لا بدّ أن تكون للمؤثّرين influencers، على وسائل التواصل الاجتماعي، حياةٌ أخرى غير تلك التي نراها من خلال صفحاتهم. من غير المنطقي أن يعيشوا أيامهم كلها على إيقاع السفر والترف والبذخ والماركات الباهظة والعلاقات الزوجية المثالية. لكن لماذا يصرّ هؤلاء المشاهير الجدد على تظهير الصورة الملوّنة حصراً؟ أين الأسود في حياتهم؟ ولماذا يخبّئونه؟
في السرير الزوجيّ ترتفع الوسادات حاجزاً بين جويل وكمال. ترفض جويل حتى فكرة أن يقترب منها زوجها، فالخلافات بينهما قطعت حبلَي الودّ والرغبة.
جويل مردينيان، الوجه المعروف الذي يتابعه الملايين، تعرّف بنفسها كرائدة أعمال ومقدّمة برامج. هي باختصار شخصية مؤثّرة أو influencer، حسب التسمية المتعارفة التي فرضها عالم الـsocial media.
لكن الـinfuencers في العالم العربي اعتدن أن يظهّرن علاقاتهنّ الزوجيّة على أنها مثاليّة: مع الـ#hubby، الحياة دائماً ورديّة، وهما، يداً بيد، يحقّقان الـ couplegoals...
شذّت جويل عن القاعدة الزهريّة في برنامجها الجديد على منصّة "شاهد" –جويل بلا فلتر– وهو تجربة تلفزيونية واقعيّة تنقل حياة جويل كما هي، من دون "فلترة"، ولا تدريب على التمثيل، ولا سيناريو مجهّزاً للحفظ، كما يؤكّد فريق عمل البرنامج لرصيف22.
في إحدى حلقات البرنامج الذي يعتمد أسلوب تلفزيون الواقع، تفصح جويل: "حاسة حالي تعيسة وكل الوقت عم مثّل إني سعيدة". تأتي فيديوهات قديمة صادمة احتفظت بها جويل في أرشيفها الخاص لتوضح سبب التعاسة تلك: شجارات وسجالات متكرّرة مع كمال، في المنزل أمام الأولاد وفي المكتب (هما شريكان في العمل).
ليس كل من يبتسم للكاميرا سعيداً
تخبر جويل مردينيان رصيف22، بأنّ العلاقة الزوجيّة بدأت تؤذيها منذ 11 سنةً: "لم أكن أحصل على دعم المحيطين بي، لأنّ تلك الأذيّة لم تكن ظاهرةً للعيان. فهو لم يعنّفني جسدياً ولا لفظياً، لكن جرحي كان عميقاً بسبب أخطائه المتكررة والتي كان يعرف أنها تؤذيني. "خطأ ثم اعتذار ثم وعد بالتغيير ثم خطأ من جديد". هذه هي الدائرة المغلقة التي دارت في داخلها جويل لأكثر من عشر سنوات. تتحدّث عن المشكلة من دون الإفصاح عن التفاصيل.
"تدمّرت ثقتي بنفسي بسبب ذلك وظلّ الناس يظنّونني قويّةً، لكني لم أكن كذلك". كيف لا يظنّونها قويّةً وهي التي تنشر عشرات الصور والفيديوهات أسبوعياً وترتدي فيها أثمن الأزياء وتزور أجمل المدن!
تعترض جويل على التعتيم الذي يعتمده المؤثرون على تعاستهم: "هم لا يضيئون على هذه الناحية السلبية، وكأنّ عالمنا العربي غير مهتم بذلك. على العكس!"
ليس كل ما نراه على وسائل التواصل الاجتماعي حقيقياً، هي مقتضيات الـbusiness والـbrand image التي تفرض على المؤثّرين أسلوب حياة "افتراضيّ" بكل ما للكلمة من معنى. ثمّ هناك انطباعٌ سائد بأننا بتنا محكومين بما يُعرف بالطاقة الإيجابيّة positive vibes، وبالإنجازات والنجاحات التي يراكمها المؤثّرون، في الوقت الذي يغرق جمهور المتلقّين في همومه اليوميّة وإخفاقاته وخيباته.
تعترض جويل على التعتيم الذي يعتمده المؤثرون على تعاستهم: "هم لا يضيئون على هذه الناحية السلبية، وكأنّ عالمنا العربي غير مهتم بذلك. على العكس! حياتنا ليست رومانسيةً ولا ورديّةً كما يظن الناس وهم متعطّشون للتعلّم من نقاط ضعفنا وليس من نقاط قوّتنا فحسب".
الكاميرا في غرفة النوم
السيّدة التي أمضت مراهقتها وشبابها في لندن تأثّرت بالنمط الإعلامي الغربي المرتكز على الوضوح والشفافية، ومن هذا المنطلق تقول: "لا أريد أن أشارك الـ19 مليون شخص الذين يتابعونني على إنستغرام حياةً مزيّفةً. ما الجدوى من ذلك؟ لم تكن لديّ يوماً مشكلة في الحديث عن زواجي الأول وطلاقي، ولا عن الجراحات التجميليّة التي خضعت لها، ولا عن عمري (46 عاماً)، ولا عن تجربة التبنّي التي خضتُها".
"كما علّمتُ المتابِعات أسرار الـmake up، وتنسيق الملابس وتصحيح ما يزعجهنّ في أشكالهنّ الخارجيّة، أريد أن أعلّمهنّ التصالح مع واقعهنّ ونقاط ضعفهنّ، وأن يفصحن عن أعمارهنّ وأوزانهنّ الحقيقيّة بلا خجل..."
من هنا جاء قرار جويل بنقل حياتها الخاصة من المنزل وغرفة النوم إلى الشاشة، على قاعدة "كما علّمتُ المتابِعات أسرار الـmake up، وتنسيق الملابس وتصحيح ما يزعجهنّ في أشكالهنّ الخارجيّة، أريد أن أعلّمهنّ التصالح مع واقعهنّ ونقاط ضعفهنّ، وأن يفصحن عن أعمارهنّ وأوزانهنّ الحقيقيّة بلا خجل...".
على مدى عشر حلقات، يتابع المشاهد حياة جويل "بلا فلتر"، بكل تفاصيلها، فيتعرّف إلى أفراد أسرتها وأصدقائها، ويرافقها إلى مكتبها، هي التي تدير شركاتها الخاصة، كما يغوص في أسلوب تربيتها لأولادها الثلاثة (بايلي 20 عاماً، إيلا 11 عاماً، ونيثن ثلاثة أعوام)، ويدخل معها إلى عيادة المعالجة النفسية، وإلى صف الرقص الشرقي، ويسافر معها إلى جزر المالديف، ويراقب حتماً انكساراتها ويشهد على اللحظة التي تتّخذ فيها قرار الانفصال عن زوجها.
"وضعتُ الوسادات حاجزاً بيني وبين كمال في السرير، لأني لم أكن أرغب في أيّ تماسٍ جسدي بيني وبينه". ولدى سؤالها لماذا لم يناما في غرفتين منفصلتين بدل رفع جدار الوسادات، تجيب: "لم أكن أريد أن يظنّ أولادنا أننا عدوَّين، فأنا أحبه. لكن في الوقت عينه لم أدّعِ يوماً أمامهم أنّ حياتي معه ورديّة".
"وضعتُ الوسادات حاجزاً بيني وبين كمال في السرير، لأني لم أكن أرغب في أيّ تماسٍ جسدي بيني وبينه". ولدى سؤالها لماذا لم يناما في غرفتين منفصلتين بدل رفع جدار الوسادات، تجيب: "لم أكن أريد أن يظنّ أولادنا أننا عدوَّين، فأنا أحبه"
العلاج الزوجي كمحاولة إنقاذ
تحت إحدى صورها على إنستغرام، تكتب جويل: "هذه الصور هي فقط من أجل إنستغرام. ليست مزيّفةً لكنّها أبداً لن تُظهر لكم الحقيقة. هذه الصور لن تخبركم ما إذا كان الشخص يخفي تعاسةً أو قلقاً خلف تلك الابتسامة". لم يعرف المتابعون حينها عمّا كانت تتحدّث جويل، أما اليوم فاتّضحت الصورة: "كنّا على مشارف الطلاق في آب/ أغسطس الماضي، ويومها كنا معاً في إجازة في كورسيكا. استمرّيت في نشر الصور لكن الذي يدقق في ملامحي سيلاحظ كم كنت حزينةً. لم أكن أريد سوى الجلوس في سريري في دبي، ولم أكن أقوى أصلاً على أكثر من ذلك".
بعد سنواتٍ من الرفض القاطع وعدم الاعتراف بجدواه، قرر كمال خوض تجربة العلاج الزوجيcouple therapy، رغبةً منه في إنقاذ علاقته بشريكة حياته. بالنسبة إلى جويل، لولا هذا العلاج لكانا الآن مطلّقَين. وبفضله أيضاً استرجعَت رجل أحلامها.
"يصعب على الناس التصديق بأنّي مررتُ بتلك الصعوبات، بسبب صورتي على وسائل التواصل، لكن جويل مردينيان إنسانة. كوني حاضرة بكامل أناقتي على إنستغرام لا يعني أنني لا أعاني ولا أحزن".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...