تحت عنوان "في الحب والحياة"، أنتج أنطوان خليفة سلسلةً من ثمانية أفلام قصيرة تُعرض في هذه الأيام على منصة نتفليكس، وهي من فكرة عزة شلبي. تحمل السلّة رؤية تسعة مخرجين من ست دول عربية؛ فلسطين، ولبنان، وتونس، والمغرب، ومصر، والسعودية، وتحكي عن الحب ضمن ما يُسمى بالكوميديا السوداء في الطرح تزامناً مع عيد الحب.
الحديث عن الحب، على ما يبدو، يتيح "مخرجاً" تجاه التعبير عن كل ما يصعب الحديث عنه، ومن خلال الحديث عنه، نتعرف على معنى الفقر، والفساد، والتحدي، فهو يكشف عن كل ذلك بطريقة سلسلة، تترك في قلوبنا بسمةً وغصةً في اللحظة نفسها.
دعوة لاستعادة الحرية التي من خلالها تتم استعادة كل شيء.
تسعة مخرجين عرب، هم خيري بشارة، وهاني أبو أسعد، وأميرة دياب، وهشام العسري، وكوثر بن هنية، وميشيل كمون، وساندرا بصال، ومحمود صباغ وعبد المحسن الضبعان، لهم تجاربهم في الصناعة السينمائية، والتباين واضح بين مخرج وآخر حسب خبرته، اجتمعوا في هذه السلسلة المتفرقة منذ الوهلة الأولى، لكنها متصلة بشكل أو بآخر بالشخصية العربية التي ما يجمع بينها أكثر مما يفرقها، وهنا الكوميديا الأكبر إذا ما شاهدت السلسلة بشكل متصل من دون الانتباه إلى الأمكنة والأزمنة... ففي المحصلة: كلنا في الهمّ شرق.
من مصر حب الأخ وحب الحب
وجود اسم المخرج خيري بشارة ضمن هذه السلسلة، يعطيها قيمةً لها علاقة بوعي المتلقي بما قدّم بشارة من أعمال سابقة، وبالثقة بكل ما سيقدّمه، فهو مخرج خاص، وله رؤيته التي لا يشبهه فيها أحد، يستطيع بدراية أن يجذبك إلى كل قصة أراد أن يصنعها شريطاً أمامك، ويجعلك في مواجهة معها. ولأنه مقلّ في تواجده في الآونة الأخيرة، فالاحتفاء به ضمن هذه السلسلة، أقرب إلى الواجب، وكأنه رسالة شكر لعودته.
وبشكل موضوعي، يُعدّ فيلمه "يوم الحداد الوطني في المكسيك"، من كتابة نورا الشيخ، من أفضل الموجود في السلسلة من ناحية الموضوع والأساس الذي بُني عليه، بما يلائم المعنى الدقيق للكوميديا السوداء، بالإضافة إلى أننا نشاهد قيمة صناعة الفيلم القصير برؤية ستترك أثرها على المُشاهد، وستلهم صنّاع الأفلام القصيرة، الذي يبحثون عن حرفية اختزال فكرة مهمّة في وقت قصير وبرؤية ذكية وكادرات تُدرّس.
تحمل السلّة رؤية تسعة مخرجين من ست دول عربية؛ فلسطين، ولبنان، وتونس، والمغرب، ومصر، والسعودية، وتحكي عن الحب ضمن ما يُسمى بالكوميديا السوداء في الطرح تزامناً مع عيد الحب
الفيلم، من بطولة آسر ياسين، وبسمة، وندى الشاذلي، وعلي صبحي، وغيرهم، ويبدأ بمعلومة عن أن أحداثه مستوحاة من مدينة باظ الجديدة، عاصمة جمهورية جنوب آسيا عام 1999، حين أصدرت المحكمة العليا قراراً بمنع عيد الحب. إذاً نحن في مكان خيالي، لا وجود له، يتم نقل تفاصيله عبر إذاعة محلية، ومشاهد من الشارع مليئة بعناصر تابعة لهيئة "منع الحب" من الشرطة النسائية والرجالية، تتربص بكل من يخبّىء أي شيء لونه أحمر، أو رسائل غراميةً، وهذه المداهمة تبدأ قبيل عيد الحب بأيام، وبتحذيرات متتالية من قبل المذيع "حسن" بضرورة الابتعاد عن اللون الأحمر. كل هذا في حضرة "ليلى"، حبيبة حسن، التي تعرف مداخل ومخارج طرق الورد الأحمر والدباديب وكل ما يتعلق بالحب، فلكل كارثة إنسانية تجّارها. ليلى هي التي ستتحدى، وهي التي ستجعل صوت الإذاعة يصدح بثورة تجعل الحب هو العنوان بصوت "حسن".
الفيلم دعوة لاستعادة الحرية التي من خلالها تتم استعادة كل شيء.
في المقابل، نجد ضمن السلسلة أيضاً فيلم "أخويا" للمخرجة المصرية ساندرا بصال، من تأليف رفيق مرقص، ومقارنةً ببقية السلسلة، فهذا الفيلم يكاد يكون الأضعف من ناحية القصة نفسها وطريقة تصديرها بصرياً، لكنها تحمل شيئاً حميماً يتعلق بمعنى الأخوة التي تقترن بطفل من ذوي الإعاقة، وقدرة هذه الفئة من الناس على استشعار الحب، ودعمه. وعلى عكس من يطلقون على أنفسهم صفة أصحّاء، فإن "دياب"، الشخصية الرئيسة في الفيلم، كان يعتقد أن شقيقه المعاق هو العائق بينه وبين حبيبته، ليدرك بعد ذلك أنه السبب في لمّ شملهم.
الفيلم من بطولة أحمد عز، وصلاح عبد الله، وبسنت شوقي والطفل أدهم حسام.
فلسطين ولبنان في حضرة الدب والقلب الأحمر
وصف المخرج المصري يسري نصر الله فيلم "كازوز" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد وزوجته أميرة دياب، بالذكاء وخفة الظل، وبأنه ذكّره بأفضل ما أنتجته السينما الإيطالية الكوميدية، وأفلام ريزي وماريو مونتيشيللي في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، مؤكداً عبر منشوره في فيسبوك: "السينما الفلسطينية عندما تنظر إلى الفلسطينيين بروح دعابة، لا ترحم".
هذا الوصف هو الأدق في هذا الفيلم الذي كتبته أميرة دياب، وأخرجته إلى جانب أبو أسعد، وهو أيضاً من أقوى الأفلام القصيرة المعروضة ضمن السلسلة، ولأن أحداث الفيلم في فلسطين، أي تحت الاحتلال، كانت الفكرة قائمةً على سؤال معنى الحبّ في هذا السياق، وكيف يكون حاله؟ كانت فكرة عرس، في منزل جميل، والعروس لديها حلم بأن يكون زفافها في "الفالنتاين"، أكثر تاريخ مميز حسب العروس، وشرطها لعريسها أن يأتي بدب أحمر كبير في هذه المناسبة المميزة، لكن الدب غير متوفر في القدس، ومتوفر فقط في أريحا، فالعريس هنا سيكون في مواجهة حواجز الاحتلال لتحقيق حلم عروسه، عبر موتورسايكل ودب كبير يحجب عنه رؤية الطريق.
السيناريو والحوار فيهما الكثير من الذكاء وخفة الظل، فالمشاهدون في مواجهة بين خيط رفيع يفصل بين الفرح والحزن، فالموت في فلسطين لا أسباب له، وتحديداً إذا كان عن طريق الاحتلال، وبائع الكازوز يتحوّل إلى بائع قهوة سادة بلمح البصر، والفرقة الموسيقية تتحول إلى مجموعة من العمّال لإزالة زينة العرس، ومناسف العرس ستتحول إلى منسف من دون صنوبر، في لحظة لا غبار عليها، تم توصيفها بشكل مباشر، لكن ومع كل هذا استطاع الدب الأحمر الكبير أن يحمي العريس ويعيده إلى الحياة باسم الحب، لكن حلم العروس بأن تتزوج في يوم مميز بالنسبة لها، يعيدنا إلى سؤال تحقق الأحلام في ظلّ الاحتلال.
فيلم يحمل رؤيةً خاصةً في التنفيذ، أدى البطولة فيه عامر حليحل، وشادن قنبورة، وثمة حضور مميز أضاف نوعاً من الخفة والدعم بوجود المخرجة آن ماري جاسر والمنتج السينمائي أسامة البواردي، وغيرهم من الأسماء المهمة في صناعة السينما الفلسطينية في مشاهد متنوعة في الفيلم.
في المقابل، يحمل الفيلم اللبناني عنوان "قلب أحمر كبير" للمخرج ميشيل كمون وهو من كتابته. قصة حب مختزلة بقلب كبير أحمر محشو، يلف فيه سائق الموتورسايكل شوارع مدينة بيروت الحزينة منذ سنوات، ويحجب الرؤية عن السائقين خلفه، ويتشاجر معهم، لكن هدفه إيصال القلب إلى صاحبته، لأنه يحتاج إلى نقود هذا المشوار. هذا القلب المربوط خلف السائق يختفي شكل القلب عنه ويصبح أشبه بالمؤخرة، ومع ذلك يصبح هذا القلب هدفاً لكل من يراه، ويتحدى من خلاله السائق كل المعوقات، ويحاول الفرار به فوق أسطح بنايات وجسور عديدة، ووجوه لشخصيات تعتقد أنها قادرة على سلب هذا الحب لصالحها.
فيلم ذكي يدرك من خلاله المتلقي أن الحب لا يمكن اختزاله بقماش محشو، في حضرة مدينة تستحق أن تحبها أكثر لتعرف كيف تحب وتلقي قصيدةً بجرأة من دون وساطة.
فيلم لطيف ومصنوع بشكل جيد، والممثلون فيه، منهم إيلي نجيم، وفادي أبي سمرا وغيرهما، أدوا الشخصيات بحرفية.
تسعة مخرجين عرب، لهم تجاربهم في الصناعة السينمائية، والتباين واضح بين مخرج وآخر حسب خبرته، اجتمعوا في هذه السلسلة المتفرقة منذ الوهلة الأولى، لكنها متصلة بشكل أو بآخر بالشخصية العربية التي ما يجمع بينها أكثر مما يفرقها
تونس والمغرب... حب يتحدى الفساد
ثمة ميزة أصبحت علامةً في أفلام المخرج المغربي هشام العسري، هي طبيعة الشخصيات الفانتازية التي يخلقها دوماً، وهي شخصيات يعمل على بنائها وهي من تأليفه أيضاً، إلى درجة أنك تشعر بأنها شخصيات كانت تحضر في خيالاته منذ صغره، وأراد أن يطلقها للأفلام.
في فيلمه "سيدي فالنتاين" السريالي، نعيش كمشاهدين يوم الفالنتاين، مع الشخصية الرئيسية فيه، لكن هذا اليوم سيربط بشكل ساخر بين الماضي والحاضر في عقل الشخصية التي ستأخذك إلى قلب شوارع مدينة الدار البيضاء، وتتمتع بالمشاهد المصورة التي تحكي جمال المدينة، وتصطدم من خلالها وشوارعها بشخصيات عديدة، تشعر وكأنها، أي الشخصيات، أرادت أن تعيدك إلى الواقع بعد كمية من الخيالات المحيطة بالعمل.
فالحدث يبدأ فعلياً بعد التقاء غريبين (لطفي وندى)، في محل للشوكولاتة، وتُسحب سيارة لطفي وفيها طفلة نائمة في الخلف، لتبدأ رحلة الغريبين العاشقين أيضاً معاً ضمن مشاهد طريفة لاستعادة السيارة والطفلة، وتدرك من خلال المشاهد معنى الطبقات الاجتماعية والمؤسساتية المتفاوتة في التعامل مع معنى الحب.
في هذا الفيلم ثمة بطل من نوع خاص، يكمن في الخلفية الصوتية التي تظهر وكأنها إشارة للتنقل بين مشهد وآخر، في حضرة عبد الحليم حافظ وأغنية "أنا كل ما قول التوبة"، التي تصدح لتذكّر الجميع بمعنى الحب الذي يحارَب من الجميع عربياً، وفي حضرة معلقة عمرو بن كلثوم التي يقول فيها:
ألا لا يعلم الأقوام أنّا
تضعضنا وأنا قد ونينا
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
وقد اختصر فيها العسري حكايته التي أراد أن يرويها، عن طريق من جسّداها تمثيلاً، ناصر أقباب وفاطمة الزهراء قنبوع.
أما من تونس، فيأتي فيلم "مسلخ السعادة" للمخرجة كوثر بن هنية، وهو من كتابتها، ومن بطولة عبد الحميد بوشناق، ومراد الغرسلي وأنيسة داوود.
أرادت بن هنية عبر فيلمها أن تحكي معاناة الحب عندما تتحكم فيه الحالة الاقتصادية، خاصةً ارتباطه بمناسبة تحتاج إلى المال، من شراء هدايا أشهرها الورد الأحمر والدبدوب الأحمر، والذي يزداد سعره في ذلك اليوم، ويصبح عبئاً على قلوب العشاق فقراء الحال، ويتحول إلى يوم حزين، فيه من الخيبة الكثير.
فشخصيات بن هنية في هذا الفيلم، لا تتحدث إلا عن المال، والكل يريد من الآخر مالاً مستداناً، أو ديناً، في هذا اليوم الذي يراد فيه التعبير عن الحب للشريك.
بطريقة سلسة مليئة أيضاً بالتشنجات التي تعكس واقعاً اقتصادياً مزرياً، ستدخل عبر كادرات بن هنية إلى محطات مختلفة يجمع بينها الكثير، لكن لكل محطة دورها في مواجهة الواقع، مع عدم اكتراث لرغبة بطل الحكاية في أن يشتري هديةً لزوجته في عيد الحب، فالجميع خذلوه حتى النهاية عبر باب مكتب البريد الذي وقف حائلاً بينه وبين هدية لم يرَد لها أن تصل.
وصف المخرج المصري يسري نصر الله فيلم "كازوز" للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد وزوجته أميرة دياب، بالذكاء وخفة الظل.
من السعودية الشعر وشكر للأوائل
أراد المخرج محمود صباغ في فيلمه "حب في استوديو العمارية"، وهو من بطولة سامي حنفي وضي الهلالي، أن يحكي الحب بشكل مختلف، من خلال فترتين زمنيتين، حدث بينهما الكثير. عنصر الإضاءة في المشاهد يلعب الدور الأكبر في إيصال المغزى، والزمن عاش فيه الناس مرحلة الأغاني إلى وقت منعها، واستمروا يحلمون بعودتها، محافظين على الشكل والتفاصيل، وهو زمن فترة الانفتاح الثقافي وتقديم التسهيلات.
وبين الزمنين، حكاية استوديو العمارية، وصاحبه الذي إذا رأى الشمس تلتهب عيونه، وهذا التفصيل له علاقة بارتباط صاحب الاستوديو بمكانه، الذي يتقبله كما هو، ويبادله الحب. في تلك السكينة تطل عليه "ورد"، وهي مطربة في زمن السوشال ميديا والفانز، تضطر إلى تسجيل أغنيتها في هذا الاستوديو المتهالك، أمام شخص ارتبط بأسماء كبيرة وتحديداً وردة الجزائرية وبليغ حمدي، لكن القدر أرسل له المطربة ورد. الحوار بين الشخصيتين، يعكس اهتمام كل مرحلة، ويعكس معنى الحب، فهما يختلفان تماماً لكنهما يتفقان في أن الحب خذلهما.
وفي مشهد، يطلب راعي الاستوديو من ورد أن تأتي معه في الصباح كي يقدّره أهل الحي، وهي لا ترفض طلبه، لكنها لا تنفّذه، وهنا تظهر الفجوة الفعلية بين الزمنين، وكأنها إشارة الى أن الجيل الجديد لن يلتفت إلى الماضي، حتى لو كانت فيه بعض الموسيقى التي تم خنقها بعدها.
في هذا الاستوديو المتهالك الذي يحمل اسم العمارية، وهو حي قديم في مدينة جدة التي انطلقت منها أسماء مهمة في عالم الغناء والموسيقى، استطاع الصباغ بتميز أن يحاكي شكراً للأوائل الذين صبروا وتمسكوا بالفن حتى لحظة استقبال مطربة تأتي في منتصف الليل لتسجيل أغنية.
ومن السعودية أيضاً فيلم "الأعشى" للمخرج عبد المحسن الضبعان الذي شارك في كتابته أيضاً إلى جانب محمد آل حمود، وهو من بطولة ريم الحبيب ومشعل المطيري.
ما بين ريم ومشعل، ستعيش قصة حب عبثية، وخفيفة الظل، وعميقة في الطرح، قصةً أراد من خلالها الضبعان أن يستند إلى فلسفة شاعر المعلقات الأعشى، لذلك، تجد السخرية تحضر والفلسفة والشعر حتى لو جاء في غير محله، بين زوجين، يريد كل واحد منهما إنهاء علاقته بالآخر، ضمن أحداث متوازنة ورؤية إخراجية مميزة فيها الكوميديا علامة فارقة تستحق الذكر.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون