شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
بحثاً عن تحقيق الذات ولقمة العيش... مصريّات يكسرن شعار

بحثاً عن تحقيق الذات ولقمة العيش... مصريّات يكسرن شعار "للرجال فقط"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 26 مارس 202204:59 م

تقول الأمثال الشعبية المصرية إن "أكل العيش مُرّ" و"الرزق يُحب الخفية"، إشارة إلى ضرورة الكد والسعي للحصول على لقمة العيش. ويبدو أن نساء مصر استوعبن هذا جيداً، فأصبحت المرأة العاملة منذ عقود تدق على مختلف أبواب الرزق المشروعة، وإن كانت حكراً على الرجال بحكم العادات والتقاليد. وفي المقابل تواجه بالتضييق والأعباء الزائدة، التي تدفع بها للخلف وإيقاف محاولاتها للنجاح وتحقيق الاكتفاء، مثلما حصل للكابتن عزة عبدالسلام، سائقة شركة أوبر للنقل التشاركي، عندما وجدت نفسها بلا عمل بعد بلاغ من راكبة شكت فيه وجود ابن السائقة البالغ من العمر ثلاث سنوات في السيارة خلال الرحلة.

ليست كابتن عزة الوحيدة التي اضطرت إلى مزاحمة الرجال في مهنة تكاد تكون حكراً عليهم، إذ أتاحت تطبيقات النقل التشاركي مثل أوبر، وإندرايفر، وديدي، الفرصة للنساء في إيجاد مصادر دخل. وأقبلت عليها كثيرات من اللواتي وجدن أنفسهن فجأة مسؤولات عن إعالة أبنائهن في وقت ترتفع نسب الطلاق في مصر لتبلغ حالة طلاق كل دقيقتين، حسب دراسة صدرت عام 2021، وتخلي أعداد غير قليلة من الرجال عن إعالة أبنائهم بعد الطلاق، أو فقدان مصادر الدخل لدى وفاة الزوج.

مع انتشار تطبيقات النقل التشاركي، اقبلت عليها كثيرات ممن وجدن أنفسهن فجأة مسؤولات عن إعالة أبنائهن في وقت ترتفع نسب الطلاق في مصر، وتخلي أعداد غير قليلة من الرجال عن إعالة أبنائهم بعد الطلاق، أو فقدان مصادر الدخل لدى وفاة الزوج

ضريبة العمل في "مواقع الرجال"

بعد وفاة زوجها، لم تجد فاطمة عادل في حوزتها رأسمال غير السيارة التي تركها الزوج الراحل، فبدأت العمل عليها عبر تطبيقات النقل التشاركي.

تعمل فاطمة ممرضة في أحد المستشفيات الحكومية، ولا يكفي راتبها لسداد نفقات ابنتيها، خاصة في ظل القفزات المستمرة في الأسعار. تشرح: "تنتهي ورديتي في المستشفى ظهراً، وأبدأ ورديتي في توصيل الزبائن، كما أتنازل عن بعض ساعات النوم إذا كانت هناك ‘زبونة’ ترغب في تعلم قيادة السيارات". في الأثناء، تترك فاطمة ابنتيها في رعاية والدتها بينما تسعى هي إلى كسب الرزق، حتى لا تواجه المشكلة نفسها التي واجهتها زميلتها عزة عبدالسلام، التي لم تجد من يرعى ابنها البالغ من العمر ثلاث سنوات أثناء دوام عملها، وهذا ما تسبب في فقدها مصدر رزقها.

خلال عملها، تتعرض فاطمة وزميلاتها أحياناً لمضايقات وتحرشات سائقي السيارات على الطريق في محاولة لإثبات نظرية "الستات مبتعرفش تسوق". وتعتبر نفسها محظوظة، لأن أهلها لم يعارضوا عملها سائقة بعد وفاة زوجها.

خلال عملها، تتعرض فاطمة وزميلاتها السائقات أحياناً لمضايقات وتحرشات سائقي السيارات على الطريق في محاولة لإثبات نظرية "الستات مبتعرفش تسوق". وتعتبر نفسها محظوظة، لأن أهلها لم يعارضوا عملها سائقة بعد وفاة زوجها

أما شيماء هشام، البالغ عمرها 32 عاماً، فوجدت نفسها المعيلة الوحيدة لأسرتها إذ توفي زوجها قبل ثلاث سنوات، وترك لها طفلين في سنوات الدراسة الأولى.

قبل وفاة زوجها، كانت شيماء تكتفي بدور ربة المنزل. الوفاة وضعتها أمام حقيقة صعبة. فالمعاش الذي حصلت عليه الأسرة من هيئة التأمينات الاجتماعية ومعه معاش "تكافل وكرامة" لا يتجاوزان 1600 جنيه (87 دولاراً أمريكياً) فيما كانت نفقات الأسرة الأساسية قبل موجة التضخم الأخيرة وما صاحبها من خفض قيمة الجنيه، تزيد على 3000 جنيه (165 دولاراً) شهرياً.

افتقارها إلى الخبرة العملية جعل مسألة الحصول على عمل صعبة، وكانت الأعمال التي تناسب قلة خبرتها تتمثل في السكرتارية والمبيعات، ووجدتهما فاطمة غير مناسبتين لأنها ترعى طفليها وحدها ولا تقدر على إلحاقهما بدار استضافة خلال دوام عملها.

جمعت الأرملة الشابة مكافأة نهاية الخدمة التي حصلت عليها بعد وفاة زوجها، وباعت سيارته وما لديها من مصوغات لتدفع مقدم سيارة ميكروباص، حولتها إلى "باص" لتوصيل طلاب المدارس، ومنهم طفلاها. تقول إن هذا العمل وفر لها دخلاً جيداً. وفي فترات الإجازة الصيفية، تحول الميكروباص إلى سيارة رحلات لخدمة الأسر والمسافرين. وهي باتت معتادة نظرات الاستهجان والسخرية وكذلك نظرات التشجيع التي يواجهها بها المارة وسائقو السيارات في الشارع، كون مهنة "سائق الميكروباص" حكراً على الرجال. ولا يزال عدد النساء العاملات فيها قليلاً جداً. 

شكراً للشركة الفرنسية

في فبراير/ شباط الماضي فوجئ المصريون بإعلان الشركة الفرنسية التي تدير الخط الثالث لمترو الأنفاق في ضواحي القاهرة، عن نيتها توظيف فتيات للعمل سائقات لقطارات المترو، بعد أن ظلت مهنة قيادة القطارات حكراً على الرجال منذ نشأة سكك الحديد في مصر، ثاني خطوط السكك الحديدية في العالم، والأولى في الشرق الأوسط وقارة أفريقيا، وهي أنشئَت عام 1838.

وأعلنت الشركة عن بدء تدريب مدفوع الأجر للسيدات اللواتي التحقن بالوظيفة، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وجميعهن حاصلات على مؤهل دراسي عالٍ، ويجدن اللغة الإنجليزية وتراوح أعمارهن بين 21 و 40 عاماً.

ومن السائقات الأوليات لمترو الأنفاق، فتاة في الثانية والعشرين من عمرها، تدعى شذى عادل، وهي طالبة في قسم الإلكترونيات في كلية الهندسة بجامعة حلوان.

حلمت شذى منذ طفولتها بأن تقود قطاراً، وكان الجميع يخبرونها أن هذه المهنة "للرجال فقط"، لكنها لم تتخل عن حلم الطفولة حتى التحقت بالدورة التدريبية في 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، لتتدرب على زيادة مستوى سرعة البديهة وردود الفعل ومستوى التركيز للتصرف في المواقف الصعبة أثناء قيادة المترو. ومن المنتظر أن تصبح في أبريل/نيسان المقبل سائقة لقطار مترو الأنفاق رسمياً.

أول "كُماسرية" في مصر

قبل نحو 70 عاماً من إتاحة الشركة الفرنسية فرصة للسيدات المصريات كي يعملن في قيادة القطارات، أقدمت هيئة النقل العام المصرية في خمسينيات القرن الماضي على خطوة "ثورية" بفتح باب العمل في مهنة "الكمساري" للنساء، وهي وظيفة كانت رجالية بامتياز.

احتفت الصحف وقتذاك بتلك الخطوة باعتبارها انتصاراً آخر من انتصارات "الثورة" (يوليو 1952) على الرجعية وقيمها، وخطوة على طريق الجمهورية الوليدة في تمكين النساء وتوسيع مشاركتهن في المجتمع وسوق العمل. بل أنتجت السينما فيلماً كوميدياً احتفاءًا بالقرار، وعرض في دور العرض عام 1957 من بطولة الراحل إسماعيل ياسين وأحمد رمزي وعبدالسلام النابلسي ونجاح سلام وزينات صدقي. وحمل عنوان "الكمساريات الفاتنات".

رعاية الدولة للنساء كي يخضن مهناً يحتكرها الرجال كانت فرصاً دعائية لدولة يوليو 1952، إذ سعت إلى ترسيخ صورة النظام التقدمي المؤيد للتحرر في مقابل النظام "الرجعي" السابق

في الواقع الذي حاولت السينما أن تعكسه، عُيّنت عايدة محمد المغاوري، الطالبة فى الفرقة الثانية بكلية التجارة في جامعة القاهرة، عام 1956 أول مصرية في وظيفة "كمساري" براتب مميز هو عشرة جنيهات وثمانون قرشاً وعمولة قدرها عشرة قروش في المئة. 

لم تصمد تجربة الدولة ومعها تجربة عايدة طويلاً، وعادت المهنة بعد عامين لتكون حكراً على الرجال.

في البحر والجو أيضاً

رعاية الدولة للنساء كي يخضن مهناً يحتكرها الرجال كانت أمراً عارضاً في دولة يوليو 1952 التي احتاجت إلى مثل تلك السرديات الدعائية لتدعيم شرعيتها وقبولها محلياً ودولياً، إذ سعت إلى ترسيخ صورة النظام التقدمي المؤيد للحريات والتحرر في مقابل النظام "الرجعي" السابق.

لكن حقائق التاريخ تشهد بأن المصريات خضن نضالهن وانتزعن حقوقاً كثيرة من دون انتظار رعاية الدولة خلال هذا "العهد الرجعي".

في ظل النضال الوطني السابق على دولة 1952، توهجت الحركة النسائية، خاصة عقب ثورة 1919. وألهمت أفكار المناضلات هدى شعراوي وصفية زغلول ورفيقاتهما، وكتابات قاسم أمين التحريرية، عدداً من النساء ليناضلن من أجل تحقيق أحلامهن التي كانت محظورة على الإناث، فعملن للمرة الأولى في التاريخ بمهن كانت حكراً على الذكور. وقد برزت لطفية النادي، وهي أول قائدة للطائرات في مصر والعالم العربي وأفريقيا، والثانية في العالم بعد الأمريكية أميليا إيرهارت. حصلت النادي على إجازة قيادة الطائرات وقادت طائرتها الأولى بمفردها عام 1933. وكانت في السادسة والعشرين من عمرها حين فازت في مسابقة دولية للطيران نُظّمت في مصر، وهو ما دفع السيدة هدى شعراوي إلى تهنئتها قائلة: "شرّفتِ وطنَك ورفعتِ رأسنا، وتوّجتِ نهضتنا بتاج الفخر"، وألهمت لطيفة غيرها من الفتيات اللواتي سرن على خطاها وأصبحن قائدات للطائرات، مثل ليندا مسعود، وعزيزة محرم، وعايدة تكلا.

وحديثاً باتت مروة السلحدار أول قبطانة بحرية مصرية وعربية. كانت في الـ21 عاماً من العمر عندما التحقت بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، وذلك عام 2013، لتصبح أول فتاة عربية تعمل في الملاحة البحرية، رغم كون نسبة الإناث في هذا المجال لا تتعدى الـ2% على مستوى العالم، وألهمت عدة فتيات مثل ريم إبراهيم الردان، التي أصبحت ضابطة مناوبة ملاحية، وهي أول فتاة في مصر تحصل على جواز سفر بحري.

خلف السلاح

منذ عقود اقتحمت النساء مجال السياسة في مصر، وتقلدن أرفع المناصب السياسية والدبلوماسية إذ أصبحت حكمت أبوزيد أول وزيرة بعد ثورة 23 يوليو 1952، عام 1962، ولقبها الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر بـ"قلب الثوره الرحيم". أما عائشة راتب فكانت أول سفيرة مصرية، إذ عُيّنت سفيرة لبلادها في الدنمارك عام 1949.

ويُذكر لراوية عطية أنها أول امرأة في مصر تكسب عضوية البرلمان في انتخابات 1957، وهي أول مصرية تحصل على رتبة ضابط في الجيش عقب العدوان الثلاثي 1956، وقد دربت 4000 امرأة على الإسعافات الأولية لجرحى الحرب ووصلت إلى رتبة نقيب. ونتيجة لبطولاتها، حصلت على ثلاث جوائز عسكرية، هي وسام 6 أكتوبر، ووسام القوات المسلحة، ووسام الجيش الثالث الميداني.

أعمال محظورة على النساء قانونياً

ورغم التحديات التي تخوضها النساء، هناك أعمال محظورة عليهن بحكم القانون. فعام 2021، أصدر وزير القوى العاملة محمد سعفان قراراً حدد فيه الأعمال التي لا يجوز تشغيل النساء فيها. ونص القرار على أنه لا يجوز تشغيل النساء في العمل تحت سطح الأرض، في المناجم والمحاجر، أيا كان نوعها. وحظر تشغيلهن خلال فترات الحمل والرضاعة المقررة قانوناً في الأعمال والأحوال التي تحتوي على مخاطر تضر بصحتهن الإنجابية، أو بصحة أطفالهن أو أجنتهن. ويشمل ذلك المخاطر الناتجة عن التعامل مع المواد الكيميائية الصلبة والسائلة والغازية، والمخاطر الناجمة عن الصناعات التي يدخل في تكوينها الرصاص والزئبق، وصناعة الأسفلت ومشتقاته، وصناعة الكاوتش وصناعة المبيدات الحشرية وصناعة الأسمدة وصناعة النيل كلوريد وصناعة المخصبات والهرمونات والتعرض للبنزين أو لمنتجات تحتوي على البنزين.

تحت وطأة الظروف الاقتصادية وصعوبات الحياة، وفي ظل ظروف غياب معيل الأسرة، واعتماد 33% من الأسر على النساء معيلات وحيدات، يبدو أن التحديات الاجتماعية باتت تفرض على النساء مزاحمة الرجال سعياً إلى تأمين لقمة العيش وفرض واقع جديد قد يغيّر يوماً وجه المجتمع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image