شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
لبنانيون حكموا سورية

لبنانيون حكموا سورية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الخميس 10 مارس 202203:51 م
Read in English:

The Lebanese men who governed Syria


الجميع يعرف أن اثنين من حكام سورية في مرحلة ما بعد الدولة العثمانية كانوا غير سوريين، وهما الملك فيصل الأول (1918-1920) والرئيس جمال عبد الناصر (1958-1961). ولكن ماذا عن أربع شخصيات لبنانية حكمت سورية في تاريخها الحديث، اثنان من داخل السراي الكبير في ساحة المرجة أيام الانتداب الفرنسي، واثنان من مبنى الأركان العامة في مطلع عهد الجلاء؟

الداماد أحمد نامي بك

ولد أحمد نامي بك في بيروت سنة 1878، وهو سليل أسرة شركسية هربت من القوقاز واستوطنت مصر في مطلع القرن التاسع عشر. عمل جده مع محمد علي باشا في القاهرة، وجاء والده فخري نامي إلى سورية، حيث عيّن حاكماً على سنجق طرابلس ثم رئيساً لبلدية بيروت. درس ابنه أحمد في الكلية الحربية في إسطنبول، وعمل ضابطاً في الجيش العثماني قبل الالتحاق بمكتب الديون العثمانية.


أحمد نامي بك وزوجته

تعرف الفتى أحمد على الأميرة عائشة بنت السلطان عبد الحميد الثاني وتزوج منها في حزيران 1910، بعد 14 شهر من خلع والدها عن العرش. لم يستمر الزواج طويلاً، وبعد الطلاق، سافر إلى سويسرا لقضاء سنوات الحرب العالمية الأولى، ولكنه حافظ على لقب "الداماد" الذي كان يعني "صهر السلطان."

عاد إلى بيروت بعد فرض الانتداب الفرنسي وقيام دولة لبنان الكبير سنة 1920، وفي 20 نيسان 1926، سمّي رئيساً للدولة السورية ورئيساً للحكومة. كان ذلك في أوج الثورة السورية الكبرى، بعد ستة أشهر من قصف دمشق من قبل الفرنسيين وإحراق سوق الحميدية وتدمير جزء كبير من حيّ الميدان.

الجميع يعرف أن اثنين من حكام سورية في مرحلة ما بعد الدولة العثمانية كانوا غير سوريين، وهما الملك فيصل الأول  والرئيس جمال عبد الناصر. ولكن ماذا عن أربع شخصيات لبنانية حكمت سورية في تاريخها الحديث؟

حكم سورية بمفرده، دون دستور أو مجلس نواب، حيث لا سلطة كانت تعلو سلطته إلا سلطة المفوض السامي الفرنسي في بيروت. وفي حكومته الأولى، تعاون الداماد مع شخصيات محسوبة على الحركة الوطنية، فجاء بفارس الخوري وزيراً للمعارف، وبلطفي الحفار وزيراً للتجارة، وبالوجيه الحموي حسني البرازي وزيراً للداخلية. وقد غطى هذا التشكيل الوطني على ضعف سجل الداماد في الشأن العام، حيث لم يكن له أي ظهور ملفت أو بصمة قبل مجيئه إلى الحكم في سورية، ولم يكن يحمل جواز سفر سورياً حتى. كما وضع برنامجاً طموحاً لحكومته، جاء في مُقدمته إصدار عفو عام عن جميع المعتقلين السياسيين، مع سنّ دستور جديد للبلاد وانضمام سورية إلى عصبة الأمم. وطالب بتحويل الانتداب إلى معاهدة مع فرنسا، يتم التعامل مع سورية على أنها دولة حليفة، لا تابعة للجمهورية الفرنسية أو مستعمرة.

ولكن حكمه تعرض لعدة ضربات متتالية، كان أولها اعتقال الوزراء الوطنيين بتهمة التخابر مع ثوار غوطة دمشق، ورفض الفرنسيين وقف العمليات العسكرية في جبل الدروز. لم يتمكن الرئيس نامي لا من مجابهة الفرنسيين ولا من كسب ود الوطنيين بعد اعتقال الوزراء الثلاثة، وقد أجبر على الاستقالة في 8 شباط 1928.

عاد بعدها إلى بيروت، ولم يزر سورية قط. وقد عُرض عليه العودة إلى الحكم في دمشق سنة 1941، ولكن الكتلة الوطنية وقفت في وجهه. سافر إلى فرنسا وعمل أستاذاً محاضراً في جامعة السوربون حتى وفاته عن عمر 88 عاماً سنة 1966.

حكم اللبناني أحمد نامي بك سورية بمفرده سنة  1926، دون دستور أو مجلس نواب، حيث لا سلطة كانت تعلو سلطته إلا سلطة المفوض السامي الفرنسي في بيروت

بهيج بك الخطيب

في قرية شحيم في قضاء الشوف، ولد بهيج الخطيب سنة 1885. درس في مدارس سوق الغرب ثم في جامعة بيروت الأميركية، وتوجه إلى دمشق وهو في الثالثة والثلاثين من عمره سنة 1918، للعمل بمعية الأمير فيصل بن الحسين، حاكم سورية الجديد بعد سقوط الحكم العثماني. عُيّن كاتباً في ديوان الأمير فيصل ثم في وزارة الداخلية السورية في عهد الوزير رضا الصلح، وهو لبناني مثله ووالد الرئيس رياض الصلح.

بعد زوال الحكم الفيصلي وفرض الانتداب الفرنسي، بقي الخطيب في سورية وحصل على الجنسية السورية في عهد أحمد نامي، الذي عيّن شقيقه الشاعر فؤاد الخطيب مديراً لمكتبه بدمشق. عمل الخطيب بصمت ورفض الدخول في أي حزب سياسي، وفي شباط 1928، سمّي مديراً للشرطة السورية.

طوّر بهيج الخطيب سلك الشرطة وأدخل عليه فروعاً لحراسة الليل وإدارة المرور، كما أسس نظاماً للأرشفة وحفظ سجلات المجرمين وأصحاب السوابق. وقد اتهمته الحركة الوطنية بالتلاعب في الانتخابات النيابية، وخرجت بمظاهرة كبيرة ضده يوم 12 نيسان 1928، قام الخطيب بتفريقها بنفسه. وقيل يومها إنه أطلق عيارات نارية على المتظاهرين وقتل ستة منهم.

حكم بهيج بك الخطيب سورية بالحديد والنار، وضرب الحركة الوطنية في الصميم، ما أدى إلى محاولة اغتيال فاشلة له في صيف العام 1939، وقف خلفها عدد من ثوار حماة

وكتب الصحفي نجيب الريّس مقالاً في جريدة القبس، مخاطباً بهيج الخطيب بالقول: "لقد لبست جلد النمر في أسبوع الانتخابات وقد عشت في هذه المدينة عشر سنين بثوب الثعلب، لا تتقن غير الزلفى ولا تجيد غير الابتسامة الصفراء"، ثم ختم بالقول: "إلى الشحيم يا بهيج الخطيب (في إشارة إلى أصوله اللبنانية، مستبدلاً كلمة الجحيم بالشحيم). رد الخطيب بإغلاق جريدة القبس واعتقال صاحبها.

وكانت الضربة القاضية بالنسبة له اعتقال عدد من سيدات دمشق عند خروجهن بمظاهرة ضد الفرنسيين، ما أحرج سلطة الانتداب كثيراً وأجبرها على التخلي عنه في تشرين الثاني 1934.

عاد بهيج الخطيب إلى الصدارة نهاية عام 1937، عند تعينه محافظاً على جبل الدروز لمدة ثلاثة أشهر. وفي تموز 1939، وبعد استقالة الرئيس هاشم الأتاسي، جاء تعيينه رئيساً لحكومة من الاختصاصيين غير الحزبيين، سُمّيت بحكومة المديرين. كان من المفترض أن تكون حكومته انتقالية، لها هدف واحد فقط وهو الإشراف على الانتخابات النيابية المُقبلة، ولكن اندلاع الحرب العالمية الثانية أطال من عمرها وأبقاها في الحكم حتى سنة 1941.

حكم الخطيب سورية بالحديد والنار، وضرب الحركة الوطنية في الصميم، ما أدى إلى محاولة اغتيال فاشلة في صيف العام 1939، وقف خلفها عدد من ثوار حماة، كان في مقدمتهم المحامي الشاب أكرم الحوراني. في عهده بدأت الحرب العالمية الثانية وتولّى الخطيب ملاحقة كل المدانين بتمويل النازية، كما تم اغتيال الزعيم الوطني عبد الرحمن الشهبندر وتوجيه أصابع الاتهام إلى أركان الكتلة الوطنية. وقد جاء في محاضر التحقيق أن الخطيب اجتمع مع الجناة في مقر الشرطة، وأمر بتعذيبهم لكي يقولوا إن أمر الاغتيال جاء من رئيس الوزراء الأسبق جميل مردم بك. بعد ثبوت براءة مردم بك وصحبه، قامت فرنسا بإقصاء الخطيب عن منصبه في نيسان 1941.

ولكنه عاد إلى الصدارة مجدداً، وزيراً للداخلية في أيلول 1941، في حكومة الرئيس حسن الحكيم. وفي نيسان 1942، سمّي أميناً عاماً لوزارة الداخلية حتى 13 تشرين الأول 1943، تاريخ تعيينه محافظاً على مدينة دمشق. كان ذلك في عهد الرئيس شكري القوتلي، ولكن موجة من الانتقادات طالت قرار تعيينه، فقام الرئيس بعزله بعد أقل من أسبوع. أدرك الخطيب أن فرص عودته إلى الحكم باتت معدومة من بعدها، فقرر اعتزال العمل السياسي والعودة إلى مسقط رأسه في بلدة شحيم، عشية جلاء الفرنسيين عن سورية سنة 1946.

توفي بهيج الخطيب في لبنان عن عمر ناهز 96 سنة 1981، بعد أن شهد كل الانقلابات العسكرية التي عصفت بسورية والحرب الأهلية التي اندلعت في لبنان سنة 1975.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image