شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
شجرة أوكرانيا وغابة الجوار الأوروبي

شجرة أوكرانيا وغابة الجوار الأوروبي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 4 مارس 202212:33 م

على خلاف الخط الملحمي العربي، و"التغريبة" علمٌ عليه، يَمَّمَت الفتوح الجرمانية، والألمانية جزء منها، وجهها إلى الشرق. و"التشريق" هو شعار الحملات "القبلية" الجرمانية من السلطان أوتون الأول (912-972)، وفرسان التيتون إلى "بليتزغريغ" (الاجتياح الصاعق) أدولف هتلر في صيف 1941.

ويردّ فلاديمير بوتين، اليوم، الصاع النازي والألماني صاعاً روسياً معكوساً. فتهاجم قوّاته غرب روسيا القريب، أوكرانيا. ويمثِّل الرئيس الروسي على "الغرب" كله، الرأس المتقدّم من "أوراسيا" منظّره الاستراتيجي ألكسندر دوغين، بأوكرانيا الغربية.

ويعلل اجتياحه الصاعق، وسعيه المعلن في تدمير القوات الأوكرانية وتقويض أبنية دولتها الوطنية، بذريعتين متناقضتين ومتدافعتين: 1) استعادة الأرض الأوكرانية "الحبيبة" إلى حضن الأرض الأم، "عموم الروسيا"، على ما كان العثمانيون يكتبون، وتحريرها من الوباءَيْن الدخيلين، الديمقراطية الليبرالية والنازية. 2) "معالجة" ميول الشعب الأوكراني الأوروبية، منذ إعلانه الاستقلال في 1992 في استفتاء اقترع فوق 90 في المئة من الأوكرانيين فيه بـ"نعم"، وإدراجه في دستوره انضمامه إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي هدفين ثابتين.

العدوى الغربية

فأوكرانيا، على هذا، جزء أصيل و"سليب" من الوطن الروسي الكبير، ودولة دخيلة على النظام السياسي والأمني الإمبراطوري الذي خلف السلطنة السوفياتية الراحلة. وفي كلا الحالين، الأصالة والدخالة، تنتسب أوكرانيا إلى الغرب الأوروبي على وجهين مقلقين، يحرّكان نازعين عدوانيين إما صوب الداخل (الاقتطاع والاستعادة)، وإما صوب الخارج (التصدّي والمدافعة).

وأوكرانيا، أو "الروس الكييفية"- على ما كان اسمها بين القرن التاسع والقرن الثاني عشر الميلاديين، قبل استواء "الموسكوب" سلطنة أو إمارة عريضة تضم "الأقيال" أو الأشراف المحليين- مرآة تنازع روسي قديم ومعلّق بين القطب "السلافي" الفريد والخاص، وبين القطب الأوروبي، "الخارجي"، العقلاني والفردي والمادي، على قول أصحاب الأصالة والفرادة السلافيّتيْن، والأوراسيويّتيْن اليوم. وهذا شأن دول ومجتمعات حزام الصقيع على حدود روسيا الغربية، فنلندا والسويد وجمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا، إلى رومانيا والمجر ومولدافيا، على قدر أقل.

والترجُّح بين الضم والاستيعاب ومدّ النفوذ القسري وبين التحصُّن بهذه الدول من العدوى الغربية وتشييد الأسوار الواقية منها، يكاد يكون سمة فارقة وثابتة، حديثة، من سمات تعقيد العلاقات الروسية-الأوروبية، وأزمة هذه العلاقات المزمنة. فقامت "عموم الروسيا"، وهو اسم على مسمى، على التوسُّع غرباً وجنوباً وشرقاً. فامتدت من أقصى الشرق الياباني والصيني إلى شرق أوروبا وبينهما آسيا الوسطى. واقتطعت أراضي وأقاليم كثيرة من الإمبراطوريات التي تسوّرها: من فارس والسلطنة العثمانية واليابان والصين والسهوب القطبية، ومن السويد وليتوانيا والبلدان السكندنافية المتاخمة.

وضَوَت "عموم الروسيا" عدداً كبيراً من الشعوب والأقوام والأنظمة السياسية والأبنية الاجتماعية والثقافات المختلفة والمتباعدة. وصَهْرُ هذه الزركشة في إطار متصل ومتماسك يفوق قدرات دولة وطنية بين أقوامها وطبقاتها وبلادها أو مناطقها لحمة سياسية قوية، فكيف بطاقة دولة استبدادية و"عمودية"؟

والولايات المتحدة الأميركية هي المثال النقيض على مشكلة الصهر الروسية. وكان ابتكار "الوطنية الدستورية"- أي تعريف الرابطة السياسية الداخلية بإجراءات حقوقية وقانونية عامة ومشتركة، وبترتيب العلاقات بين السلطات والهيئات والمراتب على الموازنة بينها- حلاً تقريبياً جمع بين المركزية التنفيذية وبين الاستقلال المحلي والثقافي. وتجافي "الوطنية الدستورية" هذه الأوتوقراطية القيصرية، والكليانية (الشمولية) السوفياتية، مجافاة حادة.

المعالجة بالتوسُّع

وأرست القيصرية المضطربة والمتزعزعة (سياسياً بين الأشراف واجتماعياً بين الطبقات) "السلم الأهلي" الروسي على التوسُّع، والتحصُّن من الإمبراطوريات والبلدان المتاخمة، وعلى أبنية اجتماعية قاهرة وبالية، وثقافة دينية وعرقية محافظة، ومناهضة للغرب التنويري وللإسلام العثماني معاً. وحين تحرّر شطر متعاظم من النُّخب الروسية، الاجتماعية والثقافية، من السجن القيصري، الأرثوذكسي والسلافي، حال ضيق دائرة هذه النخب، وترجّحها المعلّق والمرهق بين قطبيْ الفرادة والعمومية، وخروجها عن المشترك الروسي الشعبي والمنكفئ، حالت هذه مجتمعة دون نضوج صيغة تواصل وتفاهم ومعامَلة جامعة.

"الولايات المتحدة الأميركية هي المثال النقيض على مشكلة الصهر الروسية. كان ابتكار ‘الوطنية الدستورية’ حلاً تقريبياً يجمع بين المركزية التنفيذية وبين الاستقلال المحلي والثقافي، ويجافي الأوتوقراطية القيصرية، والكليانية (الشمولية) السوفياتية"

وتصوَّر "العامل الغربي" (أي التأثيرات المتفرقة الصادرة عن الغرب الجغرافي والسياسي الاجتماعي والفكري)، في صورة النزعات القومية الوطنية الاستقلالية، أو الضوابط الدستورية الليبرالية، أو الدعوات إلى المساواة... أي في صورة الباعث على الشقاق والنزاع والاختلاف والإنكار والفردية والمنافسة والسطو على الموارد والاستعمار. وخالف هذا نازعاً روسياً- وهو نازع يغلب على المجتمعات الانتقالية التي تقوم لحمتها الغالبة في حقبة ما بعد التقليد على تماسكٍ عصبي متصدّع- جميعياً، على ما تسمّيه الاجتماعيات المشتركة. والنازع الجميعي هو على الضد من النازع الفردي. واستقى الاستشراف الخلاصي الروسي مادته من معين هذه النزعة.

والاستيلاء على الغرب الجغرافي، أو على الشطر القريب منه، وراء ستارةٍ "صليبية" تنقّلت بين صيغ أخروية وطوباوية متفرقة ومتناقضة، هو الأيسر والأقرب إلى المتناول. وعلى الأخص إذا كانت الدولة المستولية لا تملك من عوامل القوة والسيطرة إلا آلة عسكرية متضخّمة، قياساً على الموارد البشرية والاقتصادية والتقنية العلمية التي تحوزها الدولة.

واختبرت روسيا القيصرية، وروسيا السوفياتية من بعدها، وجوه استعمال الأرض الروسية الشاسعة، واصطفاف بلدان الفتوح والضم حاجزاً صادّاً على طريق الفاتحين الأجانب. فحين غزا نابليون الأول الفرنسي الروسيا هذه، في 1812، وأراد تتويج حروبه القارية على قيصرها ورأس الحلف الأوروبي "الرجعي"، لجأ قائد الجيوش الروسية، ميخائيل كوتوزوف (1745- 1813)، إلى ما سمّاه الروائي الكبير ليون تولستوي، في روايته "الحرب والسلم"، "حرب قوم الشاش"، وهي صنف من الحرب يقضي بتملّص المحارِب الضعيف من الاشتباك، والتوغُّل في أراضيه العميقة، واستدراج عدوّه إلى اللحاق به. وفي 1941، غرقت الجيوش الألمانية المدرّعة في العمق الروسي "الشاشي".

وعندما خرج النظام السوفياتي من "اشتراكية الدولة الواحدة" والمطوّقة، على خلاف "أممية النوع البشري" (النشيد الأممي) و"فيديرالية الجمهوريات الاشتراكية"، واستولى، في ختام الحرب العالمية الثانية على بلدان شرق أوروبا، وأسدل "ستاره الحديدي" على ممتلكاته الجديدة، صرف همّه إلى إنشاء حزام عميقٍ وواقٍ من الغرب. فأعمل في الدول والمجتمعات التي حرّرها، من النازية، إلى الغرب من نهر الأودير- نايس، السَّفْيَتَة Sovietization. وفرض على هذه البلدان، وهي تؤلف "الغرب المخطوف"، على قول الروائي التشيكي-الفرنسي ميلان كونديرا، قوالب النظام السوفياتي، اللينيني والستاليني.

"عندما استولى النظام السوفياتي، في ختام الحرب العالمية الثانية، على بلدان شرق أوروبا، وأسدل ‘ستاره الحديدي’ على ممتلكاته الجديدة، صرف همّه إلى إنشاء حزام عميقٍ وواقٍ من الغرب، فأعمل في الدول والمجتمعات التي حرّرها من النازية السَّفْيَتَة Sovietization"

وافتتح تخريبه الأبنية الوطنية البولندية، في 1940، غداة اقتسام بولندا مع هتلر، بقتل 20 ألف ضابط وصف ضابط في غابة قريبة من مدينة كاتين، ونسب المقتلة إلى الجيش الألماني وكذّبت الادّعاء وثيقة سوفياتية قدّمها بوريس يلتسين إلى الدولة البولندية.

حزام الجليد

عمّمت السّفْيَتَة مثالَ الحزب الشيوعي، الواحد الأحد. وأُسلم إليه "قيادة الدولة والمجتمع" (المادة الثامنة من الدستور... البعثي السوري قبل "إلغائها"). ومُلِّك وسائل الإنتاج والتوزيع. ودُمج في الدولة، وسُعي في دمجه في المجتمع. وسُلّط على المجتمع وعلى الأهالي البوليس السرّي، و"أركان" المعتقد الماركسي-اللينيني". ولا تستقيم السَّفْيَتَة، ولا تبلغ غايتها الفعلية، وهي القيام حاجزاً صفيقاً بين غرب أوروبا وبين بيروقراطية عموم الروسيا الإمبراطورية، إلا بحماية "نومونكلاتورا" (الصفوة أو النخبة الحاكمة) هذه البيروقراطية من مجتمعاتها المغلوبة وحركاتها السياسية-الاجتماعية.

ولا سبيل إلى بلوغ ذلك، السَّفْيَتَة والحجز والحماية، إذا وسع بعض نخب هذه الدول، الغربية، المحافظة على رابطة تاريخية وطنية بمجتمعاتها وأوطانها. فالدولة الوطنية إرث أوروبي غربي، على رغم جموح الرأسمالية المفرطة، ومقدمة بناء "المجتمع الكوسموبوليتي"، العالمي والأممي، الذي كان ينبغي أن ترهص به "عصبة الأمم" غداة الحرب العالمية الأولى، و"جمعية الأمم المتحدة"، غداة الحرب العالمية الثانية. وقانون هذا المجتمع هو الاحتكام إلى هيئات حقوقية دولية، وتحكيم قانون دولي، عُرف قبل القرن التاسع عشر بـ"حق الناس".

فاستكمل النظام السوفياتي المنتصر السَّفْيَتَة المفروضة والمعمّمة بالاجتثاث الوطني والقومي. وبادر، أول ما بادر، إلى استبعاد ممثلي حركات المقاومة الوطنية والمحلية التي نظّمت الأعمال العسكرية ضد المحتل النازي الألماني، من عودتهم إلى الداخل. وكان بعضهم، على مثال شارل ديغول الفرنسي، آثر الخروج من الأراضي الوطنية المحتلة، ولجأ إلى ضيافة دولة أوروبية قريبة، كانت بريطانيا في الأغلب، وقيادة المقاومة منها، وتلبية حاجاتها إلى التسليح والتمويل والتنسيق والاستخبار.

واستبعدت الوصاية السوفياتية المحتلة قيادات الخارج من المفاوضة على الإدارة الانتقالية، وطعنت في وطنيتها، واتهمتها بالعمالة للغرب أولاً. وعمّمت تدريجاً تهمة التعاون السابق والمشين مع المحتل النازي، بذريعة نشأة حركات نازية داخل هذه البلدان في الأعوام التي سبقت الحرب. ولم يلبث الاحتلال الجديد أن عمد إلى اغتيال بعض القيادات الصلبة، واستبق نشوء حركات وطنية مناهضة لاحتلاله، ولنهبه مصانع وطنية ومصادرته جزءاً من الأبنية التحتية.

وباء الديمقراطية

ومن آيات فضائله ونِعَمه على بلدان الحِمى الذي اقتطعه، بذريعة تحريرها من النازية، تأخيره بلداً صناعياً مثل تشيكوسلوفاكيا من المرتبة التاسعة على سلّم مراتب التصنيع و"التقدُّم"، قبل الحرب الثانية، إلى المرتبة الثلاثين بعدها. ومهّد للاستيلاء على تشيكوسلوفاكيا بما سمّي "ضربة براغ"، في 1948، كناية عن دسّ وزراء حزبيين مقنّعين، يولون وزارات سيادية قبل انقلابهم وانحيازهم إلى فريق الموالين و"المُسَتَفْيِتين".

وفي أعقاب 1947، واستحكام عقدة "التآمر اليهودي" على ستالين، وشنّه حملة اعتقالات على أطباء وممرّضين مقرّبين منه، معظمهم من اليهود، توالت محاكمات أمنية في عدد من العواصم، براغ وبودابست وفرصوفيا (وارسو) وصوفيا البلقانية، "طهّرت" صفوف الأحزاب الشيوعية الحاكمة من وجوهها الوطنية المثقفة وذات الميول والروابط الأوروبية.

"في أعقاب 1947، واستحكام عقدة ‘التآمر اليهودي’ على ستالين، توالت محاكمات أمنية في عدد من العواصم، براغ وبودابست وفرصوفيا (وارسو) وصوفيا البلقانية، ‘طهّرت’ صفوف الأحزاب الشيوعية الحاكمة من وجوهها الوطنية المثقفة وذات الميول والروابط الأوروبية"

ونهضت وراء المسرحيات البوليسية القاتمة، وترجيعها أصداء تاريخ آسن، قضية سياسية مركزية هي المسألة الألمانية. فألمانيا، في وسط أوروبا وقلبها، هي بؤرة المشكلات السياسية والعسكرية المتخلفة عن الحرب الهائلة، الحرب العالمية على ما يسمّيها المؤرخون، والتي ختمت حرب الثلاثين عاماً الأهلية الأوروبية، وهو الاسم الذي سمّى به شارل ديغول حقبة 1914 (بداية الحرب "الكونية" الأولى)- 1945 (خاتمة الثانية). وكبّدت ألمانيا النازية في الحرب الثانية بعد الأولى، خسائر ثقيلة في البشر والمنشآت. وأثبتت أنها مصدر أخطار مميتة، استراتيجية، على روسيا.

واستعجل الحلفاء الثلاثة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) تسليح ألمانيا الفيديرالية، الغربية، وضمها إلى حلف أنشأوه، في 1949، في مقابلة الحزام الجليدي الذي حصّن به ستالين القلعة الروسية السوفياتية. وأغضوا بعض الشيء عن ضلوع بعض أعيان النظام النازي البائد في جرائم النظام، واستعملوا هؤلاء في مهمات ووظائف أمنية واقتصادية وأخيراً سياسية.

والحق أن ما أثار حفيظة موسكو لم يكن الاستعمال الضيّق والمتحفّظ هذا، فنظام بانكو (ألمانيا الشرقية "الديمقراطية"، شأن لوغانسك ودونيتسك في شرق أوكرانيا اليوم) استعاد عدداً كبيراً من النازيين السابقين في إداراته ووظائفه الفنّية ومراتبه الحزبية. فالباعث على القلق كان قبول شطر عريض من النخب الألمانية، ومن الشعب الألماني، التخلي طوعاً عن مزاعم "الطريق (الألماني) الخصوصي"، أي غير الأوروبي، إلى الحداثة. فانخرط ألمان ما بعد النازيّة في السيرورة الغربية، الديمقراطية الليبرالية، الدستورية الحقوقية والفردية. وقاموا حيال الكتلة السوفياتية، المتعسكرة والبيروقراطية، نموذجاً ومثالاً على إعمار مثمر وسريع، وعلى قدر نسبي من التوزيع المتساوي.

الحياد

كان الجوار الديمقراطي الليبرالي القريب التهديد "النووي" الفعلي الذي أيقنت البيروقراطية الحزبية والإيديولوجية البوليسية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية RDA هي موطن ستازي، البوليس الأهلي وجيشه العرمرمي من الوشاة)، منذ أيام التقسيم الأولى، بعجزها عن مجاراته والصمود بوجه مقارنتها به. فردّت على الانتفاضة العمّالية الأولى، في برلين عام 1953، بقمع قاتل، كرّرته في 1956 في بولندا، وشيّدت "جدار برلين" المجيد في 1961 تلافياً لنزيف سكانيّ مرضي، وفي 1968 جدّدت كرّة القمع في تشيكوسلوفاكيا، وفي 1981 في بولندا.

وطوال ربع قرن من السنين شنّت الأجهزة السوفياتية أعنف حملة دعائية مضلّلة على مَن سمّتهم "الثأريين الألمان"، الطبقة الحاكمة في ألمانيا الفيديرالية. وذهبت إلى تفسير التضامن الألماني مع أوروبا، وانخراط الدولة في الهيئات الأوروبية الوليدة، بالرغبة في الثأر لهزيمة النازية. واضطر رأس هذه البيروقراطية، ميخائيل غورباتشوف، في 1985، إلى استخلاص بعض دروس الهزيمة السياسية والاجتماعية والثقافية. وقبل غورباتشوف، كشّر الثلاثي القيادي السوفياتي، المهيب والهرم، ليونيد بريجنيف ويوري أندروبوف وأندري تشيرنينكو، عن أسنان الاتحاد السوفياتي الصاروخية. فنصبت صواريخ إس إس-20 و23، القصيرة المدى، على خط الانقسام الأوروبي-السوفياتي. وأخاف نصبها جمهوراً ألمانياً صدّق أن مصدر التهديد عسكري. وهو زعمٌ يردّده اليوم، حرفياً، جهاز التضليل البوتيني.

ولوّح القادة السوفيات، من ستالين إلى غورباتشوف نفسه وربما إلى بوريس يلتسين، بتوحيد ألمانيا، والنزول عن شطرها السوفياتي، لقاء تحييدها، أي خروجها من الرابطة الغربية. وقَسَمَ هذا التلويح الأوروبيين والألمان. وبينما يهدد فلاديمير بوتين بنُظُم أسلحة جديدة، فرط صوتية (أسرع من الصوت بسبع مرات) ونووية، يفترض فيها أن تلغي الأخطار الناجمة عن اقتراب بنية حلف الأطلسي التحتية من الحدود الروسية، يتعلّل دعاة الرجل بعلل ستالين وخروتشوف وبريجنيف، إلخ.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image