شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
هل تخسر الجزائر الصحراء الغربية جراء دعمها لروسيا؟

هل تخسر الجزائر الصحراء الغربية جراء دعمها لروسيا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 27 مارس 202204:08 م

فصل جديد من فصول تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، التي تلقي بظلالها على العالم. فأمام رفع موسكو سقف التحدي، ومواصلة تهديد الغرب ، تصعد الولايات المتحدة الأمريكية عقوباتها، مستهدفة "سلاح" الغاز الروسي، لكبح جموح الرئيس فلاديمير بوتين.

وفي قلب المعارك الطاحنة عسكريا وسياسيا واقتصاديا، حولت واشنطن بوصلتها مرة ثانية إلى الجزائر، التي تصدِّر 45 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، كما أنها قريبة من أوروبا جغرافيا، وتربطها بالقارة العجوز أنابيب عابرة للبحر الأبيض المتوسط، يسيل لها لعاب الغرب الذي يبحث عن بديل آمن للغاز الروسي في أوروبا.

حطت نائبة وزير الخارجية الأمريكية، ويندي شارمان رحالها بالجزائر، وحظيت باستقبال رئيس عبد المجيد تبون، حاملة معها عبارات تودد، يهدف أساساً إلى إقناع المسؤولين الجزائريين بتعويض الغاز الجزائري للغاز الروسي في أوروبا، عبر إعادة تشغيل خط الغاز الأورو- مغاربي المار عبر الأراضي المغربية نحو إسبانيا، ذو القدرة الإنتاجية التي تبلغ 13.5 مليار متر مكعب سنوياً.

وقالت شيرمان في تصريحات صحفية عقب لقائها مع تبون: "إن علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بالجزائر واسعة وعميقة ونتطلع إلى مواصلة تعميق تعاوننا".

في قلب المعارك العسكرية الطاحنة، حولت واشنطن بوصلتها إلى الجزائر، التي تصدِّر 45 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، كما أنها قريبة من أوروبا جغرافيا، وتربطها بالقارة العجوز أنابيب عابرة للبحر الأبيض المتوسط، يسيل لها لعاب الغرب

وجاءت زيارة ثاني أكبر مسؤولة دبلوماسية أمريكية، بعد زيارات أخرى لمسؤولين من دول أوروبية أيضا، نظرا لأهمية الدور الذي تلعبه الجزائر على صعيد ضمان استقرار أسعار الطاقة في العالم وخاصة في أوروبا، خلال هذه الفترة الحرجة.

وتوالى الإنزال الدبلوماسي الأمريكي في الجزائر خلال الأيام الأخيرة، بزيارة أخرى لنائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي للشؤون الإفريقية، شيدي بلايدن، ضمن الحوار العسكري المشترك، مع الجنرال الجزائري قيس جنيدي، بهدف تطوير مجال الأمن الإقليمي.

أسباب رفض المُقترح الأمريكي

رغم زيارات كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية، لإقناع الجزائر بتعويض الغاز الروسي في القارة الأوروبية، إلا أن المقترح قوبل بالرفض لسببين.

الأول يتعلق بطبيعة العلاقات الجزائرية الروسية، التي توصف بالتاريخية والمميّزة، حيث اختارت الجزائر عدم "خيانة" حليفتها منذ أن فترة الاتحاد السوفياتي، أو طعنها في الظهر، برفض كافة الطلبات الموصولة بعقوبات الغرب، على خلفية ما يحدث في أوكرانيا، وفضلت الجزائر تغليب علاقتها الدبلوماسية مع موسكو، على المصالح المادية كلها التي يُمكن أن تحصل عليها من أوروبا، لوقف هيمنة الغاز الروسي.

أستاذ علوم سياسية: الجزائر سيدة قرارها، ولا يمكن للولايات المتحدة الضغط عليها للتخلي عن روسيا، الحليف الاستراتيجي للدولة الجزائرية

في حين شكلت العلاقة المتوترة مع المغرب سببا ثانيا لرفض الطلب الأمريكي لإمداد أوروبا بالمزيد من الغاز، فالجزائر قطعت كل العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية مع جارتها الغربية منذ 24 أغسطس/ آب من العام الماضي، وأوقفت على إثر ذلك تشغيل خط أنابيب غاز "الأورو- مغاربي" في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، بعد نهاية العقد الذي بدأ عام 1996، واستمر طيلة 25 سنة كاملة.

وفي هذا الصدد أكد حكيم بوغرارة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المدية بالجزائر، في تصريحات لرصيف22: "خطوة قطع الغاز الجزائري قديمة وواضحة، ناجمة عن تصرفات عدائية من المغرب من خلال الاستقواء بإسرائيل. الجزائر سيّدة في قرارها، ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تضغط عليها، أما روسيا فهي حليف استراتيجي، وظهر ذلك جليا في امتناع الجزائر عن التصويت لإدانة موسكو".

واختارت الجزائر الامتناع عن التصويت على قرار أممي يدين موسكو لشنها الحرب على أوكرانيا، في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة يوم 02 مارس/ آذار 2022، والذي صوتت عليه 141 دولة، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فيما رفضت القرار خمس دول، وامتنعت 34 دولة عن التصويت، من بينها الجزائر، التي أكدت تمسكها الثابت بمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة.

الرد يأتي من مدريد

الرفض الجزائري ورغم إظهار تقبله، إلا أنه شكّل صدمة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية، التي عوّلت كثيرا على ضرب روسيا بحليفتها الجزائر، الأمر الذي دفع واشنطن إلى نزع ثوب التودد وابتزاز الجزائر.

