يحتاج أبو إبراهيم، وهو رجل خمسيني يقيم في مخيم نهر البارد في شمال لبنان، إلى دواء كل عشرة أيام تبلغ كلفته مليوني ليرة، أي ما يُعادل تقريباً الـ90 دولاراً وفق سعر الصرف في السوق السوداء. هو لا يستطيع تأمين المبلغ، ولذلك طرق أبواب الفصائل الفلسطينية، والجمعيات الخيرية، وقبل ذلك عمد إلى طلب المساعدة من "الأونروا" كونها الجهة الأممية المنوط بها حماية حقوق الشعب الفلسطيني، وتأمين العلاج والدواء والتعليم وغيرها من الخدمات، لكن محاولاته باءت بالفشل، إذ لا أحد يريد أن يساعده، أو يهتم بالوقوف إلى جانبه.
يقول محمد قاسم، من المخيم نفسه، وهو ناشط ضمن الحراك الشبابي الفلسطيني، إن "حالة أبي إبراهيم لم تستجِب لها الأونروا ولا الفصائل، فاضطررنا نحن في الحراك إلى أن نؤمن له العلاج، وقسمنا أنفسنا إلى أربع فرق، ورحنا نجمع ثمن العلاج له من أيدي الفقراء، فأحدهم يدفع عشرين، وآخر خمسين ألف ليرة، وبقينا هكذا إلى أن استطعنا توفير العلاج له، لكن إلى متى سيستمر هذا الوضع؟".
تُعاني المخيمات الفلسطينية في لبنان من حرمان كبير، ازداد في ظل الأزمة التي يمر بها البلد، وبرأي قاسم، "الفلسطيني محروم من أبسط مقومات الحياة، والناس لا يستطيعون تأمين قوت يومهم؛ لا الدواء ولا الخبز ولا حتى حليب الأطفال، هناك عدد كبير من الأطفال باتوا ينامون من دون عشاء".
تُعاني المخيمات الفلسطينية في لبنان من حرمان كبير وتهميش ممنهج، ازداد في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها البلد
وفي ظل هذا الواقع وغياب الرعاية، سواء من الفصائل الفلسطينية أو من منظمة الإغاثة التابعة للأمم المتحدة، قررت مجموعة من الشُبان أن ترفع الصوت في وجه "من تركوهم". يقول قاسم: "في مخيم نهر البارد نعيش في حرمان كبير، لا إغاثة ولا إعانة، وحتى رغيف الخبز صار تأمينه صعباً، في المقابل هناك من بدأ بسياسة تقليص الخدمات، وأقصد هنا الأونروا، لكننا سنرفع الصوت".
خطوات الحراك
مؤخراً، دعا الحراك الفلسطيني الموحد في لبنان إلى تصعيد تحركاته في وجه الأونروا، مطالباً المرجعيات الوطنية والفصائلية بالتحرك الدائم أمام سفارات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والدول المانحة للأونروا، تلبيةً للمطالب العاجلة المتمثلة في تأمين إغاثة مالية طارئة ومستدامة لكل الفلسطينيين، وتوسيع قاعدة المستفيدين من برنامج العسر الشديد (الشؤون)، والاستشفاء لكل اللاجئين بواقع 80% على أقل تقدير، والإسراع في إنهاء ملف مخيم نهر البارد بكل تفرعاته، بالإضافة إلى بدل مواصلات عادل للطلاب الذين تبعد مدارسهم عن مكان سكنهم بما يزيد عن ثلاثة أمتار.
وتستمر اعتصامات الحراك وتحركاته، وقامت مجموعة منه في 17 آذار/ مارس الحالي، بإغلاق الطريق المؤدي إلى مقر الأونروا في وسط بيروت ومنعوا الموظفين من الدخول، مطالبين بخطة طوارئ إغاثية سريعة.
ويقول إبراهيم ميعاري، وهو من شباب الحراك، إن "الخطوات التي يقوم بها الحراك الفلسطيني الموحد تهدف إلى استرجاع حقوق اللاجئين الفلسطينيين المسلوبة، وقد اتخذ الحراك هذه الخطوات، لأننا لمسنا سياسة التقليص المتبعة من قبل الأونروا، وسياسة اللا مبالاة وإدارة الظهر لمطالب الشعب الفلسطيني، إذ إن هذه السياسة هي سياسة ممنهجة لضرب قضية اللاجئين، وضرب حق العودة وشطبه، لأننا نرى أن الأونروا هي رمز لوحدة قضية اللاجئين".
قامت مجموعة من الحراك بإغلاق الطريق المؤدي إلى مقر الأونروا في وسط بيروت مطالبين بخطة طوارئ إغاثية سريعة
وينطلق من الإشارة إلى الوضع الاقتصادي الذي يمر به البلد المضيف (لبنان)، والذي يؤثر سلباً على الوضع المعيشي داخل المخيمات، ليشير إلى "أننا غير معزولين عن محيطنا، ومما لا شك فيه أن المخيمات صارت تقع تحت خط الفقر المدقع بنسبة 65%، وأصبحنا نعيش في ظل شجع التجار الذين لا يملكون سوى الاستغلال، وطمعهم".
ويُحاول الحراك حسب ميعاري، "فتح قنوات للتواصل مع القوى الفلسطينية للحوار الإيجابي، لاتخاذ قرارات مركزية لدعم الناس، لأننا ندرك أن المعركة سياسية بامتياز، وهنا لا بد للفصائل أن تؤدي دوراً مهماً، ولكن إذا لم تقم الفصائل بأية خطوة إيجابية لحل معاناة الناس وأوجاعهم، سنقوم بمعركة استرجاع الحقوق من مغتصبيها، وإن ظلت تنتهج سياسة اللا مبالاة، فهذا سيجعلنا أمام خيار اتخاذ خطوات تصعيدية في وجه القوى والفصائل، للقيام بدورها بالضغط على الأونروا".
عداء الفصائل
لكن نظرة الفصائل، أو جزء منها، إلى الحراك بدت وكأنها سلبية تماماً، إذ يقول مسؤول حركة حماس في لبنان أحمد عبد الهادي، إن "الحراك ليس موحداً، فهم مقسمون إلى ثلاثة أقسام، منهم من هم وطنيون وحريصون على خدمة الشعب الفلسطيني، وهناك قسم منهم وهو صغير، يتم توجيهه من قبل بعض الجهات الفلسطينية، وهناك جزء آخر يوجَّه من قبل السفارات وغيرها".
يضيف: "تلك الأقسام الثلاثة في بعض الأحيان تتوحد، وتسمّي نفسها الحراك الموحد، ونحن كنا قد أخبرناهم خلال لقائنا بهم، وخصوصاً الصامدين منهم، بأننا مثلهم حريصون على مصلحة شعبنا الفلسطيني، وخاصةً في هذه الظروف الصعبة، وطلبنا منهم توحيد الموقف والتحرك معاً، لكنهم لم يتوحدوا معنا، وقاموا بالتحركات وحدهم".
بعد كل ذلك، حسب عبد الهادي، "يعاتبوننا ويطالبوننا بالوقوف إلى جانبهم"، مشيراً إلى أنه ليس مع بعض الخطابات الخاوية التي صدرت من بعض الفصائل، "لأن هناك أشخاصاً مخلصين في الحراك، يتحركون من أجل خدمة الناس".
يعتبر شباب الحراك أنه لا بد للفصائل أن تؤدي دورها وتهتم وتتابع شؤون اللاجئين، وإذا لم تفعل، يقول الحراكيون إنهم سيخوضون معركة استرجاع الحقوق من مغتصبيها
في المقابل، يرفض قاسم كلام عبد الهادي، ويقول: "نحن حراك موحد من شمال لبنان إلى جنوبه، وفي كل المناطق والتجمعات، وليس بيننا من هو تابع للسفارات، أو يتلقى أوامر منها، وليس بيننا من هو مشبوه، وما يقال ما هو إلا حجج واهية.
برأي قاسم، انقسام الفصائل في ما بينها هو الذي يضيع حقوق الناس، فيما "من يُطالب بهذه الحقوق ويعمل لمصلحة الناس فحسب، أي الحراك، هو بالتأكيد موحد، ولا يعمل لأي طرف كان، ولا يشتغل لحساب أحد".
الواقع الصعب
يعيش لبنان منذ منتصف عام 2020، أزمةً اقتصاديةً حادةً، أدت إلى انهيار العملة وتوقف قطاعات كثيرة عن العمل، ومنها على وجه التحديد قطاعات العمل الحر، كالحدادة والبناء وورش العمل الصغيرة، كالنجارة والدهان، وهذه المهن يعمل فيها لاجئون فلسطينيون بصفة عمال مياومين، وما ضاعف الأزمة هو حالة الإغلاق العام التي تكررت جراء تفشي جائحة كورونا، ما ساهم في زيادة معدلات البطالة.
أقرت الحكومة اللبنانية عام 2017، وثيقة "رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان"، وتنص على أن يحوز الفلسطيني إجازة عمل مجانيةً
يذكر أحمد، وهو صاحب محل لبيع الخضار في مخيم عين الحلوة، أن "الأوضاع الاقتصادية تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فغالبية الناس بلا عمل، وبالطبع مرد ذلك إلى سوء الأوضاع الاقتصادية الحاصلة اليوم، وعدم السماح للفلسطيني المقيم في لبنان بمزاولة العمل"، ويشير إلى أن "الأوضاع الاقتصادية بدأت تتراجع منذ أن أعلن وزير العمل السابق كميل أبو سليمان، في تموز/ يوليو عام 2019، عن عدم السماح للعامل الفلسطيني بالعمل إلا بعد حصوله على إجازة عمل من قبل مشغّليه، وهذا صعب جدّاً خاصةً أن هناك بعض المحال الصغيرة وورش البناء التي لا تعمل بهذا القرار تهرباً من دفع الضرائب".
وأقرت الحكومة اللبنانية عام 2017، وثيقة "رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان"، وتنص على أن يحوز الفلسطيني إجازة عمل مجانيةً، من دون تحديد المستندات الواجب تقديمها من أجل الحصول عليها، مع الاكتفاء باستدعاء موقّع من صاحب العلاقة من دون أي إفادة أو سند صادر عن العمل، غير أن أبو سليمان اشترط حينها عند تقديم المستندات إبراز عقد عمل موقع من العامل وصاحب العمل.
في المقابل، أصدر وزير العمل إبراهيم بيرم، في كانون الأول/ ديسمبر 2021، قراراً يسمح من خلاله للفلسطينيين بمزاولة مهن كانت محصورةً في السابق باللبنانيين، إلا أنه أرفقها بمجموعة إجراءات صعّبت تطبيق القرار، ولاحقاً أوقف مجلس شورى الدولة العمل به.
كان أحمد، مثله مثل غالبية الفلسطينيين، يعيش حياةً أفضل. هو اليوم لا يستطيع أن يضع أسعاراً خياليةً على مبيعاته، فما يُضيفه إلى سعر الجملة هو ألف ليرة فقط لا غير. ويُحمّل أحمد وغيره من أصحاب المحالّ الصغرى، وكذلك الحراك الفلسطيني، منظمة التحرير الفلسطينية مسؤولية وضع الناس. يقول: "لو يتم اقتطاع دولارين من كل شخص يتقاضى راتباً من فتح وغيرها من التنظيمات، ويتم التبرع بهذه المبالغ لأشخاص لا يتقاضون رواتب من الفصائل، وليس لهم أقارب في الخارج، لساهموا في مساعدة الناس نوعاً ما، ولخففوا من معاناة كثيرين".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون