شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
يهود إيران... من المنفى الأشوري إلى العيش في ظل النظام الإسلامي

يهود إيران... من المنفى الأشوري إلى العيش في ظل النظام الإسلامي

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الثلاثاء 22 يونيو 202111:42 ص
Read in English:

The Jews of Iran... From Assyrian Exile to Life Under Islamic Rule

قبل أيام، انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صورة لرجل يهودي يدلي بصوته في صناديق الاقتراع للانتخابات الرئاسية الإيرانية. مشهد قد يبدو غير مألوف لكثيرين بسبب الصورة النمطية عن إيران، لكنه يعكس مفارقة واقعية في الجمهورية الإسلامية.



فالنظام الذي يصنّف نفسه بأنه الأكثر عداءً لإسرائيل، هو ذاته النظام الذي يحتضن أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط، إذ يعيش في إيران نحو 20 ألف يهودي بحسب بعض الأرقام ونحو تسعة آلاف بحسب أرقام أخرى، وتضم أكثر من 76 كنيساً يهودياً.

فكيف يعيش يهود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟

تحولات جذرية مع ثورة الخميني

حتى قيام الثورة الإسلامية، كان يقيم في إيران حوالي 100 ألف يهودي، نسبة كبيرة منهم كانت من رجال الأعمال ومن رجال البازار، أي التجار. وبعد وصول آية الله الخميني إلى السلطة شكّلت حادثة إعدام حبيب الغنيان محطة فارقة في تاريخ الوجود اليهودي المعاصر في إيران.

كان الغنيان يُعتبر زعيم الأقلية اليهودية، وكان من أكبر التجار اليهود الذين ساهموا في بناء الاقتصاد الإيراني في عهد الشاه، وأوّل مَن أدخل صناعة البلاستيك إلى البلاد وصاحب مصنع "بلاسكو" الضخم في طهران، وكانت له مشاريع بين إيران وإسرائيل، وهو ما لم يكن ممنوعاً في عهد الشاه.

أُعدم الغنيان في 9 أيار/ مايو، بعد اتهامه بالعمالة لصالح إسرائيل ومنظمات صهيونية، وكانت هذه الحادثة بمثابة صدمة للشعب الإيراني ككل ولليهود بشكل خاص، وأثارت العديد من المخاوف لدى اليهود الإيرانيين، خاصة أنها وقعت في ظل التحشيد الهائل ضد إسرائيل والتوترات الداخلية، ما تسبب مع الوقت بهجرة أكثر من 60 ألف يهودي إيراني خارج البلاد.

جزء كبير من هؤلاء هاجر إلى إسرائيل التي كانت تعرض مكافأة تصل إلى عشرة آلاف دولار للفرد و61 ألف دولار لكل أسرة يهودية إيرانية، لتشجعيهم على الهجرة.

وحالياً، يقدّر عدد اليهود من أصول إيرانية في إسرائيل بأكثر من 200 ألف، من بينهم الرئيس الإسرائيلي الأسبق موشيه كاتساف، ووزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز.

في ظل الخوف المتنامي بعد الثورة الإسلامية، قرّر اليهود الإيرانيون أنه لا بد من اللقاء بالخميني لحسم الأمور. في مقال لرويا حقيقان، وهي باحثة إيرانية من أصول يهودية تعيش في أمريكا، كشفت عن تفاصيل لقاء جمع يهود (حاخامان وأربعة شباب مثقفين مؤيدين لقضية الثورة الإسلامية) في 10 أيار/ مايو 1979 مع الخميني في مدينة قم، وهدفه نقاش كيفية حماية آلاف اليهود، وكان هذا اللقاء سبب إصدار الخميني فتواه الشهيرة القاضية بحماية اليهود داخل إيران ومنع الاعتداء عليهم.

قال الخميني لضيوفه: "في القرآن الكريم، موسى، السلام عليه وعلى صحبه أجمعين، ذُكر أكثر من أي نبي آخر. النبي موسى كان مجرّد راعٍ عندما وقف أمام جبروت فرعون ودمّره. موسى، كليم الله، يمثل عبيد فرعون والمضطهدين، أي المستضعفين في زمنه".

في لقاء جمعه بمجموعة يهود إيرانيين عام 1979، قال الخميني: "موسى لا علاقة له بأشباه فرعون الصهاينة الذين يحكمون إسرائيل. ويهودنا يتحدرون من نسل موسى ولا علاقة لهم بهؤلاء أيضاً. نعتبر أن يهودنا منفصلون عن هؤلاء الكفرة ومصاصي الدماء الصهاينة"

وأضاف في حديثه إليهم: "موسى لا علاقة له بأشباه فرعون الصهاينة الذين يحكمون إسرائيل. ويهودنا يتحدرون من نسل موسى ولا علاقة لهم بهؤلاء أيضاً. نعتبر أن يهودنا منفصلون عن هؤلاء الكفرة ومصاصي الدماء الصهاينة".

بعد هذا اللقاء، كُتبت على أبواب الكُنُس والمدارس اليهودية وعلى مذابح الكوشر عبارة "يهودنا لا علاقة لهم بالصهاينة الكفرة".

تاريخ اليهود في إيران

تقول الرواية التاريخية إن الوجود اليهودي في إيران يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، إلى زمن النفي الأشوري لهم إلى بلاد ما بين النهرين، ويُسمون يهود "الطيالسة"، نسبة إلى شال أبيض يضعونه على رؤوسهم.

خلال فترة وجودهم في بلاد فارس، ربطتهم علاقة وثيقة بالملك قورش الذي سمح لهم بالعودة إلى القدس.

وتعلي الرواية العبرية من أهمية إستير التي تُعَدّ بطلة دينية يهودية أقنعت ملك فارس أحشويروش بإفشال مخطط وزيره هامان الذي كان ينوي التخلص من اليهود، واستطاعت بفتنة جمالها وذكائها إقناع الملك بصلب هامان.

تقول روايات أخرى إن الملك قورش لم تكن لديه أسباب لعقاب اليهود، إذ كانت تربطهم علاقة صداقة مع الفرس وعملوا كمستشارين ومساعدين لهم وتجسسوا لصالحهم في مصر عقب إرسالهم إلى القدس، كما تشير روايات إلى أنهم ساعدوا الفرس في احتلال العراق في ذلك الوقت، ولذلك يعتبر اليهود فترة وجودهم في بلاد فارس بمثابة عصر ذهبي قديم.

وتوجد في إيران مقامات وأضرحة ذات أهمية عظمى لدى اليهود منها: مقام النبي دانيال، وكذلك مقام بنيامين شقيق النبي يوسف وأضرحة إستير وعمها مردخاي والنبي حبقوق.

حرية دينية

يتمتع اليهود الإيرانيون بحرية ممارسة شعائرهم الدينية، ويوجد في إيران حوالي 76 كنيساً يهودياً، منها 31 في طهران ينشط منها 23 فقط، و13 في شيراز والبقية في مدن أخرى، ويعود سبب إغلاق كُنُس كثيرة إلى موجة الهجرة الكبيرة إبّان الثورة.

في كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017، قال الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني: "نحن الشعب نفسه الذي أنقذ اليهود من السبي البابلي"

وتدعم الحكومة الإيرانية أماكن عبادتهم، إذ توفر 10% من نفقاتها السنوية، ولا تلزمها بدفع الضرائب أو بدل خدمات المياه أو الكهرباء أو الغاز، كما تسمح لليهود باقتناء المشروبات الكحولية، رغم أنها ممنوعة في عموم الجمهورية، ولديهم محال جزارة وبقالة خاصة بهم تبيع المنتجات الكوشر.

تفسر المحاضِرة في التاريخ اليهودي الإيراني والأدب اليهودي الفارسي في جامعة كاليفورنيا ناهد بيرنازار سلوك الجمهورية الإسلامية مع الجالية اليهودية بأنه يأتي تحت مبدأ "مارس دينك وارفض الصهيونية"، وإيران بذلك تريد القول إنها تسمح بوجود ونشاط اليهود ما داموا يتخذون موقفاً ضد إسرائيل.

المشاركة السياسية

كانت الاتجاهات السياسية لليهود في إيران قبل الثورة مع الأحزاب الليبرالية المناهضة للأحزاب الشيوعية والإسلامية، وانضم عدد قليل منهم إلى حزب "توده" الشيوعي، لكن كان نشاطهم السياسي محدود جداً.

ومع قيام الثورة، انضمّ إليها عزيز دنشراد وفرويز يشيعاه، وهما من الوجوه اليهودية السياسية البارزة، وعلى ذلك عُيّن دنشراد كأول ممثل لليهود في المجلس التشريعي الذي صاغ الدستور الإسلامي للبلاد إبان الثورة.

واعتُرف بالأقلية اليهودية في إيران كواحدة من ضمن ثلاث أقليات دينية، بجانب المسيحية والزرداشتية، ولدى اليهود كافة الحقوق السياسية والمدنية، ويمارسون حقهم الانتخابي في مختلف المراكز الانتخابية المخصصة لعموم الإيرانيين.

ولكن بسبب الظروف يمارس اليهود النشاط العام بحذر. وفي إشارة قديمة واضحة إلى مجاراة اليهود للسياسية الخارجية الإيرانية، اجتمع ممثلون عن الأقلية اليهودية عقب الثورة مع ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في طهران هاني الحسن، وأعربوا عن تأييدهم للنضال الفلسطيني، وتحفظهم على إسرائيل والصهيونية.

كما أن تصريحات الجالية اليهودية دائماً ما تكون مناهضة للسياسات الإسرائيلية، فمثلاً عقب اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري قاسم سليماني، صرح الحاخام الأكبر للجالية اليهودية يهودا كرامي خلال مقابلة مع موقع "المونيتور" إن "الكيان الصهيوني لا يمثل اليهود" مضيفاً: "نحن نؤكد دائماً أننا لا نحب التورط في جميع النزاعات والحروب والأمور السياسة بين البلدين، إنه نقاش بين السياسيين ولا علاقة له بالدين".

كما أدان رئيس المجموعة اليهودية في طهران همایون سامياح نجف آبادي الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة والقدس والضفة الغربية.

حالياً، يتوزع اليهود في إيران بين شيراز ويزد وكرمان وأصفهان ورفسنجان لكن يتركز وجودهم بشكل كبير في العاصمة طهران، كما أن أغلبيتهم من أصحاب المهن الحرة ومن أبناء الطبقة المتوسطة والغنية في المجتمع الإيراني.

ولليهود في إيران خمس مدارس دينية، وخمسة مطاعم تعمل وفقاً للشريعة اليهودية، ومستشفى خيري يعمل فيه 250 موظفاً معظمهم من المسلمين.

ويُعَدّ هذا المستشفى الخيري واحداً من أربع مستشفيات خيرية لليهود حول العالم، ويقع جنوب طهران ويعتمد بشكل أساسي على التبرعات التي يقدمها يهود إيران أو الخارج. كما قدّم له مسلمون أحياناً تبرّعات ومنهم الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد.

وفي ظل حكومة الرئيس السابق حسن روحاني، شيّدت بلدية طهران عام 2015 نصباً تذكارياً كتحية للجنود اليهود الذين قُتلوا خلال الحرب الإيرانية- العراقية، على اعتبار أنهم مكوّن أصيل من المجتمع الإيراني.

وفي كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2017، قال روحاني: "نحن الشعب نفسه الذي أنقذ اليهود من السبي البابلي... قبل قرون دعمنا حقوق الشعب اليهودي واليوم نصرّ على نيل الشعب الفلسطيني حقوقه".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image