الديوان الملكي المغربي في بيان له كشف بأن رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو، قال في رسالة للعاهل المغربي الملك محمد السادس إن: "مدريد تعتبر مبادرة ‘الحكم الذاتي’ المغربية المقترحة لحل نزاع الصحراء، هي الأساس الأكثر جدية وواقعية ومصداقية من أجل تسوية الخلاف".

ولم تمض إلا ساعات قليلة حتى جاءت الإشادة الأمريكية، بالموقف الإسباني الجديد تجاه قضية الصحراء الغربية، الذي تغيّر من الحياد في السابق إلى التوافق مع الطرح المغربي لتدرك الجزائر حينها، بأن القرار جاء بإيعاز من واشنطن.

هذا التغيير في الرؤى نددت به الطبقة السياسية في الجزائر ووصفته "بخيانة الثقة" و"الانحياز الفاضح"، الذي لا يتوافق مع الشرعية الدولية، مؤكدة أن مبدأ تقرير المصير في قضية الصحراء الغربية مبدأ ثابت لا تزيله التطورات الدولية.


وقال صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة الجزائري"إسبانيا بعد أن باعت الأرض للمغرب سنة 1975 بصفتها الدولة المديرة لإقليم الصحراء الغربية آنذاك، ها هي اليوم تبيع القضية ككل، متجاوزةً القرارات الأممية بخصوص حق الشعب الصحراوي، في تقرير مصيره".

ويقول محمد رابح مدير موقع سبق برس الجزائري في تصريحات لرصيف22: "يبدو أن المغرب تسلل في سياق دولي مضطرب، تزامنا مع الحرب الدائرة في أوكرانيا، والاصطفاف الغربي ولعبة المحاور القائمة، مدعوما بحليفه الاستراتيجي إسرائيل، للتأثير على موقف مدريد التي لها مسؤولية تاريخية باعتبارها المستعمر السابق قبل الاحتلال المغربي، كما أن الخطوة تناقض التوجه الأممي والقرارات الدولية التي تعتبر ملف الصحراء الغربية تصفية للاستعمار".

ورقة الهجرة غير الشرعية

ويرى دبلوماسيون جزائريون أن قطيعة إسبانيا مع موقفها التقليدي والتاريخي تجاه ملف الصحراء الغربية، يعود لأسباب متشابكة، ومن بينها رضوخ مدريد لابتزاز الرباط في ملف الهجرة غير الشرعية عبر جيب سبتة ومليلية.

وفي هذا الشأن علق سفير الجزائر بإسبانيا الأسبق عبد العزيز رحابي قائلا: "تعول إسبانيا اليوم على التأمين الذي تأخذه من المغرب، لضمان السيادة الترابية على سبتة ومليلية (مدينتين مغربيتين تحتلهما إسبانيا)".

ولذلك حولت قضية الهجرة غير الشرعية إلى سلاح دبلوماسي مشهر في وجه الجزائر. يستطرد رحابي قائلا: "إنه رهان محفوف بالمخاطر فلا يوجد كيان في العالم قادر على احتواء تدفقات الهجرة في أفريقيا".

لم تنتظر الجزائر كثيرا للرد على التغير السريع في الموقف الإسباني، حول القضية الصحراوية، حيث اعتبرته "تحولا مفاجئا" وأكدت وزارة الخارجية الجزائرية في بيان لها: "أن السلطات الجزائرية، تفاجأت بشدة من تصريحات السلطات العليا في إسبانيا، بشأن قضية الصحراء الغربية، كما استغربت من الانقلاب المفاجئ لإسبانيا تجاه الملف الصحراوي، وقد قررت استدعاء سفيرها بمدريد للتشاور بأثر فوري".

القرار الإسباني شكل إجماعا في ردود الفعل بالجزائر، سواء لدى الأحزاب الموالية للسلطة أو المعارضة لها، بالتأكيد على أن حق تقرير المصير في قضية الصحراء الغربية، مبدأ ثابت لا تزيله التطورات الدولية.

"الجزائر تعتبر القضية الصحراوية قضية مهمة جدا، ولطالما دعمت مبدأ تقرير الشعوب لمصيرها، وهو مبدأ لن تحيد عنه أبدا".

هكذا استهل نائب رئيس مجلس الأمة الجزائري حاج عبد القادر قرينيك، حديثه مع رصيف22 قبل أن يضيف متسائلاً: "كيف يرفض الغرب احتلال روسيا لأوكرانيا، بينما يدير ظهره لاحتلال الصحراء الغربية؟!".

وواصل: "الجزائر لا تخضع في قراراتها لأي الجهة، ولا تملي عليها مواقف، وسيتم التحرك دبلوماسيا للرد على هذه الابتزازات، والبداية كانت باستدعاء السفير الجزائري بمدريد، وهو خطوة تصعيدية تسبق قطع العلاقات".

رغم المحاولات الإسبانية والأمريكية التأثير على مواقف الجزائر، باختيار ورقة الصحراء الغربية كسلاح معاكس، إلا أن موقف الأمم المتحدة سرعان ما أسقط ورقة الضغط في الماء، حيث قالت صحيفة "إلموندو" الإسبانية إن الأمم المتحدة، رفضت إعلان الحكومة الإسبانية بدعم خطة الحكم الذاتي المغربية كحلّ للنزاع.

في حين أكدت وكالة الأنباء الإسبانية "إفي" أن المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، حثّ جميع الأطراف على ضرورة "الالتزام الكامل" بالعملية السياسية، التي تشرف عليها الأمم المتحدة، مع الدعوة لدعم جهود المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الهادفة إلى استئناف العملية السياسية للتفاوض، بين الأطراف المشاركة في النزاع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image