أصدرت وزارة الخارجية الموريتانية، يوم الثلاثاء 8 آذار/ مارس 2022، بياناً نددت فيه بعمليات القتل التي تعرّض لها مواطنون موريتانيون في الجارة الشرقية مالي، على يد قوات نظامية مالية، حسب البيان.
وقالت الدبلوماسية الموريتانية إن "وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، استدعت سعادة السيد محمد ديباسي، سفير جمهورية مالي المعتمد لدى بلادنا. جرى الاستدعاء لإبلاغ السفير احتجاجاً شديد اللهجة على ما تكرر في الآونة الأخيرة من أعمال إجرامية، تقوم بها قوات نظامية مالية، على أرض مالي، في حق مواطنينا الأبرياء العزَّل".
وأضاف البيان: "لقد وجهت بلادنا، في مناسبة سابقة، وفداً رفيع المستوى إلى جمهورية مالي، في محاولة لاحتواء هذا السلوك العدائي تجاه مواطنينا، وعلى الرغم من التطمينات التي صدرت، بهذا الخصوص، عن السلطات المالية، إلا أن مستوى التجاوب لدى المسؤولين الماليين -على المستوى المركزي وعلى المستوى الإقليمي- مع نظرائهم الموريتانيين، ظلت دون المستوى.
وإن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون والموريتانيين في الخارج، إذ تذكّر بموقف بلادنا المؤسس على اعتبارات أخوية وإنسانية ومراعاة لأواصر التاريخ والجغرافيا، والرافض لتجويع الشعب المالي الشقيق، لتؤكد أن أرواح مواطنينا الأبرياء وأمن ممتلكاتهم ستبقى فوق كل اعتبار".
تضارب في الأخبار
لم يؤكد بيان الوزارة عدد من قُتلوا من الموريتانيين في دولة مالي المجاورة لموريتانيا، ولكنه أكد وقوع القتل وغضب الحكومة الموريتانية والتصعيد بسبب ما حدث.
وكانت الحادثة قد أثارت الجدل منذ أيام، وتضاربت الأنباء حولها بين من ينفيها ومن يقول إن القوات المالية قتلت 35 مواطناً موريتانياً. وتضاربت الأنباء حول مصير مجموعة من المواطنين الموريتانيين، فيما تحدثت مصادر محلية عن اقتيادهم من طرف قوات الجيش المالي من بئر قرب الحدود إلى جهة مجهولة.
وقد أكد نائب مدينة باسكنو في الشرق الموريتاني، محمد محمود ولد حننا، في تصريح لموقع الأخبار الموريتاني، مقتل مواطنين موريتانيين في حادثة السبت الماضي 5 آذار/ مارس، على الأراضي المالية، إذ قال: "عدد القتلى الذين تأكدت وفاتهم نحو 15 شخصاً".
وما تزال الروايات غير مستقرة حتى اليوم بخصوص عدد القتلى ومكان العملية التي أودت بحياتهم، ولا نوعيتها.
موريتانيا أبلغت السلطات المالية بشكل واضح إذا تكررت الاعتداءات على الموريتانيين فى مالي سنقوم بإغلاق الحدود
وفي خطاب تصعيدي، عزت صحيفة لوفيغارو الفرنسية، تصريحات إلى دبلوماسي موريتاني، فضّل حجب هويته، قال فيها إن "موريتانيا أبلغت السلطات المالية بشكل واضح أنه إذا تكررت الاعتداءات على الموريتانيين فى مالي فسنقوم بإغلاق الحدود".
وأكد المتحدث في حديث إلى الصحيفة أن "السلطات في باماكو لم ترفع سماعات الهواتف عندما اتصلنا عليها".
هذا وقام وزير الداخلية واللا مركزية، مساء الثلاثاء في الثامن من آذار/ مارس 2022، بزيارة للمركز الوطني لأمراض القلب في العاصمة نواكشوط، للاضطلاع على الوضعية الصحية للمواطنَين المصابَين في مالي. وقد أصيبا حسب المعطيات المتوافرة بطلقات نارية تعرضت لها سيارتهما في الأراضي المالية، يوم السبت الماضي، ونُقلا على إثرها إلى مركز طبي في مدينة النعمة، ليتم بعد ذلك نقلهما إلى العاصمة، ويتم الإعلان عن استقرار حالتهما.
الأخبار عن مقتل موريتانيين تتنقل في فضاء جغرافي تاريخي لا يعترف بحدود مع الجارة مالي، كانوا يتاجرون مع أهاليها، أثار غضب كثيرين. ففي اليوم نفسه نظمت مجموعة من أهالي المفقودين في مالي وقفةً احتجاجيةً أمام القصر الرئاسي في العاصمة نواكشوط، للتنديد بقتل المواطنين الموريتانيين في مالي، وجرائم الجيش المالي في حقهم، وللمطالبة بالاقتصاص من الجيش المالي.
يزود الموريتانيون بالبضائع بعض المناطق المسيطر عليها من طرف حركة ماسينا المتحاربة مع الجيش المالي، وكذلك بعض الحركات الإرهابية المتطرفة وهو ما يجعلهم عرضةً للخطر والقتل
واجتاحت حالة من الغضب الموريتانيين على موقع فيسبوك، وذلك بسبب حفل عشاء نظّمته زوجة الرئيس الموريتاني، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وكان احتفاليا وشهد لحظات طرب، وهو ما عُدّ غير مناسب في ظل الحزن الذي ينتشر في البيوت الموريتانية بسبب عمليات القتل التي حدثت في مالي، وعبّر كثيرون عن غضبهم من غياب الحداد عليهم والاحتفال بهذا الشكل.
دعوات لتجنّب الأراضي المالية
مع الأخبار الجديدة والمتعلقة بمقتل موريتانيين جدد في مالي وفقدانهم، تجدد الحديث عن ضرورة تجنّب الموريتانيين لبعض المناطق الحدودية بين موريتانيا ومالي، وبعض المناطق الخطرة في الجارة التي تشهد قلاقل أمنيةً يزيد من تعقيدها الفوضى الأمنية وانتشار تنظيم القاعدة والتنظيمات المتشددة.
ووفق الناشط الموريتاني المقيم في مالي، يسلم محمود، الذي تحدث إلى رصيف22، "يزود الموريتانيون بالبضائع بعض المناطق المسيطر عليها من طرف حركة ماسينا المتحاربة مع الجيش المالي، وكذلك بعض الحركات الإرهابية المتطرفة وهو ما يجعلهم عرضةً للخطر والقتل، وما يحفز الموريتانيين على هذا الفعل، الأرباح الباهظة التي تتحقق في تلك العملية، فمثلاً في بعض مناطق الإرهابيين يصل كيلوغرام السكر إلى 1،500 فرنك، بدلا من 500 فرنك في المدن المالية المستقرة".
وأضاف: "سبق وأكدت السفارة الموريتانية في باماكو للجالية الموريتانية في مالي، ضرورة تجنب تلك المناطق حتى لا يتعرضوا للمخاطر".
وكان النائب ولد حننا، قد دعا إلى الحزم الرسمي والحذر الشعبي في ظل الاضطراب الأمني الذي تشهده الأراضي المالية، وخصوصاً الشريط الحدودي مع موريتانيا.
جهات خارجية
مع تزايد حالات قتل الموريتانيين في دولة مالي، تصاعد النقاش حول المستفيد من هذا الواقع، ومن الفاعل، خاصةً أن موريتانيا رفضت حصار مالي حين قاطعها جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس).
وتزيد من تعقيد الوضع، التحولات التي تشهدها مالي مع إعلان انسحاب القوات الفرنسية من مهمة برخان، وحضور شركة فاغنر الأمنية الروسية التي نشرت حسب أرقام غير رسمية، ألفاً من مرتزقتها في مالي، ما حوّل طبيعة الفاعلين العسكريين في المنطقة، ويطرح تساؤلات حول انعكاسها على الأوضاع الأمنية القائمة منذ سنوات.
مع الأخبار الجديدة والمتعلقة بمقتل وفقدان موريتانيين جدد في مالي، اندلعت موجهة غضب مطالبة بالقصاص من الجارة الشرقية
وهناك من يرى أن غياب فرنسا قد يضرّ بالدولة المالية المهتزة، بعد الانقلاب الذي شهدته العام الماضي. وكتب المحامي والكاتب الموريتاني محمد ولد أمين، على صفحته على فيسبوك، قائلاً: "المرتزقة الروس ينفّذون سيناريو سورياً في مالي، أي القتل الأعمى حتى يتم استسلام الجميع. لقد غلّطت فرنسا بتركها حكومة مالي تترامى في أحضان الروس القتلة...! على مواطنينا الحذر كل الحذر من شمال مالي ووسطها".
وتجدر الإشارة إلى أنه في 14 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حدث أن غادرت القوات الفرنسية قاعدةً عسكريةً في تمبكتو، وسلمتها إلى نظيرتها المالية، ثم انتشرت فيها مجموعات مسلحة روسية خلال أيام فقط، وذلك وفق تقارير استخباراتية وإعلامية.
وجاء ذلك الانسحاب الفرنسي في إطار تقليص عدد القوات التي وفدت في 2013، لـ"مكافحة الإرهاب".
وحسب بعض المصادر الإعلامية، تدفع الحكومة المالية عشرة ملايين دولار شهرياً إلى هذه المجموعة، في حين تقول حكومة مالي إنها لا تملك أسلحةً تقاتل بها الإرهابيين، وإن الروس موجودون هناك لكونهم مدربين، وقد أرسلتهم حكومتهم رسمياً.
إلا أن وجود فاغنر المثير للجدل في مالي، سبق أن نفاه النائب الثاني لرئيس المجلس الوطني الانتقالي في مالي، نوهوم سار، وذلك في تصريح لـRT الناطقة بالفرنسية، في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، إذ أكد "على أنه يوجد متعاونون روس، تماماً مثلما يوجد متعاونون فرنسيون وإسبان وألمان في بلادنا"، مشيراً إلى أن "قصة فاغنر قصة من نسج القوة الاستعمارية السابقة (فرنسا) وتركيبها، وهي التي تقف أيضاً وراء العقوبات التي تعرّضنا لها من رابطة دول غرب إفريقيا، وهي أيضاً تواصل توظيف تنظيمات عدة ضد مالي".
ويُذكر أن العقيد أسيمي غويتا، الذي يسيّر الدولة المالية حالياً، أطاح برئيس مالي المنتخب في 18 آب/ أغسطس 2020، ثم قاد انقلاباً جديداً في أيار/ مايو الماضي، أطاح فيه بالرئيس الانتقالي، باه نداو، ورئيس وزرائه، مختار أواني، وأصبح رئيساً للمرحلة الانتقالية.
وأمام هذا الوضع في دولة مالي، تتسيّد حالة من القلق والغضب الشارع الموريتاني سببها ما يحدث للمواطنين الموريتانيين هناك، ويأملون بأن تقوم سلطات بلادهم بخطوات تحمي أبناء بلدهم حتى لا تتكرر مثل هذه الحوادث.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...