بينما تنهمر القذائف الروسية على مدن شرق أوكرانيا، انتشرت على نطاق محدود صورة من ندوة في الهواء الطلق للاحتفال بإطلاق كتاب جديد للروائي أحمد مراد.
أثارت الصورة جدلاً بعدما ظهر فيها الفصل بين "فئة محظوظة" جلست بالقرب من الكاتب خلف جدار فاصل، بينما ظل عدد من جمهور الندوة خارج السياج، يراقبون الندوة عن بعد برغم مشاركتهم في الحدث الذي منصة آي ريد iRead الإلكترونية في أول فعالياتها الجماهيرية في مصر.
رسخت الصورة - المثيرة للجدل وما صاحبها من اتهامات بالطبقية والتعالي- لوضع مراد ككاتب نجم، في حالة ربما لم تتكرر منذ رحيل الدكتور أحمد خالد توفيق، الذي كان يسعى مئات القراء لحضور ندواته في مختلف المحافظات. وفيما كان يسعى الكاتب الراحل إلى تنويع إنتاجه الأدبي وترجماته، يظل أحمد مراد في كتابه الثامن "القتل للمبتدئين"، مخلصاً لخلطته التي وضعته على رأس قوائم الأعلى مبيعاً وجعلته الأنجح بالمقاييس التجارية بين أبناء جيله. فماذا عن المعايير الفنية؟
يظل أحمد مراد في كتابه الثامن "القتل للمبتدئين"، مخلصاً لخلطته التي وضعته على رأس قوائم الأعلى مبيعاً وجعلته الأنجح بالمقاييس التجارية بين أبناء جيله. فماذا عن المعايير الفنية؟
"القتل للمبتدئين"
لا يتخلى مراد عن قوالب التشويق والإثارة في كتابه الذي يشرح فيه خلطته الكتابية ويقدم وفق رؤيته "مانيوال" للروائيين الجدد كي يقدموا كتابات تتصدر قوائم المبيعات.
يحوي الكتاب خلاصة تجربة مراد الروائية عبر خلطة من التشويق والغرائبية في تحدِّ للانتقادات التي يتعرض لها منذ ظهوره، والتي ذهبت إلى حد اتهامه بإخضاع السرد لمنطق السوق وحسابات الربح والخسارة.
رحلة مراد بدأت بروايته الأولى "فرتيجو" التي نشرها عام 2007 وتندرج ضمن ما يعرف بالجريمة السياسية، وتحولت إلى مسلسل قامت ببطولته هند صبري عام 2012. وعام 2010 أصدر روايته الثانية "تراب الماس" التي تدور حول عدد من جرائم القتل الغامضة، وتحولت إلى فيلم سينمائي من بطولة آسر ياسين ومنة شلبي. وشهد عام 2012 خروج روايته "الفيل الأزرق" إلى النور، وتنتمي إلى الفانتازيا والرعب وتحولت إلى واحد من أنجح أفلام الشباك السينمائي في مصر، وخاض بعدها مراد تجربة كتابة سيناريو للسينما من دون أصل روائي لدى كتابة الجزء الثاني من الفيلم.
وعام 2014 طرح روايته الرابعة "1919"، التي تحولت إلى فيلم سينمائي يحمل اسم "كيرة والجن – 1919" وإن لم يحقق نفس النجاح التجاري الذي حققه "الفيل الأزرق". وعام 2016 صدرت روايته الخامسة "أرض الإله" وتدور أحداثها في مصر القديمة بين زمني الأسرة الثامنة عشرة وزمن الإغريق بالأسكندرية، وشهد عام 2017 مولد روايته السادسة "موسم صيد الغزلان" التي تنتمي لأدب الخيال العلمي. وعام 2020 أصدر روايته السابعة "لوكاندة بير الوطاويط" التي تدخل ضمن أدب الجريمة أيضاً، وتدور أحداثها حول سلسلة من جرائم قتل تقع في القاهرة خلال عام 1865.
يحوي الكتاب خلاصة تجربة مراد الروائية عبر خلطة من التشويق والغرائبية في تحدِّ للانتقادات التي يتعرض لها منذ ظهوره، والتي ذهبت إلى حد اتهامه بإخضاع السرد لمنطق السوق وحسابات الربح والخسارة
انتقادات واسعة
لم ينج مراد رغم انتشار مؤلفاته في أوساط الشباب من انتقادات المثقفين، إذ تعرض لهجوم شرس عندما وصف الإيقاع في روايات الأديب المصري العالمي نجيب محفوظ بأنه "بطيء ولا يتناسب مع الإيقاع السريع الذي نعيشه اليوم"، كما تسبب في إثارة الجدل عندما ظهرت صورته على غلاف مجلة عالم الكتب وهي شهرية تصدر عن الهيئة العامة للكتاب بمصر. وهذا ما جعل الروائي والقاص محمد محمد مستجاب يقول: "لا قيمة ولا قامة ولا يحزنون، والشو للأصدقاء أسوأ ثقافة، بهذا الشكل الفج، دعونا دائماً نعلي من حجم تلال التبن على أجران القمح".
غير أن مراد نفسه لا يبدو مكترثاً بالانتقادات إذ أعلن غير مرة أنه يكتب ولا يبالي بالهجوم الذي يتعرض له ممن يراهم كتاباً أقل نجاحاً، مؤكداً أن "الدعاية لا تصنع النجاح لكتاب سيىء".
هرباً من الملل
في كتابه الجديد يصدم مراد قراءه من البداية. يقول: "قررت كتابة هذا الكتاب لأني شخصياً أعاني الملل منذ ولدت، تصيبني سكراته بدون أدنى مجهود، فلا أكاد أنظر إلى نفس الشيء مرتين، ولا أكاد استقر على حالة مزاجية أو رياضية محددة أو نوعية قراءة مفضلة، ولا أكاد أكتب في موضوع واحد مرتين [...] لقد مللت البحث عن تصنيف لما أكتب، ومللت اللغة ومللت أساليب الحكي، ومللت بعض أبطالي فقتلت بعضهم وضغطت على البعض الآخر، وعذبتهم حتى يتغيروا لتصبح الفائدة الأساسية لكل ذلك الملل المزمن هي عدم قدرتي على الثبات، والشك الدائم في جودة ما كتبت، ومحاولاتي المضنية من أجل الوصول للمعنى بأسرع طريقة".
وصفة مراد
لكن هل الرواية في حاجة إلى كتاب جديد للوصفات والأساليب؟ يرد مراد في كتابه: "في الحقيقة لم أفكر في تأليف هذا الكتاب حتى خضت تجربة ملهمة في تدريس وتدريب هذا الفن على مدار السنوات الماضية. لقد رأيت في ورش العمل هواة يمتلكون بذور قصص شيقة ويرغبون في أن يصبحوا محترفين، هذا بخلاف الذين ينتظمون بعد نصيحة طبيبهم النفسي حول تأثير الكتابة على تحسن المزاج، جميعهم يحملون نفس التساؤلات والتخبطات التي يمكن أن تعوق أي شخص لديه موهبة جامحة هل أنا موهوب أم لا؟ ما هي مواصفات الكاتب الحقيقي؟ كيف أتخلص من الانسداد الابداعي؟ من أين يمكنني أن أبدأ الكتابة؟ كيف يمكنني تطوير موهبتي؟ ما هي مواصفات العمل الجيد؟ هل الكتابة حرفة أم موهبة؟ عندما بدأت الكتابة أول مرة، كانت لدي نفس الأسئلة وأعراض من الشك الذاتي والافتقار إلى التفاصيل الفنية والملل اليومي من كل حرف أكتبه، بجانب طموحات غشيمة وضلالات ثم أصبحت الإجابات مع الوقت والخبرة والنجاحات والأحباطات أكثر وضوحاً".
كيف تكمن كتابة رواية ذات حبكة متقنة؟ يجيب مراد في كتابه: "بسبب سؤال طالما روادني عن حقيقة وجود جريمة كاملة، واصلت البحث حتى وقع تحت يدي مقال يتحدث عن سم يدعى تراب الماس، يقتل الإنسان خلال شهرين بعد عذاب رهيب، مما يعنى استحالة أن يعرف القتيل حقيقة من دس له السم. وحين كتبت "تراب الماس" على غوغل ولم أعثر على شيء، أدركت أنني وقعت على كنز حقيقي، فكتبت الاسم بالإنجليزية وانهالت على رأسي البحوث والكتب في زمن كان المحتوى العربي على الإنترنت ضعيفاً. وبدأت الترجمة لاستيعاب ذلك الاكتشاف ولم أكن أعلم حينذاك أن هناك طريقة مضمونة للقتل تدعى الملل".
أما عن الشخوص والأماكن التي يعيد إنتاجها في رواياته، فيقول مراد في وصفته للقاتل المبتدئ: "لا تستهن بذكريات طفولتك مهما كانت تافهة من وجهة نظرك، فقد تجد في شخصية قريبة منك أو في بيت قديم اعتدت أن تخاف من نوافذه المظلمة أو في كتاب اشتريته من سوق الكتب المستعملة، قصة فيلمك أو روايتك الجديدة".
معايير نقدية
يقول الدكتور سيد ضيف، الناقد الأدبي والأكاديمي المصري، لرصيف22: "أحمد مراد أحد المساهمين بقوة ضمن تيار في الكتابة ينشد الجماهيرية والانتشار من خلال مخاطبة فئة عمرية معينة. وهو تمكن من تحقيق ذلك. كما استطاع كسر دائرة النخبوية التي ظلت سمة مميزة للراوية العربية فترة طويلة".
ويضيف: "على مدى سنوات طويلة، كانت الأعمال السينمائية والدرامية تقتصر على روايات نجيب محفوظ التي انتشرت بين الناس، وترجمت إلى العديد من اللغات. ولكن ظهر بعد ذلك إحسان عبد القدوس الذي تميزت رواياته بالرومانسية، كما ساهم نجاحه في تحويل عدد كبير من رواياته إلى أفلام سينمائية شاهدها الملايين في مصر والعالم العربي. وبقدر ما نجح علاء الأسواني بذكاء شديد في أن يفسح لنفسه مجالاً عبر مغازلة العقلية الغربية، لم يستمر طويلاً بعد "عمارة يعقوبيان". في المقابل ظهر تيار جديد منذ سنوات أدرك طبيعة التغيرات التي طرأت على عالم القراء بفعل متغيرات عديدة، فالمؤسسات الأدبية الرسمية التي كانت تنقل خبرات سابقة من جيل إلى آخر في الستينيات والسبعينيات من خلال الندوات والصالونات الأدبية لم تعد تفعل ذلك، وتالياً أصبح القراء الجدد بلا دليل، فليس هناك من يقدم لهم ترشيحات كما كان يحدث قديماً".
"مراد يظهر في كتابه الجديد كيف التقط حاجة الأجيال الجديدة إلى "خطاب معرفي بسيط مستمد من مبادىء التنمية البشرية بعيداً. فكتابات هذا الجيل اتجهت للفرد كفرد، بصرف النظر عن علاقته بالوطن أو بالقضايا الكبرى"
ويستطرد: "رواد هذا التيار الجديد في الكتابة لمسوا حاجة القراء الشباب إلى ما يتجاوب مع طموحهم، ويقدم لهم المتعة والتسلية بأسلوب جديد ولغة سهلة خالية من المصطلحات المعقدة في ظل غياب القضايا الكبرى".
ويرى ضيف أن مراد يظهر في كتابه الجديد، كيف التقط الكاتب الذائع الصيت حاجة الأجيال الجديدة إلى "خطاب معرفي بسيط مستمد من مبادىء التنمية البشرية مثل كيف تغير شخصيتك؟ كيف تصبح غنياً؟ كيف تكسب أصدقاء؟ بعيداً عن أية أنساق يمكن أن تقود القارىء نحو اليسار أو اليمين. فكتابات هذا الجيل الجديد اتجهت للفرد كفرد، بصرف النظر عن علاقته بالوطن أو بالقضايا الكبرى".
ويلفت إلى أن الدكتور أحمد خالد توفيق هو مؤسس هذا التيار، وهذا ما يتنافى مع حقيقة تناول توفيق لقضايا عربية ومصرية كبيرة من خلال كتاباته، كقضايا التحديث والتخلف الحضاري والعلمي في العالم العربي، واغتراب الأجيال الشابة وغيرها.
ويضيف ضيف: "أن يستهدف الكاتب الجماهيرية،ليس معناه أنه لا يمتلك القدرة على صناعة عمل روائي نخبوي، ولكنه اختار ألا يكتب روايته بأسلوب صعب يستهوي النقاد، واختار اللغة السهلة التي تخاطب مستوى معرفياً قد يكون سطحياً، لكن طريقته في الكتابة جذابة، والغرائبية لديه حاضرة بقوة - ربما تكون ساذجة أحياناً- لكنها مختلفة عن الفانتازيا الموجودة في كتابات سابقة. وقد نجح هذا الجيل من الكتّاب في أن يساهم في إتساع دائرة القراء. لكنه لم يقدم نموذجاً جمالياً للرواية العربية".
ويحدد الناقد الكبير قراء أحمد مراد: "هم جدد، تربوا بمعزل عن الجماعات الأدبية والصالونات الثقافية، وعلى أيدى أفراد لديهم ميول دينية وسطية ويتميزون بمستوى معرفي مرتبط بأفكار ومبادىء التنمية البشرية. والكتّاب الجدد عموماً لا يهتمون بآراء النقاد كما أنهم ليسوا مشغولين بالجوائز الأدبية الرسمية".
ويشدد على أن الروائيين المتميزين يجب ألا يراهنوا على السطحية، و"عليهم، في ظل انشغالهم بتوسيع دائرة القراءة، مسؤولية كبيرة في الارتقاء بالرواية كفن أدبي، وأن يدققوا في اختيار الموضوعات لأن الحديث عن أن القضايا الكبرى ماتت وأننا يجب أن ننشغل بالذات وندخل في عالم غرائبي، غير صحيح. فالأجيال الجديدة ليست في معزل عن القضايا الجماهيرية".
في الإطار نفسه، يقول لرصيف22 الدكتور محمد عليوة، أستاذ النقد الأدبي بكلية دار العلوم في جامعة القاهرة: "هناك أجيال جديدة تستطيع أن تقدم إسهامات كبيرة قد تتجاوز جيل العمالقة، خاصة في ظل الإمكانات الهائلة التي تمتلكها في ظل الطفرة التكنولوجية التي نشهدها الآن. وفي أي حال، فإن تطور الرواية لا يمكن أن ينتهي عند نجيب محفوظ أو إحسان عبد القدوس".
ويضيف: "قديماً كان النص يخرج مكتملاً من يد الكاتب إلى القارىء، ولم تكن هناك قنوات اتصال مباشرة بين الطرفين. أما اليوم فنحن نعيش ما يمكن تسميته بعصر الكتابة التفاعلية. فالمؤلف، وهو في مرحلة الكتابة، يمكن أن يضع فقرة أو اقتباساً من عمله على صفحته الشخصية على فيسبوك ليتابع تعليقات القراء. ونجد الأمر نفسه على الكثير من المنصات التي توضع عليها الكتب والروايات، إذ يمنح القراء حق تقييمهما والتعليق على كل صغيرة وكبيرة فيها".
ويرى عليوة أن مراد من أمهر الكتّاب الذين استفادوا من منصات التواصل الحديثة وساعده هذا على كسب قدر كبير من الجمهور وانتشار كتاباته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعتين??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 22 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون