شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الطلاب المغاربة في أوكرانيا... رحلة البحث عن موطن جديد

الطلاب المغاربة في أوكرانيا... رحلة البحث عن موطن جديد

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الاثنين 14 مارس 202204:08 م

شكّل الطلاب المغاربة قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا ثانية أكبر الكتل الطلابية، بعد طلاب الهند، إذ بلغ عددهم 14 ألفاً. كانوا يدرسون في جامعات كييف أو خاركيف أو لفيف أو أوديسا أو دونيتسك أو خيرسون أو سومي. فمن المغرب نيجيريا ومصر وتونس وغانا جاء أكبر عدد من الوافدين إلى أوكرانيا، فهي الوجهة المفضلة الخامسة للطلاب القادمين من القارة الإفريقية بعد فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وماليزيا.

ما سبب هذا الإقبال؟ يقول لرصيف22 إلياس بن فضيل، مدير مكتب الطلاب المغاربة بأوكرانيا: "بعد أن تقفل الجامعات المحلية أو الأجنبية أبوابها في وجه هؤلاء الطلاب، يبقى الاختيار الوحيد أمامهم هو أوكرانيا لأن مصاريف الدراسة في جامعاتها أقل بكثير من بعض الدول الأوروبية كما أن عتبة القبول ليست صعبة وتيسر لهم الدخول إلى الجامعات والمدارس العليا في التخصصات التي يختارونها، خصوصاً الطب والصيدلة والهندسة. وفئة قليلة أخرى تفضل اختصاصي الاقتصاد والقانون. هذا لا يعني أن المستوى التعليمي ضعيف، بل هو جيد جداً. علماً أن أوكرانيا تضم أكثر من 400 جامعة من مختلف اختصاصات التعليم العالي".

وما إن دقت طبول الحرب في البلاد، حتى نظمت القنصليات المغربية عمليات إعادة شاملة عبر هنغاريا ورومانيا وبولندا والمجر، التي تتقاسم الحدود مع أوكرانيا.

حقائب خفيفة لرحلة طويلة

ومع وصول أول وفد من الطلاب المغاربة إلى حدود هنغاريا،  بعد بدء القصف على أوكرانيا، تجند أفراد الجالية المغربية لاستقبالهم كأنهم خلية نحل تتسابق مع الزمن لإيجاد مزيد من المتطوعين القادرين على استقبالهم. هؤلاء المتطوعون هم مجموعة شباب مغاربة، منهم من يعمل في بوخارست في رومانيا، ومنهم من لا يزال طالباً في إحدى جامعاتها، قرروا أن يمدوا يد المساعدة باسم الإنسانية لطلاب لا يحملون إلا حقائب خفيفة، فيها ما تيسر من ملابس ووثائق إدارية وهاتف نقال يتواصلون به مع العالم. منهم من تعرض للسرقة، فلم يعد يحمل إلا الخوف والصدمة ومستقبلاً ضبابياً.

"كان قد بلغ سواد السماء منتهاه. كنا جالسين بالقرب من محطة القطار. أمضينا رحلة محفوفة بالمخاطر وساعات طويلة من الانتظار على الحدود. لم نكن ندري إلى أين سنتوجه"

ورغم أن أغلبهم استعد لدرجات الحرارة المتدنية جداً خلال رحلة الهرب، لكن البرد قد غلبهم كما غلبتهم دموعهم. دخلوا الحدود بعد عناء وانتظار طويلين فوجدوا في استقبالهم شباباً خففوا عنهم أعباء الغربة وقسوة الإحباط. "حالما بدأت وفود اللاجئين المغاربة بالدخول إلى بوخاريست في رومانيا، انطلقت حملة التطوع على مواقع التواصل الاجتماعي. وانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم. فتكونت مجموعة على واتساب، نتبادل من خلالها أخبار الطلاب واحتياجاتهم ونبحث عمن يستطيع تقديم المساعدة، حسب نوعها". يقول يونس الغربي لرصيف22، وهو متطوع مغربي مقيم في بوخاريست.

غرف صغيرة تفتح أبوابها للمغاربة الهاربين من الحرب

اشترى يونس أسرة هوائية وأغطية من ماله الخاص ليستضيف ثلاثة طلاب في بيته. منهم جعفر آبي الذي يقول لرصيف22 أنه تفاجأ عندما عرض عليه المتطوع المغربي المبيت في بيته رفقة أصدقائه، ويضيف: "كان قد بلغ سواد السماء منتهاه. كنا جالسين بالقرب من محطة القطار. أمضينا رحلة محفوفة بالمخاطر وساعات طويلة من الانتظار على الحدود. لم نكن ندري إلى أين سنتوجه إلى أن جاء الفرج على يد يونس".

قد يحتاج الطلاب لوسيلة نقل أو مسكن يوفر الأكل والشرب والدفء التي افتقدوها. ومنهم من يحتاج المساعدة لاقتناء تذكرة الرجوع إلى الوطن. وبفضل تضامن الجالية المغربية من مختلف البلدان الأوروبية تمت تلبية بعض احتياجاتهم. ورغم أن بيوت أو غرف المتطوعين صغيرة المساحة كانت كافية لتخرج اللاجئين من حالة الخوف التي كانت تسكنهم. تقول جيهان، وهي متطوعة مغربية: "استقبلتُ فتاتين في مقتبل العمر في غرفتي الصغيرة. تنام إحداهما على السرير بجانبي والثانية على الأريكة المقابلة، ستبقيان إلى أن تجدا تذكرة سفر. المهم هو أن تعلما أننا بجانبهما وأنهما ليستا وحيدتين في مواجهة هذه المحنة".

يعمل معظم المتطوعين بالتنسيق مع السفارة المغربية في بوخاريست التي توفر بدورها غرفاً في فنادق المدينة وتشرف على عملية النقل من الحدود وحل بعض الإشكاليات الإدارية لدى الطلاب، خصوصاً أولئك الذين لا يحملون جوازات السفر، مما يصعب عليهم عبور الحدود.

بُعد المسافة لم يمنع تقديم المساعدة

لم يمنع بعد المسافات الجاليةَ المغربية في مختلف البلدان من تقديم المساعدة أيضاً. وخلال هذه الأزمة، برز اسم هبة العايدي، طالبة القانون في جامعة مونريال، التي كانت تستمر في البث المباشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحديداً إنستغرام، مع الطلاب المغاربة لنقل مأساتهم من المخابئ أو الملاجئ الأوكرانية، حيث كانوا يختبئون من القصف الروسي المتتالي، أو على حدود دول التي تستقبل الهاربين من أوكرانيا. كما ساهمت هبة في نقل المعلومات الصحيحة ونفي الشائعات بعد لقاء مع سفير المغرب في رومانيا. تقول لرصيف22: "أعمل في المجال التطوعي منذ زمن طويل وحالما وقع أبناء بلدي في هذا المأزق، وشاهدت ما يمرون به، أحسست أنه من واجبي الوقوف بجانبهم".

صورة من ملاجئ أنفاق الميترو

تسجل هبة العايدي لوائح بأرقام جوازات سفر الطلاب وتبعث بها للسفارات المعنية في الدول الأوروبية الأربع التي فتحت حدودها للاجئين، كما تحاول إيصال صوت بعض الأفراد الذين يواجهون صعوبة في الوصول إلى الحدود أو دخولها. حالياً، تحاول الحصول على تذاكر سفر لمن لا يمكنهم تحمل تكاليفها، تقول: "تلقيتُ رسائل من طلاب لا يملكون المال الكافي لشراء تذاكر العودة إلى المغرب. فقررت توجيه نداء لأصدقائي للتبرع بثمنها. بفضل سخاء المتابعين، حصلت حتى الآن على 20 تذكرة ذهاب إلى المغرب". لكن يونس يعبر عن أن الحاجة هنا لا تقتصر على الحاجات المادية، فالوضع النفسي لهؤلاء الطلاب ليس جيداً أيضاً: "مرهقون جسدياً ومدمرون نفسياً"، عبارة ثقيلة تحمل ألماً عميقاً عبّر عنها يونس ليلخص حالة اللاجئين المغاربة. "تخيلوا أن هنالك طلاباً لا يتعدى عمرهم 18 عاماً فيما آخرون كانوا سيتخرجون بعد ثلاثة أشهر من كليات الطب والصيدلة والهندسة. عاشوا الحرب وهربوا من القصف واليوم يتساءلون عن مصيرهم الدراسي. لقد فقدوا كل شيء"..

الجامعات تحتجز الأوراق

"الكل يتساءل لماذا لم نلبِّ أنا والعديد من الطلاب المغاربة نداء وزارة الخارجية بالرحيل قبل بدء الحرب. في الحقيقة، لم يكن بمقدورنا ذلك، لأن الكلية حجزت جوازات سفرنا وكل وثائقنا الأكاديمية. واشترطت أن ندفع باقي التكاليف الدراسية الخاصة بالسنة الجارية قبل أن نرحل، وهو أمر استعصى على أغلبنا". هذا ما وضحته سلمى الكرام لرصيف22، وهي طالبة سنة ثانية في هندسة السيارات بجامعة "الخادي" بمدينة خاركوف الأوكرانية .

"هنالك طلابٌ لا يتعدى عمرهم 18 عاماً فيما آخرون كانوا سيتخرجون بعد ثلاثة أشهر من كليات الطب والصيدلة والهندسة. عاشوا الحرب وهربوا من القصف واليوم يتساءلون عن مصيرهم الدراسي. لقد فقدوا كل شيء"

وفي الوقت الذي تولى فيه الطلاب إجراء مفاوضات مع كلياتهم، ارتفعت أسعار تذاكر الطائرات. تشرح سلمى: "مع كل تصعيد في المواقف، كانت تذكرة السفر بالطائرة تتضاعف. مثلاً، كنا نشتري تذكرة من كييف إلى إسطنبول بحوالى 100 دولار أمريكي، وسرعان ما ارتفع سعرها إلى 300". أما بلال، وهو طالب طب في سنته الخامسة، فيوضح أنه لم يستطع الرحيل وترك مشوار دراسي طويل، لهذا اختار البقاء في مدينة زاباروجيا. حاول بلال كذلك قبل بدء الحرب أن يتواصل مع كليته حتى يحصل على إذن سفر. إلا أن الإدارة أخبرته أنها لن تسمح بذلك إذا لم يكن لديه إذن من سفارة المغرب. وإذا قرر الرحيل بشكل فردي، فسيُطرد من جامعته دون أي شهادة أو وثائق.

خطر القصف والوصول إلى الحدود

تحكي سلمى أنها، هرباً من القصف القريب من بيتها، اختبأت في أنفاق الميترو. وتضيف: "كان الأمر غريباً وبعيداً عن كل تصوراتي. دخلنا النفق حيث يوجد الكثير من الطلاب من مختلف الجنسيات إلى جانب المدنيين الأوكرانيين. بقينا ساعات. وفي فترة هدوء، عدنا إلى البيت لنحمل أغراضنا ووثائقنا الأساسية، وما يلزمنا من أكل ومشرب، ومن ثم رحلنا". من سوء حظ سلمى أن مدينة خاركوف التي تعتبر ثانية أكبر مدن أوكرانيا، شرق البلاد، على الحدود الروسية، وتالياً، هي في قلب النيران ويصعب عليها الانتقال إلى مدينة أخرى قريبة من حدود هنغاريا أو سلوفاكيا أو رومانيا أو بولونيا.

"تحدى بعض الطلاب خوفهم وركبوا قطاراً متجهاً إلى الحدود، إلا أنهم قد تعرضوا للسرقة، فلم يعد لديهم المال أو مؤونة الطريق"، تضيف سلمى بصوت مرتعش.

أما بلال، فيؤكد أن رجال الشرطة فرضوا عليهم في اليوم الأول من القصف الدخول إلى الملاجئ في خطوة غير مسبوقة، وهذا ما يعني أن الوضع يزداد صعوبة، يقول: "يجب أن ننتقل إلى حدود الدول المجاورة حتى تتلقفنا السفارة المغربية، لكن كيف سيتم ذلك ونحن تحت القصف وبأي وسيلة تنقل؟ لقد كنا في مأزق كبير".

هل ينتهي كابوس الحرب قريباً؟

انتهى كابوس الحرب والانتظار في الطوابير الطويلة على الحدود عند بعض اللاجئين المغاربة، ووصل الآلاف منهم إلى مطار محمد الخامس بمدينة الدار البيضاء. ومنهم من سيغادر أوكرانيا في الأيام المقبلة. لكن الأكيد أن العديد منهم لا يزال يحاول الهرب من القصف. وهناك آخرون عالقون بانتظار فتح الحدود لهم، والإغاثة التي لم تصل بعد. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image