شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
الأمن الغذائي صار رفاهةً... موائد العراقيين خاوية في رمضان

الأمن الغذائي صار رفاهةً... موائد العراقيين خاوية في رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

السبت 19 مارس 202203:08 م

لم يفكر المواطن العراقي الذي يُنتج بلده ما يتجاوز أربعة ملايين برميل نفط يومياً، بالإضافة إلى عائدات أخرى مثل المنافذ الحدودية والمسارات الجوية والموانئ وغيرها من عوامل الدخل الواسعة، في أنه سيمرّ بأزمة غذائية بعد الحصار الذي مر به خلال تسعينيات القرن الماضي، والذي استطاع تجاوزه نتيجة برنامج النفط مقابل الغذاء مع توافر البطاقة التموينية وتشمل مواد غذائيةً متنوعةً وكل ما يحتاج إليه النفر العراقي.

مع بدء الأزمة الغذائية الجديدة التي كان بطلها تخفيض سعر الدينار العراقي أمام الدولار، ارتفعت الأسعار بشكل ملحوظ في السوق العراقية، وجاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتكمل الأزمة في بلد يعتمد بشكل رئيسي على الاستيراد في توفير أغلب احتياجاته من الغذاء، الأمر الذي أدى إلى زيادة كبيرة في الأسعار.

لم توفر الحكومة العراقية حلولاً للأزمة الغذائية غير تخصيص مبلغ مئة ألف دينار عراقي (ما يُقارب 69 دولاراً)، لعدد محدود من الناس

وفي ظل ذلك كله، لم توفر الحكومة حلولاً غير تخصيص مبلغ مئة ألف دينار عراقي (ما يُقارب 69 دولاراً)، لعدد محدود من الموظفين وأصحاب رواتب الرعاية الاجتماعية، وتُصرف لمرة واحدة، فيما يعاني العراقيون من تراجع حاد في قيمة البطاقة التموينية التي لا تكفي.

لم تُشجع هذه الحلول الخجولة المواطنين على الشعور بالأمان، لا سيما وهم يتهيأون لاستقبال شهر رمضان الذي اعتادوا أن يتحضروا له مسبقاً من خلال توفير المواد الغذائية اللازمة لموائد هذا الشهر، وتسود المجتمع العراقي حالة من الخيبة بسبب ما وصفوها بإجراءات حكومية خجولة لا تُقدم حلولاً واضحةً للسيطرة على أسعار السوق الآخذة في الارتفاع، فضلاً عن غياب المساعدات الضرورية التي تسد حاجة العوائل المتعففة وصاحبة الدخل المحدود.

نحو الأسوأ

يقول المواطن باسل عباس لرصيف22،، إن "رمضان القادم سيكون الأصعب الذي يمر علينا كعراقيين، لأنه يتزامن هذا العام مع الارتفاع غير المسبوق في أسعار المواد الغذائية، والارتفاع السابق الموجود أصلاً بسبب خفض قيمة الدينار العراقي أمام الدولار".

هو لا يعلم كيف يتصرف وليست لديه أي خطة لتجاوز هذه الأزمة التي يُحمّل مسؤوليتها للحكومة التي رفعت في البداية سعر صرف الدولار، ولم تضع أي خطط لمواجهة الأزمة العالمية المتأتية من الحرب على أوكرانيا، والوضع من سيء إلى أسوأ.

ينتقد عباس غياب التخطيط الحكومي أو عقمه، "فبدلاً من تخفيض سعر الدولار تزامناً مع هذه الأزمة، تمسّكت الحكومة بسعره المرتفع على حساب المواطنين بالرغم من وجود الوفرة المالية وارتفاع أسعار النفط وبيع كميات كبيرة بشكل يومي"، لكنه يُبقي على بصيص أمل بأن تجد الحكومة حلاً من دون التذرع بذرائع كاذبة كالبطاقة التموينية التي هي حبر على ورق، ولا تكفي ليومين في شهر رمضان.

إجراءات خجولة

يقول الخبير الاقتصادي حازم هادي لرصيف22، إن "الحرب الدائرة في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا لها تأثير كبير على المنطقة، لا سيما على إنتاج السلع الاستهلاكية والكل يعرف أن أوكرانيا هي مصدر غذائي للمنطقة وهذا التأثير صاحبه ارتفاع في أسعار الطاقة التي تُعدّ إحدى الكلفات لإنتاج الكثير من السلع وتأثيرها كان كبيراً جداً ما ولّد ارتفاعاً في الأسعار انعكس على السلع المستوردة لا سيما في العراق".

بدلاً من تخفيض سعر الدولار تزامناً مع الأزمة، تمسّكت الحكومة بسعره المرتفع بالرغم من الوفرة المالية وارتفاع أسعار النفط، يُردد المواطن العراقي وهو يرى ثروات بلاده تُهدر وهو يبحث عن لقمة عيشه

ويضيف: "السبب الرئيسي لارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في السوق المحلية هو التحوّط من قبل التجار لتفادي أي ارتفاع آخر، لا سيما مع اقتراب شهر رمضان الذي يتطلب توفير سلع غذائية للعائلة العراقية، كذلك ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الدينار بنسبة 23%".

ويرى هادي أنه "كان على الحكومة العراقية أن تلجأ إلى معالجة الدائرة السلبية للارتفاع الذي حصل في صرف الدولار، ومنها أن توزع البطاقة التموينية وتحسّن المستوى الغذائي كما ورد فيها وكذلك الحال أن تدفع للرعاية الاجتماعية وتفرض السيطرة على السوق والأسعار والاحتكارات، لكن الواقع أنها عاجزة عن تنفيذ هذه الخطط".

الورقة البيضاء

وكانت الحكومة العراقية قد أطلقت نهاية عام 2020، ما أسمته بالورقة البيضاء والتي تتضمن خمسة محاور لتحقيق الاستقرار المالي المستدام، وتحقيق إصلاحات اقتصادية كلية، وتوفير الخدمات الأساسية وتطوير الحوكمة والبيئة القانونية، وتحسين البنى التحتية الأساسية، وتوفير الخدمات الأساسية.

ويرى هادي أن الورقة التي تولاها المخطط المالي لم تنجح في توفير الخدمات والسلع للمواطنين، واقتصرت على تحسين مستوى الاحتياطي في البنك المركزي، كذلك ساهمت بشكل سلبي في زيادة التدفقات النقدية عن طريق السلف وفتحها للمواطنين ما أدى إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات.

وفي سياق متصل، لم تستطع الحكومة تقديم الرعاية اللازمة في ملفات عديدة، منها ملف التجارة وإدارة السلع والاستيراد والإنتاج، فهي لا تزال تواجه نفوذ الأحزاب في كل ملف، ولجانه الاقتصادية الفاسدة، ودائماً ما يدفع المواطن ثمن ضعفها في مواجهة المتغولين في إدارات البلد.

 الحكومة العراقية أطلقت نهاية عام 2020، ما أسمته بالورقة البيضاء والتي تتضمن خمسة محاور لتحقيق الاستقرار المالي المستدام

يقول التاجر حسن الشيخ زيني، إنه "كان يتوقع أن يكون هناك استقرار في الأسعار ونمو اقتصادي، ولكن تفاجأنا بالحرب الروسية على أوكرانيا التي أدت إلى زيادة الضغط على الأسواق وارتفاع أسعار النفط التي زادت من أسعار المواد وعملية شحنها ما وضع شركات الشحن في مأزق حقيقي في ما يخص عملية نقل البضائع وتوريدها، وتالياً فإن الغلاء عالمي وليس محلياً".

يشير زيني أيضاً إلى أن تغيير سعر صرف الدولار أدى إلى ركود الأسواق بشكل واضح جداً بسبب عدم القدرة الشرائية، وأصبحنا أمام كساد بسبب ارتفاع الأسعار، متوقعاً ألا ترتفع أكثر قبل رمضان مثل كل عام، لأن كثيرين من العراقيين ملأوا بيوتهم بالسلع الرئيسية خوفاً من المجهول، منتقداً تصريحات وزارة التجارة العراقية التي وصفها بـ"غير المسؤولة وغير الدقيقة"، بعدما قالت إنها أمّنت الموسم والوضع الغذائي وهذا غير صحيح.

واتخذ مجلس الوزراء العراقي مجموعة قرارات لمواجهة أزمة غلاء السلع والمواد الغذائية في السوق العراقية، وكانت من بينها منحة حكومية بقيمة مئة ألف دينار لمرّة واحدة باسم "منحة غلاء معيشة"، وتُقدّم إلى فئات معدودة، وتصفير الرسم الجمركي على البضائع الأساسية من المواد الغذائية لمدة شهرين، وإطلاق حصتين للمواد الغذائية في البطاقة التموينية، والبدء بإجراءات توفير حصة شهر رمضان وإعادة النظر في موازنة البطاقة التموينية وغيرها من الإجراءات الأخرى التي لم تنعكس بشكل إيجابي على المواطنين، ولم تغيّر من واقع الحال المزري الذي تعيشه الشرائح المتعففة ومتوسطة الدخل.

ينتظر المواطن العراقي شهر رمضان ويستعد لتجهيز بيته بما يوفره السوق، إلا أنه يقف عاجزاً ووحيداً أمام الغلاء المستشري والتلاعب بأسعار العملة وتوليد الأزمات المتلاحقة.  

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard