شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
صراع على ممتلكات اليهود في الجزائر

صراع على ممتلكات اليهود في الجزائر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأحد 6 مارس 202203:04 م

"عائلتي تعيش في هذه المزرعة منذ استقلال الجزائر عن فرنسا عام 1962، فكيف بعد كل هذه الأعوام يأتي من وراء البحار من يدّعي أنها ملكه، ويطالب بالتعويض؟".

بهذه الكلمات بدأت عائلة مناصري من البازار في العلمة بمحافظة عنابة (500 كلم شرق الجزائر)، حديثه إلى رصيف22، بعد تقدّم عائلة يهودية من فرنسا مؤخرا، بطلب استرجاع عقاراتها الزراعية التي كانت تستغلها وقت الاستعمار الفرنسي للجزائر.

 وتدّعي هذه العائلة وفق ما قال احد أفراد العائلة في تصريحه، أنها "تملك هذه الأراضي منذ سنة 1944، بعدما قامت سيدة فرنسية من عائلة يهودية تُدعى باربارا، بتملكها عن طريق الشراء، لكن الواقع يثبت أن عائلتي تملك كل العقود الموثقة التي تؤكد أن الأرض ملكنا منذ سنوات طويلة".

الإشعارات التي سلّمها محضر قضائي عن طريق الوكالة للعائلة، يضيف مناصري، "كانت موجهةً إلى ثلاث عائلات تعيش في هذه الأرض قبل سنوات طويلة، وهي العائلات المهددة بالمتابعات القضائية".

أكثر من 600 عائلة يهودية طالبت بممتلكاتها

لا تبدو واقعة عائلة مناصري في العلمة بعنابة في شرق الجزائر، الوحيدة على المستوى الوطني، فكل المحافظات تقريباً تسجل مثل هذه الحالات التي تطالب فيها عائلات يهودية باسترجاع ممتلكاتها في الجزائر أو التعويض عنها.

ويؤكد جلال بن براهم، وهو محامٍ لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة في الجزائر، في تصريح لرصيف22، أن "المئات من الملفات أودِعت كشكاوى من يهود أوروبيين في مختلف المحاكم المحلية والهيئات الدولية للمطالبة باسترجاع عقاراتهم أو التعويض عنها".

ويقول بن براهم: "أكثر من 600 عائلة أوروبية باشرت في العشر سنوات الأخيرة، مساعيها عبر المحاكم الجزائرية والأوروبية، ووصلت إلى الهيئات الدولية أيضاً، من أجل تحريك ملف الممتلكات اليهودية في الجزائر".

"أكثر من 600 عائلة أوروبية باشرت في العشر سنوات الأخيرة، مساعيها عبر المحاكم الجزائرية والأوروبية، ووصلت إلى الهيئات الدولية أيضاً، من أجل تحريك ملف الممتلكات اليهودية في الجزائر"

ويضيف محدثنا: "جلّ هذه القضايا، خاصةً التي تم رفعها لدى الهيئات القضائية في الجزائر، تم رفضها لعدم التأسيس، كون أغلب تلك العقارات والبناءات والممتلكات، لها ملّاكها بعد الاستقلال وبعقود موثقة".

ويتابع: "حتى أن الجزائر لا تريد فتح هذا الملف، فهي ترى أنه ليس لهؤلاء الحق في تملك شيء جاء عن طريق الاستعمار، فكل العائلات الأوروبية كانت لها هذه العقارات خلال الاستعمار الفرنسي للجزائر".

وفي هذا الخصوص، يؤكد عمار منصوري أن "قطعة الأرض التي يقطنون فيها في العلمة في شرق الجزائر، موثقة أباً عن جد، وتحمل أختام هيئات إدارية كبرى في الجزائر، ولا يمكن لأحد أن يتحجج بتملكه الأرض مهما كان".

خيار اليهود في الجزائر

بدا مصطلح "أملاك اليهود" في الجزائر، يطفو فوق السطح مباشرةً بعد إعلان الاستقلال عن الاحتلال الفرنسي في الخامس من تموز/ يوليو 1962، وكانت بالنسبة إلى اليهود الذين قدِموا مع فرنسا فترةً حاسمةً.

ويؤكد المؤرخ والباحث في التاريخ المعاصر، بلال بارة، في حديثه إلى رصيف22، "أن عشرات الآلاف من اليهود الذين استقروا في الجزائر سنوات الاحتلال الفرنسي، كانوا مخيّرين بين البقاء أو المغادرة مع من جلبهم".

ويضيف: "هناك أكثر من عشرة آلاف يهودي أوروبي قرروا البقاء في الجزائر، وأصبحوا يعيشون مثل الجزائريين، وبكامل الحقوق والممتلكات، لكن في المقابل هناك عشرات الآلاف اختاروا العودة إلى أوروبا، والتخلي عن كل شيء، وممتلكاتهم تم دمجها في الأملاك العامة للدولة، أو تمت تسوية ملفاتها بالنسبة إلى الخواص الذين كانوا يستغلونها".

وبالنسبة إلى من قرروا منهم البقاء في الجزائر، يقول: "هم يسكنون حالياً في أعرق الأحياء في قسنطينة وتلمسان والعاصمة، وهناك حتى من واصل تسيير مستثمرات فلاحية ووحدات إنتاجية من دون تضييق أو سلب للحقوق، على عكس الذين اختاروا العودة إلى أوروبا، فالجزائر ترى ما تركوه ملكاً للجزائريين".

ومع تزايد مطالب اليهود باسترجاع ممتلكاتهم أو التعويض عنها، يقول: "أراد الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد (1979-1992)، فتح الملف، لكن سرعان ما أغلقه بسبب تعقّده، والمشكلات التي ستنجم عنه، لتعدد الملاكين وبنص الوثيقة والقانون والاتفاقيات".

"لا تفكير فيه حتى"

على الرغم من محاولات الضغط على الجزائر من قبل هيئات الدفاع عن ممتلكات اليهود، إلا أن الحكومات المتعاقبة، لم تعِر الملف أي اهتمام، بل وكما قال الخبير الأمني الجزائري مراد سراي: "لا تفكير فيه حتى". فالحكومة الجزائرية كما قال سراي لرصيف22، "تنطلق في رفضها لكافة مطالب اليهود والأوروبيين الذين يطالبون بالتعويض عن أملاكهم، من بعض بنود اتفاقية "إيفيان" التي وقّعتها الحكومة الفرنسية مع ممثلي جبهة التحرير قبيل الاستقلال".

ويضيف: "هذه البنود تجيز لكل من غادر الجزائر بعد الاستقلال الاستفادة من تعويضات، لكن هذه التعويضات تقدّمها الحكومة الفرنسية لهم، بما في ذلك اليهود الذين غادروا الجزائر بعد الاستقلال عام 1962".

ويورد مراد سراي في كلامه أن "الجزائر استندت أيضاً إلى امتيازات قانون كريميو الذي منح اليهود الجنسية الفرنسية، بتاريخ 24 تشرين الأول/ أكتوبر 1870، والذي مكّنهم من امتيازات عدة".

وبهذه المعطيات "أُسقطت بالنسبة إلى الطرح الرسمي في الجزائر، حقوقهم على الحكومة الجزائرية، وتالياً تنطبق عليهم القوانين التي تتعامل بها الجزائر مع أي فرنسي أو أجنبي، في ما يتعلق بملف الأملاك".

ونصت اتفاقية إيفيان، يقول المؤرخ والباحث في التاريخ المعاصر بلال بارة، "على إنهاء الاستعمار الفرنسي الموقع بين الحكومة المؤقتة الجزائرية ونظيرتها الفرنسية، في 18 آذار/ مارس 1962، على أنه على الفرنسيين والأوروبيين بصفة عامة، الاختيار في غضون ثلاثة أعوام، بين ممتلكاتهم وبين نيل الجنسية الجزائرية مع الاحتفاظ بالفرنسية، أو مغادرة الجزائر، وتالياً فقدان حقهم في ذلك بعد تجاوز هذه المدة في حال غادروا الجزائر".

وعليه، يقول المحامي لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة في الجزائر جلال بن براهم، "أخفقت إلى الآن كل الدعاوى القضائية التي رفعتها عائلات يهودية للتعويض عن ممتلكاتها التي تركتها بعد مغادرتها الجزائر مع القوات الفرنسية بعد الاستقلال".

يهود ما قبل الاحتلال

لا يختلف اثنان على أن وجود اليهود في الجزائر يمتد إلى ما قبل الاحتلال الفرنسي عام 1830، فكل الوثائق والكتب التاريخية يقول الباحث في التاريخ المعاصر بلال بارة، "تؤكد أن اليهود كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي الجزائري".

فخلال فترة حكم العثمانيين للجزائر، والتي كانت تلقَّب حينها بالمحروسة، يضيف بلال: "كان اليهود يعيشون بين الجزائريين ولهم حقوقهم الكاملة، ويمتهنون الفلاحة والتجارة ولهم حق الامتلاك كمواطنين عاديين".

ويتابع: "لكن في عام 1830، ومع دخول قوات الاحتلال الفرنسي إلى ساحل سيدي فرج غرب العاصمة الجزائر، انقسم اليهود المقيمون في الجزائر إلى قسمين، الأول بقي على نسق الحياة نفسه الذي اعتاده على هذه الأرض محافظاً على تجارته وفلاحته وعلاقته مع الجزائريين. أما النصف الثاني، فكان الاحتلال بالنسبة إليهم بداية عهد جديد، فاستقبلوا الفرنسيين بفرح كبير على أنهم المحررون والمنقذون، وسريعاً رجحوا كفة الاحتلال وأصبحوا له عوناً ضد أصحاب الأرض، وهي فئة حسمت موقفها منذ البداية لصالح الفرنسيين للحفاظ على مصالحهم الخاصة في الجزائر".

وبعد استقلال الجزائر، "انقسم اليهود أيضاً إلى فئتين، الأولى قررت البقاء محافظةً على ممتلكاتها وعقاراتها وعلاقاتها مع الجزائريين، والثانية حسمت أمرها بالعودة إلى فرنسا، وهي الفئة التي تطالب اليوم باسترجاع ما كان لها خلال فترة الاستعمار".

"بعد استقلال الجزائر، انقسم اليهود إلى فئتين، الأولى قررت البقاء محافظةً على ممتلكاتها وعقاراتها وعلاقاتها مع الجزائريين، والثانية حسمت أمرها بالعودة إلى فرنسا، وهي الفئة التي تطالب اليوم باسترجاع ما كان لها خلال فترة الاستعمار"

مرفوضون في الجزائر

في حي سيدي مبروك في قسنطينة (450 كلم شرق الجزائر)، تعيش عائلة عيسى من الحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر، فهي من العائلات اليهودية التي دخلت الجزائر سنة 1944، ولا زالت مستقرةً فيها إلى يومنا هذا.

ويؤكد عيسى الذي يرفض ذكر اسمه كاملاً في تصريح له لرصيف22، أنه "يعيش في البيت الذي تركه له والده المتوفى قبل 25 سنةً من الآن، وهو بيت مشيّد فوق قطعة أرض اشتراها من جزائري عام 1952".

ويضيف: "لم تتعرض العائلة لأي ضغوط أو إكراه من قبل السلطات الجزائرية بعد الاستقلال، وقرر والدي بشكل نهائي الاستقرار في الجزائر، على الرغم من أننا كنا نزور فرنسا بشكل متكرر لزيارة العائلة وتسوية الوثائق وقضاء الحاجات".

ويتابع: "لكن لا يزال الجزائريون إلى يومنا هذا يرفضون بينهم شيئاً اسمه اليهود، فعلى الرغم من السنوات الطويلة، واندماجنا في المجتمع الجزائري في كثير من العادات والسلوك، إلا أن الجزائريين ما زالوا يعانون من عقدة اسمها اليهود".

الجزائريون كما يقول، "يلصقون مباشرةً اسم اليهود بإسرائيل التي يكرهونها كثيراً، وتالياً الكثير من اليهود الذين يعيشون في الجزائر أصبحوا اليوم يخفون طقوسهم وهوياتهم تماماً، واليهودي الذي يريد الاستقرار في الجزائر يجب ألا يُظهر هويته".

واعترف عيسى بوجود عائلات يهودية مستقرة في فرنسا وإسبانيا، وقال "إنها تسعى منذ سنوات إلى استرجاع ممتلكاتها في الجزائر، لكنها لم تتمكن من ذلك، ويبدو أن الوضع صعب جداً في مجتمع لا يقبل اليهود".

"هؤلاء نسوا أن القانون الجزائري كان قد أنصفهم حين شدد على أن كل فرنسي يتمتع بجميع حقوقه في حال لم يغادر الجزائر لمدة تتجاوز العامين من 1962 حتى 1964، وفي حال مغادرته فإن هذه الأموال والممتلكات تدخل ضمن الأملاك الشاغرة التي تعود للدولة"

لجنة للدفاع عن حقوق المطرودين من الجزائر

تؤكد المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، أن مسار قضية ممتلكات اليهود في الجزائر، تحول اليوم إلى ملف فرنسي-فرنسي، أي أنه على "الأقدام السوداء"، بما فيهم اليهود، مطالبة حكومتهم بهذه التعويضات، بدل التحرش بممتلكات هي اليوم بين أيدي أصحابها هنا في الجزائر.

وفي تصريح لرصيف22، أكدت بن براهم، "أن جماعات اليمين المتطرف في فرنسا قد أسست الاتحاد من أجل الدفاع عن حقوق الفرنسيين المطرودين من الجزائر ومن بلدان أخرى"، وتابعت: "حين رفع نحو ألف من "الأقدام السوداء" دعوى للحصول على تعويضات استناداً إلى قانون فرنسي مؤرخ في 15 تموز/ يوليو 1970، ينص على أن ما قدمته الحكومة الفرنسية لهم من أموال هو مجرد استباق لحقوقهم التي ستصل تباعاً من الجزائر".

وتضيف: تواصلت مساعي هؤلاء في تأليف كتاب تحت عنوان "65 شخصية تشهد" الصادر عن دار "هيغو وشركائه" في العاصمة الفرنسية باريس، قالوا فيه إن الجزائر هي الأرض الأصلية للأقدام السوداء وبينهم اليهود وقد انتُزعت منهم بالقوة، ويضم شهادات لشخصيات معروفة مثل ألكسندر أركادي، وباتريك برويال، وأنريكو ماسياس، وغيرهم من المستوطنين الأوروبيين واليهود".

لكن هؤلاء حسب بن براهم، "نسوا أن القانون الجزائري كان قد أنصفهم حين شدد على أن كل فرنسي يتمتع بجميع حقوقه في حال لم يغادر الجزائر لمدة تتجاوز العامين من 1962 حتى 1964، وفي حال مغادرته فإن هذه الأموال والممتلكات تدخل ضمن الأملاك الشاغرة التي تعود للدولة".

وعن مفهوم الأقدام السوداء، يقول بلال بارة المؤرخ والباحث في التاريخ المعاصر، "إنهم مجموعة من الأشخاص، وأغلبهم من اليهود الأوروبيين، دخلوا الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وكانوا يرتدون أحذيةً قاتمة السواد، لذلك كان الجزائريون يطلقون عليهم الأقدام السوداء".

تبقى قضية أملاك اليهود في الجزائر وتشمل آلاف الهيكتارات ومئات المباني، بين مد المؤسسات القضائية وجزر الهيئات والنقابات المهتمة بالملف، وقد تكون نقطة صدام حادة بين الجزائر وفرنسا مستقبلاً، فليس من السهل أن يترك الجزائري ما امتلكه منذ عام 1962، كما ليس من السهل أن تقنع يهودياً عاش في الجزائر بأن ما اشتراه وتملكه يوماً وبالوثائق، ليس ملكاً له.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image