في بيت متوسط بحي شبرا الخيمة الواقع بين حدود محافظتي القاهرة والقليوبية، والمعروف بتاريخه الذي ضم جاليات أجنبية مختلفة حتى سنوات قليلة تلت حركة الضباط الأحرار عام 1952، نشأ رمضان برنس توفيق، تاجر الأنتيكات والخبير المثمن للتحف النادرة، الذي أعلن عبر صفحة يديرها على فيسبوك أنه ابن مجهول لم يعلن عنه مسبقاً لملكي مصر السابقين فاروق الأول وزوجته الأولى الملكة فريدة.
أثار رمضان الذي أعلن أن اسمه الحقيقي هو "البرنس محي الدين فاروق فؤاد" انتباه المهتمين بتاريخ أسرة محمد علي، التي حكمت مصر بين عامي 1805 و1952. خاصة أن إعلانه هذا لا يزعم فقط وجود ابن آخر للملك فاروق بخلاف "أحمد فؤاد" آخر ملوك مصر. لكنه يزعم كذلك أن الملك أنجب ابناً ذكراً من طليقته الأولى التي انفصل عنها لأنها لم تنجب له ذكوراً.
أكد رمضان/ البرنس محي الدين في بيانه ،أن فاروق عاد إلى زوجته الأولى خلال إقامتهما في المنفى بإيطاليا، بعد نفيه من مصر عام 1952. ما استدعى إلى الأذهان عشرات الأسئلة عن ماهية هذا الابن المجهول وأين كان كل تلك السنوات، ولماذا لم يعلن الملك والملكة الراحلين عن وجوده، ولماذا تكلم الآن تحديداً، وما موقف الملك أحمد فؤاد الثاني آخر حكام الأسرة المالكة وابن الملك فاروق من زوجته الثانية الملكة ناريمان.
كبسولة تاريخية سريعة
تزوج الملك فاروق الأول مرتين، الأولى من الشابة صافيناز ذو الفقار التي تغير اسمها الرسمي إلى "الملكة فريدة"، وتم الزواج عام 1938، وكان الملك لا يزال في الثامنة عشرة. وهو العام الذي اكتمل فيه رشده وفقاً لمادة "نظام العرش" التي وضعها الملك فؤاد الأول (والده) بالتفاهم مع الاحتلال البريطاني.
إعلانه هذا لا يزعم فقط وجود ابن آخر للملك فاروق بخلاف "أحمد فؤاد" آخر ملوك مصر. لكنه يزعم كذلك أن الملك فاروق أنجب ابناً ذكراً من طليقته التي انفصل عنها لأنها لم تنجب له ذكوراً
أثمر هذا الزواج ثلاث فتيات هن الأميرات فريال وفوزية وفادية. وبعد مشاحنات عديدة بين الزوجين الشابين بسبب تأخر إنجاب ولي عهد ذكر، وسلوك فاروق الشخصي، وقع الطلاق بين الملكين عام 1948.
في عيد ميلاد الملك الحادي والثلاثين في 11 فبراير/ شباط 1951، أعلنت خطبته إلى الآنسة ناريمان صادق. وتزوّجا في 6 مايو/ أيار 1951.
وفي 16 يناير/ كانون الثاني 1952، أنجب الزوجان ولي عهدهما الأمير أحمد فؤاد.
بعد ميلاد الأمير بستة أشهر قامت حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو/ تموز 1952، وأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش لولي عهده الذي نال لقب ملك وهو ما زال في المهد، وعيّن الضباط مجلس وصاية منهم. لكن خلال عام واحد، أعلن تنظيم الضباط الأحرار قيام الجمهورية في 18 يونيو/ حزيران 1953. وغادر الملك الأخير مصر مع والديه الملك فاروق والملكة نازلي وشقيقاته الثلاث إلى إيطاليا، على متن يخت المحروسة. ثم عادت والدته الملكة ناريمان إلى مصر بعد حصولها على الطلاق من الملك فاروق في فبراير/ شباط 1954.
البرنس محي الدين
لم يقدم رمضان/ البرنس محي الدين فؤاد إلى متابعيه عبر شبكات التواصل الاجتماعي أية تفاصيل حول نشأته، وعلاقته بالملك فاروق وزوجته/ طليقته الثانية، الملكة ناريمان، وباقي أفراد الأسرة المالكة ممن بقوا على قيد الحياة.
رصيف22 تواصل معه لمعرفة المزيد من التفاصيل. يقول "البرنس محي الدين" إن "والدته الملكة فريدة عادت إلى والده الملك فاروق" خلال وجود الأخير في المنفى بإيطاليا. ولما علم بحملها منه، طلب أن تلد الطفل في مصر حتى ينال الجنسية المصرية.
بحسب رواية "الابن المجهول"، استجابت صافيناز/ فريدة إلى طلب الملك فاروق وعادت لتضع مولودها في سرية داخل مبنى المدرسة الأمريكية للراهبات (ربما يقصد مدرسة الكلية الأمريكية للبنات في وسط القاهرة) وقامت رئيسة الراهبات برعايته بناء على طلب البابا يوسف مقار، صديق الملك فاروق، ثم نقلته إلى مرضعة في طوخ، وعاد ليعيش في حي شبرا بالقاهرة حيث تم إلحاقه بمدرسة الراعي الصالح بشبرا حتى علم بأمره عبد الناصر فأمر باغتيال رئيسة الراهبات. ثم استدعاه صلاح نصر وهو في الثامنة من عمره إلى مكتبه، كي يُنقل إلى ملجأ للأيتام، إلا أن نصر عدل عن ذلك، واستخرج له "شهادة ساقط قيد" باسم رمضان برنس توفيق، نسبة إلى الرجل الذي تولى وزوجته تربيته. يقول محي الدين إن أبوَيه بالتبني طرداه من بيتهما لدى وفاة الملكة فريدة.
القصة التي يرويها محي الدين حملت بعض الإشارات القليلة التي يمكن تتبعها للتأكد من صحتها، منها اسم البابا يوسف مقار والولادة بمقر الكلية الأمريكية للبنات بالقاهرة، واغتيال رئيسة دير الراهبات بالمدرسة، وأخيراً طرده طفلاً عند وفاة الملكة فريدة.
القصة التي يرويها محي الدين حملت بعض الإشارات القليلة التي يمكن تتبعها للتأكد من صحتها، بحث رصيف22 من خلالها لتقصي الحقيقة
استقصاء وتحرٍ
للعثور على مزيد من المعلومات المتصلة برواية محي الدين، تتبع رصيف22 تاريخ مدرسة راهبات الكلية الأمريكية في القاهرة، وقد نشأت في رعاية كنيسة إنجيلية أمريكية، وتتبع الكنيسة الإنجيلية المشيخية المصرية "سنودس النيل" روحياً. وبحسب الأرشيف الرسمي للكنيسة، لم يكن من بين قساوستها على مدار تاريخها القصير في مصر قس أو شيخ يدعى يوسف مقار.
كما أن الكنيسة المشيخية هي كنيسة بروتستانتية بلا "بابا"، إذ تعتمد نظاماً ديمقراطياً "مشيخيّاً" مستمد من رؤيتها للإنجيل، وتنتخب الكنيسة مجلساً من الشيوخ والشمامسة ليكونوا معاً رأس الكنيسة.
لا توجد حوادث أخرى مسجلة لاغتيال راهبات أو مقتلهن في ظروف غامضة خلال عقدي الخمسينيات والستينيات
ولا تحوي مدرسة أمريكان كوليدج، وهي مدرسة الراهبات الأمريكيات الوحيدة في القاهرة، مستشفى داخل حرمها الواسع في منطقة رمسيس، بل عيادة مجهزة، ربما هي المكان الذي قامت فيه الراهبات بمساعدة الملكة فريدة على الإنجاب.
بالبحث في أرشيف الكنائس الإنجيلية الأمريكية التي تتصل بها المدرسة، والدير الذي يقول محي الدين إنه ولد فيه، لم يجد رصيف22 واقعة مسجلة مؤكدة لمقتل راهبة في مصر خلال الفترة التي يعتقد أنها شهدت طفولته، إلا مقتل الراهبة "الأخت أنتوني" في تبادل إطلاق نار بين أفراد من المقاومة المصرية والاحتلال البريطاني في منطقة قناة السويس عام 1952، أي قبل العودة المفترضة لفاروق وفريدة، وإنجاب ابنهما المجهول.
ولا توجد حوادث أخرى مسجلة لاغتيال راهبات أو مقتلهن في ظروف غامضة خلال عقدي الخمسينيات والستينيات.
رواية محي الدين
بحسب محي الدين، فإنه لم يلتق والده الملك فاروق البتة. أما الملكة فريدة، فقد رآها خمس مرات في حياته، الأولى في المدرسة الحكومية التي نقل إليها بعد تغيير اسمه وتوجد في شبرا، والثانية عندما زارته في منزل الأسرة التي تولت تربيته، ثم التقاها في أحد محال الأنتيكات التي تتعامل معها، والمرتان الأخيرتان في المقطم حيث كانت تحب الذهاب إلى هناك، لأن المنطقة -كما قالت له- يوجد فيها مقابر الصالحين في مصر قبل دخول الإسلام. يذكر أن فريدة عاشت في مصر بعد رحيل الأسرة المالكة، وظلت فيها حتى عام 1964، ثم عاشت في باريس حتى عام 1974، وعادت إلى مصر حيث عاشت 14 عاماً إلى أن وافتها المنية في منطقة المعادي (جنوب القاهرة) عام 1988. أي أنها عاشت في مصر أطول مما عاشت خارجها عقب حركة الضباط. ولم يذكر محي الدين أية معلومات عن لقائه بها أو علاقتهما خلال فترة حياتها في مصر حتى وفاتها.
يبرر محي الدين صمته وابتعاده عن والدته بخوفه من أجهزة الأمن في عهد مبارك ورجاله الذين ضايقوه كثيراً، وعرقلوا عمله
يبرر محي الدين صمته وابتعاده عن والدته بخوفه من أجهزة الأمن في عهد مبارك ورجاله الذين ضايقوه كثيراً، وعرقلوا عمله. أما شهادة الميلاد الأصلية المدون فيها اسما الوالدين الحقيقيين، فيزعم أنها كانت ضمن مقتنيات الملكة فريدة وحرقتها شقيقاته بعد وفاتها.
وأكد محي الدين لرصيف22 أنه لا يريد، بإعلانه المذكور آنفاً، الحصول على أية ألقاب ملكية، وأن الملكة فريدة أوصت له بثروة كبيرة. كما أنها صكت باسمه نياشين مسجلة في الجمعية الملكية الدولية.
أخيراً، فإن البرنس المحتمل الذي يعمل كمحكم قضائي وخبير تحف وانتيكات، لا يمتلك ما يمكن أن يثبت به نسبه إلى الملك فاروق، سوى بعض النياشين التي تحمل اسمه، وصورة للملكة فريدة تحمل طفلاً يقول إنه هو، وأسماء شخوص يستشهد بها ويقول إنهم يمتلكون الحقيقية، منهم "أم هويدا" السيدة التى عهدت لها الملكة فريدة بتربيته، وزوجها برنس توفيق الذي نسب إليه، وراهبات مدرسة الراعي الصالح بشبرا، وهي مدرسة تابعة لكنيسة الأقباط الكاثوليك في مصر، أسستها راهبات كاثوليكيات فرنسيات عام 1845. وحاول رصيف22 التواصل مع بطريركية الأقباط الكاثوليك للتأكد من صحة ما قاله محي فاروق لكننا لم نتمكن من التواصل مع أي من المسؤولين في الكنيسة.
لجأنا إلى الدكتورة لوتس عبد الكريم للتأكد من صحة المعلومات، إذ جمعتها صداقة لصيقة بالملكة الراحلة فريدة.
أكدت مؤسِّسة مجلة شموع الثقافية صحة زواج الملكين فاروق وفريدة مرة أخرى سراً، بعد نفي فاروق إلى خارج مصر. لكنها تنفي تماماً أن تكون الملكة فريدة قد أنجبت من الملك فاروق ولداً. مؤكدة أن فريدة كانت تزور الملك فاروق سراً على فترات متباعدة. ومضيفة "الملكة فريدة كانت تعيش معي فكيف ومتى حملت وأنجبت". وترى أن الحديث عن وجود ولد لها من الملك فاروق "محض افتراء وإساءة لتاريخ صديقتي وحبيبتي التي رافقتني السنوات الأخيرة وجمعني بها حب الفن".
لوتس عبدالكريم: "ندمت [فريدة] أشد الندم على طلاقها من فاروق، وبعد الثورة عرض عليها جمال سالم الزواج فنهرته، ورفضت أن تفعل مثل أميرات أخريات وافقن على الزواج من بعض رجال عبد الناصر ليحتفظن بأموالهن ومجوهراتهن"
وتقول عبدالكريم لرصيف22: "كانت المشكلة التي أنهت الزواج بين فاروق وفريدة عدم إنجابها ولياً للعهد، وكانت كلما أنجبت فتاة ثار فاروق وهاج وماج. وفي المرة الثالثة حدثت بينهما جفاء رهيب، استسلمت فريدة بعده للمهدئات ودخلت في نوبات اكتئاب".
وفي رواية عبدالكريم: "ندمت [فريدة] أشد الندم على طلاقها من فاروق، وقالت إنها تسرعت في اتخاذ هذا القرار الناجم عن صغر سنها وعن نصائح المغرضين الذين أوغروا صدرها وأوعزوا لها بالطلاق. لكنها ظلت تحب فاروق حباً جماً، ورغم عروض الزواج الكثيرة فقد رفضت الاقتران بغيره. وبعد الثورة عرض عليها جمال سالم الزواج فنهرته، ورفضت أن تفعل مثل أميرات أخريات وافقن على الزواج من بعض رجال عبد الناصر ليحتفظن بأموالهن ومجوهراتهن".
وتعليقاً على ما قاله "البرنس محي الدين" أن والدته أوصت له بثروة كبيرة، قالت الكاتبة لوتس عبدالكريم إن صديقتها الملكة فريدة لم تترك معها أية وصية على الإطلاق.
على العكس من الدكتورة لوتس، ينفي رجل الأعمال والمؤرخ المتخصص في تاريخ أسرة محمد علي والمقرب منها الدكتور ماجد فرج، عودة الحياة الزوجية بين الملك فاروق والملكة فريدة ـ ويضيف: "لو حدث لعلم كل أفراد الأسرة. ليس من مقام الملكين أن يتزوجا سراً. ولو كان الملك فاروق قد أنجب ابناً من الملكة فريدة لطار فرحاً وأعلن هذا للجميع".
ويشير فرج إلى أن "هناك الكثير من الأشخاص ادعوا انتماءهم للأسرة المالكة، وثبت كذب زعمهم فيما بعد".
وأكد الباحث الذي يعتبر متحدثاً باسم الأٍسرة في مصر أن الأسرة "لن ترد على البيان المنشور ممن يزعم نسبه للملك فاروق"، وأنه لن ينقل الأمر لجلالة الملك أحمد فؤاد الثاني أو يناقشه فيه. ونابع: "هذا الادعاء لا يستحق عناء الرد، خصوصاً أن صاحبه وقع في عدة أخطاء تتعلق بتاريخ طلاق الملكة فريدة وتاريخ وفاتها".
"البرنس عباس حلمي" ابن الخديوي عباس حلمي الثاني وحفيد الخديوي توفيق، وحفيد آخر السلاطين العثمانيين من ناحية والدته، وأحد أبرز أفراد الأسرة العلوية الذين لا يزالون في مصر ومؤسس جمعية أصدقاء قصر المنيل، نفى هو الآخر وجود ابن آخر للملك فاروق بخلاف الملك أحمد فؤاد الثاني وشقيقاته الثلاث المتوفيات.
في حين نفى أن تكون لديه معلومة مؤكدة حول عودة العلاقة الزوجية بين الملك فاروق والملكة فريدة.
وجدد المهندس مصطفى الدمرداش، زوج الأميرة فيمي ابنة الأميرة فائقة ابنة الملك فؤاد رفض الأٍسرة التعليق على "ادعاءات" وجود ابن آخر للملك فاروق، واعتبر أن "الأمر لا يستحق عناء الرد"، إذ لا توجد وثائق تثبت عكس المقرر تاريخياً بأن الملك الراحل ليس له سوى ابن واحد هو الملك أحمد فؤاد.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون