"لم أكن يوماً على استعداد للمشاركة في انتخابات نيابية محسومة النتائج وفق قانون أكثري، وتهيمن عليها جهة سياسية معيّنة، إلا أنني تراجعت عن موقفي منذ العام 2018، وبعدما اعتُمد قانون نسبي اعتقدته سيعكس حجم القوى السياسية الحقيقي"، يقول زياد بو خزام (29 عاماً)، ابن منطقة حاصبيا الواقعة انتخابياً في دائرة الجنوب الثالثة، بالإضافة إلى مرجعيون وبنت جبيل والنبطية.
لكن بالنسبة إليه، "ما سيحصل هذا العام هو نفسه ما حصل في دورة 2018، إذ يتحكم بهذه الدائرة الصوت الشيعي الذي يحتكره ثنائي حزب الله وحركة أمل اللذين يفرضان مرشحين من لونهما السياسي الممانع مستحكمَين بفائض الأصوات الذي توفره بنت جبيل والنبطية بحيث تغرق حاصبيا ومرجعيون في بحر الصوت الشيعي".
ينشط زياد في العمل السياسي في منطقته، وهو ينتمي إلى الطائفة الدرزية ومعارض لـ"خط المقاومة". يقول: "بالاستناد إلى القانون الانتخابي الحالي الذي يفترض بلوغ كل لائحة العتبة الانتخابية كي تدخل إلى المنافسة على حصد المقاعد النيابية، ومع وصول الحاصل الانتخابي إلى حدود الـ25،000 صوت، يصبح من شبه المستحيل التمكن من إيصال صوتي إلى المرشح الذي أؤيده للجلوس تحت قبة البرلمان، وهذا غير عادل بالمقارنة مع بقية المناطق والدوائر الانتخابية على امتداد لبنان، وعليه يفوز نائب لا أعرفه ولا يعنيني ولا أراه في بلدتي أساساً".
يُقسّم القانون الانتخابي الذي أقرّته الحكومة، لبنان إلى 15 دائرةً انتخابيةً، بالإضافة إلى إقرار الصوت التفضيلي على أساس القضاء، أي الدائرة الإدارية
بعد تمديدين للبرلمان اللبناني بين العامين 2013 و2018، أُجريت الانتخابات النيابية وفق قانون نسبي (بالمبدأ)، للمرة الأولى في تاريخ لبنان، بحيث خسرت بموجبها ما كان يُعرف بقوى 14 آذار الأكثرية في البرلمان، بعدما حصدتها في مجلسَي 2005 و2009. ففي عام 2018، فاز حزب الله وحليفاه؛ حركة أمل (الشيعية)، التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، والتيار الوطني الحر (المسيحي) المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال عون، بالإضافة إلى كتلة سنية قريبة من الحزب، تألفت من ستة نواب وآخر درزي، وشكلوا أكثريةً نيابيةً تفاخر بها قائد فيلق القدس الراحل قاسم سليماني، قائلاً إن "حزب الله بات يمتلك 71 نائباً في البرلمان".
صناديق الأصوات الضائعة
"على الرغم من أن ما حصل في انتخابات 2018 كان جنونياً، ويجعلني أفكر مرات ومرات قبل اتخاذ قرار المشاركة من عدمها هذه السنة"، يتساءل سامر خوري (26 عاماً)، من زحلة التي تقع في دائرة البقاع الأولى: "كيف يفوز نائب بـ77 صوتاً فقط؟"، ثم يستطرد قائلاً: "سأشارك... إنها المرة الثانية التي يحق لي فيها الاقتراع والعمل في الماكينات الانتخابية، وأنا أحب هذا العمل. لم نعتقد أن النائب إدي دمرجيان الذي نال 77 صوتاً تفضيلياً نالها على لائحة مدعومة من حزب الله والنائب السابق نقولا فتوش، نالت حاصلين، سيفوز، بما أن اللوائح المنافسة قد نالت كل المقاعد المخصصة للمذاهب نتيجةً لتفوق المرشحين على زملائهم في اللائحة بمجموع أصوات تفضيلية أكثر على مستوى الدائرة".
يُقسّم القانون الانتخابي الذي أقرّته الحكومة، لبنان إلى 15 دائرةً انتخابيةً، بالإضافة إلى إقرار الصوت التفضيلي على أساس القضاء، أي الدائرة الإدارية، وتُوزَّع المقاعد المخصصة لكل دائرة انتخابية على اللوائح المختلفة، وذلك حسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل لائحة في الانتخابات، على أن يُحدَّد المرشحون الفائزون من خلال الصوت التفضيلي، أي الترتيبي، الذي يختاره المقترع حصراً من الدائرة التي ينتمي إليها.
يقول الباحث والخبير في الشؤون الانتخابية، الدكتور إيليا إيليا، لرصيف22: "في حالة الدائرة الأولى في البقاع، تمكنت اللائحة الأقوى من حجز المقاعد طبقاً لعدد الحواصل التي حصدتها، وعليه فإن المقعد الأرمني ناله إدي دمرجيان على لائحة حزب الله. فمن ناحية تمكنت اللوائح الأخرى من حجز المقاعد الأساسية بعد احتساب الأصوات التفضيلية، وتالياً فإن هذه اللائحة التي حققت حاصلين تبحث عن مقعد لنيل كامل حصتها، ولأن الدائرة ممثلة بـ"أرمني"، لذا يُمنَح المقعد لهذا المرشح وإن نال أقل عدد من الأصوات التفضيلية".
جعل القانون نتائج الانتخابات تكاد تكون معروفةً مسبقاً، وذلك من خلال الصوت التفضيلي، وتالياً الحاصل الانتخابي الذي يؤدي إلى تجميع أصوات المقترعين في اتجاه لائحة ما
تقول منال عبود (35 عاماً)، الناشطة السياسية في عكار عن التيار الوطني الحر: "ذهبت أصوات عائلتي هباءً. صوّتنا لمرشحنا عن المقعد الماروني في عكار جيمي جبور، ونال 8،667 صوتاً تفضيلياً، إلا أن زميله الأرثوذكسي أسعد درغام، الذي نال أقل منه، أي 7،435 صوتاً، أخذ مقعده النيابي لأن مرشحاً مارونياً هو هادي حبيش عن تيار المستقبل سبقه إليه، بفعل تأمين لائحته الحواصل الانتخابية. وتتساءل منال: "أين ذهبت أصواتنا؟".
تعترض الناشطة العونية على قانون انتخابي عمل على إقراره رئيس التيار الذي تنتمي إليه، النائب جبران باسيل، والذي فشل في الوصول إلى الندوة اللبنانية لدورتين متتاليتين قبل عام 2018، وهو قال بعد إقرار القانون المعتمد حالياً: "توصلنا إلى إنجاز سيتمكن المسيحيون من خلاله من انتخاب أكثر من 50 نائباً من أضل 64 مقعداً للمسيحيين، بأصوات المسيحيين"، فيما قال رئيس الجمهورية ميشال عون في حينها: "هذا القانون هو لكل من همشتهم القوانين الانتخابية السابقة".
الصوت الطائفي
يشرح إيليا ما حصل في عكار، قائلاً: "نظراً لحصول لائحة تيار المستقبل على خمسة حواصل انتخابية، منها ثلاثة مقاعد للسنّة، ولأنهم حصلوا على أكبر عدد من الأصوات التفضيلية، حجزت هذه اللائحة مقعداً مارونياً وآخر أورثوذكسياً لإكمال حصتها من المقاعد بعد احتساب الأصوات التفضيلية بين مرشح تيار المستقبل عن المقعد الماروني هادي حبيش، ومرشح التيار الوطني الحر جيمي جبور، إذ تتم العملية من خلال احتساب جميع الأصوات التفضيلية لكل المرشحين في كل قضاء، وهنا الدائرة نفسها هي القضاء، ومن ثم تتم قسمة الأصوات التفضيلية لكل مرشح على مجموع الأصوات التفضيلية في القضاء المرشح فيه، ومن ثم يتم ترتيب أسماء المرشحين من الأعلى إلى الأدنى تبعاً للنسبة التي حصل عليها كل مرشح بمعزل عن حواصل اللوائح".
يقول جاد عواد (27 عاماً)، الناخب في دائرة جبيل كسروان: "عملت في ماكينة أحد المرشحين عن المقعد الشيعي وهو حسين زعيتر، ليل نهار، واحتسبنا الأصوات التي ستقترع معنا صوتاً صوتاً. نال مرشحنا 9،369 صوتاً تفضيلياً. نمنا فائزين واستفقنا على خبر فوز النائب الراحل مصطفى الحسيني، بـ365 صوتاً تفضيلياً، لأن لائحتنا لم تتمكن من نيل الحاصل الانتخابي الذي يتم بموجبه حجز المقاعد النيابية".
يشكل هذا القانون رافعةً للمحادل الانتخابية التي كانت تشهدها الانتخابات السابقة، إلا أن محادل جديدةً تظهر بأشكال مختلفة، بعضها قديمة وأخرى متجددة، وإن ارتدت ثوب النسبية، وقد تجلت من خلال تقسيم الدوائر الانتخابية في المحافظات والمناطق كلها، ما جعل نتائج الانتخابات تكاد تكون معروفةً مسبقاً، وذلك من خلال الصوت التفضيلي، وتالياً الحاصل الانتخابي الذي يؤدي إلى تجميع أصوات المقترعين في اتجاه لائحة ما، وفقاً للانتماء الحزبي أو الطائفي أو المناطقي.
السلطة السياسية فصّلت القانون الانتخابي وفق مقاساتها الحزبية والطائفية، لكي تضمن أكثريةً عدديةً لقوى السلطة
يقول منسق الشبكة العربية لديمقراطية الانتخابات، زياد عبد الصمد، لرصيف22، إنَّ "السلطة السياسية فصّلت القانون الانتخابي وفق مقاساتها الحزبية والطائفية، لكي تضمن أكثريةً عدديةً لقوى السلطة، وتالياً ضمان نجاح بعض المرشحين المنتمين إلى هذه المنظومة الحاكمة".
يبلغ عدد أصوات الناخبين المسلمين في دائرة الشمال الثالثة، والتي تضم زغرتا والكورة والبترون وبشري، نحو 26،000 ناخب، في حين أن الحاصل الانتخابي بلغ في العام 2018، في هذه الدائرة، 13،000 صوت. يسأل آدم إيعالي (30 عاماً): "أنا سنّي وأنتخب في زغرتا حيث هناك ثلاثة مرشحين موارنة على صعيد الدائرة الصغرى، أما مجموع النواب على صعيد الدائرة الكبرى فهو عشرة مسيحيين، فهل أنتخب أم أعتكف حتى اعتماد مقعد نيابي للمسلمين؟". ثم يجيب قائلاً: "لا بأس، نائب مسلم بصوت مسيحي أو العكس لن يغيّر شيئاً، ولكن لا شك أن هناك قوى تغييريةً أتشارك معها الأهداف، وسأنتظر برامج المرشحين وهم كثر، ولكن لا شك سأصوت لبرنامج وطني، فمَن يدري؟ قد يتغير شيء".
ميدان التغيير الانتخابي
"إذا توحّدت القوى التغييرية ضمن لائحة واحدة، يمكن لها أن تحقق تغييراً كبيراً في المقعدين السني والماروني في عكار على سبيل المثال، ويشغلهما حالياً تيار المستقبل"، يقول إيليا، ويضيف معدداً المقاعد التي من المتوقع أن تشهد تغييراً على مستوى لبنان: "ماروني في كسروان، وكاثوليكي في المتن، ويشغلهما حالياً التيار الوطني الحر. ومن الممكن أن يحدث خرق في أحد المقاعد في دائرة بعبدا-عاليه، وهو المقعد الشيعي الذي يشغله حالياً حزب الله، أو الماروني ويشغله التيار الوطني الحر".
وفي حال تحالف زعيم تيار التوحيد، الوزير السابق وئام وهاب، مع قوى وازنة، فيمكنه خرق المقعد الدرزي الذي كان يشغله النائب المستقيل مروان حمادة عن الحزب التقدمي الاشتراكي. وفي الحديث عن دائرة بيروت الأولى، يتوقع إيليا إمكانية خرق المجتمع المدني بمقعدين أحدهما يعود للنائب المستقيلة بولا يعقوبيان، ليس بتحقيقها نسبة أصوات عالية فحسب، بل لحجز طائفتها (أرمنية) مقعداً نيابياً كما حصل معها في انتخابات 2018، إذ إن المقاعد النيابية موزعة مناصفةً بين المسلمين والمسيحيين، وتالياً نسبياً بين المذاهب.
ينطلق تحالف شمالنا من 8،000 صوت موزعة على الأقضية الأربعة، ما يجعل حظوظه في تأمين حاصل كبيرةً جداً
أما في بيروت الثانية، حيث الثقل السني وتيار المستقبل، فمن الممكن حدوث خرق في مقعدين سنيَّين لصالح قوى تغييرية، خاصةً بعد انكفاء الرئيس سعد الحريري عن الانتخابات، ترشحاً وترشيحاً، في انتظار ما سيتبين لناحية المقاطعة أو المشاركة السنية، وما سيخلفه من تأثيرات لدى جمهور تيار المستقبل. ويقول إيليا في هذا الإطار: "هذا الانكفاء ربما سيفتح المجال أمام تعددية برلمانية، وقد يمهد لتغييرات انتخابية وسياسية لدى الطوائف الأخرى".
تجربة الائتلافات
على صعيد الائتلافات المعارضة للسلطة، والتي خرجت بتحالف انتخابي، برز مؤخراً تجمع "شمالنا" الذي يضم قوى سياسيةً شاركت في ثورة 17 تشرين الأول/ أكتوبر، قررت خوض الانتخابات ضمن دائرة الشمال الثالثة التي تضم أقضية الكورة وزغرتا والبترون وبشري، وحسب أوساط "شمالنا"، فإن هذا التحالف ينطلق من 8،000 صوت موزعة على الأقضية الأربعة، ما يجعل حظوظه في تأمين حاصل كبيرةً جداً، تضاف إليها بعض أصوات المغتربين الناقمين على قوى السلطة كافة.
وعلى خط موازٍ أيضاً، أُعلن عن تحالف "سهلنا والجبل" في البقاع الغربي الذي يراهن على مقاطعة تيار المستقبل للانتخابات النيابية، أو توجههم نحو الاقتراع لخصومهم، ما قد يخدمهم انتخابياً، بالإضافة إلى ثوار 17 تشرين الأول/ أكتوبر، ويسير هذا التحالف على خطى "شمالنا"، في اختيار مرشحيه وفقاً لانتخابات تمهيدية داخلية، وهي تجربة تحصل للمرة الأولى في لبنان، بين تجمعات انتخابية واحدة.
وُضع القانون الانتخابي بما يخدم مصالح السلطة السياسية، من تقسيم الدوائر إلى كيف اعتُمدت النسبية فيه، فضلاً عن الصوت التفضيلي الطائفي الذي أتى ليُكرّس التوجه السلطوي ونسف أي إمكانية للتغيير
في المقابل، من شأن تعدد لوائح الثوار والمعارضين للسلطة والقوى التغييرية، أن يخدم أحزاب السلطة نتيجةً لتشتت أصوات المناهضين لها، ومرد هذا التشرذم إلى خلافات بين القيّمين على هذه التجمعات والتحالفات الانتخابية، إما بسبب البرامج أو بسبب المرشحين، وهو ما يتجلى في تعدد اللوائح في دوائر بيروت وزحلة وطرابلس وغيرها، كذلك توجه بعض القوى الثورية إلى التحالف مع النواب المستقيلين أو المستقلين، متخطين شعار "كلن يعني كلن" الذي أُطلق في وجه السلطة.
وفي هذا الإطار، يُشير عبد الصمد إلى أن "اللحظة ملائمة لحدوث التغيير، لأن أكثرية أحزاب السلطة تواجه أزمةً وجوديةً، ولكي تُستكمَل هذه اللحظة يُفترض وجود بديل جاهز، وهذا البديل لم يستطع حتى الآن التوحد في لائحة واحدة، وهو ما سيؤدي إلى تشتت الأصوات نتيجةً لتعدد اللوائح، ما سيخدم أحزاب السلطة في تأمين فوزها على مجموعات المعارضة المتعددة".
تبعات عزوف الحريري
شكل إعلان رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، عزوفه عن الترشح للانتخابات النيابية، صدمةً قويةً لدى القوى السياسية كافة، لأنه يتزعم واحدةً من أكبر الكُتل في البرلمان، وتالياً يمتلك تياره السياسي كتلةً ناخبةً هائلةً، إذ نالت لوائحه في انتخابات العام 2018، ما مجموعه أكثر من 256 ألف صوت من أصوات الناخبين على مستوى لبنان، عدا عن تجييره آلاف الأصوات لصالح حلفاء وأصدقاء، خاصةً في عكار والبترون والكورة وبيروت وزحلة وجبل لبنان.
اعتكاف الحريري قد يعيد رسم خريطة برلمان 2022، لناحية انخفاض الحاصل الانتخابي، ما سيفسح المجال بدخول أحزاب صغيرة ومجموعات مستقلة
ومن شأن قرار الاعتكاف أن يعيد رسم خريطة برلمان 2022، لناحية انخفاض الحاصل الانتخابي، ما سيفسح المجال أمام أحزاب صغيرة ومجموعات مستقلة لتدخل إلى المجلس النيابي بأصوات قليلة. ولكن في حال عدم مقاطعة الطائفة السنية للانتخابات، وتالياً استمرار عدد من نواب تيار المستقبل في الترشح بصفة شخصية، مواربةً تحت شعارات رفيق الحريري و14 آذار، وبرعاية حليف الحريري الرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي ينسّق مع رؤساء الحكومات السابقين (نجيب ميقاتي وتمام سلام)، حسب تصريحه، وبتوجيهات للقوى السنية من دار الفتوى، فإنه من المتوقع ألا يتغير الكثير لناحية مشاركة الطائفة السنية وجمهور تيار المستقبل من الطوائف الأخرى.
في حال حصول "المتوقع"، سيعود عدد لا بأس به من نواب المستقبل وبعض الأصدقاء والمقربين بصفة مستقلة، ولكن بنكهة حريرية، مثل النائب عاصم عراجي في زحلة، والنائب محمد الحجار في جبل لبنان، والنائبين وليد البعريني وهادي حبيش في عكار، وابن النائب محمد كبارة في طرابلس وغيرهم، وفي هذا السياق يقول أستاذ السياسات والإدارة العامة في الجامعة اللبنانية، الدكتور برهان الخطيب، لرصيف22: "الرئيس الحريري لم يدعُ إلى مقاطعة الانتخابات النيابية اقتراعاً، والصوت السني يدرك كيف يختار، ولا شك أنه سيفرز أشخاصاً مستقلين يقودون مشروع الدولة الذي لطالما آمنت به الطائفة".
وفي ما يتعلق باللوائح المشتركة مع الحزب التقدمي الاشتراكي، خاصةً في الشوف، يبدو مع احتمال ترشح النائب الحالي عن تيار المستقبل وابن منطقة الشوف، محمد الحجار، أن الأمور لن تتغير عما كانت عليه في الانتخابات السابقة، نتيجةً لترشحه بصفة شخصية، وتالياً استمرار تحالف قاعدته الشعبية مع الحزب الاشتراكي وتداخل العلاقات التاريخية السنية-الدرزية، باستثناء استمرار إشكالية العلاقة بين المستقبل والقوات اللبنانية الموجودة على اللائحة نفسها، وهو خلاف قائم بين الفريقين، سواء اعتكف الحريري أم لا، وهو الحال نفسه في دائرة البقاع الغربي وراشيا.
في العام 2022، فهناك 62،000 صوت للائحة المستقبل، أي 43% من المقترعين، توجهاتهم ليست معروفةً حتى الآن
أما في بيروت الثانية، فتتحضر قوى عديدة عجزت عن الوصول إلى البرلمان في أثناء حضور نواب المستقبل، وهي اليوم تعوّل على انخفاض الحاصل الانتخابي لتتمكن من تحقيق خرق نيابي ما، وأبرزهم النائب فؤاد مخزومي وبعض القوى السنية المحسوبة على حزب الله. وفي هذا الإطار يقول مسؤول داتا الانتخابات في بيروت لعام 2018 في تيار المستقبل، الدكتور مازن سعادة، لرصيف22: "الحريري لم يدعُ إلى مقاطعة الانتخابات، بل منع الترشح باسم تياره تاركاً الحرية لمناصريه في اختيار من يريدون". ويرى سعادة أن بيروت ستشهد مقاطعةً كبيرةً مؤكداً أن المستقبل لا يزال يمتلك الأكثرية الشعبية، وهو ما ستظهره الورقة البيضاء التي ستجتاح صناديق الاقتراع.
"غياب تيار المستقبل عن الاستحقاق الانتخابي سيعطي فرصةً أكبر لشخصيات أخرى كي تمثل بيروت، إلا أن هؤلاء لن يكونوا من القوى التغييرية بل التقليدية المعروفة، كالأحباش والجماعة الإسلامية والمخزومي وصلاح سلام ونبيل بدر". هذا ما يؤكده سعادة، مضيفاً: "علينا أن نراقب نسبة المشاركة وعدد المقترعين، اللذين سيحددان شرعية النواب الجدد. ومع الأسف حزب الله وحلفاؤه سيتصدرون المشهد الانتخابي وإن بفارق بسيط".
ويدخل سعادة في أرقام انتخابات العام 2022، مفصّلاً بعض النسب: "المنافسة في الانتخابات الماضية كانت بين تيار المستقبل وحزب الله وحلفائه، مع تأثير لا يُذكر للمخزومي. أما في العام 2022، فهناك 62،000 صوت للائحة المستقبل، أي 43% من المقترعين، توجهاتهم ليست معروفةً حتى الآن، مع حسم أكثر من 80% منهم خيار المقاطعة أو الورقة البيضاء، في حين أن حزب الله وحلفاءه سيحافظون على عدد الأصوات نفسه مع تسجيل تراجع للمخزومي".
ثغرات لا تُحصى
القانون الانتخابي الحالي، وعلى الرغم من اعتماده النسبية للمرة الأولى في لبنان، إلا أن ثغرات عديدةً تكتنفه، أبرزها أنه مفصَّل على مقاسات الأحزاب الحاكمة والزعامات الطائفية، كما يؤمّن مخرجاً مهماً في ما يتعلق بسقف الإنفاق، بحيث قونن خرقه بشكل علني عبر عدّ المدفوعات والمساعدات المقدَّمة في أثناء الحملة الانتخابية، غير خاضعة لسقف الإنفاق، إذ درج الحزب أو الزعيم على تقديمها "بذات الحجم والكمية وبصورة اعتيادية ومنتظمة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل بدء الحملة الانتخابية"، وذلك حسب المادة 62 من قانون الانتخابات.
الكثير من اللبنانيين يرون أن القانون لا يُنصفهم ولا يعطيهم القدرة على أن يكونوا فاعلين، وأن يكون صوتهم مسموعاً في صناديق الاقتراع، إلا أن الرغبة في محاولة خرق المحادل موجودة، من دون وضع سقف عالٍ للتوقعات
وتكفل هذه المادة جعل سقف الإنفاق مفتوحاً أمام الأحزاب والمرشحين الأثرياء، ما يتيح لهم تجاوزه بصورة قانونية، فيغدق المرشحون الرشاوى الانتخابية على المقترعين، وفي هذه الحال تجد هيئة الإشراف على الانتخابات نفسها عاجزةً عن ضبط الإنفاق بشكل كامل ودقيق، و"هذه الهيئة تفتقر إلى الصلاحيات بفعل خضوعها بشكل كامل لسلطة وزارة الداخلية"، وذلك حسب عبد الصمد.
ومن المساوئ التي ينطوي عليها هذا القانون أيضاً، هي حرمان الناخب من إمكانية الاقتراع بحرية للمرشح الذي يريد، فالقانون يفرض عليه اختيار اللائحة كما هي معدّة مسبقاً، ولا يحق له إجراء أي تعديل لناحية إدخال مرشح من لائحة أخرى كما كان متاحاً في قانون الانتخاب السابق (الأكثري)، وكذلك لا يحق له استبعاد أحد المرشحين عن اللائحة.
ووفق الخطيب، فإن القانون الانتخابي الحالي يُعدّ هجيناً لا يراعي صحة التمثيل الحقيقي لكثير من الفئات التي تضيع أصواتها في مهب أكثريات معيّنة، ويرى أن هناك ثغرات عديدةً كان لا بد من تجاوزها، نوجزها كالآتي:
- اعتماد دوائر أوسع من الحالية، أي وفق المحافظة كدائرة انتخابية واحدة، وهو ما ينص عليه أساساً اتفاق الطائف.
- عدم مراعاة المعايير العلمية والعدالة التمثيلية لتقسيمات الدوائر التي تمت وفق حسابات سياسية وطائفية، إذ إن هناك دوائر كبيرةً وصغيرةً وأخرى ذات طبيعة طائفية.
- عدم اعتماد التصويت من مكان الإقامة وفق البطاقة الإلكترونية، وهو ما ينص عليه القانون الانتخابي، لكن جُمِّد العمل بها لحسابات سياسية مصلحية.
- سنّ الاقتراع المحددة بـ21 عاماً، والتي تُعدّ إحدى أهم ثغرات القانون لأن الشباب اللبناني مشارك بقوة في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية كافة.
من جهته، يرى عبد الصمد أن "القانون يفتقر إلى المساواة التي يجب أن تتمثل في تحقيق المساواة بين عدد المرشحين والناخبين في الدائرة نفسها، وهذه اللا مساواة نراها في دوائر تضم خمسة مقاعد كصيدا-جزين، في مقابل دائرة الشوف-عاليه التي تضم 13 مقعداً، وهنا يجب النظر إلى أن هناك مواطناً يصوّت لخمسة مرشحين، وآخر يصوت لـ13 مرشحاً، وعليه وبالنسبة إلى عدد المقاعد والناخبين، نجد أن هناك مقاعد تمثل 15 ألف ناخب، وأخرى 40 ألف ناخب".
يحرم القانون الناخب من إمكانية الاقتراع بحرية للمرشح الذي يريد، إذ يفرض عليه اختيار اللائحة كما هي معدّة مسبقاً
ويضيف: "هناك ازدواجية في تقسيم الدوائر، ولدينا بدعة الدائرة الكبرى والدائرة الصغرى، إذ نجد هناك دوائر بقضاء واحد، مثل بعبدا، وبقضاءين، مثل الشوف-عاليه، كما أن هناك دائرةً بأربعة أقضية، كالشمال الثالثة التي تضم زغرتا والكورة والبترون وبشري، ولكنها متصلة جغرافياً على عكس صيدا وجزين غير المتصلتين جغرافياً".
ويُطرح السؤال حول ما يُمكن إصلاحه في القانون؟ وهل بالإمكان الإصلاح؟
يتحدث إيليا حول أهمية "إضافة صوتين تفضيليين عوض الصوت الواحد، على أن يكون صوت وفق الدائرة الصغرى أي القضاء، وآخر وفق الدائرة الكبرى، لإعطاء الانتخابات بعداً وطنياً. كذلك من المهم "جمع تواقيع للمرشحين على غرار الانتخابات في فرنسا وبريطانيا وغيرهما".
من جهته، يشدد عبد الصمد على أهمية "اعتماد الميغاسنتر، أي الاقتراع من مكان الإقامة، إذ إنه يؤمّن سرّية التوجهات الانتخابية للعائلات التي يمكن تحديدها من خلال صناديق الاقتراع في المناطق. وفي حال اعتماد الميغاسنتر، عندها يستحيل إجراء هذه العملية الحسابية، كما شدد على ضرورة تأمين ظروف اقتراع المعوقين بحيث أن 94% من المدارس المعتمدة كمراكز اقتراع، غير مجهزة لتسهيل وصول المعوقين لممارسة حقهم الديمقراطي، بالإضافة إلى ضرورة اعتماد الكوتا النسائية التي نحتاج إليها في مجتمع توريث عائلي سياسي".
قُبيل أشهر قليلة من الانتخابات المزمع إجراؤها، يتجه كُثر من اللبنانيين إلى صناديق الاقتراع، وجزء كبير منهم مُقتنع بأن صوته على الأرجح لن يُغيّر المعادلة في ظل قانون غير عادل، واستحقاق تُشرف عليه سُلطة يتهمونها بأنها مسؤولة عما وصلوا إليه، فيما هناك مناطق بأسرها ستكون تحت سطوة أحزاب الأمر الواقع، المسلّحة منها وغير المسلّحة. فهل يُمكن أن يبدأ التغيير في أيار/ مايو المُقبل؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com