لمعظمنا كفلسطينيين/ ات، أو كأبناء لشعوب وطبقات مضطهدة، أمل بتغيير التوازنات القائمة، أمل بنظام عالمي جديد يأخذنا بعين الاعتبار، يكون أكثر عدلاً وإنصافاً مع الناس، خاصةً المهمشين والمسحوقين منهم.
كثيرون يرون الحلّ لذلك في بروز قطب ثانٍ يوازن وينتصب في مواجهة القطب الأوحد الحالي، فيقف مع الشعوب المضطهدة. لمعظمنا كان هذا الحلم يوماً بالبطل الخيّر القوي، الذي سيخلصنا من العذاب. ألسنا نحن أبناء هذه المنطقة من العالم من اخترع الفكر الخلاصيّ؟ نرنو إلى المخلص والمهدي والمسيح المنتظر... وبعضنا يحلم ويتوخى ذلك من "أبو علي" بوتين، كما يسمونه.
بوتين الديكتاتور، الأوليغارشي، صاحب رؤوس الأموال، هل يمكنه أن يكون رأس قطب كهذا؟
فهل يمكن لبوتين أن يكون "هذا المخلّص"؟
بوتين الديكتاتور، الأوليغارشي، صاحب رؤوس الأموال، هل يمكنه أن يكون رأس قطب كهذا؟
أعتقد أن رأس قطب كهذا من المفترض ضمناً أن يكون من طينة أخرى تماماُ. قطب كهذا لا بد أن تكون عموده الفقري القيم الإنسانية العليا تدعمها منظومة أخلاقية قانونية رفيعة المستوى، وهذا لا يمكن أن يكون إلا لنظام في أساسه وبنيته العضوية، عادل وديمقراطي واشتراكي، يعتمد توزيعاً عادلاً للثروة.
أي أن بوتين ونظامه من الأساس غير مرشحين لأخذ هذه "الوظيفة". بوتين ونظامه، بنيوياً، غير ملائمَين لأخذ هذا الدور.
ولنا من تجربة سوريا المريرة درس. فلو أنه وقف منذ بداية الحراك مع الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع مطالباً بحق وبشكل سلمي بتغيير نظام خنَق الشعب السوري وقمعه لعقود، وانتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، لربما ما حدث كل ما حدث في سوريا من تدمير وتشريد وقتل، ولمثّل بالفعل أملاً بقوة وبقطب ثانٍ موازن يجعل من عالمنا عالماً أفضل. لكنه على العكس من ذلك، وقف ويقف مع الطغيان السوري من جهة، وينسّق ويبني توافقات مع نظام الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى... والمثير الآن، أن زالنتسكي، وعلى ذمة الإعلام الإسرائيلي، طلب أن تتوسط له إسرائيل مع روسيا من أجل إيقاف الحرب، وأسرّ للسفير الإسرائيلي برغبته في أن تكون المحادثات في القدس بدل مينسك!
فيا صديقتي ويا صديقي العالقين بحكم التاريخ والموروث في بوتقة التفكير القبلي ونظرية عدو عدوّي صديقي، بوتين خارج هذه الرؤية،
وخارج هذا التفكير.
ولنا من تجربة سوريا المريرة درس. فلو أنه وقف منذ بداية الحراك مع الشعب السوري الذي خرج إلى الشوارع مطالباً بحق وبشكل سلمي بتغيير نظام خنَق الشعب السوري وقمعه لعقود، وانتقل بالوراثة من الأب إلى الابن، لربما ما حدث كل ما حدث في سوريا من تدمير وتشريد وقتل
بوتين لاعب شطرنج يمتلك رؤيةً متشعبةً رباعية الأبعاد، يرى كل الرقعة بكل مساحتها ولاعبيها، بنظرة من أعلى، ويأخذ بعد الزمن بالحسبان أيضاً، ويعرف متى يُنزل ضربته وكيف يقسم بها ظهر عدوّه، حتى لو ذهب ضحيتها "بعض" الأبرياء. تثبيت النظام والمصالح أهم من حياة "حفنة من البشريين"، ولطالما كانت الشعوب حطباً لحروب الأقوياء ذوي النفوذ والأموال من أجل فرض نفوذهم وتثبيته، وللأسف فإن هذا ما يعتقده كثيرون من أبناء جلدتنا. لقد استغل رعونة الرئيس الأوكراني وقلة خبرته وحنكته، وعلم أن الحصان سيُترك وحيداً، فمن من دول أوروبا مستعد لدخول حرب عالمية ثالثة؟! وإذا كان رهانه على أمريكا، فإن جو بايدن الذي تعلّم من أوحال مستنقعات الشرق التي لا زالت عالقةً على أحذية جنوده وأرواحهم المتشظية، أن الحرب والسيطرة عن بعد، هي الأفضل والأسلم.
فيا صديقتي ويا صديقي العالقين بحكم التاريخ والموروث في بوتقة التفكير القبلي ونظرية عدو عدوّي صديقي، بوتين خارج هذه الرؤية.
ولا يغرنّكم، أنا لا أمتدحه، فهو يحافظ بقدرة لاعب الشطرنج العالية هذه، على مصالحه ومصالح طبقته من الأوليغارشية والرأسماليين الروس، على حساب الشعوب، عدا عن أنه يحكم بلاده وشعبه بشكل دكتاتوري مطلق. من الممكن أنه يحقق حلمه ويرمم ما انكسر في نفسه وروحه جراء سقوط النظام السوفياتي ونزول روسيا عن عرش العالم. ربما يكون هذا الأوليغارشي وطنيّاً حقاً يريد إعادة أمجاد وطنه روسيا ويرى أوكرانيا، وتدعمه في هذا سرديته التاريخية، جزءاً من وطنه الأم. لكنه ككل دكتاتور في نظام توتاليتاري، لا يرى الأفراد ولا يتورع عن تقديمهم أضحيات وقرابين على مذبح مجد الأمة والوطن. لا يهم إن كانوا من جنود روسيا أو من أبناء أوكرانيا الذين يعدّ معظمهم روسيين أيضاً.
إذا، فعلى الرغم من أمريكا والغرب وأطماعهما الإمبريالية، وتورط الأولى في حروب خاضتها في كل أنحاء العالم، وخاصةً في شرقنا، منتهكةً دولاً ومفتتةً شعوباً، فإن بوتين لا يختلف عنهما، وربما يكون أسوأ، ولا أمل لنا وللشعوب المستضعفة فيه ومنه. لن يكون من يخلصنا من عنجهية النظام الأمريكي وتجبره ووقوفه الدائم ضدنا ومع المصالح الصهيونية. على العكس، إن ازداد قوةً، فمن المحتمل جداً أن يستمر في توافقاته مع إسرائيل، وبهذا على الأغلب سيصبح "للحيّة" في عالمنا "رأسان". وللوحش الرأسمالي فكّان من فولاذ.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون