم في المحطة. يقول: "منذ أن وصلت، قابلت شاباً عربياً متطوعاً في المحطة، فطلبت منه أن أنضم للتطوع والمساعدة، وهذا ما أفعله منذ وصلت. وهذا ما يحثني عليه دين الإسلام، كما أن وجودي كلاجئ ومتطوع يجعل مني قادراً على شرح الأوضاع والإجراءات للقادمين/ات وما الذي بإمكانهم/ن الحصول عليه".

أعرف شعور الأطفال من اللاجئين

عرّف إبراهيم كيوان نفسه بأنه وُلد لاجئاً: "أنا فلسطيني وُلدتُ في السعودية، ثم عشت في سوريا ثم في لبنان، ثم أتيت إلى ألمانيا قبل نحو سبع سنوات، وأنا اليوم هنا لأساعد لهذا السبب. أعرف شعور اللاجئين/ات، وخصوصاً الأطفال. لذلك أخترت التطوع في قسم احتياجات الأطفال لأنني أعرف شعور الطفل عندما ينتقل من بلد إلى آخر وسط فوضى عارمة وأجواء حزينة. أحاول دائماً أن أرسم الضحكة على وجوههم".

توافرت للاجئين من أوكرانيا كل السبل وفتحت لهم كل الأبواب بعكس الطريقة التي وصلنا نحن عبرها كلاجئين عن طريق البحر والبر

وأضاف: "أتطوع لعمل الخير كما أوصانا ديننا الإسلامي، فأنا أعكس تعاليم ديني في عملي لتغيير الصورة السيئة المرسومة عنا، فنحن هنا لتصحيح هذه الصورة عبر أخلاقنا الطيبة ومساعدة الناس". يلتزم كيوان عمله في برلين، وفي أوقات الفراغ يتطوع في المحطة نحو خمس ساعات يومياً. قال لرصيف22: "عشت على المساعدات الدولية، وأعرف شعور وصول مساعدة من منظمة ما، إذ كان دائماً يبدل حالنا للأفضل. أعرف ما الذي تغيره المساعدة والتطوع في حياة الناس، وخصوصاً في ظروف اللاجئين الذين يصلون في حالة من التعب، بعدما تركوا بلدهم وأهلهم واتجهوا نحو المجهول".


إبراهيم كيوان أثناء التطوع في محطة برلين الرئيسية

ويوضح أن إجادته للغة العربية ساعدته في الحديث مع اللاجئين العرب الذين لا يجيدون إلا اللغة الأوكرانية أو العربية، لتسهيل أمورهم. 

ويختم كيوان: "توافرت للاجئين من أوكرانيا كل السبل وفتحت لهم كل الأبواب بعكس الطريقة التي وصلنا نحن عبرها كلاجئين عن طريق البحر والبر، وتظل الإنسانية تجمعنا كلنا. نحن بشر متساوون. والحرب مدمرة ومؤلمة في كل مكان".

 ارتدادات العنصرية 

وصل الطالب الجزائري شافع بن شابا، الذي يدرس في أوكرانيا منذ أربع سنوات، وهو متزوج أوكرانية، إلى ألمانيا، قبل نحو عشرة أيام بسيارة عبر بولندا التي قال إنها تعاملت مع اللاجئين بسلاسة ودون عنصرية. وأشاد بالاستقبال في ألمانيا وتلبية الاحتياجات لجميع الواصلين/ات. وقال لرصيف22 إن زوجته تستعد حالياً للالتحاق به في برلين عبر رحلة قطار أوباص من أوكرانيا، بلدها الأم. وتمنى بن شابا أن يعود السلام لأوكرانيا كي يعود هو إلى منزله ودراسته وحياته هناك بأمان.

يبدو أن الشقاء مكتوب على الشعوب المتحدثة باللغة العربية. فحتى عند اللجوء أو الاغتراب بغرض الدراسة والعمل، تلاحقهم الحروب والأزمات السياسية.

وقال الطالب المغربي أسامة الطالبي، الذي يدرس الطب في مدينة خاركوف الأوكرانية منذ نحو خمس سنوات، إنه لم يرد الخروج في بداية الحرب، لكنه مع اشتداد القصف وتدمير المدينة التي يعيش فيها، أضطر للخروج واللجوء لألمانيا. وأضاف: "في البداية كنا نسمع صفارات الإنذار ونقرأ في الأخبار أن الروس ضربوا المطارات العسكرية. بعد ذلك، صرنا نسمع الطيران العسكري الروسي يلقي بالصواريخ فوق المباني المدنية والجامعات، وقد سبب هذا العدوان ضرراً ودماراً كبيرين في المدينة".

لافتة في محطة برلين الرئيسية تشير إلى تقديم الدعم و المساعدة للأشخاص ذوي البشرة الداكنة

وعن رحلة المغادرة، قال: "من رحلوا في البداية قالوا إن الأمور جميعها مسهلة، وكانت القطارات والباصات متوفرة بالمجان لنقل اللاجئين/ات إلى أماكن آمنة. في الوقت الذي قررت فيه الخروج كانت هناك معاملة غير متساوية، إذ عوملت بعنصرية في بولندا، وطلبوا مني في إحدى الرحلات 200 يورو، بينما آخرون في القطار نفسه اشتروا التذكرة بمبلغ راوح بين 40 و 50 يورو". وبدا الطالبي متشائماً عندما أضاف بأنه لا يعتقد أن مثل هذه الحروب تنتهي بسرعة. فبرأيه ستستمر عدة أشهر وإن كان ذلك يتعارض مع ما يتمناه في الواقع، وهو أن تنتهي الحرب في أقرب وقت ممكن لكي يكمل دراسته وحياته.

يبدو أن الشقاء مكتوب على الشعوب المتحدثة باللغة العربية. فحتى عند اللجوء إلى بلد آخر أو الاغتراب بغرض الدراسة والعمل، تلاحقهم الحروب والأزمات السياسية. ولكن ذلك لا يمنعهم من إبراز معدنهم الطيب في مجال التطوع ومساعدة الآخرين، برغم ما يواجهونه من عنف وعنصرية أثناء رحلاتهم الطويلة بحثاً عن أوطان آمنة. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard