شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تركيا نجحت في الهروب من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا... إلى متى تصمد؟

تركيا نجحت في الهروب من تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا... إلى متى تصمد؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 8 مارس 202209:32 ص

فرض الغزو الروسي لأوكرانيا معادلاتٍ جديدةً في دوائر الدول، خاصةً تلك القريبة جغرافياً من مركز الصراع، أو ممن يطالهم تأثير الحرب ونتائجها بشكل مباشر. كذلك فرض قرار الحرب على الدول اتخاذ قرارات حاسمة بالانحياز إلى طرف من الأطراف، سواء أكان الطرف الروسي، أم الدول الغربية (الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو والاتحاد الأوروبي).

يُعدّ موقف تركيا من الغزو الروسي لأوكرانيا حساساً للغاية، فعلى الرغم من أن أنقرة عضوة في حلف الناتو، الذي كان أساس قيامه الوقوف في وجه "المد الشيوعي" القادم من الاتحاد السوفياتي، إلا أنها في المقابل تملك علاقات اقتصاديةً كبيرةً مع موسكو، وفُرض عليها الاشتباك مع روسيا في ملفات إقليمية عدة، تراها أنقرة تشكل خطراً على أمنها القومي بشكل مباشر.

علاقات خذلان

مرت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في السنوات العشر الماضية، بحروب وأزمات ضخمة، خلال ما يُطلق عليه اصطلاحاً "العقد الدامي"، وفرض هذا العقد بدوره على دول عدة في هذه المنطقة شكلاً جديداً من العلاقات السياسية والاقتصادية، ووجدت تركيا نفسها مضطرةً إلى التعامل مع روسيا والاشتباك معها عسكرياً في حروب بالوكالة في سوريا وليبيا، بعدما حققت موسكو "طموحها" ووصلت إلى المياه الدافئة، إثر طلب النظام السوري منها بشكل رسمي في عام 2015، التدخل عسكرياً لمساعدته.

علاقات أنقرة التجارية بموسكو وعضوية تركيا بالناتو والارتباطات الاقتصادية الكثيرة  مع الغرب جعلت موقفها من الغزو الروسي غاية في الحساسية

وفي الوقت نفسه، لم تكن الولايات المتحدة الأمريكية، التي من المفترض أن تكون الحليف الأبرز لأنقرة، على قدر تطلعات الأخيرة، بل تحدّث المسؤولون الأتراك مراراً عن شعورهم بالخذلان من واشنطن بسبب تسليحها ودعمها لقوى في الشمال الشرقي لسوريا، تضعها أنقرة رسمياً على قوائم الإرهاب، وتشكل خطراً مباشراً على أمنها القومي، الأمر نفسه ينطبق على ملف غاز شرق البحر الأبيض (الوطن الأزرق كما تطلق عليه تركيا)، إذ لم تجد أنقرة حليفتها واشنطن في أثناء صراعها مع مصر وإسرائيل واليونان، تقف بجانبها.

هذه الملفات والنقاط، بالإضافة إلى العلاقات التجارية الواسعة بين أنقرة وموسكو، تُضاف إليها عضوية أنقرة في حلف الناتو (تملك ثاني أكبر قوة عسكرية فيه بعد الولايات المتحدة الأمريكية) وغيرها من ارتباطات اقتصادية، جعلت موقف أنقرة من غزو روسيا لأوكرانيا حساساً للغاية.

حساسية الموقف

يؤكد الكاتب السياسي، الدكتور حمزة تكين، لرصيف22، موقف أنقرة الحساس من العمليات العسكرية بين طرفين يشكلان معاً واحداً من أكبر أسواق تصدير المنتجات التركية (ضمن أكبر عشرة شركاء اقتصاديين لأنقرة). ويقول: "الموقف التركي تجاه الحرب هو الموقف الأكثر حساسيةً ودقةً بين مواقف الدول المعنية والمهتمة"، عادّاً أن "موقف أنقرة أثبت نجاعته، وبقدر ما رفضت الحرب وأكدت على دعمها لسيادة أوكرانيا والحفاظ على وحدة أراضيها، إلا أنها رفضت بشكل مباشر فرض أي عقوبات على روسيا، كما ترى أن لموسكو مطالب مشروعةً لكنها لا تُحل بالحرب بل بالحوار".

تحاول أنقرة أن تُشجّع على لغة الحوار بين روسيا وأوكرانيا، وتلعب بذكاء لأنها تُدرك أن مصالحها على المحك، فتقف مع أوكرانيا من دون استفزاز روسيا، وهذا ما يبدو إلى الآن مقبولاً من الأطراف كافة، ولكن ماذا لو امتدت الحرب؟ 

وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بين أطراف النزاع من دون أن يستفز طرفاً على حساب آخر، ويرى تكين أن أنقرة رفضت الانحياز لأنها تراه سبباً في زيادة الأزمة لا حلّها، لافتاً إلى أن "كلاً من روسيا وأمريكا أبدتا تفهماً كبير للموقف التركي الذي يُمكن وصفه بالذكي".

وسبق أن أعلن وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، في 3 آذار/ مارس الحالي، عن تلقي بلاده دفعةً جديدةً من طائرات "بيرقدار" التركية، كما نشرت أوكرانيا تسجيلاً مصوراً لتدمير رتل عسكري روسي كامل بواسطة هذه الطائرات، من دون أن يشير إن كانت الدفعة نتيجة اتفاق جديد مع أنقرة أم تقع ضمن الاتفاقيات السابقة بين الطرفين، وكذلك نشرت هيئة أركان الجيش الأوكراني بياناً أشارت فيه إلى فعالية الطائرات في صد الهجوم الروسي، كما ولعبت طائرات "بيرقدار" دوراً كبيراً في معارك ليبيا وسوريا وقره باخ.

 أعلن وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، في 3 آذار/ مارس الحالي، عن تلقي بلاده دفعةً جديدةً من طائرات "بيرقدار" التركية

إلا أن تصريحات المسؤولين الأتراك لا تمضي كلها في اتجاه التهدئة والحياد، إذ قال زعيم الحزب القومي التركي (MHP)، دولت بهتشلي، إن الغزو الروسي لأوكرانيا مخطط له منذ عام 2014 (ضمت روسيا حينها شبه جزيرة القرم الأوكرانية)، وهاجم موسكو، إلا أنه في المقابل أكد على أن "تركيا دولة رئيسية لتحقيق السلام".

هذه الرؤية للمسؤولين الأتراك تنطلق أساساً من العلاقات التي تمتلكها أنقرة مع كل من موسكو وواشنطن والاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعلها قادرةً على تحقيق مكتسبات سياسية كبيرة جداً تتوافق مع محاولاتها المستمرة منذ مطلع الألفية الثالثة لأن تلعب أدواراً كبيرةً والتحوّل إلى قوة إقليمية.

ويرى تكين أن خيارات أنقرة "ثابتة ولن تتغير" تجاه الطرفين، ولن تنادي سوى بلغة الحوار، ويقول السياسي والاقتصادي التركي، الدكتور يوسف كاتب أوغلو، لرصيف22، إن موقف تركيا الحساس يدفعها للحفاظ على مكتسباتها الإستراتيجية، وذلك عبر "عدم الانجرار" إلى العقوبات على روسيا.

وأعلن وزير الخارجية التركي، مولود تشاويش أوغلو، في تصريحات صحافية، يوم الثلاثاء الماضي، عدم نية أنقرة فرض أي عقوبات على موسكو، كذلك رفضت أنقرة إغلاق مجالها الجوي أمام روسيا. ويرى أوغلو أن هذا الموقف يأتي في ظل أن أنقرة اليوم هي "صمام أمان ولاعب رئيسي ومهم في المنطقة".

تأثيرات الحرب السلبية

لا توجد حرب من دون تأثير سلبي، ومع ارتباط الاقتصاد العالمي ببعضه بشكل كبير منذ سنوات، فإن ما يحصل في منطقة تبعد آلاف الكيلومترات قد يؤثر بشكل مباشر على سكان محليين في مكان آخر.

ومن هذا المنطلق، فإن تأثّر أنقرة بالحرب الدائرة على الأراضي الأوكرانية لا يتأتى من حساسية موقفها السياسي تجاه الأطراف المتصارعة فحسب، بل من خلال التأثير السلبي على الاقتصاد التركي في الفترة المقبلة.

تعتمد أنقرة على السياحة، إلى جانب قطاعات أخرى، في دخلها القومي، وفي حين كان من المتوقع وفق الأرقام الرسمية استقبال تركيا ما لا يقل عن تسعة ملايين سائح روسي وأوكراني، فإنه من المرجح أن ينخفض هذا الرقم إلى النصف، وفق تصريحات رئيس رابطة وكالات السفر التركية، فيروز باغليكايا، وهو قال أيضاً في تصريحات سابقة للصحافة التركية، إن بلاده تتوقع وصول ما لا يقل عن 45 مليون سائح، وتحقيق 35 مليار دولار كعائدات.

كان من المتوقع وفق الأرقام الرسمية استقبال تركيا ما لا يقل عن تسعة ملايين سائح روسي وأوكراني، فإنه من المرجح أن ينخفض هذا الرقم إلى النصف

ويرى أوغلو أن بعض القطاعات الاقتصادية -بما فيها السياحة- ستتأثر بشكل أو بآخر، خاصةً أن حجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا وصل إلى 30 مليار دولار، مع وجود خطة اقتصادية لرفعه إلى مئة مليار دولار.

ويضيف: "أتوقع أن تكون هناك تأثيرات على تركيا مع ارتفاع أسعار الغاز والطاقة أكثر من 20%، وأسعار بعض الواردات من القمح والمواد الغذائية. إذاً هناك ضغوط ستؤثر على الاقتصاد، وهذا أمر ليس في مصلحة تركيا"، فيما يرى تكين أنه ستكون هناك تداعيات اقتصادية وتجارية على أنقرة بفعل الحرب التي تدور أصلاً بالقرب من حدودها.

وقال السفير الروسي في الشطر اليوناني من جزيرة قبرص، ستانيسلاف أوسادشي، إن قبرص ستخسر السياح الروس لصالح تركيا، مشيراً إلى أنه لا يمكن لمواطني بلاده إنفاق أموالهم في بلد يشارك في فرض العقوبات الاقتصادية عليهم.

ويبدو أن التأثير الاقتصادي على أنقرة قد بدأ بالفعل، إذ نشرت صحيفة "صباح" المقربة من الحكومة التركية، تقريراً في 5 من آذار/ مارس الحالي، قالت فيه إن أسعار بعض الخضار انخفضت بالفعل بعد توقف التصدير حالياً إلى موسكو وأوكرانيا بسبب المعارك الدائرة، مشيرةً إلى أن عدداً من الشاحنات عالقة على الحدود، وهو ما أدى إلى وجود فائض من الخضار في البلاد، أدى بدوره إلى انخفاض الأسعار.

في المحصلة، نجحت تركيا إلى الآن في الحفاظ على علاقاتها مع أطراف النزاع، والتحدّي يبقى في قدرتها على البقاء على الحياد مع تقدّم الحرب أو في حال توسعها، ليس لكونها عضوةً في الناتو فحسب، بل أكثر من ذلك، لأن النجاح الروسي في بسط السيطرة على أوكرانيا يعني أن لتركيا جاراً جديداً وقوياً في البحر الأسود، الذي تعدّه أنقرة "كنزاً مليئاً بالغاز".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image