شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"وعي النساء يهدّد سلطة الرجال"... أسماء المرابط نسويّة من داخل الإسلام

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 16 مارس 202202:34 م

هل يستقيمُ الحديث عن النسوية والإسلام؟ وهل يمكنُ للنساء أن يُثِرنَ قضايا المساواة والعدل من داخل النصوص الدينية؟ هل بالفعل جسّدت السيدة عائشة زوجة النبي محمد فكرة النسوية الإسلامية؟ أسئلة من ضمن أخرى رسمت الاهتمام البحثي للطبيبة البيولوجية والكاتبة أسماء المرابط (1961)، الاسم المغربي البارز الذي يدافع عن النسوية الإسلامية.

مُحرّكها في مسار قراءة التراث الإسلامي والبحث فيه وتفكيكه طوال خمس وعشرين سنةً، هو "الصدق" وليس "الجرأة" كما تقول. نقّبت في كل "مُسلّمات" موضوعات النساء الشائكة التي حسم في تأويلها الكثير من الفقهاء؛ بحثت في الزواج، والتعدد، والطلاق، وضرب النساء، وشهادة النساء، وإمامة المرأة، والحجاب، والإرث، والحرية الجنسية، وقضايا أثمرت مؤلّفاتٍ عديدةً تُرجمت إلى لغات أجنبية كثيرة.

تقول في حديثها إلى رصيف22: "اليوم يجب أن نتكلم عن حركة إنسانية من داخل الإسلام الروحاني الذي يدعو إلى العدل الاجتماعي والمساواة بين النساء والرجال"، داعيةً النساء إلى الوعي بحقوقهن في أكثر المجالات التي تهدّد سلطة الرجل، وهما المجالان الديني والسياسي.

لماذا تُظلم النساء باسم الإسلام؟

لم تقترب من التراث الإسلامي في المغرب إلا نساء شجاعات، حرصن على مواجهة "الظلم" الذي طال المرأة باسم الدين الإسلامي. والبداية كانت مع فاطمة المرنيسي التي رفعت "الحجاب" عن زيف التأويلات الفقهية لنصوص دينية، وأسست لتيار النسوية الإسلامية الذي شكّل منطلق تساؤلات الأستاذة أسماء المرابط، وهي المنسقة حينها لمجموعة البحث والتفكير في النساء المسلمات والحوار بين الثقافات في الرباط، سنة 2004.

متشبّثةً بإرث التربية العلمانية التي تلقّتها داخل أسرتها من جهة، وبدينها من جهة أخرى، تعدّ المرابط نفسها امرأةً حرّةً. تروي لنا: "كنا نرى أن هناك تمييزاً باسم الإسلام ضدّ النساء، وكان يبدو لنا الأمر غريباً، ونحن في غالبيتنا نساء مسلمات ومؤمنات بأن الله عادل. حينها بدأنا بالقراءة والاطلاع على الكتب والتفاسير".

من هنا وحّدت "النسوية الإسلامية" هموم الباحثات ممّن تحمّلن عبء الفكر النسائي الإسلامي، في فترات زمنية متعاقبة. تروي المتحدثة: "ربحت النسوية الإسلامية أصوات النساء، بالرغم من الجدل الذي واكبها كونها حركةً غربيةً، وكونها عُدّت ضد الرجال، بل إن عدداً من النساء والرجال ممن كانوا يفكرون من المنظور التقليدي راجعوا قراءة التاريخ الإسلامي الموجودة فيه فكرة الحركة النسوية".

"النسوية فكرة إسلامية محضة"

باستماتة تدافع المرابط عن فكرة بناء النسوية "الإسلامية"، وحُجتها في ذلك أنه حين نزلت بعض الآيات القرآنية وذهبت النساء إلى النبي محمد غاضبات لأن "القرآن يخاطب الرجال". تتساءل الباحثة "ماذا نسمي مسألة أن ينزل الوحي والنساء يتساءلن؟" مُشيرة إلى أنها صُدمت حين قرأت أسباب نزول آية المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات، التي تستجيب لتساؤل النساء حينها.

وعن نعت النسوية بالإسلامية، توضح الرئيسة السابقة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام: "التسمية غربية، وقد فُرضت علينا إن شئنا القول. وأول من استخدم المصطلح في نهاية تسعينيات القرن الماضي هي الأستاذة الجامعية الأمريكية مارغوت بادرانMargot Badran، التي كانت تعيش في مصر وكانت تلاحظ دينامية إعادة قراءة القرآن بعيون نسوية".

"كنا نرى أن هناك تمييزاً باسم الإسلام ضدّ النساء، وكان يبدو لنا الأمر غريباً، ونحن في غالبيتنا نساء مسلمات ومؤمنات بأن الله عادل"

تُكمل الباحثة: "الجيل الذي سبقني عرف مساهمة أمينة ودود، وأسماء بارلاس، ورفعت حسن وإيرانيات كثيرات أسسن تياراً نسائياً أكاديمياً محضاً، وكاتبات أخريات مفكرات ومناضلات مثل أميمة أبو بكر في مصر، وملكي الشرماني، وزيبا مير الحسيني، التقين في مجالات أكاديمية متعددة". وبالرغم من وصف الحركة النسوية بشكل عام بالغربية بحكم أنها "طورت فلسفتها نهاية القرن الـ19 وبداية القرن الـ20"، فهي بالنسبة إلى النسوية المغربية "تيار فكري يدافع عن حقوق النساء ويناضل ضد التمييز ضدّهن باسم الكرامة والحقوق، وهذا تيار كان حتى قبل الإسلام وفي كل الحضارات"، توضح المتحدثة متأسفةً على التهميش الذي طال تاريخ النساء كتاريخ عالمي "لم يُكتب بعد" حسب تعبيرها.

وإذا كانت المرابط لا تنزعج من تسمية النسوية بالإسلامية لأنها "منتَج إنساني انطلاقاً من المنظومة الإيمانية والعقائدية التي أنتمي إليها كما جسّدته عائشة رضي الله عنها، وقدم لنا الوسائل لتفكيك المنظومة الذكورية"، فإنها وعلى ضوء المراجعة والنقد الضروريين، تُفضِّل أن "نخرج من هذه الاسم لأنه على كل حال يبقى ضيقاً بالنسبة إلى مفهوم التيار، لأنه فكر للنساء والرجال وفكر مفاده العدل فوق كل شيء".

الدين والسياسة... قيود "رجالية"

لماذا لم تبرز النساء في الفقه؟ تجيبُ المرابط: "المجال الديني والسياسي موقع سلطة، لذلك تم تهميش النساء ولم يبرزن لا في التفسير ولا في الفقه، بل برزن في رواية الحديث فحسب"، وتتساءل: "كيف يمكن أن نفسّر مرور 14 قرناً من دون تفسير النساء وغيابهن من داخل المذاهب الفقهية، مع العلم أن الرسول قال خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء ويقصد بها عائشة؟".

وترى أن هذا الإقصاء للمرأة من المجال العام بدأ مع تشكل الدولة بعد وفاة النبي، وفي هذا الصدد تعلِّق المرابط على عدم تسمية معركة "الجمل" بقيادة عائشة باسمها، بالقول: "كنت من النساء اللواتي استنكرن ذلك. كيف يُعقل أن معركةً بهذا الحجم وكانت عائشة هي القائدة التي روّجت لها وقادتها سياسياً وليس دينياً، سُميت معركة الجمل نسبة إلى الجمل الذي ركبته، ولم تُسمَّ بمعركة عائشة؟".

تكمل المتحدثة: "أكثر من ذلك، وفي ذلك السياق التاريخي خُلق حديث محرّف عن النبي يقول: 'لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأةً'"، عادةً أنه "مثال للحديث السياسي المركّب لأبي بكرة (الثقفي) لمّا وُضِع بين اختيار أن يكون بجانب عائشة أو ضدها، ثم تذكَّر الحديث، لكيلا يذهب معها، وكانت المرة الأولى التي يُروى فيها حديث تمييزي ضد النساء باسم السياسة".

حديثها عن المساواة بين الجنسين في الإرث سنة 2018، وهي رئيسة مركز دراسات المرأة في الإسلام التابع لـ"الرابطة المحمدية للعلماء" (أعلى مؤسسة دينية رسمية في المغرب)، دفعها إلى تقديم الاستقالة من منصبها

ثالوثُ المرأة والدين والسياسة أكثر ما يهدّدُ السلطة الذكورية، تؤكد على ذلك المتحدثة التي ترى"الذكورية نظاماً أيديولوجياً وسياسياً، وليست رجولةً، لأن الرجل نفسه تلقّى التربية نفسها من طرف امرأة ضحية"، مُشيرةً إلى أن "القرآن جاء ضد الأبوية والنظام البطريركي كما تشير آيات قرآنية من تبعية للآباء من دون تفكير".

لذلك تجد الباحثة النسوية في فقه المقاصد مفتاحاً كبيراً لتجاوز كل التأويلات الضاربة في رسالة الإسلام. وتقول: "المقصد من نزول القرآن هو سعادة الإنسان وصيانة كرامته ورفع الحرج عليه وتحقيق العدل"، وتُسجّل غياب مقصد العدل ضمن المقاصد الخمسة للشاطبي، مؤكدةً أن "الله يأمر بالعدل والإحسان، وهذا ليس بالأمر الهيّن، وهو ما لا نجده في مقاصد الشريعة، وما بين الشاطبي وعصر النهضة الذي برز فيه علال الفاسي وقبله محمد عبده، أي أنه منذ القرن الرابع عشر وصولاً إلى القرن العشرين، لا حديث عن علم المقاصد".

الإرث... القضية المزعجة!

حديثها عن المساواة بين الجنسين في الإرث سنة 2018، وهي رئيسة مركز دراسات المرأة في الإسلام التابع لـ"الرابطة المحمدية للعلماء" (أعلى مؤسسة دينية رسمية في المغرب)، دفعها إلى تقديم الاستقالة من منصبها. لذلك حين يتعلّقُ الأمر بالإرث، لا تجد المرابط بدّاً من الدعوة إلى "نقاش هادئ"، أي إلى نقاش غير مؤدلج سياسياً أو دينياً بحسن نية وبهدف رفع الظلم إذا وُجد.

الإرث، كما ترى المثقفة، هو سلطة اقتصادية مادية محضة، تميل إلى صالح الرجل، وكلّما بدأ النقاش حولها تعالت أصوات حتى من لا علاقة لهم بالتدين مُحذِّرةً: "لا تقتربوا من الإرث". تؤكد الباحثة أنّ من يواجِه النقاش بهذا التفكير هو من يخاف على مصلحته فلا تتحقق قيمة "العدل"، لذلك يجب ألا "يبقى الإرث بين يدي علماء الدين، ممّن يتكلمون باسم الله ويفتون في الحلال والحرام، بل يجب أن ينخرط في النقاش حوله الجميع من علماء الاجتماع والاقتصاد لأنه ليس محفوظاً للمؤسسات الدينية التي لا تفتح النقاش أصلاً حوله"، تقول المرابط متسائلةً: "لماذا نتعرض لهذا التمييز في الحق في التساؤل؟".

"لا يمكن لنا اليوم في القرن الحادي والعشرين وباسم الحرية أن نجيز التعدد الذي لا يعني سوى حرية ذكورية، وأرى فيه طاعةً للفقه الذكوري"

وتُثيرها على هذا المستوى إشكالية من يواجِه تعارض المساواة في الإرث مع آية القِوامة. وبالرغم من ذلك، فتأكيدها على السياق التاريخي لنزول النصوص القرآنية يُعيدُ لُبْس الفهم إلى نقطة الصفر. وتقول: "فككنا آية القوامة وفسّرنا معناها من داخل السياق التاريخي، أي مسؤولية نفقة الرجال على النساء في سياق تاريخي معيّن، وحتى الآن يمكن أن تكون، ولكن ليس بممارسة السلطة، لأنها تعني الهيمنة والعنف"، فالآية صريحة لم تتكلم عن السلطة، بل تكلمت عن الأفضلية ومعناها ضمن القراءة الأخلاقية للقرآن التقوى والعلم وإقامة العدل وعمل الصالحات وليس أفضلية الذكر على الأنثى حتى لا يكذب علينا شخص، حسب تعبير المتحدثة.

الحجاب رمز سياسي

معترضةً على تسمية غطاء الرأس بـ"الحجاب" طوال الثمانية عشر سنةً من ارتدائه، وعادّةً ذلك انحيازاً سياسياً، تقول: "مفهوم الحجاب ظهر مع الإسلام السياسي مع تيار الإخوان المسلمين في مصر في الثلاثينيات، وهو مفهوم جديد يُفرض باسم الدين، وهذا أمر يعرفه المتفقهون في الدين"، مقابل ذلك تؤكد على الخمار كمفهوم قرآني كان في حضارات عديدة حتى قبل الإسلام.

تدافعُ الباحثة عن الحرية الشخصية في ارتدائه، بالنسبة إلى النساء اللواتي يشعرن بالطمأنينة عند ارتدائه. وعن تجربتها تقول: "شخصياً أحسست بالراحة والطمأنينة خلال سنوات ارتدائي إياه، ولكن ليس كلباس جسد ولكن كلباس تقوى". وانسجاماً مع ذلك، كان حديثها حين أزالت "الحجاب" سنة 2019، حول التحرر من التبعية والهيمنة، وقالت حينها: "التحرر ليس في اللباس ولا في الشكل. الكل حر في ذلك. التحرر الحقيقي هو أن تكون حراً من التبعية العمياء وأن تكون حراً من الخنوع للفكر المهيمن وأن تكون حراً من كل أنواع العبودية إلا للواحد القهار".

يجب أن نكون فخورين بأعمالنا وبما قمنا به لمجتمعنا بقيمنا وليس بلباسنا، كما يجب أن نخرج من التوتر ليصبح الحجاب ثانوياً جداً وليس من الأولويات

تنتقدُ من يعدّه ركناً من أركان الإسلام، وتقف ضدّ من يضع معايير للمرأة المؤمنة والمرأة الصالحة للزواج. وتردفُ: "القرآن يتكلم عن أخلاقيات اللباس بمفهومها الواسع، أي لباس التقوى، ويتحدث عن غض البصر للنساء والرجال وضرب الخمار على الجيوب، من دون تدقيق ومعايير تحدد المؤمنة من غيرها"، محذّرةً من هذه النظرة "التمييزية" التي تفرغ الدين من أهميته، حسب تعبيرها.

وبالنسبة إليها: "يجب أن نكون فخورين بأعمالنا وبما قمنا به لمجتمعنا بقيمنا وليس بلباسنا، كما يجب أن نخرج من التوتر ليصبح الحجاب ثانوياً جداً وليس من الأولويات، فأولوية المرأة هي قيمتها وكرامتها كإنسان"، داعيةً بذلك إلى العودة إلى مفهوم الإنسان، والخروج من حروب التيارات والاصطفافات.

وبذلك فهي مقتنعة بأن الدفاع عن الحرية في ارتداء "الحجاب"، لا يتعارض مع الدفاع عن النسوية، كما تعبّر عن عكس ذلك الباحثة النسوية الجزائرية رزيقة عدناني. وتقول المرابط: "لا أتّفق مع هذا الخطاب لأن وراءه إرادةً لتحطيم الإسلام كروحانيات، ثم هناك نساء متحرّرات يرتدين الحجاب وواعيات بأنه رمز سياسي، لكنهن يضعنه عن قناعة للراحة التي يشعرن بها ويدافعن عن حق المرأة التي لا ترغب في ارتدائه، فلماذا سنحكم عليهن؟".

"التعدّد ظلمٌ للنساء يجب تجريمه"

وإذا كانت المرابط تدافع عن خيار النساء في ارتداء وضع غطاء الرأس من عدمه، ودافعها في ذلك هو الحرية الشخصية، فإن موضوع تعدد الزوجات لا يُشكّل لها موضوع حرية واختيار، بل مسألة "ظلم" لا تشعر به سوى النساء. وتسترسل في هذا الصدد: "لا يمكن لنا اليوم في القرن الحادي والعشرين وباسم الحرية أن نجيز التعدد الذي لا يعني سوى حرية ذكورية، وأرى فيه طاعةً للفقه الذكوري وليس طاعةً لله، لأن فيه ظلماً للمرأة لن يشعر به إلا العقلاء من الرجال".

وبذلك تصطف الباحثة بجانب من يدعو إلى تجريم منع تعدد الزوجات كما دعا إلى ذلك الفقيه علال الفاسي. وتقول: "باسم العدل وباسم التأويل الأخلاقي للقرآن وللإسلام، أنا مع التيار الذي يريد منع التعدد قانونياً، لأنه لا يتوافق مع روح العصر والفكر وحتى العلماء في عهد النبي لم يكونوا يفعلون هذا"، مؤكدةً أن دعوة علال الفاسي هي "قول حق"، وتُحيل بذلك على قرار الأزهر بعدّ "الزوجة الواحدة هي الأصل في الإسلام والتعدد يجب أن يكون مقنّناً لأنه ينتجُ عنه ظلم للمرأة وظلم للأبناء".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard