على مرأى من العالم، اجتاحت روسيا الأراضي الأوكرانية من كل الجهات، غير مبالية بتهديدات الغرب، التي لم تزدها إلا تغولاً، لإحياء أمجاد الاتحاد السوفياتي، بتصعيد وتيرة الهجوم العسكري الميداني على كييف.
وهو تصعيد قابلته المجموعة الدولية برفع سقف العقوبات الاقتصادية لكبح جموح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبعثرة أوراقه الإستراتيجية، وأهمها الغاز الطبيعي.
فروسيا تمتلك إمكانات هائلة لإنتاج الغاز، تتجاوز الـ300 مليار متر مكعب سنوياً، كما تلبي 40 بالمئة من حاجات أوروبا من الغاز الطبيعي، من مجموع استهلاك سنوي، يبلغ حوالى 550 مليار متر مكعب.
وعليه، بدأ التفكير في البحث عن بديل لهذا السلاح الإستراتيجي، الذي تحكم به روسيا الاتحادية قبضتها على الغرب، لا سيما أن تداعيات الحرب في أوكرانيا قفزت بأسعار المحروقات إلى مستويات لم تصلها منذ عام 2014.
فسعر النفط تجاوز 105 دولارات للبرميل، وارتفع سعر الغاز 35% طارقاً باب 1400 دولار لكل ألف متر مكعب.
تحوّل الأنظار نحو الغاز الجزائري!
لم تتأخر الدول الغربية كثيراً في فرض عقوبات سريعة على روسيا، مباشرة بعد اعترافها باستقلال ما أسمته بجمهوريتي دونتيسك ولوهانسك. جاء ذلك بإعلان ألمانيا تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، وهو خط أنابيب عملاق بُدىء إنشاؤه عام 2011، لمضاعفة السعة السنوية لنقل الغاز الروسي عبر بحر البلطيق إلى أوروبا، إلى 110 مليارات متر مكعب.
مع العلم أن تجميد "نورد ستريم 2" ينذر بأزمة طاقة حادة تهدد القارة العجوز، وهو ما استوجب البحث عن بدائل تتصل بتحويل البوصلة إلى الجزائر القريبة من أوروبا.
هل ينقذ الغاز الجزائري أوروبا من البرد؟ سؤال يبحث عن إجابة مع أخذ الحرب منحىً تصاعدياً
وحسب صحيفة “لافنغارديا” الإسبانية، فإن حلف "الناتو" يحاول حالياً إحياء مشروع Midcat غير المُنجز، وهو ممر الغاز المتوسطي، الذي يهدف لتوصيل الغاز الجزائري من إسبانيا إلى ألمانيا عبر فرنسا.
وتعد شركة سوناطراك الجزائرية، ثاني أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا بعد شركة غازبروم الروسية، وقد أكدت وكالة رويترز أن الولايات المتحدة تواصلت أخيراً مع عدد من شركات الطاقة لمعرفة إمكان الحصول على المزيد من الغاز الجزائري لأوروبا.
العلاقات أم الإغراءات؟
هل ينقذ الغاز الجزائري أوروبا من البرد؟ سؤال يبحث عن إجابة مع أخذ الحرب منحىً تصاعدياً. ورغم العائدات الكبيرة ومليارات الدولارات التي ستنعش الخزينة، فإن الجزائر في موقف لا تحسد عليه إذ جعلها في حيرة من أمرها. فتفضيل مصلحتها الاقتصادية يمر عبر الوقوف ضد حليفتها الإستراتيجية والتاريخية روسيا في هذه الأزمة.
فأكبر عقبة تقف ضد تعويض الجزائر للغاز الروسي في السوق الأوروبية، هي العلاقات المتينة بين البلدين والتي يعود تاريخها إلى ما قبل استقلال الجزائر عام 1962.
يقول علي روينة، الضابط السابق في الجيش الجزائري، لرصيف22: "تعويض الغاز الجزائري للغاز الروسي في أوروبا ضرب من الخيال، لأن العلاقات الروسية الجزائرية تمتد إلى حرب التحرير، إذ كان الاتحاد السوفياتي من أبرز الداعمين لفكرة استقلال الجزائر، كما ساند حرب التحرير سياسياً وعسكرياً، وكان في طليعة المعترفين بالحكومة المؤقتة".
تعد شركة سوناطراك الجزائرية، ثاني أكبر مصدر للغاز إلى أوروبا بعد شركة غازبروم الروسية، وقد أكدت وكالة رويترز أن الولايات المتحدة تواصلت أخيراً مع عدد من شركات الطاقة لمعرفة إمكان الحصول على المزيد من الغاز الجزائري لأوروبا
ويرى روينة أن الحديث عن أي تعويض للغاز الروسي في أوروبا من قبل الجزائر، سابق لأوانه ومخاطرةً ونقض للعلاقات الجيدة بين البلدين، ويستطرد: "الخطاب الرسمي الروسي يصف الجزائر بالخط الأحمر، ويراها شريكاً اقتصادياً هاماً، وبلداً صديقاً ومؤتمناً على تكنولوجيات الأسلحة المتطورة الروسية، التي حصلت عليها الجزائر بسهولة أكثر من غيرها، وفي مقدمتها منظومة الدفاع الجوي s400 ومقاتلات سوخوي، ومنظومة صواريخ اسكندر، وصفقة أبرمت لشراء الطائرات البرمائية الخاصة بإخماد الحرائق".
على النقيض تماماً، يؤمن طيف آخر من الجزائريين بأنه إذا هبت رياحك فاغتنمها، مغلباً المصلحة الاقتصادية على العلاقات التاريخية المشتركة.
في هذا السياق، قال لرصيف22 رضوان بوهيدل، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر: "الجزائر سيدة في قراراتها، وتعويضها للغاز الروسي في أوروبا لن يؤثر على علاقاتها مع الروسية، فهي أمام فرصة ثمينة في ظل الأوضاع الحالية التي يعرفها العالم. وارتفاع أسعار المحروقات سيساعدها في تجاوز الأزمة الاقتصادية التي خلفتها جائحة كورونا.
إيطاليا تجس النبض
في ضوء تسارع الأحداث بين موسكو وكييف، وتصاعد حدة العقوبات المسلطة من الغرب على سليل الاتحاد السوفياتي، جاءت زيارة وزير خارجية إيطاليا، الذي حظي خلالها باستقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون
"لزيارة وزير الخارجية الايطالي للجزائر، ولقائه مع الرئيس الجزائري، رافقه وزير الخارجية ووزير الطاقة، ورئيس مجمع سوناطراك، قراءة وحيدة هي الاتفاق على زيادة ضخ الغاز الطبيعي نحو أوروبا، عبر الأنبوب الرابط بين الجزائر وإيطاليا في ظل الأزمة الأوكرانية الروسية".
هكذا يستهل الصحافي الجزائري إسماعيل بوفليح حديثه لرصيف22 ويضيف: "إذا وافقت الجزائر، فهذا يسقط مقولة "الجزائر حليفة روسيا" ويضعف الموقف الروسي أمام الغرب بخسارته واحدة من أهم أوراقه".
صعوبات ميدانية وتقنية تبدد حلم أعداء روسيا
برغم وضع اسم الجزائر خياراً محتملاً وبديلاً مرشحاً للغاز الروسي في أوروبا، وموافقة السلطات الجزائرية على العرض المغري، الذي تطرحه واشنطن وحلف شمال الأطلسي، يرى خبير الطاقة الجزائري رمضان سعيدون صعوبة في تحقيق ذلك. يقول لرصيف22: "الجزائر لا تملك طاقة إنتاج كافية لتعويض الغاز الروسي في أوروبا، ففي الوقت الذي تصدر الجزائر 45 مليار متر مربع في السنة، تصدر روسيا 240 ملياراً، 40% منها إلى أوروبا. لذلك فتعويض روسيا صعب جداً، حتى في المستقبل القريب، لأن الانتاج الحالي مرهون بالعقود التي تربط الجزائر مع إيطاليا وإسبانيا وفرنسا والبرتغال وغيرها".
وإذا كان ارتفاع أسعار الغاز والبترول، وتزايد الطلب على الغاز الجزائري سوف يصبان في مصلحة الجزائر، فإن الحرب سوف تؤثر على الأمن الغذائي الجزائري الذي يعتمد على القمح الروسي والأوكراني، والذي قد يتسبب بعجز يصعب تعويضه.
لكن سواء حصدت الجزائر تلك الأموال أم خسرتها، يظل الخاسر الأكبر في الحروب هم أولئك الذين يتساقطون تنفيذاً لرغبات الذين يحكمونهم وأوهامهم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
HA NA -
منذ 3 أياممع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ أسبوعحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ أسبوععظيم