ارتبط ظهور الفتاة اللبنانية في السينما المصرية بجمالها الخارجي، خاصة في إنتاج الأفلام التجارية، بدءاً من جورجينا رزق واختيارها للقبها "ملكة جمال الكون"، فمثلت في العديد من الأفلام المصرية مثل فيلم "الملكة وأنا" (1975)، فيلم "باي باي يا حلوة" (1975) وغيرهما الكثير، كذلك مشاركة الشحرورة صباح في السينما المصرية تمثيلاً وغناءً كانت كثيرة، كمشاركتها في "ثلاثة رجال وامرأة" (1960)، "نار الشوق" (1970) وأفلام أخرى. واستمر ذلك خلال فترات زمنية متعددة، خاصة بعدما ساهمت الحرب الأهلية اللبنانية في توجه ممثلات ومغنيات لبنانيات إلى مصر بهدف التمثيل والشهرة.
وكان ظهور نيكول سابا الأشهر في فيلم "التجربة الدنماركية" (2003). رغم أن دورها لم يكن كفتاة لبنانية، تطلّب منها الظهور بملابس "جريئة". ولفتت نيكول سابا بمشاركتها نظر المنتجين المصريين للاستعانة بالمغنيات اللبنانيات في أفلامهم التجارية، فتوجهوا لهنّ لشهرتهن في العالم العربي، والنجاح الأكيد الذي سيحصدونه لأفلامهم من الجمهور المهتم بمشاهدتهن.
اخترنا ثلاثة أفلام لبنانية لمخرجات لبنانيات يعرضن فيها شخصيات نسائية لبنانية من وجهة نظرهن، يعكسن رؤيتهن للمرأة اللبنانية: فيلم "كاراميل" لنادين لبكي، فيلم "باريسية" لدانيال عربيد، وفيلم "قصة ثواني" للارا سابا
الصورة من موقع IMDB
فكانت مشاركة الإعلامية اللبنانية رزان مغربي في فيلم "حرب إيطاليا" (2005) وحسن طيّارة (2007). وكانت انطلاقة النجمة هيفاء وهبي في عالم السينما بفيلم "دكان شحاتة" (2009) و"حلاوة روح" (2014).
ويتشارك المجتمع السوري نظرته للفتاة اللبنانية "بانفتاحها وعلاقاتها" كما المجتمع المصري، فمثلاً في فيلم "محبس" (2016) للمخرجة اللبنانية صوفي بطرس، يسأل والد العريس (بسّام كوسا) ابنه العريس (جابر جوخدار) متفاجئاً:" يعني كان في بيناتن علاقة بابا؟"، فتجيبه زوجته أم العريس (نادين خوري): "أكيد! هدول هني البنات اللبنانيات".
لكن هذه الصورة وصلت إلى مرحلة مبالغ فيها، لدرجة أنها أصبحت نظرة شمولية وغير دقيقة. لذلك اخترنا ثلاثة أفلام لبنانية لمخرجات لبنانيات يعرضن فيها شخصيات نسائية لبنانية من وجهة نظرهن، يعكسن رؤيتهن للمرأة اللبنانية. الأفلام الثلاثة هي: "كاراميل" (2007) أو "سكّر بنات" للمخرجة نادين لبكي. وقد بدأنا بالحديث عنه لغناه بالشخصيات النسائية اللبنانية التي يعرضها وللإشكاليات الحياتية والإيديولوجية والاجتماعية المهمة التي يطرحها وهو الأكثر تماسكاً من حيث السيناريو والحبكة الدرامية وإنتاجه الاحترافي، والعمل الروائي الطويل الأول للبكي التي درست السينما في الجامعة اليسوعية وأخرجت العديد من الفيديو كليبات، قبل انطلاقها في إخراج أفلامها التي لقيت صدى عالمياً.
الفيلم الثاني للمخرجة اللبنانية الفرنسية دانيال عربيد "باريسية" (2015) تروي فيه قصتها الشخصية كفتاة لبنانية تصل إلى باريس للدراسة، ورحلتها في التأقلم مع المدينة والعيش فيها. يعرض الفيلم شخصية لينا وتفاعلها مع ما يحدث معها وهي خارج مجتمعها. وقد نجحت عربيد بإخراجها، والممثلة منال عيسى بأدائها، في كسب تعاطف المشاهد مع الشخصية الرئيسية، وليس ذلك بالأمر السهل، فسيناريو الفيلم واقعي بأحداثه وتطور شخصية بطلته وتغيّرها.
ما تقوله كلاً من المخرجات لبكي، عربيد، وسابا في أفلامهن إنّ المرأة اللبنانية ليست محدودة بالإغراء والجرأة. تتعدّاها تلك النظرة الشمولية لكونها إمرأة قوية، مستقلة، تدافع عن نفسها وعمن تحب
وعربيد، مخرجة الأفلام الوثائقية والروائية الطويلة، حصدت جوائز في الفئتين: فقد ربحت في مهرجان "ميلان" للأفلام جائزة أفضل فيلم روائي عام 2004 عن فيلمها "معارك حب". أما في الوثائقيات فقد فازت في مهرجان "لوكارنو الدولي" للأفلام عن فيلمها "وحيدة مع الحرب" (2001) الفهد الفضي.
أما الفيلم الثالث "قصة ثواني" (2012) للمخرجة اللبنانية لارا سابا، فهو فيلم درامي تجاري بإنتاج لا بأس به، يتناول شخصيات نساء لبنانيات مختلفة حد التناقض. نلتمس الحسّ الإنساني العالي للمخرجة في القضايا الإنسانية البالغة الأهمية، كالأمومة والإدمان وغيرها التي يطرحها الفيلم. فاز "قصة ثواني" بجوائز عديدة، منها جائزة "أفضل فيلم" في مهرجان مالمو للأفلام، وجائزة "أفضل ممثل" في مهرجان بروكسل للأفلام المستقلة (2012).
ومخرجة العمل لديها أعمال وثائقية مثل "بيروت حقيقة ووجهات نظر" (2009) و"Suspended Returns" الفائز بجائزة UNDP للأفلام الوثائقية وغيرها من الأعمال الوثائقية.
نساء بطعم الكاراميل
تجمع ليال (نادين لبكي) التي تملك صالوناً نسائياً كلاً من نسرين (ياسمين المصري) وريما (جوانا مكرزل) اللتين تعملان فيه، وجمال (جيزيل عوّاد) الزبونة الدائمة والصديقة.
رغم أن ليال امرأة شابة ومستقلة لها عملها الخاص، لكنها لا تزال تعيش مع والديها وأخيها ولا تتمتع باستقلالية كاملة. تتمتع بالذكاء واللباقة الاجتماعيين وفي تعاملها مع موظفيها وزبوناتها وتهتم لأمرهن بصدق. يشكّل صالونها النسائي دائرة "مكنكنة" لها مع من فيه، تنتظر منها عائلتها والجيران الزواج وتكوين عائلتها لكنها على علاقة غير صحية مع رجلٍ متزوج، تتحمل أعباء العلاقة وحدها للمحافظة على "الحب" بينهما. وكما بذلت كل هذا المجهود من أجله، وقفت إلى جانب نسرين، عندما احتاجت مساعدتها وساندتها، مع بقية البنات لحل مشكلتها.
تأتي نسرين من عائلة محافظة بعض الشيء لكنها ليست كذلك. تتميّز نسرين بتهذيبها وذكائها وهي متمسّكة بعملها وتجد فيه متنفساً من بيئتها، حيث تستطيع في الصالون أن تكون نفسها بلا مواربة أو مداراة. تريد أن تعيش الحياة بكليّتها خارج الحدود المرسومة لها ممن حولها. "كلّفها" ذلك اضطرارها لإخفاء حقيقة عذريتها، لعدم تقبّل خطيبها والمجتمع الذي تنتمي إليه أفكارها وتحررها.
تنفصل ريما، الفتاة المثليّة، عن محيطها، إن في الصالون أو أثناء عودتها إلى منزلها بالموسيقى. لا تجد صلة بينها وبين كل ما تعيش فيه. لا تعلن هويتها الجنسية لكن أناسها المقربين يعرفون ذلك دون التطرق إلى الموضوع بشكل مباشر، كما حصل عندما كانت تجهز نفسها لعرس نسرين:" أول مرة منشوفك لابسة فستان".
لا تتقبّل جمال، الزبونة الأربعينية الدائمة للصالون، عمرها وانقطاع عادتها الشهرية. تريد المحافظة على صورتها كامرأة يافعة، فاتنة، رشيقة. تحب الظهور وتغار من الفتيات الأصغر منها سناً. لا تزال تريد أن يُنظَر إليها كامرأة مرغوبة وجذابة.
تشكّل "نساء كاراميل" نموذجاً عن بعض النساء اللبنانيات، بضعفهن وقوتهن وقدرتهن على مواجهة حزنهن ومواقف الحياة الصعبة، يتوارين عن المجتمع وعاداته الرجعية وتقاليده وما يُتَوَقع منهن كـ"نساء". ربما لا يملكن طموحات عالية بسبب ظروفهن، لكنهن بالتأكيد يسعين ليعشن حياة أفضل على الأقل ومتحررة من كل تلك الأفكار البالية.
تصوّر لبكي صراع النساء مع أنفسهن والعائلة والمجتمع بخفة مضحكة ومبكية، مشاركة المعاناة والعذاب اللذين يخضنها النساء من أجل سعادات صغيرة إنسانية وبديهية.
بحث عن الذات
أما المخرجة اللبنانية دانيال عربيد فتروي في فيلمها "باريسية" (2015) رحلتها في فرنسا، وهو مستوحى من قصتها الشخصية. تبحث لينا (منال عيسى)، الصبية اللبنانية القادمة من الحرب في بيروت، إلى باريس عن نفسها وعن حريتها.
تمر بظروف صعبة وتجد طريقها لتحقق ما تريد. فمنذ وصولها إلى العاصمة الفرنسية، بدأت معركتها بالدفاع عن نفسها بشراسة بسبب تحرش زوج خالتها بها فهربت من بيت خالتها. لجأت لأساليب ملتوية، كالسرقة والكذب، لتأمّن لنفسها ملجأً مؤقتاً، كما كسبت ودَّ الآخرين وتعاطفهم بتهذيبها وخجلها. تعلم أنها تخطئ (كأن تهرب دون أن تدفع فاتورة قهوتها) وتخاف، لكنها في ظروف أجبرتها مكرهة على القيام بذلك. أخذت لينا بعض الوقت لتتأقلم وتعتاد حياتها الجديدة، فكما هي بريئة في نواحٍ معينة هي جريئة وذكية في أماكن أخرى. لا تزال تحاول تقبّل نفسها والتصالح مع أفكارها التي تربّت عليها في لبنان وما تتعرف عليه في باريس. تعرف ما تحب وتتجه إليه وتقدم كل إمكانيتها للمحافظة عليه حتى لو اضطرها ذلك للكذب مجدداً. لا تثير قلق عائلتها عليها لأنها تشعر بمعاناتهم، توهمهم أنها "مسيطرة عالوضع". تعبر عن مشاعرها بصدق وقت اللزوم وتصارح فيها وتتحمل ما قد ينتج عن قولها.
تقدّم المخرجة عربيد في "باريسية"، الفائز بجائزة أفضل ممثلة في المهرجان الأوروبي Les Arcs للأفلام (2015) لبطلته منال عيسى، صورة عن قوة الفتاة اللبنانية وهدوئها. ترى هدفها وتسعى وراءه حتى تحققه مهما كلّفها الأمر.
مسؤوليات مبكرة
في الفيلم الثالث "قصة ثواني" (2012) للمخرجة اللبنانية لارا سابا، تعرض كيف أن أزمة شخصية معينة تؤثر على حيوات أناس حولها صدفة، وكيف تتقاطع ظروفهم فتجبرهم على خوض تجارب قاسية.
يبدأ الفيلم بفقدان نور (غيدا نوري)، طالبة الهندسة، والديها في حادث سير، ما يجبرها على تحمّل مسؤوليات لم تكن مجهزة لها. تدرك نور ما هو مطلوب منها وتسعى لإيجاد حلول لمشاكل هي غير مسؤولة عنها. تجرب كل الطرق التي يمكن أن تشكل حلاً لأزماتها. حاولت كلما استطاعت، لكنها في النهاية حينما ضاقت بها السبل استسلمت لحل اختارته بالإكراه.
تمثّل زينة (نيبال عرقجي) والدة مروان الذي لا يتجاوز عمره الـ12 سنة، الأم السيئة بسبب سكرها وإدمانها على المخدّرات.
أما إنديا (كارول حاج) فهي مثال المرأة المشرقة والمفعمة بالحياة، تعرف ما تحب وما لا تحب. لديها شخصية مرحة وخفيفة وإنسانية على عكس أمها ذات الشخصية المتذمرة والتي لا يعجبها شيء. تنظر أمها الأرستقراطية باستعلاء لكل من حولها، ومقياسها للأمور مرتبط بمردودها المادي.
تركّز المخرجة لارا سابا في فيلمها، على أهمية دور الأم في المجتمع وما يمكن أن ينتج عن سوء تربيتها، فتعرض شخصيات نسائية لبنانية متغايرة تسبّب إحداها بالأذى لمن حولها.
نساء "كاراميل"، "باريسية" و"قصة ثواني" يحاولن بكل استطاعتهن تحقيق مستلزمات الحياة الطبيعية والكريمة لهن و عيش سعاداتها البديهية، بعضهن يحتجن لمركز تأهيل وأخريات يجب مساعدتهن بطرق أخرى.
في الإجمال، ما تقوله كلاً من المخرجات لبكي، عربيد، وسابا في أفلامهن إنّ المرأة اللبنانية ليست محدودة بالإغراء والجرأة. تتعدّاها تلك النظرة الشمولية لكونها إمرأة قوية، مستقلة، تدافع عن نفسها وعمن تحب معرضة نفسها للخطر، طموحة ومفعمة بالحياة، تريد أن تحيا بشغف وفرح وإنسانية وحرية من دون القيود المجتعية والإيديولوجيات التي لا تجعل من الحياة أمتع وأسهل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...