شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
فاتنات تركيات ومكائد لا تتوقف...

فاتنات تركيات ومكائد لا تتوقف... "حريم" باشاوات مصر بعيون المستشرقات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 24 مارس 202210:50 ص


حكايات نساء الأسرة العلوية التي حكمت مصر سنوات طويلة لا تزال محل اهتمام جاذب، لما تحمله حكايات الغرف المغلقة في القصور من أسرار ومكائد، حيث اجتمعت خيوط السلطة والثروة. 

قصة صعود الأسرة العلوية بدأت عام 1805 عندما تولى محمد علي المولود في مدينة قولة باليونان حكم مصر. وظل أفراد الأسرة من بعده يتوارثون عرش البلاد حتى عام 1952 عندما أطاح ضباط الجيش المصري الملك فاروق آخر حاكم فعلي من سلالة محمد علي، بعدما أُجبر على التنازل عن العرش لابنه أحمد فؤاد الثاني الذي كان طفلاً يحكم اسمياً تحت إشراف مجلس وصاية، قبل أن يعلن العسكريون رسمياً إلغاء الملكية ونهاية حكم أسرة محمد علي في 18 يونيو/ حزيران 1953، وتعيين محمد نجيب رئيساً للجمهورية. 

تعاظم اهتمام المستشرقين والرحالة الأوروبيين بمصر مع بداية حكم محمد علي، الذي رحب بهم وأغدق عليهم الكثير من الآثار المصرية، سعياً إلى كسب وُدّهم ووُدّ دولهم في مواجهة السلطنة العثمانية، في ظل طموحه للاستقلال بمصر وبناء إمبراطوريته الخاصة. 

في المقابل، كانت عيون المستشرقين والرحالة الغربيين مسلطة باستمرار على مصر، إذ حاولوا اسكتشاف كل شبر فيها، والتعرف على مختلف مظاهر الحياة بربوعها، وما يجري خلف الأبواب المغلقة في الحرملك، وهو اللفظ الذي كان يطلق قديماً على مكان في القصر أو البيت يخصص للنساء، ويحظر على الغرباء – خاصة الرجال- الاقتراب منه. فمع صدور أول ترجمة كاملة لكتاب "ألف ليلة وليلة" الشهير إلى لغة أوروبية على يد المستشرق الفرنسي أنطوان غالان عام 1704، أصبح لدى الأوروبيين حالة من الهوس بمعرفة أدق تفاصيل العالم السري للنساء في الشرق بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص.

و"تميز القرن التاسع عشر بظاهرة قدوم الرحالات الأوروبيات، اللواتي أتيح لهن لأول مرة دخول الحرملك، فسجلن كل ما يتعلق بهذا العالم السحري الغامض بالنسبة للقارئ الأوروبي"، وذلك بحسب كتاب " رؤية الرحالة الأوروبيين لمصر بين النزعة الإنسانية والاستعمارية" للدكتورة إلهام ذهني، أستاذة التاريخ الحديث في جامعة الأزهر.

حكايات نساء الأسرة العلوية التي حكمت مصر سنوات طويلة لا تزال محل اهتمام جاذب، لما تحمله حكايات الغرف المغلقة في القصور من أسرار ومكائد، حيث اجتمعت خيوط السلطة والثروة

جميلات القصر

يذكر أن المستشرقة الإنجليزية صوفيا لين بول التي زارت مصر عام 1842 حققت اختراقاً كبيراً عندما تمكنت بمساعدة السيدة "سييد" - زوجة المفوض السامي البريطاني في ذلك الوقت- من دخول حريم محمد علي.

صوفيا هي شقيقة واحد من أهم المستشرقين الأوروبيين الذين كتبوا عن مصر، وهو إدوارد وليم لين صاحب كتاب "عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم"، الذي لا يزال المرجع الأهم في الأنثربولوجيا المصرية الحديثة، إلى جانب معجمه الكبير للغة العربية.

تحكي صوفيا لين في كتابها "رسائل من القاهرة" تفاصيل دقيقة لما شهدته في حريم محمد علي. تقول: "لا يمكنني أن أوفي وصف ما لقيته من استقبال ملكي في حرملك الباشا الذي يقع المقر الرئيسي لنسائه في قصر الدوبارة (وسط القاهرة حالياً)، وصلنا إلى بوابات القصر المهيبة، دلفنا نحو طريق طويل داخل الأسوار العالية، هبطنا منحدراً نحو أرض ممهدة حتى وصلنا إلى الستائر التي تفصل الحرملك. استقبلتنا زوجة شابة من زوجات محمد علي، مضت بعض الوقت، انضمت بعدها إلينا زوجة أخرى من زوجات الباشا. سيكون خرقاً لآداب الحرملك ومخالفاً لقوانينهن إذا وصفت لك بالتفصيل ملامح نساء الباشا، ولكن دعني أقول إن كلتيهما في عمر الشباب. إحداهما أبية ومليحة، والأخرى ودودة ورقيقة. ويضم حرملك الباشا العديد من السيدات الجميلات والفتيات الفاتنات، بعضهن لم يتجاوزن العاشرة من العمر. نساء أتراك وأخريات شركسيات، والبعض من جورجيا. لكن جميعهن يتسمن بجمال خاص، ينبغي لي أن أذكر لك أن واحدة منهن كانت آية في الجمال، وارتدت ثوباً أبهى من كل قريناتها، وكان مظهرها جذاباً للغاية".

في كتابها الذي صدرت له ترجمة جديدة تحت اسم "سيدة إنجليزية في مصر: رسائل من القاهرة"، وكانت صدرت له ترجمتان من قبل، تقول صوفيا لين: "هوانم هذا القصر لم أر مثلهن من قبل. يرتدين ملابس ثرية الزخارف ومختلفة الألوان. وابنة الباشا والأخريات ارتدين سترة طويلة الكمّين، وأبواب الحرملك تبقى دوماً مفتوحة غير مسموح لأحد بإغلاقها. واعتقدت خطأ أن محمد علي باشا له زوجتان، ولكنني اكتشفت خطئي حين قابلت زوجته الثالثة وعرفت بوجود زوجته الرابعة".

مع صدور أول ترجمة كاملة لكتاب "ألف ليلة وليلة" على يد المستشرق الفرنسي أنطوان غالان عام 1704، أصبح لدى الأوروبيين هوساً بمعرفة أدق تفاصيل العالم السري للنساء في الشرق بشكل عام، وفي مصر بشكل خاص

رأت بول في حرملك الباشا الكثير وتستفيض في الحديث عن ذلك القصر المخصص لحريم الباشا في القلعة التي هي بحسب لين "أفضل البنايات التي رأيتها في مصر". وتضيف: "صعدنا أنا وصديقتي السيدة سييد على سلم أنيق، حيث تبدى أمامنا واحد من أجمل المناظر التي رأيتها، ثلاث نوافذ مقابلة للسلم تطل على القاهرة بأكملها. الحديث عن عدد الأبناء وصحتهم دائماً هو الحديث الأثير لسيدات الحرملك. وعرفت أن هذا الحرملك لم تدلف إليه من قبل أي من النساء الغربيات رغم أن الباشا أسسه على الطراز الأوروبي".

وعن جانب آخر من حياة نساء الباشا، تقول لين: "سيدهشك حين تعرف أن ابنة الباشا التي لا تجرؤ أي واحدة من النساء على أن ترفع رأسها في حضرتها. وهي تشرف بنفسها على تنظيف وتلميع رخام أروقة قصورها، حيث تقف عارية القدمين على سجادة مربعة صغيرة وفي يدها قضيب من الفضة يحيطها نحو عشرين عبداً، نصفهم يسكب الماء والنصف الآخر يمسح الرخام بعناية".

وتصف لين مشاعرها عندما اضطرت إلى لبس الحجاب كي يُسمح لها بدخول الحرملك: "ما إن وصلنا إلى بولاق مرفأ القاهرة الرئيسي حتى أصبحت مضطرة أنا وزوجة أخي لشراء ملابس شرقية، وبمجرد ارتداء هذا الزي شعرت باختناق لا ينسى، تخيل أن وجهينا كانا مغطيين بحجاب رقيق من القطن، سميك قليلاً عند الجبهة، والعينين هما كل ما يظهر من هذا الحجاب. وفوق ثوب من الحرير الملون ارتدينا ثوباً من الحرير الأسود يغطي الجسد كله كما الخيمة. ولم أكن أملك أي خيار أخر. إذا احتفظت بزي إنجليزي فما كان سُمح لي بالولوج إلى الحرملك".

وتخصص في كتابها جزءاً للحديث عن نساء مصر بشكل عام. تكتب: "نادراً ما تسير النساء على أقدامهن في الشوارع المزدحمة، حيث يعيّن لهن حمير مدربة لنقلهن، ويغطي ظهر المطية سرج مرتفع تجلس عليه المرأة مستقيمة الظهر. وترتدي كل منهن البرقُع، وهو غطاء للوجه من الشاش الأبيض، ويصحبها خادم من كل جهة. وأحياناً تظهر مسيرة كاملة من النساء يتحركن في نفس الوقت، أي حرملك كامل يتحرك".

صور متناقضة

من الأوروبيات اللواتي حرصن على زيارة مصر أيضاً، البريطانية فلورنس نايتنغيل رائدة التمريض "حاملة المصباح" التي اختير يوم ميلادها (12 مايو/ أيار) يوماً عالمياً للتمريض. 

زارت نايتنغيل القاهرة وعشقتها وكتبت عنها في مذكراتها ورسائلها التي تلقتها شقيقتها دوروثي، ونشرتها لاحقاً في كتاب عنوانه "رسائل من مصر" أيضاً. 

في رسائلها، تحكي نايتنغيل لشقيقتها أنها تمكنت من لقاء حريم سعيد باشا والي مصر من 1854 حتى 1863 بالإسكندرية. كتبت فلورنس: "يا للملل الذي يسود هذا القصر الفخم! سوف يظل في ذاكرتي كدائرة من الجحيم". ويبدو أنها كأوروبية منفحتة لم تتخيل أن تقضي حريم الباشا أغلب الوقت خلف أسوار القصر.

وهناك أيضاً الروائية والرحالة البريطانية البارزة إميليا إدواردز التي زارت مصر خلال عامي 1873 و1874، وعُرفت بلقب "عاشقة النيل" إذ أصدرت كتاباً عن رحلتها في النهر، الذي كانت تحكمه مصر وقتذاك، تحت عنوان "ألف ميل صعوداً في النيل"، تروي فيه بعض مشاهداتها للفروق الطبقية حتى بين الأثرياء وعائلة محمد علي التي خرجت أميراتها من الحرملك في منتصف القرن ليصبحن ناشطات في الأعمال الخيرية والاجتماعية. تقول إدواردز: "في القاهرة والأسكندرية، تزخر "لوغات" الأوبرا كل ليلة بحريم الخديوي والباشوات. لكن حريم الغالبية العظمى من الطبقة الوسطى والتي فوقها بقليل، لا يملكن عربات فخمة صنعت في لندن ولا أوبرا يظهرن فيها. ومن الواضح أنهن يعشن في حالة من الملل المستديم ولا اهتمام لهن بما يجري حولهم من أحداث".

تقف ابنة الباشا عارية القدمين على سجادة مربعة صغيرة وفي يدها قضيب من الفضة يحيطها نحو عشرين عبداً، نصفهم يسكب الماء والنصف الآخر يمسح الرخام بعناية

أما الرحالة البريطانية هاريت مارتينو التي زارت مصر خلال عام 1864 فتقول في كتابها "الحياة الشرقية حاضرها وماضيها": "ما أثار الغضب في نفسي حين زرت حريماً في القاهرة ودمشق، هو ما لاحظته من تفشي الجهل والكسل والتفاهة في ربوع هذه الحياة. فالنساء لا روح لهن ولا عقل، وأغلبهن يشتكين من عسر الهضم والتخمة لكثرة تناولهن الأطعمة الدسمة مع قلة الحركة".

مكائد في بلاط الباشا

أتيح كذلك للرحالة مدام روزنتي دخول حريم محمد علي بحكم إقامتها في البلاد فترة طويلة، فقدمت وصفاً لزوجة سعيد باشا القوقازية الأصل ولنازلي هانم ابنة محمد علي. وأفاضت في وصف جمال الأخيرة فهي "بيضاء، وجهها مستدير، شعرها حالك السواد". وفيما يتصل بعلاقات المصاهرة في الأسرة العلوية الحاكمة، لم يقتصر عمل الباحثة على زواج كبار رجال الدولة، بل شمل زواج عباس باشا بدوية ظلت على وفائها له حتى بعد وفاته، إذ كانت تفضل سكنى الخيام على القصور.

ومن أسماء الأميرات التي سجلتها الرحّالات الأوروبيات: بكلين هانم أرملة إسماعيل باشا ابن محمد علي، الذي قتل في سنَّار بالسودان، وعرفت في استانبول بمصرلي هانم، وكانت تراسل عباس باشا من تركيا لتحكي له كل خطوات نازلي هانم ابنة محمد علي في الأستانة، وتحذره من المكائد التي تنشرها ضده. وهو ما يؤكد أن حريم الأسرة العلوية لم يكن بعيدات عن السياسة، بحسب ما تؤكده الباحثة إلهام ذهني في كتابها "رؤية الرحالة الأوروبيين لمصر بين النزعة الإنسانية والاستعمارية".

صراع الرحالة 

كانت مصر في عهد أسرة محمد علي مسرحاً لمنافسة من نوع خاص بين الرحالة والرحالات حول من يعرف أكثر عن العالم السري لنساء الشرق، خاصة داخل قصور حكام البلاد.

وفي ظل التقاليد الصارمة في ذلك الوقت، لم يكن مسموحاً على الإطلاق لرجل أن يقترب من قصور نساء الأسرة العلوية، في مقابل الاختراقات الكثيرة التي حققتها الرحالات. ويعبر عن هذا الرحالة البريطاني وليم كنغليك في مقال نشره ابتهاجاً بصدور كتاب صوفيا لين بول "إمرأة إنجليزية في مصر" لأول مرة في لندن عام 1884، كتب كنغليك: "هذا الكتاب يعطينا في بضع مشاهدات معلومات عن السر الغامض للحريم الشرقي، تفوق في غزارتها أي مصدر آخر".

حتى بول التي زارت مصر متأخرة كثيراً عن شقيقها المؤرخ إدوارد ويليام لين، قدمت بعد تجربتها رؤية نقدية لكتابات شقيقها عن النساء، وقالت إن ما سجله وليم في كتابه عن حياة المرأة المصرية في منزلها كزوجة وأم مع ذكر الملابس وأدوات الزينة ليس دقيقاً، وأبلغته بذلك فعلاً في واحدة من الرسائل التي حواها كتابها، مرجعةً السبب إلى أنه استقى معلوماته من الرجال وليس بناءً على مشاهداته الشخصية المباشرة مثلما كتبت هي.

والشاهد أن الرحالة لم يتح لهم التعرف عن قرب على المصريات سوى في مواقف قليلة، وانحصرت لقاءاتهم وتسجيلاتهم بفئات معينة كالفلاحات اللواتي يذهبن إلى الحقول، والراقصات، وبعض البائعات في الأسواق، حيث كانت الغالبية العظمى من نساء مصر في ذلك الوقت لا يغادرن المنازل إلا في حدود ضيقة، خاصة كلما ارتفع مستواهن الاقتصادي والاجتماعي. لذا جاءت أوصاف هؤلاء الرحالة متضاربة في أحيان كثيرة. فالطبيب الفرنسي الشهير كلوت بك يتحدث عن المرأة المصرية قائلاً: "النساء المسلمات هن الشطر الأوفى من الجنس اللطيف في مصر، يلفتن إليهن الأنظار بحسن شكلهن، وأعينهن واسعة سوداء بها أهداب طويلة تزيد وجوههن حسناً، وثبت فيها من الحلاوة ما يستهوي الأفئدة، وصدورهن جيدة التكوين لا قِبَل لها بالحيل الضارة التي تلجأ إليها السيدات الأوروبيات لتحسينها. أما مشيتهن فتتسم بالرشاقة والدلال، وخطواتهن واسعة فيها خفة. وأصواتهن فيها عذوبة، وإذا وجهن الخطاب إلى أحد دعونه بقولهن ‘يا عيني، يا روحي، يا قلبي’".

على النقيض من ذلك، جاء وصف نظيره الفرنسي فرانسوا ڤولني وفق كتاب "صورة مصر في عقول الرحالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر": "أجسادهن ضعيفة، وجلودهن عليها صفرة، ولم تر في سيدات مصر سوى أشباح جائعة بعباءات فضفاضة، ولولا العيون التي تنفذ من ثقوب البراقع ما فطن المرء إلى أنوثتهن".

لكن قرب المؤرخ البريطاني الشهير ألفريد جاشوا بتلر من الخديوي توفيق الذي حكم مصر من 1879 حتى 1892، خوله الحديث عن أسرار الحريم الخديوي، إذ جرى استقدامه خصيصاً لتعليم أبناء الخديوي. 

في كتابه "الحياة في البلاط الملكي المصري"، يحكي باتلر: "أقام الخديوي حفلة رسمية داخل قصر عابدين، حضرها بنفسه ومعه باشواته وضباطه. ويعد هذا النوع من الحفلات سفوراً بالنسبة للمصريات، لذا تم توجيه الدعوة لبعض الشخصيات المرموقة من الجاليات الأجنبية، ولم يكن هنا ما يباري فخامة القصر إلا فساتين النساء. كان عدد كبير من المدعوات في ريعان الشباب وغاية في الجمال، خاصة الإيطاليات والسوريات منهن".

حفل في قصر الخديو - بيرسي ماكويد - صحيفة جرافيك 1895

من ضيق القصر إلى سعة الدنيا

على مدار قرن ونصف القرن تقريباً حكمت أسرة محمد علي البلاد. كانت نساء الأسرة يتحركن في ضوء المتغيرات الاجتماعية الحاكمة، والتي كانت تختلف من حاكم إلى آخر، إذ كان دورهن الواضح للعيان ينحصر، داخل القصر، بالزواج والإنجاب، خاصة في عهود محمد علي وعباس وسعيد. أما في عصر الخديوي إسماعيل، فبدأ الأمر في الاختلاف كثيراً، حسب ما تؤكده الباحثة مروة علي حسين في كتابها "نساء الأسرة العلوية ودورهن في المجتمع المصري".

"التفكك ظهر بشكل واضح داخل مجتمع الأسرة الحاكمة خاصة خلال الفترة الممتدة من 1922 حتى 1952، نتيجة الصراع على العرش والثروة، وهو ما أدى إلى لجوء البعض منهن للعيش خارج مصر، كما أن غياب الانسجام بين الكثير من الزوجات والأزواج داخل الأسرة العلوية كان من أسباب اتجاههم للبحث عن شركاء جدد لحياتهم من خارج الأسرة الحاكمة، وهو ما يفسر أيضاً كثرة حالات الطلاق وتعدد مرات الزواج بين مجتمع العائلة المالكة في مصر، حتى أن خمس أميرات اقترن بأزواج من ديانات أخرى، يحملون جنسيات أمريكية وسويسرية وروسية"، بحسب الباحث علي حسين.

زوجات القناصل

تقول الدكتورة إلهام ذهني لرصيف22: "لفترة طويلة، ظل مجتمع حريم مصر غامضاً بالنسبة للأوروبيين، لم يتعرفوا عليه سوى من خلال زوجات القناصل، اللواتي كن بمثابة عيون لهم في الداخل، وكانت الرحالات الأجنبيات يحاولن جاهدات أن يحظين بزيارة الحريم، وهذا ما جعلهن يتفوقن على الرجال".

وتضيف: "في إطار اهتمامهم بمصر، كان الرحالة شغوفين بمعرفة كل شيء عن بنات محمد على وزوجاته، وفعلوا الشيء نفسه مع الجيل الذي تولى مقاليد الحكم من بعده. ولم يكن هذا مستغرباً، فالرحالة الفرنسيون في وقت سابق تحدثوا عن نساء المماليك وأولادهم وحياتهم الاجتماعية. وبشكل عام فإن النساء في مصر لم يكن دوماً محبوسات داخل جدران البيوت، فالفلاحات كن يذهبن للحقول، أو إلى الأسواق. لذا وصف الرحالة الغربيون ملابسهن وأفراحهن. لكن بعض الرحالات مثل صوفيا لين ومدام روزيني زوجة قنصل توسكانا تمكنَّ من دخول قصور محمد علي وقدمن وصفاً دقيقاً لزوجاته وبناته".

وحول موضوعية الرحالات والرحالة الغربيين تقول ذهني: "لا نكتفي بنقل ما دونوه، وإنما نقوم بمقارنته بما كتبه المؤرخون المصريون مثل الجبرتي. والغريب في ذلك أننا نجد الكثيرين منهم يتمتعون بدقة متناهية، والسبب في هذا أن أغلب هؤلاء الرحالة والرحالات كانوا من الدارسين والمتخصصين، لكن هذا لا ينفي أن من بينهم من كانوا يضمرون عداءً واضحاً لمصر بشكل خاص، والشرق بشكل عام، وهو ما يظهر بوضوح في كتاباتهم/ن".

مدرسة الأميرات

زفاف شقيقة الخديو- تجهيز العروس في الحريم- مدام فيليبوتيه 1895

يقول المؤرخ مدحت عبد الرازق لرصيف22: "نستطيع القول باطمئنان أن تطور الدور النسائي في دائرة الأسرة العلوية جاء مقروناً بتطور الحركة النسائية في مصر كلها، فلنا أن نعرف أن محمد علي هو أول من أسس مدرسة لتعليم الفتيات في مصر، ومن المذهل أن نعرف أن أول ضابطة مصرية كانت في عصره، وكانت ممرضة ذات معرفة لا تقل عن الأطباء، مما يعني أن اقتران المرأة بالقوات المسلحة جاء مبكراً جداً ومتوازياً مع حركة الباشا الكبير التحديثية. إذن كيف لا ينعكس ذلك على نساء أسرته نفسها؟"

ويضيف أن محمد علي أسس مدرسة خاصة في قصره لتعليم الأميرات وفق النظم الفرنسية من دون الإخلال بالتعليم الإسلامي. وكانت الصحف، وبخاصة الوقائع المصرية، تصرف بانتظام لحريم الباشا، اللواتي كن على معرفة بكل أحوال السياسة في البلاد وما يجري وراء جدران القلعة في مصر المحروسة. ويكمل: "لكن حتى عصر محمد علي لا نستطيع القول بأن نساءه دخلن في مرحلة العمل العام بالشكل المجتمعي الذي نعرفه، وإنما حدث ذلك منذ عهد الخديوي إسماعيل، فوالدته أو الوالدة باشا خوشيار هانم هي أول من شجعت على إعمار منطقة حلوان، حين شيدت قصراً فيها معروفاً بـ"قصر الوالدة الباشا". وإذ رأى الأمراء والباشوات أن والدة أفندينا بنت قصرها هناك، قلدوها واتخذوا من حلوان مشتى لهم، ابتنوا فيه القصور والفيلات والمزارع والمدارس والمستشفيات. ومع الأسف فإن قصر الوالدة تحول الآن إلى عزبة الوالدة!".

ودشنت والدة الخديوي إسماعيل كذلك مسجد الرفاعي وهو من أرقى التحف المعمارية في مصر، وبات ضريحاً لأفراد الأسرة وضريح شاه إيران محمد رضا بهلوي. ويضيف المؤرخ المختص في تاريخ الأسرة العلوية: "كثيراً ما قامت خوشيار هانم بعملية تلطيف الأجواء بين السياسة المصرية والسياسة العثمانية، باعتبارها والدة الخديوي إسماعيل وخالة السلطان عبد العزيز".

ويتابع: "ولنا أن نذكر دور جشم آفت هانم زوجة الخديوي إسماعيل، التي أقنعته بإعادة افتتاح مدارس البنات بعد أن أغلقها عباس باشا الأول، ودور الأميرة فاطمة إسماعيل ابنته في التبرع بمجوهراتها لبناء الجامعة المصرية، والدور البارز للأميرة نازلي فاضل في تأسيس أول صالون ثقافي مصري، وكان لهذا الصالون تأثير هائل على السياسة المصرية، وهي ابنة مصطفى فاضل باشا أخي الخديوي إسماعيل، وكذلك دور أمينة هانم أم المحسنين زوجة الخديوي توفيق في الإحسان على الفقراء واليتامى والمساكين، ومساهمات شقيقات الملك فاروق: فوزية وفايزة وفائقة وفتحية في علاج جرحى حرب فلسطين 1948، وكانت تتصدر هذه المساهمات زوجتُه الأولى الملكة فريدة".

وعن دور نساء الأسرة العلوية في صناعة القرار السياسي، يقول مدحت عبد الرازق: "لا تستطيع القول إن لهن تأثيراً في القرار السياسي، وإنما كانت لهن مشاركات رائعة في العمل العام تحتاج إلى كتاب كامل، اللهم إذا استثنينا تجربة الأميرة فوزية التي أصبحت إمبراطورة إيران بعدما خاضت تجربة وثيقة الصلة بالسياسة. لكني أرى أن غالبية كتابات الرحالة الغربيين عن نساء الأسرة العلوية ناقصة وغير مكتملة".

تمشية في القاهرة - لانس ثاكري - 1908


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard