شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
مقتل موريتانيين في مالي... تهديد في دولة الجوار المكتوية بنار الانقلاب والإرهاب

مقتل موريتانيين في مالي... تهديد في دولة الجوار المكتوية بنار الانقلاب والإرهاب

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الجمعة 4 فبراير 202212:07 م

بعد أيام من الجدل والغضب والاحتقان في موريتانيا، وتحديداً في شرقها في مدينة عدل بكرو، قدم وفد رسمي من جمهورية مالي، يوم الخميس 27 كانون الثاني/ يناير، لتعزية أسر الموريتانيين السبعة الذين قُتلوا داخل الأراضي المالية، وتباينت الأنباء حول أسباب مقتلهم بين من اتّهم جيش مالي بالتورط فيه، ومن نسب الجريمة إلى الجماعات الإرهابية المنتشرة فيها.

وقدّم الوفد التعزية باسم الرئيس المالي الانتقالي، العقيد عاصيمي غويتا، وذلك في مدينة عدل بكرو، وقرية أصنت التابعة لبلدية بوكادوم في مقاطعة آمرج في ولاية الحوض الشرقي.

وقد تشكّل الوفد المالي من والي (محافظ) ولاية خاي المالية، العقيد موسي سوماري، ومدير ديوان والي نارا، ورئيس مجلس مقاطعة نارا، بالإضافة إلى عدد من القادة العسكريين والأمنيين والوجهاء.

واستقبل الوفد المالي في قرية "أمبارات أرم" على الحدود الموريتانية المالية، من طرف والي ولاية (محافظة) الحوض الشرقي الموريتانية، وحاكم مقاطعة عدل بكرو وعمدتها والسلطات الأمنية والعسكرية في الولاية.

حادثة أججت الغضب

وكانت حادثة مقتل الموريتانيين في مالي التي تضاربت الأنباء حول الجهة الضالعة فيها، قد أحدثت غضباً شديداً في موريتانيا، وتسببت باحتجاجات للمطالبة بالقصاص ودور فعال للحكومة الموريتانية التي اتُهمت بالتراخي.

وكانت الرئاسة الموريتانية قد أصدرت بياناً حول الحادثة، قالت فيه: "حادث أليم راح ضحيته سبعة من مواطنينا الأبرياء على الأراضي المالية"، مؤكدةً أن الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، قرر إيفاد لجنة تضم وزراء الخارجية والدفاع والداخلية والمدير العام للأمن الوطني إلى مالي للتحقيق في ملابسات الحادث.

مقتل 7 مدنيين موريتانيين في مالي وتضارب الأنباء حول من تسبب في مقتلهم تطرح تساؤلات حول تدبير العلاقات مع الجارة وتأطير المواطنين الذين ينتقلون على الحدود معها، خاصة أنها تعيش ظرفية منفجرة بين الانقلاب وخطر الإرهاب

وأوضح البيان أن "جلاء الملابسات يتم من خلال فتح تحقيق، يفضي إلى تحديد المسؤوليات وإيقاع أشد العقوبة بالجناة"، مؤكداً أن البعثة تهدف أيضاً إلى "التنسيق مع السلطات المالية، لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، وضمان سلامة مواطنيها على الأراضي المالية".

وكانت قد وُجّهت الكثير من الانتقادات إلى إدارة السلطات الموريتانية للملف، وطولبت بالتحرك واسترداد حق من قُتلوا. ويرى الإعلامي محمد الحافظ ولد الغابد، الذي تحدث إلى رصيف22، قائلاً إن "موقف الحكومة في تقديري كان في مستوى الحدث من حيث التجاوب السريع الذي اتخذته الرئاسة من خلال بيان وإجراءات تمثّلت في إرسال وفد عالي المستوى إلى الشقيقة مالي، لمعالجة هذه القضية، كما اهتمت الحكومة بتنوير الرأي العام حول الموضوع من خلال التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية للإعلام حول جهود الوفد ولقاءاته بالحكومة المالية، ومتابعة هذا الملف".

ويعتقد الصحافي المهتم بالشؤون الإفريقية سيدي ولد عبد المالك، أنه "من الواضح أن تدبير السلطات الموريتانية لقضية مقتل رعاياها من طرف من يُظن أنهم جنود ماليّون هو موقف طغت عليه الأبعاد الدبلوماسية".

وأضاف في حديثه إلى رصيف22: "لعل ذلك راجع إلى تفهّم موريتانيا للوضع الذي تعيشه دولة مالي، ولأنها كانت تستقبل قبيل وقوع الحادثة وفداً وزارياً مالياً رفيع المستوى، جاء إلى موريتانيا ينشد دعمها والمساهمة في فك الحصار الذي ضربته المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا عليها؛ الحصار الذي يُتوقع أن يكون حصاراً خانقاً، وهو ما قد يكون من الدوافع التي جعلت موريتانيا تعالج الأزمة بمستوى من الدبلوماسية وبمستوى من عدم التصعيد في لهجة مسؤوليها الحكوميين، تجاه ما حصل".

وأضاف المتحدث أن "هناك جانباً آخر وهو طبيعة الوفد الذي أرسلته موريتانيا إلى مالي، والذي كانت له طبيعة أمنية، إذ ضم إلى جانب وزير الخارجية، وزيري الدفاع والداخلية ومدير الأمن الوطني، وهذا يُفهم منه أن هذا الوفد سيكون محمّلاً برسالة شديدة اللهجة، قد لا يكون من مصلحة موريتانيا التعبير عنها علناً، في ظل الوضع الذي تمر به مالي، وفي ظل رأي مفاده أن موريتانيا تظن أن ما حصل قد يكون حادثاً منعزلاً، ولا يعبّر بالضرورة عن استهداف متعمّد تدبّره الحكومة في باماكو".

الحكومة الموريتانية مطالبة بتشديد القبضة على المناطق الحدودية ذات الكثافة السكانية، وبناء ثقافة أمنية لدى المواطنين الموريتانيين للخطر الذي يتهددهم من الجارة مالي

وأشار إلى أن "طبيعة الوفد الذي تم إرساله إلى المنطقة، يتضح من تشكيلته أنها رسالة إلى أهل المناطق الشرقية المستهدفة بأن الدولة تسعى إلى معالجة الموضوع بحزم، وأن الرسالة الأمنية لهذا الوفد هي أبلغ تعبير، وهي رسالة دبلوماسية تتميز بالنعومة في التصريحات".

ورأى عبد المالك أن "هذه الجهود يمكن أن تؤدي إلى احتواء الأزمة خاصةً وفق أخبار بأن السلطات المالية أرسلت وفداً إلى مقاطعة عدل بگرو يتشكل من بعض الأئمة والسلطات الإدارية والعسكرية من أجل تقديم التعازي والاعتذار لأهالي الضحايا، وأعتقد أن هذه الخطوات قد تلملم الوضع في هذه المرحلة، لكن تطور الأحداث في المستقبل وتكرارها في ظل عجز السلطات المالية عن التمييز بين من تتهمهم بالإرهاب من غيرهم، قد يقوّض العلاقات الموريتانية المالية، وقد يصبّ جام غضب المناطق الشرقية الحدودية على السلطة المركزية في نواكشوط، وهو من الاحتمالات المطروحة في المستقبل، خاصةً في ظل تزايد الانفلات الأمني في المنطقة الحدودية بين الدولتين، وتنامي عدد اللاعبين الدوليين في هذا الشريط".

مخاوف مستقبلية من منقطة مشتبكة

أعادت الحادثة إلى الأذهان حوادث مشابهةً سبق وفرضت نقاش الأزمة المالية وتأثيرها على موريتانيا، إذ إن هناك من يرى أن السلطات في مالي لا تتحكم بكل تفاصيل المشهد، وقال ولد الغابد: "يُعدّ الملف شائكاً، لأن الحكومة المالية لا تتحكم بكل تفاصيل اللعبة وحدودها مستباحة من العديد من الجبهات، مما ينذر بمخاطر تتطلب جهوداً موريتانيةً أوسع لضبط هذه الحدود، ومعاقبة مرتكبي هذه الجرائم أينما كانوا، بهدف الردع ولضمان عدم تكرار ما حصل، كما أن المواطنين الذين يتوغلون في حدود مالي وأراضيها من دون أخذ الوضعية الخطرة في الحسبان، يتحملون جزءاً من المسؤولية لأنهم ألقوا بأنفسهم في أماكن خطرة، ولم تعد آمنةً منذ سنوات. ومع ذلك فعلى النظام الحاكم الانتباه إلى المخاطر المستجدة في البيئة الأمنية، واتخاذ إجراءات جادة ليست للاستهلاك المحلي أو لامتصاص غضبة مفاجئة للشارع فحسب".

وأضاف المتحدث: "في تقديري إن هذه الحادثة دبّرتها جهة ما، وهي رسالة مشفرة من لاعبين لديهم خصومات أو ثأر مع موريتانيا، نظاماً وجيشاً ومؤسسات، ويمكن أن يكونوا إرهابيين أو مهربين أو طرفاً دولياً يريد أن يؤثر على القرار الموريتاني في هذه اللحظة".

وخلص قائلاً: "الحادثة مسبوقة بحوادث أخرى، وأرجّح أنها جزء من لعبة محلية في مالي، أو إقليمية تتعلق بالوافدين الجدد، أو لها علاقة بمهربين لديهم ثأر مع موريتانيا؛ هذه كلها احتمالات لا يمكن ترجيح أحدها على الآخر، في ضوء ما يتكشف من معلومات تتطلب الدقة والتحري حفاظاً على المصداقية".

ورأى عبد المالك أن "الحكومة الموريتانية مطالبة بتشديد القبضة على المناطق الحدودية ذات الكثافة السكانية، والأهم من كل هذا بناء ثقافة أمنية لدى المواطنين الموريتانيين تتسم بمستوى من الحيطة والحذر والتعاطي مع السلطات الأمنية المالية بطريقة لا تثير شبهةً، أو لا تدفع إلى التصنيف. أعتقد أن هذا من العوامل المهمة، كما أن السلطات الموريتانية عليها أن تنبّه المواطنين في تلك المنطقة، وتعرّفهم بالمناطق الخطرة التي ينبغي ألا يرتادوها، كما تفعل السفارات الأجنبية مع رعاياها في الدول التي يكون فيها تهديد أمني".

وتجدر الإشارة إلى أن الجيش المالي قام في العاشر من أيلول/ سبتمبر العام 2012، بقتل 16 عنصراً من جماعة الدعوة والتبليغ التي تنشط في مجال الدعوة للإسلام، من ضمنهم 12 مواطناً موريتانياً. وقام الجيش المالي بقتل الضحايا بعد ساعتين من الاعتقال والتحقيق، وهو ما أحدث وقتها غضباً في موريتانيا.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard