عقب تعرّض الولايات المتحدة لانكسار هيبتها في أفغانستان، ومع كثرة الانتقادات القاسية التي وُجّهت إلى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، كان من الضروري أن يبحث الأخير عن موطئ قدم لاستعادة الشرعية في محاربة الإرهاب، وإعادة كسب الود الشعبي وترميمه، خصوصاً أن استطلاعات الرأي كانت تشير إلى تراجعٍ في شعبيته، وإلى انخفاض متوقع للحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، وتالياً قد يفقد الديمقراطيون السيطرة على مجلسي النواب والشيوخ.
لذلك، كان أفضل شيء يقوم به بايدن في هذا التوقيت، هو البحث عن "الصيد الثمين"، أي إنجاز قتل أحد رؤوس "الجهاديين" والاستفادة منه سياسياً وإعلامياً، الأمر الذي يرفع من رصيده ورصيد حزبه في الانتخابات القادمة، كما يجعله يفتخر أمام الشعب الأمريكي وتصدير نفسه على أنه ليس رئيساً ضعيفاً كما يتصور كثيرون، بجانب تغطيته على الآثار السلبية للانسحاب من أفغانستان.
كانت الضربة إذاً انتصاراً ضرورياً لإدارة بايدن، تعامل معها بذكاء شديد، بدءاً من الهيمنة على التغطية الإعلامية للحدث، وعدم الإعلان الفوري عن استهداف زعيم تنظيم داعش، عبد الله قرداش، إذ إن البيان الذي أصدره مقتضب جداً، وفيه عدد قليل من الجمل، ومكوّن من فقرة واحدة، الأمر الذي كان كافياً لإثارة الرأي العام الأمريكي حول عملية مقتل قرداش، والتي أصبحت الخبر الأول في صدارة وسائل الإعلام الأمريكية.
نَشوة مُؤقتة
على مدار الشهر الماضي، ارتفعت وتيرة تنظيم داعش مجدداً، فقد شن هجوماً منظماً على "سجن غويران" في شمال شرق سوريا، وهو السجن الذي يضم الآلاف من مقاتلي التنظيم الذين تمكّن بعضهم من الفرار. وفي التوقيت نفسه، شنّ التنظيم هجوماً على قاعدة عسكرية للجيش العراقي في محافظة ديالى، ما أدى إلى مقتل 11 عسكرياً. ما لفت الانتباه في هذه الهجمات، هو ترابط عمليات التنظيم، وآلية التواصل والتنسيق التي يستخدمها، وقدرته على شن هجمات متلاحقة في أقل من أسبوعين، وفي أكثر من مكان.
حاول داعش إعادة بناء صفوفه، واختبار قدرته من أجل التمهيد لإعلان عودته، فإذ بها نشوة مؤقتة، لم تستمر أكثر من أسبوعين، حتى تمّت تصفية زعيمه
وفقاً لمحللين ومراقبين، فإن التنظيم حاول إعادة بناء صفوفه، واختبار قدرته من أجل التمهيد لإعلان عودته، فإذ بها نشوة مؤقتة، لم تستمر أكثر من أسبوعين، حتى تمّت تصفية زعيم التنظيم في المنزل الذي كان يتحصن فيه في بلدة أطمة في إدلب قرب الحدود السورية التركية، فأعلن بايدن في 4 شباط/ فبراير الجاري، عن قيام القوات الأمريكية بتصفية ثاني أكبر قائد لتنظيم داعش "عبد الله قرداش" المكنّى بأبي إبراهيم الهاشمي القرشي، ووصف بايدن مقتل قرداش بالقول: أزحناه من ساحة المعركة.
كانت عملية قتل قرداش أكبر من عملية قتل البغدادي، وشبيهةً بعملية مقتل أسامة بن لادن. انطلقت الطائرات التي شاركت في العملية من قاعدة "خراب عشك" فى عين العرب-كوباني، ويُعَد الإنزال الجوي في عملية قرداش هو الأكبر منذ عام 2019، إذ شاركت فيه طائرات أباتشي، وطائرات مسيّرة، وقوات برية. لم يكن الهدف الأساسي قتل قرداش، بل إلقاء القبض عليه، ولهذا كانت مدة الاشتباك أطول من العمليات السابقة، واستمرّت ثلاث ساعات، لم يستسلم فيها قرداش، وكشفت الأنقاض عن مقتل 13 شخصاً: ستة أطفال، وأربع نساء، وثلاثة رجال، وجاء في بيان للبنتاغون أن الأطفال والنساء قُتلوا بسبب تفجير قرداش نفسه بحزامه الناسف.
اللافت للنظر في هذه العملية، هو التغيير في تكتيك الولايات المتحدة وأسلوبها، إذ اختلفا عن العمليات السابقة التي اعتمدت على الطائرات من دون طيار فحسب، وبدلاً من ذلك، كان هناك إنزال جوّي، ومساعٍ لاعتقال قرداش حياً، ويبدو أن الولايات المتحدة كانت تدرك أهمية اعتقاله بدلاً من قتله، إذ يُعد من الصف المؤسس للتنظيم، ومن أواخر قيادات الجيل الأول، وتالياً فإن اعتقاله حياً سيمكّن الولايات المتحدة من الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات، والكشف عن أسماء القادة الميدانيين، ومعرفة الثغرات داخل التنظيم، وهو الهدف الذي لم يتمّ تحقيقه، بسبب فقدان القوة الأمريكية التي داهمت منزل قرداش لعنصر المبارزة، وبدلاً من ذلك، استطاع قرداش أن يفجّر نفسه بحزامه الناسف بعد أكثر من ساعتين على الاشتباك. طبقاً لأدبيات التنظيم، فإذا دخل الشخص في أي مواجهة يائسة مع قوات الأمن، بإمكانه أن يفجر نفسه بيديه، ليحرم خصمه من أن ينتزع منه اعترافات وأسرار عن التنظيم.
من الموصل إلى إدلب
يُعد عبد الله قرداش المكنّى بأبي إبراهيم القرشي (45 عاماً)، واحداً من أهم القيادات في الجيل الأول لتنظيم داعش، وبالعودة في الزمن إلى الوراء قليلاً، في بلدة المحلبية غرب الموصل في العراق، حيث ولد قرداش عام 1976، ونشأ في وسط عائلة محافظة، من طبقة وسطى، وتخرّج من جامعة الموصل قسم علوم القرآن والتربية الإسلامية عام 2000، وحصل بعدها على الماجستير في الدراسات الإسلامية، افتتح حياته بالانضمام إلى صفوف تنظيم القاعدة وجهاد الأمريكيين عام 2004، ثم تدرج في المناصب الشرعية والأمنية الكبيرة داخل التنظيم، حتى أصبح الشرعي العام له في مدينة الموصل عام 2007، إلى أن اعتقلته القوات الأمريكية من المدينة نفسها عام 2008، ووفقاً للخبير الأمني العراقي فاضل أبو رغيف، فإن قرداش كان معتقلاً مع "أبو بكر البغدادي" في سجن بوكا في محافظة البصرة، وبعد خروجه من السجن أصبح من قيادات الصف الأول للتنظيم.
نشأ قرداش في عائلة محافظة، من طبقة وسطى، وتخرّج من جامعة الموصل قسم علوم القرآن والتربية الإسلامية عام 2000، وحصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية، وانضم إلى القاعدة عام 2004
ظل قرداش المسؤول عن الجانب الشرعي والفتاوى في التنظيم، بجانب عمله على العديد من الملفات الأمنية والعسكرية، وفي العام 2015 تعرّض لضربة أمريكية في الموصل أدت إلى بتر ساقه. ثم بعد الهزيمة التي مُني بها داعش في الموصل، كانت الصحراء بمثابة ملاذ آمن له، خصوصاً الحدود السورية التي تشهد فراغاً أمنياً، ويبدو أن مناطق الجسور الواصلة بين شرق الفرات وإدلب، مناطق رخوة أمنياً، لذلك استطاعت أغلب القيادات والأفراد الفرار من الموصل والفلوجة إلى الحدود السورية، والتواجد في إدلب شمال سوريا، كملاذ آمِن لا كمنطقة عمليات -يستفيد التنظيم من الإمكانيات المتاحة في كل منطقة- ووفقاً لمسؤولين أمنيين وعسكريين، فإن طول حدود العراق مع سوريا يبلغ 600 كيلومتر ومن الصعب للغاية على القوات العراقية منع المسلحين من التسلل.
عليه، بدأ التنظيم في العمل على إعادة تنظيم صفوفه، والتكيّف مع الوضع الجديد. كان قرداش مقرّباً من البغدادي ومساعداً له، وحسب وكالة أعماق التابعة للتنظيم، فإن البغدادي كلّف قرداش بأعلى منصب تنفيذي في التنظيم، مديراً لشؤون العمليات، الأمر الذي جعله وريثاً للتنظيم بعد البغدادي الذي قُتل في غارة أمريكية في مقر إقامته في قرية باريشا شمال غرب سوريا في العام 2019. وبعد مقتل البغدادي بأسبوع واحد، أعلن التنظيم تنصيب قرداش لخلافته، لكن اللافت أن إعلان قرداش زعيماً للتنظيم، قد أثار خلافات داخل أوساط التنظيم حول ما إذا كان الخليفة من أصل تركماني أو عربي، وهناك معايير عدة يجب أن تتوفر في خليفة التنظيم، منها شرط اتصال نسبه بقريش.
لم يستطع قرداش إحكام إدارة التنظيم مثل البغدادي الذي كان يجمع بين العديد من الصفات؛ القوة، والأب الروحي، والكاريزما التي افتقدها قرداش الذي لم يظهر إلى العلن، وحتى لم يسجل أي كلمة صوتية وحورب من الداخل
ورث قرداش تنظيماً على وشك الاهتراء، إذ قُتل نحو 43 من مؤسسيه خلال حملة 2017-2019، كما قُتل 79 من القادة الرئيسيين من الصف الثاني، بالإضافة إلى مقتل المئات من القادة الميدانيين واللوجستيين. هدأت وتيرة الهجمات عن السابق كثيراً، وحاول قرداش إقامة شبكة أوسع للتنظيم، وإعادة بناء القيادة المركزية لتنظيمه الذي ظل من وقت إلى آخر قادراً على توجيه ضربات محدودة في سوريا والعراق، لكن يبدو أن قرداش لم يستطيع إحكام إدارة التنظيم مثل سلفه الذي كان يجمع بين العديد من الصفات؛ القوة، والأب الروحي، والكاريزما التي افتقدها قرداش، فضلاً عن أنه لم يظهر إلى العلن، وحتى لم يسجل أي كلمة صوتية عكس زعماء التنظيم السابقين كلهم.
كان وزير الخارجية الأمريكي السابق، مايك بومبيو، قد أعلن عن تخصيص مكافأة قدرها 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجود قرداش، وفي سيناريو شبيه لعملية مقتل البغدادي، قُتل قرداش في الجغرافيا نفسها، وعلى بعد نحو 24 كلم من مقتل سلفه.
دور الجولاني في العملية
ما زال مقتل ثاني أكبر قائد لتنظيم الدولة في منزل قريب من مربّع أمني للقوات التركية في إدلب ، وفي منطقة تخضع لسلطة هيئة تحرير الشام التي تمارس فيها دوراً أمنياً شديداً، يطرح بعض الأسئلة المحرجة لكليهما، خصوصاً مع اعتقاد البعض بوجود مواءمات بين قتل قرداش، وحملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها الهيئة ضد تنظيم حراس الدين قبيل ساعات من مقتله، وبالأخص اعتقال القيادات غير السورية، على الرغم من أن تنظيم حراس الدين لم يعد له أي تأثير حقيقي، وهو ما قد يشير إلى أهمية ودلالة في التوقيت، خصوصاً مع بعض التكهنات في الأوساط الجهادية بأن حملات الاعتقالات التي قامت الهيئة بها، سهّلت بشكل غير مباشر في تحديد مكان قرداش، وبالأخص اعتقال الهيئة "لأبو البراء التونسي" الذي يُعتقد أنه قدّم معلوماتٍ مهمّةً للجهاز الأمني لهيئة تحرير الشام، الأمر الذي دعا الهيئة إلى إصدار بيان نفت فيه الاتهامات التي وُجّهت إليها بشأن تورطها في مقتل قرداش.
في حال لم تكن هيئة تحرير الشام تعلم بوجود قرداش، فإن ذلك يدحض الدعاية التي صوّرتها عن أنها تسيطر على الحالة الأمنية في إدلب
ليس من الواضح ما إذا كانت هيئة تحرير الشام لها دور في العملية، وفي كل الاحتمالات، فإن وجود قرداش في إدلب يمثّل ورقةً لهيئة تحرير الشام، وفي حالة لم تكن الهيئة تعلم بوجود قرداش، فإن ذلك يدحض الدعاية التي صوّرتها عن أنها تسيطر على الحالة الأمنية في إدلب. ويبدو أن بعض الأطراف لديها رغبة في الاستثمار في وجود تنظيم داعش، ومن المثير للريبة أن البغدادي قُتل في المنطقة نفسها التي قُتل فيها قرداش، فما الذي دعا الأخير، وهو لديه خبرة أمنية كبيرة لأن يتواجد ويختفي في المنطقة التي قُتل فيها سلفه؟ خصوصاً وأن الهيئة تلاحق فيها أفراد تنظيمه.
لا يزال أبو محمد الجولاني يتقن فن اللعب على التناقضات، ويضع قدمه الأولى عند "إخوة المنهج الجهاديين"، وقدمه الثانية عند اللاعبين الدوليين، ويرى البعض أنه يقوم باستدراج أفراد التنظيمات الأخرى إلى إدلب من أجل الاستفادة منها في إعادة تسويق مشروع هيئة تحرير الشام وإنتاجه، خصوصاً مع وجود "التفهم غير المعلن" بين الولايات المتحدة والهيئة.
تنظيم لا ينتهي
من المبكر جداً التكهن بأن الفصل الأخير من التجربة الدامية لتنظيم داعش قد شارفت على التفكك بمقتل قرداش، فما على الورق لا يتحقق دائماً في ساحة المعركة، وقتل الرأس لا يقتل التنظيم، ويوجد خليفة للخليفة، ونائب للنائب، وشرعي للشرعي، ومن المؤكد أنه سيكون هناك زعيم جديد لتنظيم داعش، وقد يكون أكثر قوةً من قرداش. في الحقيقة نحن أمام عجلة لا تنتهي، فتأثير مقتل قرداش قد يكون موجعاً لمعنويات التنظيم، لأنه رمز أكثر من كونه قيادياً أو عسكرياً، وتالياً لن يغيّر مقتله من الفاعلية والتواجد كثيراً، بجانب أن التنظيم يعتمد على روح الجماعة أكثر من اعتماده على روح الأفراد، ويروّج لمفهوم "الخلافة-الدولة"، على عكس التنظيمات الأخرى، وحتى مع انهيار المعاقل الميدانية للتنظيم، وحالة التوهان والتخبط التي يعيشها، لن ينتهي بالسهولة المتوقعة، فدائماً ما يكون لديه تجديد في أسلوبه، ويعيد ترتيب صفوفه سريعاً.
تأثير مقتل قرداش قد يكون موجعاً لمعنويات التنظيم، لأنه رمز أكثر من كونه قيادياً أو عسكرياً، وتالياً لن يغيّر مقتله من الفاعلية والتواجد كثيراً، بجانب أن التنظيم يعتمد على روح الجماعة أكثر من اعتماده على روح الأفراد
حين فقد التنظيم سيطرته على الأرض منذ سقوط بلدة الباغوز ربيع عام 2019، آخر المعاقل الميدانية له في شرق سوريا، عاد إلى أسلوبه الأوّل، معتمداً على السيطرة غير المرئية، والخروج من نطاق الجغرافيا الثابتة، ودخل في مرحلة أو خطة ما قبل التمكين، وهي خطة تعتمد على النكاية والاستنزاف من خلال العمل بأسلوب حرب العصابات والعمل الأمني السري العسكري، وهو ما لا يُكلّف التنظيم أي موارد بشرية كبيرة، فضلاً عن أن التكلفة الكبرى تكون لدى الطرف الآخر.
الإستراتيجية الأمريكية المعروفة بعمليات قطع الرؤوس والقتل المستهدف، والاستناد إلى المقاربة العسكرية والأمنية فحسب، هي إستراتيجية عديمة الجدوى على المدى الطويل، وتاريخ التنظيم يثبت أن مقتل "القيادات" لا يقضي عليه، وسرعان ما يثبت قدرته على التجنيد، وإعادة تجديد نفسه مثلما حاول استعادة بعض القيادات المؤثرة في هجومه الأخير. وجود قيادة قوية على رأس التنظيم قد يحييه مرةً أخرى.
وتعتمد آلية عمل تنظيم الدولة في المقام الأول على أيديولوجيا عقائدية ممتدة، وحتى مع وجود القيادة الهرمية المركزية له، فكل فروعه وخلاياه تعمل بشكل لا مركزي، وكذلك تنفذ الهجمات لا مركزياً. القيادة الهرمية للتنظيم دورها في رسم السياسات والخطة الإستراتيجية والخطاب الإعلامي، بينما تتولى الشبكات المنفصلة، والفروع الممتدة والخلايا، الإمساك بزمام الأمور.
تاريخ التنظيم يثبت أن مقتل "القيادات" لا يقضي عليه، وسرعان ما يثبت قدرته على التجنيد، وإعادة تجديد نفسه مثلما حاول استعادة بعض القيادات المؤثرة في هجومه على سجن غويران
وفي السياق نفسه، ما زالت البيئة السياسية في بعض البلدان -لاسيما سوريا والعراق- بيئةً مواتيةً جداً لصعود التنظيم، والأسباب التي أدت إلى ظهور داعش لم يتم القضاء عليها، إذ لا تزال السلوكيات والتجاوزات التي ساعدت في ظهوره موجودةً، وفي مقدمتها السياسة الأمريكية، والتي انحازت إلى بعض المكونات الإثنية التي تمارس في الحقيقة سلوكاً مشابهاً لداعش، بالإضافة إلى سياسات التهميش، وتنامي الطائفية، والجوع والبطالة، والإذلال الذي يعاني منه السكان، فضلاً عن جيل بأكمله ينشأ في المخيمات البائسة التي تضم عائلات مقاتلي تنظيم داعش، مثل "مخيم الهول" الذي يضم نحو 70 ألفاً من عوائل التنظيم، هؤلاء الصغار الذين لا يتلقون أي رعاية، ويتم التعامل معهم بشكل سيّء، قد يشكلون جيش احتياط، أو حتى يشكلون الصف الثالث للتنظيم.
بالإضافة إلى وضع عشرات الآلاف من أقارب مقاتلي داعش في معسكرات الاعتقال من دون أي محاكمة، ما سينشئ بيئةً مجتمعيةً خصبةً للتطرف، وحاضنةً شعبية للتنظيم، وقد يؤدي إلى انفجار اجتماعي يستفيد منه التنظيم مرةً أخرى، كما فغي العام 2013، ومن ثم يعمل التنظيم على إثبات سردية المظلومية، ما دامت الظروف السياسية والاجتماعية الهشة والمتهالكة قائمةً، ولا يتم النظر إلا بالمنظور الأمني والعسكري البحت، بل في أغلب الأحيان يتم التعامل بتطرف أكبر.
من سيخلف قرداش؟
عملية الاتفاق على تعيين زعيم جديد للتنظيم، أو ما يُعرف بمبايعة خليفة آخر، ليست بالأمر السهل، خصوصاً مع وجود خلافات واتجاهات فكرية بين مكونات التنظيم، والصراعات العميقة بين الأجنحة، كالجناح التركماني والعربي، والبنعليين وما تبقى من الحازميين، والعرب والأجانب، بالإضافة إلى أزمة الثقة الموجودة لدى التنظيم في شخصياته الأمنية، وعلى الأرجح ينفّذ التنظيم عملية تمشيط أمنية لاكتشاف الخلل الأمني الذي أدى إلى مقتل قرداش، وترتيب بيته الداخلي أولاً، وهو ما ظهر جلياً في التزام التنظيم الصمت -حتى الساعة لم ينفِ أو يؤكد مقتل زعيمه- ويبدو أن اللجنة المفوضة ولجنة الخلافة، ستأخذ وقتاً حتى تتمكن من إعلان خليفة جديد، أو ربما تقوم بتجهيز عملية نوعية ضد "قسد" أو التحالف الدولي توازياً مع الإعلان عن تنصيب الخليفة الجديد.
قد لا يعلن داعش عن أن قرداش كان الخليفة، لأنه سمّى خليفته أبو إبراهيم الهاشمي من دون أن يذكر أنه هو أمير عبد المولى قرداش
وقد يذهب التنظيم إلى عدم الإعلان عن أن قرداش الذي قُتل كان هو الخليفة، لأن التنظيم سمّى خليفته "أبو إبراهيم الهاشمي" من دون أن يذكر أنه هو "أمير عبد المولى قرداش"، وقد يستغل التنظيم هذه النقطة، وربما يسعى إلى توليد اسمٍ مقتول وغير موجود.
في ترتيب الزعامات، بعد "أبو مصعب الزرقاوي"، تسلّم أبو عمر البغدادي، ومن ثم أبو بكر البغدادي، ومن ثم عبد الله قرداش، والثلاثة كانت جنسيتهم عراقيةً، وتدرجوا في تسلسل مركزي إلى أن أصبحوا من قيادات الصف الأول. لذلك في الغالب ستذهب الأمور نحو شخصية من الجناح العراقي، خصوصاً وأنه هو من قاد التنظيم خلال الفترة السابقة، بالإضافة إلى معرفة خلايا التنظيم المنتشرة، وإدارة الولايات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Apple User -
منذ 6 ساعاتHi
Apple User -
منذ 6 ساعاتHi
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ 5 أياممقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعمقال جيد جدا