شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
في

في "صالون هدى" لا نرى الاحتلال، لأنه تغلغل في كل شيء

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الأربعاء 9 مارس 202212:24 م

استطاع المُخرج الفلسطيني، هاني أبو أسعد، من خلال آخر أعماله السينمائية "صالون هدى"، أن يأخذك في رحلة، لتتعرّف عن كثب على معنى العيش تحت مظلّة الاحتلال الإسرائيلي. وهذا المعنى، وإن كان أقرب إلى صفعة في بعض الأحيان، إلا أنه إذا وصل بشكل صحيح، سيستدعي أنْ تضع نفسك في موضع الفلسطيني/ ة، حتى تحصل على الأجوبة العالقة في ذهنك.

يُعرض فيلم "صالون هدى" حالياً، في دور السينما الأمريكية، وهذا بحد ذاته أمر مثير للاستغرب، أنْ يُعرض فيلم كهذا في دولة ما زالت تدعم، بشكل أو بآخر، الرواية الإسرائيلية. لكن، وسط جمهور لا يتكلم العربية بغالبيته، وجدت من يبكي لحظة الغصّة، لأدرك من جديد الالتفاف حول القضايا العادلة. يحدث هذا في كلّ مكان.

غياب الصورة النمطية لشكل الاحتلال

في "صالون هدى"، وعلى الرغم من غياب الصورة النمطية لشكل الاحتلال، إلا أنه كان حاضراً في كل حوار وفي كل مشهد. نعم، لن تشاهد جنود الاحتلال، ولا المستوطنين، ولا حتى حواجز وازدحاماً واعتقالات، ولكنك ستعي بأنّ هذا المحتل لم يكتفِ بسلب الأرض فحسب، بل تغلغل في كل شيء. هذا النوع من التجسيد بحاجة إلى خطوة أشبه بمراجعة النفس، خاصةً أن موضوع الفيلم الرئيسي يتركز حول المرأة. هل تفضّل أنْ تصبح عميلة للاحتلال بسبب تصويرها عاريةً إلى جانب شاب ، على أنْ تحتمي بحضن عائلتها في حال تم اسقاطها سياسياً وجنسياً رغماً عنها؟

سؤال إجابته صعبة في حضرة التفكير المرتبط بالعادات والتقاليد وما يُسمى بـ"الشرف"، خاصةً أنّ قصة الفيلم مستوحاة من أحداث واقعية.

بين هدى (منال عوض)، وأحد أفراد المقاومة، حسن (علي سليمان)، وريم (ميساء عبد الهادي)، يعيش المشاهد مشاعر متخبّطةً. سيغضب كثيراً من دون شك، وسيتأنّى حيناً، والأهم من هذا كلّه، أنه سيفكر، وهذا هو هدف أبو أسعد، في كل فيلم يصنعه.

يُعرض فيلم "صالون هدى" حالياً، في دور السينما الأمريكية، وهذا بحد ذاته أمر مثير للاستغراب، أنْ يُعرض فيلم كهذا في دولة ما زالت تدعم، بشكل أو بآخر، الرواية الإسرائيلية. لكن، وسط جمهور لا يتكلم العربية بغالبيته، وجدت من يبكي لحظة الغصّة، لأدرك من جديد الالتفاف حول القضايا العادلة. يحدث هذا في كلّ مكان

في الفيلم الذي تدور أحداثه في بيت لحم، تبدأ الشارة بتعريف المشاهدين عن واقع الحياة في ظلّ الاحتلال، والجدار العنصري، بطريقة مكتوبة. ثمّ تجد نفسك داخل زقاق المدينة، لتتعرف على طبيعة الحياة اليومية والاجتماعية، إلى أن تصل إلى صالون هدى، التي زخرفت واجهته بألوان باهية وطيور، وتتعرف حينها على صاحبة الصالون، هدى، وعلى ريم التي تشكو غيرة زوجها الزائدة عليها. ومن خلال حوار دار بين هدى وريم، تدرك الأخيرة أنّ هدى محرومة من رؤية أبنائها. وبعد كل تلك "الثرثرة النسائية"، يتغيّر كلّ شيء.

هدى، صاحبة الصالون النسائي، موظفة تابعة للاستخبارات الإسرائيلية، ويُطلب منها كل ثلاثة أشهر، أنْ تسقط امرأةً وتستعين بشاب كموديل وتمنعه من أنْ يلمس جثتها حيّةً. هذا التفصيل لم يمر عابراً في تكنيك صناعة أبو أسعد للمشهد، فهو أراد أنْ يوضح بعض الأمور، لا أنْ يبرّرها.

وفي المقابل، ريم هي أم جديدة لزوج يغار عليها إلى حد الشك، وغير سعيدة إطلاقاً، وهي ممثلة قادرة على إيصال كلّ المشاعر المطلوبة إلى المشاهد.

وفي الحديث عن التمثيل، تكمن قوّة الفيلم أساساً في اختيار الممثّلين/ ات المناسبين/ ات للأدوار. وفي هذا السياق، قدّم كلّ من علي سليمان، ومنال عوض، وميساء عبد الهادي، أداءً يستحق الثناء، واستطاعوا فعلاً تمثيل شخصياتهم/ن باحتراف، بغضّ النظر عن ضعف بعض الشخصيات الفرعية في الفيلم في بعض المشاهد.

يتنقّل الفيلم بين غرفة مظلمة متعارفة في التحقيقات وبين بيت ريم وبعض الشوارع التي تهرب إليها. وعندما غادرت ريم صالون هدى، وبعد أنْ علمت بعلاقة هدى بالاستخبارات الإسرائيلية، وهي غير مستوعبة لما حدث، تمر بجانب الجدار العنصري وتسند جسدها إليه وصورة مرسومة خلفها لمريم العذراء.

يُذكر أنّ الجدار العنصري هو جدار بنته إسرائيل في الضفة الغربية في فلسطين لمنع دخول سكّان الأخيرة إلى الأراضي المحتلة عام 1948، أو إلى المستوطنات الإسرائيلية.

هدى، صاحبة الصالون النسائي، موظفة تابعة للاستخبارات الإسرائيلية، ويُطلب منها كل ثلاثة أشهر، أنْ تسقط امرأةً وتستعين بشاب كموديل وتمنعه من أنْ يلمس جثتها حيّةً. هذا التفصيل لم يمر عابراً في تكنيك صناعة أبو أسعد للمشهد، فهو أراد أنْ يوضح بعض الأمور، لا أنْ يبرّرها

تجسيد الاحتلال في الفيلم

وفي حوار بين حسن، أحد أفراد المقاومة، وهدى، وريم، يسأل حسن هدى: "لماذا خنتِ زوجك؟"، فتجيبه هدى: "لأنه (خر..)". ثم يسأل: "ليش احتميتِ بالعدو بدالنا؟".

لن أفصح عن الإجابة هنا. هدى تعي تماماً أن نهايتها الموت، وكانت تستعد لمثل هذه اللحظة، فهي سترحل حاملةً صفة الخيانة لزوجها ولوطنها، وهي تدرك ذلك تماماً.

في المقابل، تجد ريم نفسها وهي تعترف لزوجها بالذي حدث، وبدلاً من الوقوف إلى جانبها، يقفل عليها الباب بعد أن يسلب ابنتها منها. حينها، وبينما كانت تتناول تفاحةً، تقرّر ريم أنْ تفتح جرّة الغاز وتنتحر، وكأنّ قصتها هذه المرة كانت بعنوان "حواء والتفاحة"، بدلاً من "آدم والتفاحة". ولكن جرّة الغاز كانت فارغةً.

المقاومة في فيلم أبو أسعد ليست لها هوية تعريفية، أو حزب تنتمي إليه، ولكنّها وصلت إلى مرحلة عالية من الغضب، إذ تمّ حرق إنسان في المشاهد الأولى من الفيلم، وهو "الموديل" الذي استعانت به هدى، لأنه انتهك النساء وجعلهنّ يتجسّسن لصالح العدو، ولأنّ إحراقه لم يقترن بأي شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية. نعود إلى فكرة الفيلم المبنية على أحداث واقعية وملامستها لهذا التفصيل تحديداً.

على العموم، يحاول الفيلم أن يوصل معنى الحضن الذي ينبغي اللجوء إليه، ومعنى "الطبطبة" لفتيات يهبن الموت على أيدي آبائهن أو إخوتهن أو أزواجهن. بمعنى آخر، يحاكي الفيلم تساؤل الروائي الفلسطيني، غسان كنفاني، عن معنى الوطن: "أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث كل هذا".


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image