أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أن روسيا ستبدأ خلال هذا الأسبوع بغزو أوكرانيا التي زارها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في محاولة للتأكيد على عمق العلاقة الإستراتيجية بين البلدين.
أثبت الوقت الذي أمضاه أردوغان في العاصمة الأوكرانية، أنها دولة مهمة بالنسبة إليه، إذ وقّع المسؤولون في البلدين على مجموعة من الاتفاقيات الثنائية، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة التي طال انتظارها، مهدت الطريق للإنتاج المشترك لطائرات من دون طيار في أوكرانيا.
وبرزت تركيا خلال العقد الماضي كواحدة من الشركاء الرئيسيين لأوكرانيا، إذ نمت التجارة الثنائية بينهما بنسبة 50% تقريباً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2021، لتصل إلى خمسة مليارات دولار.
وأعرب كل من الرئيسين التركي والأوكراني فلاديمير زيلينسكي، عن أمله بأن المزايا الإضافية لاتفاقية التجارة الحرة الجديدة، ستزيد حجم التجارة الثنائية السنوية إلى أكثر من عشرة مليارات دولار أمريكي في غضون السنوات القليلة المقبلة.
برزت تركيا خلال العقد الماضي كواحدة من الشركاء الرئيسيين لأوكرانيا، إذ نمت التجارة الثنائية بينهما بنسبة 50% تقريباً
ولا شك أن الغزو الروسي سيطيح بهذه المكاسب الاقتصادية لأنقرة، بل سيزيد نفوذ موسكو في البحر الأسود ويُحجّم تركيا، لذلك حاولت الأخيرة تجنيب كييف الغزو بالوساطة مع روسيا، وزيادة قدرات أوكرانيا الدفاعية.
العلاقات الدفاعية
في محاولة لمنع تحجيم نفوذها، لم تقبل تركيا أبداً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم المطلة على البحر الأسود عام 2014، وتعاطف الأتراك مع مجتمع التتار المحتل من الروس في منطقة القرم المسلمة الناطقة باللغة التركية. وسيطرت موسكو أيضاً على الكثير من سفن البحرية الأوكرانية والبنية التحتية للموانئ، عندما استولت على القرم، ما أدى إلى تغييرٍ كبيرٍ في ميزان القوى في البحر الأسود، وقلب الميزة السابقة للبحرية التركية.
رداً على ذلك، قدّمت تركيا الدعم السياسي والدبلوماسي لجماعات تتار القرم، مؤكدةً أنها لن تعترف بالضم الروسي لشبه الجزيرة الأوكرانية. وعززت التعاون العسكري التقني مع كييف، لا سيما من خلال بيع طائرات من دون طيار مسلحة ومتطورة استخدمها الأوكرانيون ضد الانفصاليين المدعومين من روسيا في دونباس.
في 26 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، نشرت وزارة الدفاع الأوكرانية شريط فيديو يُظهر طائرةً مسيّرةً من طراز TB2 تركية الصنع، تضرب مدفع هاوتزر لانفصاليين موالين لروسيا في منطقة دونباس. وقال أردوغان في 17 كانون الثاني/ يناير الماضي، إن روسيا "اغتصبت القرم ولا يمكن أن تستمر الأمور بعقلية الاحتلال"، كذلك أعلنت الرئاسة التركية في 3 شباط/ فبراير 2022، أنها لن تتراجع عن بيع المسيّرات لكييف.
بات المسؤولون الروس ينظرون إلى علاقة أنقرة العسكرية الفنية مع أوكرانيا، وعلاقتها مع مجتمع تتار القرم، على أنها إشارات استفزازية، عادّين أن دعم أنقرة لتتار القرم تهديد لوحدة الأراضي الروسية.
وعلى الرغم من أن الطائرات من دون طيار تمنح أوكرانيا قدراتٍ إضافيةً، إلا أن تأثيرها على التوازن بين موسكو وكييف محدود، لا سيما في حالة نشوب صراع شديد القوة يشمل القوة الجوية الروسية، فلن يصمد الجيش الأوكراني.
نشرت وزارة الدفاع الأوكرانية شريط فيديو يُظهر طائرةً مسيّرةً من طراز TB2 تركية الصنع، تضرب مدفع هاوتزر لانفصاليين موالين لروسيا
في هذا الشأن، قال المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، إن "تركيا تحاول أن تقوّي نفوذها ودورها في الأزمة الأوكرانية، وتقدم مقترحات حول انعقاد لقاء بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني، ولكن من الواضح تماماً أن أنقرة، وبغض النظر عن العلاقة الطبية مع كلّ من روسيا وأوكرانيا، هي دولة منحازة أكثر إلى الجانب الأوكراني".
وأضاف المحلل الروسي لرصيف22: "نحن نعلم الموقف التركي من شبه جزيرة القرم الروسية، وعدم اعترافها بسيادة روسيا عليها، وبأنها زوّدت الجانب الأوكراني بمختلف أنواع الأسلحة، وأنهم يحاولون فرض سياسة معيّنة علينا".
من جانبه، قال المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، لرصيف22، إن "تركيا تحاول الحفاظ على مصالحها، وهي منع محاولة تحجيمها إذا تم احتلال أوكرانيا"، مضيفاً أن "زيارة أردوغان لكييف في 3 شباط/ فبراير الحالي، رسالة بأن أنقرة تدعم أوكرانيا، وستحافظ على مصالحها".
في رأي أونتيكوف، فإن تركيا تعتمد على تكتيك غير مقبول، وهو الدعوة للتوسط بين روسيا وأوكرانيا، مضيفاً أن "موسكو لا يمكن أن توافق على ذلك، لأن روسيا ليست طرفاً في النزاع، والوساطة تكون بين الحكومة الأوكرانية والقوات المسيطرة على دونباس". وتابع المحلل الروسي: "إذا أرادت تركيا أن تشارك في حل هذه الأزمة، فعليها أن تتوجه إلى الأطراف المتنازعة داخل أوكرانيا، وليس إلى روسيا".
من جانبه، استبعد رضوان أوغلو أن تلعب تركيا دور الوسيط في الأزمة، مضيفاً أن الصراع يدور بين روسيا والولايات المتحدة، ولا تلعب أنقرة دوراً فيه.
الخسائر والمكاسب
تخاطر أنقرة بالعزلة الدبلوماسية والتوسع الإستراتيجي المفرط لروسيا، إذ يمكن للأخيرة تصعيد الضغط ضد المصالح التركية في إدلب السورية، للتأكد من بقاء أنقرة على الهامش في أوكرانيا، وفقاً لمجلة فورين بوليسي الأمريكية.
ومن المرجح أن تكون عواقب الهجوم الروسي ضد أوكرانيا سلبيةً ووخيمةً على المدى البعيد، مثل زيادة توطيد التفوق العسكري والبحري الروسي في البحر الأسود، وإضعاف شراكة تركيا وأوكرانيا، والمزيد من الضرر للاقتصاد التركي، وتدفق اللاجئين والهجمات ضد المصالح التركية في سوريا، وأماكن أخرى.
من المرجح أن تكون عواقب الهجوم الروسي ضد أوكرانيا سلبيةً ووخيمةً على تركيا، مثل زيادة توطيد التفوق العسكري والبحري الروسي في البحر الأسود، وإضعاف شراكة أنقرة وكييف، والمزيد من الضرر للاقتصاد التركي
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى نهاية عملية التوازن طويلة الأمد بين الناتو وروسيا، إلى جانب إنهاء طموح النفوذ الإقليمي الذي حدث خلال فترة حكم الرئيس رجب طيب أردوغان، وفقاً للصحيفة.
في المقابل، يمكن أن تتراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا عبر بيلاروسيا وأوكرانيا، وإلغاء خط أنابيب نورد ستريم 2 من قبل ألمانيا، أو تعليقه، إذا حدث غزو لكييف، وتحوّل عبور الغاز من موسكو إلى القارة العجوز عبر أوروبا من خلال خطوط أنابيب Blue Stream وTurkStream التركية.
ومع ذلك، رجّح تقرير لمركز كارنيغي، احتمال عمل روسيا ضد المعدات العسكرية تركية الصنع التي تستخدمها أوكرانيا، وفرض عقوبات اقتصادية على تركيا تشمل وقف السياحة والواردات الزراعية بسبب استمرار أنقرة في دعمها لكييف عسكرياً. لكن التقرير أشار في الوقت ذاته إلى أن موقف أنقرة من الأزمة قد يُصلح العلاقات مع واشنطن.
السيناريو المتوقع
من المرجّح أن يكون موقف تركيا في الأزمة الأوكرانية مماثلاً لموقفها من الحرب الجورجية الروسية في عام 2008، عندما حاولت جورجيا المدعومة من الغرب استعادة منطقة أوسيتيا الجنوبية الانفصالية.
كانت أنقرة آنذاك داعماً رئيسياً لبرنامج تدريب الجيش الجورجي وتجهيزه، في الفترة التي سبقت الحرب، إلا أنها رفضت السماح للسفن الحربية الأمريكية بالدخول إلى البحر الأسود، كجزء من التحركات الأمريكية لردع روسيا، مراعاةً لاتفاقية مونترو.
تركيا ستقف مع الولايات المتحدة ضد روسيا، لأن فكرة تحجيمها من قبل بوتين لن تكون مقبولةً لها
وفقاً لصحيفة المونيتور الأمريكية، فإن حكومة أردوغان لديها قائمة طويلة من المصالح التي يجب مراعاتها، بما في ذلك استقرار المضائق التركية والبحر الأسود، ومحطة أكويو للطاقة النووية التي يبنيها الروس في جنوب تركيا، وتأمين إمدادات الغاز من خطوط الأنابيب مع روسيا، والعديد من مشاريع شركات البناء التركية في روسيا، وتأمل بتوسيع نفوذها في القوقاز بعد مساعدة أذربيجان في حرب ناغورنو كاراباخ عام 2020، وعملياتها المستمرة في سوريا وليبيا. حتى واردات القمح من روسيا أصبح وضعها حساساً للغاية بعد أن تضاعفت أسعار الخبز.
ومع ذلك، قال رضوان أوغلو إن "تركيا ستقف مع الولايات المتحدة ضد روسيا، لأن فكرة التحجيم لن تكون مقبولةً لها"، مضيفاً أن روسيا وتركيا تتعاملان وفق مبدأ ألا يتم ربط كل ملف بملفٍ آخر، فالأزمة السورية من المستبعد تأثّرها بالوضع في أوكرانيا، والتبادل الاقتصادي والتجاري منفصل إلى حد ما.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...