عادةً ما يحلم الناس بالمنازل الفخمة والقصور والخدم والحشم ولكن حلمي مختلف تماماً عن جميع أحلام الأخرين، دائماً ما أحلم بمنزل بسيط ولكن عريق، الشارع هادئ به أشجار والكثير من الورود والعشب الأخضر الذي يتسلل عبيره من الحلم للحقيقة، ويجعلني أشعر برائحته النفاذة عندما أستيقظ من نومي، وأبحث عن مصدر تلك الرائحة لمدة ثلاث دقائق تقريباً، حتي تختفي تماماً وابدأ في رحلة استيعابي إنه مجرد حلم، أكررها وأقول لنفسي مراراً: "مجرد حلم... مجرد حلم".
كان ذلك الحلم قد راودني منذ بضع سنوات ولكن به شيء مختلف وغير منطقي دائماً، وفي كل مرة يحمل إشارات ورسائل، ولابُد أن ألتقي بشخص ما أحبه. إنه "عامر". يسكن بجواري. نتشارك ليلاً المشروب المفضل لكلينا والأغاني والحديث في شرفتنا التي يفصلها سور صغير، وأستيقظ عندما يعترف لي بحبه، وفي بعض الأحيان أجده في منزل يجمعنا، يطلب مني أن نطبخ سوياً ويسرق قبلة وحضناً، وعند طلبه للزواج مني أستيقظ أيضاً.
يثير جنوني دائماً، وأريد وضع نهاية للحلم ولكن لا يمكنني فعل ذلك، لا أعلم لماذا. على الرغم من أني بارعة في التحكم بأحلامي، وكأني أملك الكون وأستطيع تغيير أحداثه حسب رغباتي وأهوائي.
ذات مرة في أحد الأحلام، لم أجده عندما كنت أشتري منزلي الجديد. بحثت عنه طويلاً، لكن صاحب العمارة أخبرني بأن ليس لدي جيران في الطابق الذي أسكن به. حزنت وكدت أفقد الأمل وكأن شيئاً مهماً ينقص الحلم، لا أعلم ما هو.
وجدت باباً قديماً بجانبه مفتاح متآكل من الصدأ، لم أبال بتحذيرات صاحب العقار بأن لا أقترب من ذلك الباب، ولم أستمع سوى لصوت قلبي، وفتحت الباب ووجدته يجلس على الأريكة في الشقة المجاورة. وقف وأطال النظر لي. ابتسمت له وارتميت في حضنه واستغرقت في النوم، وعندما استيقظت وجدتني في أحضان المخدّة القابعة فوق سريري بمنزلي. غادرت السرير مسرعة لأبحث عنه ونسيت تماماً أنه مجرد حلم، ولكن لماذا دائماً يشبه الحقيقة، ولماذا أيضاً أنظر للساعة وأجدها 11:11؟!
وجدت باباً قديماً بجانبه مفتاح متآكل من الصدأ، لم أبال بتحذيرات صاحب العقار بأن لا أقترب من ذلك الباب، ولم أستمع سوى لصوت قلبي، وفتحت الباب ووجدته يجلس على الأريكة في الشقة المجاورة. وقف وأطال النظر لي. ابتسمت له وارتميت في حضنه واستغرقت في النوم... مجاز
نوفمبر 2022
دفعتني الظروف لأن أترك منزلي الحالي وأنفصل عن أهلي وأذهب إلى القاهرة، بالقرب من مكان عملي، وخلال رحلة بحثي عن الشقة، كنت نسيت تماماً أحلامي وغرقت في مشاغل الحياة، وفي العاشر من نوفمبر 2022 ،وجدت الشقة المناسبة التي جعلتني أشعر بشيء من الحنين لشخص لا أعلم من هو.
كان الحائط الذي يتوسط الريسبشن، يضج باللوحات القديمة، لا بد أنها كانت ملك للشخص الذي سبقني ومكث في الشقة، كل شبر بالمنزل يجعلني أري قصته وذكريات، الكتب، الجرامافون القديم، واسطوانات الأغاني، أثاث المنزل بأكمله طراز قديم، الصندوق العريق المعبأ بجوابات مربوطة بشرائط ملونة، علبة العملات النادرة وعلبة أخرى فيها طوابع قديمة. كأنه ترك كل شيء ورحل، أو ربما توفي ولم يكترث أحد لقيمة ما تركه.
أردت تلك الشقة وتمسّكت بها بشدة، وكأن كل ما فيها كان ملكي في حياة سابقة، سوف أوقع عقد الشقة الآن، ولكن لا أستطيع أن استلمها سوى في صباح الغد لسبب لا يعمله إلا الله وصاحب الشقة.
وافقت وانتظرت على مقهى مجاور للعمارة التي بها الشقة المنتظرة. طال انتظاري لمدة تقارب تسع ساعات وأنا أنتظر الصباح. لم يتركني حماسي للبداية الجديدة التي تنتظرني وحان وقت البداية. كنت أطيل النظر للشارع. تلك الرائحة تبدو مألوفة بالنسبة لي، زرع وأشجار وورود وهدوء، شكل البنايات جميل، وأكثر ما يميزها أنها متساوية في الطول وعلى طراز متشابه، لونها يميل "للكافيه" داكن اللون.
كل ما في الشارع مريح وهادئ وجميل. نظرت للساعة. كانت عقاربها تقف عند السادسة والربع صباحاً، وأنا لا أستطيع مقاومة النوم أكثر من ذلك. بدأت عيني تغفو. ملت برأسي على الحائط وغفوت وحلمت بالمنزل وعامر.
شايف البحر شو كبير؟
ضوء النهار تسلل إلى عيني، صوت الهاتف اللعين لا يتوقف عن الرنين. فزعت من نومي. للوهلة الأولى اعتقدت بأنني في منزلي بالإسكندرية. كانت الاتصالات من أفراد عائلتي جميعاً. ربما ظنوا أنه تم خطفي من قبل عصابة تتاجر في الأعضاء البشرية. تنهدت ورددت على هاتفي وأخبرتهم بجميع التفاصيل، وعندما أغلقت الخط كان صوت فيروز يصدح في الخلفية: "يا هم العمر يا دمع الزهر يا مواسم العصافير".
يا هم العمر يا عامر. كان هو أول شخص أحببته في حياتي، عندما كنت في مرحلة المراهقة، وتعلّقت به وبات حبي له يسبق عمري بمراحل، واليوم وأنا على أعتاب الثلاثين، ما زلت أحبه ولم أكف يوماً عن حبه.
هناك رابط قوي يربطني به تحديداً، من إشارات ورسائل كونية وأحلام ممتدة منذ سنوات تخصّه، لا أعرف لماذا تذكرته الآن؟ إنه بالفعل همّ العمر، لا أستطيع أن أجزم بأن علاقتي به كانت صريحة أو ربما لا توجد علاقة من الأساس، ولكن الشيء الوحيد الذي أثق به هو قلبي وشعوري، وأعلم عن ثقة أنني أحببته بالفعل، وأن ما بيننا، حتى لو كان قليلاً، فهو مميز وعظيم.
لم يقطع شرودي وتفكيري غير اتصال سمسار العقار ليخبرني أنه حان الوقت كي أستلم الشقة. انتابني شعور غريب وكأن شخصاً يزغزغ روحي وقلبي. وقعت العقد ودفعت لهم نصف راتبي وانصرفوا، والآن هذا بيتي أو "بيت أحلامي".
بيت أحلامي
صوت فيروز يتسلل من بلكونتي صباحاً:
رغم الزهر اللي مْتَلِّي الحقول
شو ما تحكي وتشرحلي وتقول
حبيبي.. حبيبي تَ نرجع لأ مش معقول
هناك رابط قوي يربطني به تحديداً، من إشارات ورسائل كونية وأحلام ممتدة منذ سنوات تخصّه، لا أعرف لماذا تذكرته الآن؟ إنه بالفعل همّ العمر، لا أستطيع أن أجزم بأن علاقتي به كانت صريحة أو ربما لا توجد علاقة من الأساس، ولكن الشيء الوحيد الذي أثق به هو قلبي وشعوري... مجاز
نظرت حولي وأنا أدندن: "في أمل، إيه في أمل". أشعر بوجوده وأتذكر كافة تفاصيل الحلم, نفس كل شيء، رأيت طيفه يدور حولي في كل شيء ولكن أين هو؟
دفعني الفضول في بداية ليلتي الأولى لأن أفتش في جميع الأغراض التي بمنزلي. لا أعلم لماذا رفضت أن يقوموا برميها، وطلبت الاحتفاظ بجميع المقتنيات، ولكنني أشعر بأنها تشبهني، بها جزء كبير من روحي، وتأكدت من ذلك عندما وجدت صندوقاً موصداً مثل الذي أراه في أحلامي، ووجدت نفسي تلقائياً أذهب لمكان المفتاح وكأن شيئاً ما يتحكم في حركتي ويريدني أن أجده.
جلست على السرير وفتحت الصندوق، ووجدت رسائل مرسلة لي ولكنها لم تصلني قط.
رسالة عشوائية
"عزيزتي ندى. حلمت بكِ سنوات طويلة ولم أجرؤ قط أن أتحدث إليك وجهاً لوجه، حتى أنني أتجاهل الأماكن التي يمكن أن ألتقي بكِ صدفة فيها، أتجنب الأشخاص المشتركين بيننا خشية أن أراك وتنظري في عيني.
لا أعلم حتى هل ما زلت تتذكريني أم كبرت وأنا مجرد ذكرى من مراهقتك وطفولتك تستحين أن تتذكريها، ولكن أريد أن تعرفي إنني لم ولن أحب مثلكِ أبداً".
عزيزك: عامر
النصف الأخير من الليلة الأولى
انتهيت الآن من خطابات عامر التي لم تُرسل لي قط. غريب القدر عندما يسخر منا ويلعب تلك اللعبة معنا. طوال سنوات حلمت أننا سنلتقي يوماً ما، والآن أنا بمنزله السابق وأين هو؟
لا أعلم حتى لماذا قرّر أن يترك كل شيء ويذهب، ولكن كل ما أعرفه إنني سوف أجده وسيجدني.
سنتلاقى اليوم في الحلم ونتفق أن نتلاقى في الواقع، كل شيء يبدو غير منطقي ولكن أنا دائماً أشعر بأننا سنتلاقى بشكل غريب لحد لا نتوقعه وها قد كان، ابتدأت الرحلة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com