شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
الحراك التركي على خط الأزمة الروسية-الأوكرانية... كيف سيستثمره أردوغان في الاقتصاد؟

الحراك التركي على خط الأزمة الروسية-الأوكرانية... كيف سيستثمره أردوغان في الاقتصاد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الخميس 24 مارس 202205:11 م

بعد سنوات من التوتر الإقليمي والدولي والتحديات التي خاضتها تركيا ضد خصومها، يبدو أن أنقرة على موعد مع مكتسبات من التحركات الدبلوماسية التي انتهجتها قبل فترة قصيرة، بالإضافة إلى نشاطها الدبلوماسي في الحرب الروسية على أوكرانيا.

كذلك تتهيأ لتكريس ما تعتقد أنها انتصارات حققتها على خصومها الإقليميين في ملفات تمثل خطاً أحمر بالنسبة إلى أمنها القومي، كملف الغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتعاملها مع المنظمات الكردية التي تصنفها على قوائم الإرهاب، وعلاقة الإمارات وإسرائيل واليونان ومصر بهذه الملفات.

ما إن بدأ الغزو الروسي لأوكرانيا حتى سارعت تركيا للعب دور دبلوماسي كبير نجحت خلاله في جمع وزيري خارجية البلدين على طاولة واحدة على هامش مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي قبل أيام. وخلال الأسبوعين الماضيين، ازدحمت تركيا برؤساء الدول والحكومات بشكل غير مسبوق، وهو ما يراه البعض انتصاراً دبلوماسياً كبيراً لها، وإظهاراً لمدى قدرتها وتأثيرها السياسيين والثقل الذي باتت تملكه في المنطقة، وتالياً فإن أنقرة تنتظر نتائج هذا الانتصار على الصعيدين السياسي والاقتصادي في الفترة المقبلة.

مكتسبات بالرغم من الموقف

قسم الغزو الروسي لأوكرانيا العالم إلى ثلاثة أقسام؛ قسم يساند أوكرانيا ويتمثل في أوروبا وحلف الناتو والولايات المتحدة الأمريكية، يقابله قسم يدعم روسيا بشكل واضح وصريح. لكن التيار الثالث الذي نشأ، رفض الوقوف بشكل حاسم إلى جانب أي من الطرفين، بالرغم من خطورة هذا الموقف إستراتيجياً على المدى البعيد، ويأتي هذا الموقف أساساً لهذه الدول، والتي تُعد تركيا أبرزها، بسبب حساسية علاقاتها مع كلا الطرفين.

نجحت تركيا بدبلوماسيتها في جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا على طاولة واحدة على هامش مؤتمر أنطاليا الدبلوماسي قبل أيام

ومن هذا المنطلق حاولت أنقرة خلال الأسابيع الماضية المضي بحذر وانتهاج طريق الدبلوماسية، وبقدر ما رفضت الغزو الروسي، رفضت كذلك العقوبات على موسكو، وفضلت التواصل الدبلوماسي مع الروس والأوكرانيين على حد سواء.

سرعان ما ظهرت تركيا بمظهر الرجل الحكيم الذي يحاول رأب الصدع، وتصدرت الدبلوماسية التركية المواقف الدولية، وفي ظل كل التحديات السابقة التي خاضتها أنقرة، ثم عملها الدبلوماسي، تنظر اليوم إلى المكتسبات السياسية التي ستؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد التركي المتراجع وربما على حظوظ الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات المقبلة في عام 2023.

ومن هذه المقدمات تبرز أسئلة عدة: هل نجحت أنقرة فعلاً في الوقوف بين الطرفين من دون أن تُحسب على طرف دون آخر؟ وهل هناك مكتسبات حقيقية تنتظرها أنقرة أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد محاولة جديدة لتركيا لإثبات حضورها وتحولها إلى لاعب إقليمي؟

العودة الدولية

يرى الباحث في الشأن التركي والعلاقات الدولية، طه عودة أوغلو، أنه "وعلى الرغم من مساعي تركيا لإرساء إستراتيجية التوازن الدقيق في تعاطيها مع ملف الأزمة الروسية-الأوكرانية المستمرة منذ ما يُقارب الشهر، إلا أن حالة الاصطفاف الدولي بين روسيا والدول الأوروبية والغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، تزج بها شاءت أم أبت، في خانة "الترجيح الملزم"، ما يضعها أمام رهان صعب لاختيار الجهة التي ستكون قادرةً على تغيير شكل النظام الدولي لاحقاً".

ويضيف لرصيف22: "في المقابل، تُعدّ تركيا في مقدمة الدول المستفيدة من الأزمة الأوكرانية سياسياً وإستراتيجياً وذلك على صعيد علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة، فبعد سنوات من حالة العداء الأوروبية تجاه تركيا يبدو أن هذه الأزمة جددت أهمية تركيا الجغرافية والعسكرية لدى الغرب من أجل التصدي لروسيا".

تكسب تركيا من خلال حراكها ثقة الأطراف الدولية سياسياً، وهو ما سينعكس على الاقتصاد الذي يحتاج بدوره إلى استقرار سياسي وإلى ثقة من المستثمرين بحكومة البلاد وقدرتها على التصرف والتحرك ضمن الهوامش المتاحة

وكانت العلاقات بين تركيا من جهة، والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة من جهة أخرى، وصلت إلى الدرك الأسفل مع تصاعد التوترات على خلفية دعم واشنطن لوحدات الحماية الكردية في الشمال الشرقي لسوريا (تصنفها أنقرة على قوائم الإرهاب)، ووقوف الاتحاد الأوروبي إلى جانب اليونان في أزمة غاز البحر الأبيض المتوسط خلال عامي 2019 و2020.

الثقل الدبلوماسي

يرى الكاتب السياسي، حمزة تكين، في حديث إلى رصيف22، أن "قضية الاستفادة من الحروب أمر غير مرحب به في الثقافة الحديثة للدولة التركية، ولكن لنتكلم من ناحية مختلفة، وهي أن تركيا نجحت في تحويل هذه الأزمة وحجم ضررها الكبير على أوكرانيا وروسيا وعلى المنطقة والإقليم، نجحت في تحويلها إلى مرحلة جديدة لتثبت نفسها من خلال الدبلوماسية، وهذا ما بدا واضحاً، حتى أن أوكرانيا طلبت من تركيا أن تكون ضامنةً للجانب الأوكراني، وما كانت أوكرانيا لتطلب هذا الأمر لو لم تر حجم تأثير الدبلوماسية التركية".

ويشير تكين إلى أن "الكثير من الدول الأوروبية وكذلك الاحتلال الإسرائيلي وبالرغم من كل المساعي خلال الأسابيع الماضية، لم تنجح في جمع طرفي النزاع على طاولة واحدة، بالرغم من الثقل الذي تملكه إسرائيل لدى الطرفين، بينما نجحت تركيا في جمع وزيري خارجية روسيا وأوكرانيا للمرة الأولى منذ بدء الحرب، وللمرة الأولى منذ عام 2019".

الكثير من الدول الأوروبية وكذلك الاحتلال الإسرائيلي وبالرغم من كل المساعي خلال الأسابيع الماضية، لم تنجح في جمع طرفي النزاع على طاولة واحدة

ولا يعتقد تكين أن "المحج الدبلوماسي إلى تركيا" في الأيام القليلة الماضية كان سببه منتدى أنطاليا فحسب، بل يربطه كذلك (وبغض النظر عن نتائج هذه الاجتماعات الدبلوماسية)، باعتراف الجميع بثقل تركيا السياسي والدبلوماسي، وهو ما سينعكس إيجاباً على الدبلوماسية التركية عموماً في الفترة المقبلة.

ويتقاطع رأي تكين مع رأي أوغلو، الذي يرى أن تركيا في مقدمة الدول المستفيدة من الأزمة الأوكرانية (سياسياً وإستراتيجياً)، وذلك على صعيد علاقاتها مع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. فبعد سنوات من حالة العداء الأوروبية تجاه تركيا يبدو أن هذه الأزمة جددت أهمية تركيا الجغرافية والعسكرية لدى الغرب من أجل التصدى لروسيا.

ويبدو أن أهم المكتسبات التي ستتمتع بها تركيا هي الحصول على ثقة كبيرة من الأطراف الدولية سياسياً، وهو ما سينعكس على الاقتصاد الذي يحتاج بدوره إلى استقرار سياسي وإلى ثقة من المستثمرين بحكومة البلاد وقدرتها على التصرف والتحرك ضمن الهوامش المتاحة.

الاقتصاد مستقبلاً

لا يمكن التنبؤ كيف سيتأثر الاقتصاد التركي إيجاباً في الفترة المقبلة بسبب المكتسبات السياسية التي حققتها الدبلوماسية التركية، خاصةً مع مخاوف جميع الدول من الأوضاع الاقتصادية بعد الحرب وجائحة فيروس كورونا، إلا أن تحقيق هذه المكتسبات ربما يمنح أنقرة استقراراً سياسياً خارجياً أكبر، وربما داخلياً مع انتهاء ملف الانتخابات الرئاسية في عام 2023.

وسينعكس هذا الهدوء والاستقرار بطبيعة الحال على حركة الاستثمار الخارجي في البلاد، وهو ما تعوّل عليه أنقرة بشكل كبير، وكانت كل تحركاتها الاقتصادية الأخيرة المرتبطة بخفض سعر الفائدة وقوانين الاستثمار تصب في هذا الاتجاه في سبيل التحول إلى الاقتصاد الصناعي حسب تصريحات القادة الأتراك.

في حال طال أمد الحرب، فإن اعتماد تركيا على روسيا وأوكرانيا في استيراد المنتجات الزراعية، سيتسبب بضغوط تضخمية إضافية على الاقتصاد التركي

ويرى طه عودة أوغلو، أن "أكثر المجالات المعرضة فيها تركيا للضرر الشديد تتركز على ثلاثة محاور اقتصادية صعبة؛ الغاز الطبيعي، والقمح، والسياحة، إذ إن الارتفاع الحاد في أسعار النفط والغاز قد يؤدي إلى زيادة فاتورة الواردات التركية وتقليل عائدات السياحة ما يعمق من شرخ الأزمة الاقتصادية التي أثقلت كاهل المواطنين".

في المقابل، وفي حال طال أمد الحرب، فإن اعتماد تركيا على روسيا وأوكرانيا في استيراد المنتجات الزراعية وخاصةً القمح والشعير، سيتسبب بضغوط تضخمية إضافية على الاقتصاد التركي الذي يواجه حالياً أكبر معدل للتضخم منذ 20 عاماً، خصوصاً أن تركيا تُعدّ أكبر مستورد للمنتجات الزراعية من روسيا بقيمة بلغت 4.3 مليار دولار عام 2021، في حين كانت صادراتها إلى روسيا 1.5 مليار دولار.

وفي مجال السياحة، تشير بيانات وزارة الثقافة والسياحة التركية إلى أن الروس والأوكرانيين يشكلون نسبة 27 في المئة من إجمالي السياح.

يقول تكين إن "أي نجاح دبلوماسي سياسي سيعطي الثقة للمستثمرين الأجانب بأن تركيا دولة قويّة قادرة على التحرك في أصعب الظروف وهو ما يشجعهم بشكل أكبر على الاستثمار في البلاد وهو ما يفيد الاقتصاد التركي، لذا فنجاح الدبلوماسية اليوم سينعكس على الجانب الاقتصادي مع نمو تركيا الاقتصادي المتقدم، لذا فالمرحلة المقبلة إيجابية للجانب التركي في هذه المعمعة الحاصلة في المنطقة".

في المحصلة، تقف أنقرة على مفترق طرق على صعد عدة، سياسياً واقتصادياً، خاصةً مع كثرة الحديث عن شكل جديد للنظام العالمي، ولا بد أن تركيا والساسة الأتراك يريدون الحصول على أكبر قدر ممكن من الوجود والتأثير فيه. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard