"عايزة ورد يا إبراهيم"... تلك الجملة الشهيرة التي قالتها الفنانة هند صبري لزوجها في فيلم "أحلى الأوقات"، ربما قالتها بلسان كل امرأة تعشق الورود وتحب أن تُهدى إليها، خاصةً في المناسبات.
مع قدوم عيد الحب، وارتفاع أسعار الورود والهدايا، وسوء الأوضاع الاقتصادية الذي تعاني منه العديد من الأسر المصرية، علينا أن نتساءل كيف يحتفل البسطاء بعيد الحب؟ وما هي الطقوس التي يقومون بها ولا تكلّفهم الكثير ولا تحرمهم من متعة الاحتفال؟
بلا هدايا
الهدية ليست الأساس الذي يعتمدان عليه للاحتفال بعيد الحب، ففي رأيهما أنها لا تحقق المتعة الكافية، وهي مكلفة من دون فائدة.
"زوجي لم يعتَد شراء الهدايا في عيد الحب، وحتى في عيد ميلادي، ومع الوقت أنا أيضاً أصبحت لا أميل إليها. مرةً طلبت منه أن يشتري لي هديةً، فأخبرني بأنها مكلفة بلا داعٍ، وأن نصف كيلو كبدة لنا وللأولاد سيكون أكثر فائدةً، بينما الهدية لن تسد جوعنا"، قالت آمنة علي، وهي سيدة ثلاثينية من محافظة الجيزة، لرصيف22.
وعند سؤالها عن احتمال غيرتها من نساء أخريات، أضافت: "أحياناً أتمنى أن يشتري لي زوجي زجاجة عطر أو قطعة ملابس أو حتى لعبةً، كهدية، فهذه الهدايا تُشعر المرأة بأن لها قيمةً خاصةً، ولكن زوجي عامل على باب الله، ولا يستطيع تحمّل هذه الكلفة، وأنا أعرف أنه يحبني".
"يأتي عيد الحب في منتصف الشهر، ولا نحتفل به في مثل هذا التوقيت، فإما نحتفل به في أول شباط/ فبراير، أو ننتظر حتى أول آذار/ مارس، حتى يحين موعد تقاضي الراتب. في كل مرة أطلب من زوجي هديةً، ولكنه يخرجنا، أنا والأولاد، إلى الحديقة، ويشتري لنا الطعام، وحينها نتناول الكفتة أو الفراخ مع البسبوسة"، هذا جزء من حكاية هناء محمد (36 سنةً)، من محافظة كفر الشيخ، وفق ما روت لرصيف22.
أضافت هناء: "ذات مرة، ألححت عليه حتى يشتري لي هديةً، فاشترى طرحةً وحذاءً ووضعهما في حقيبة، وقدمها لي بطريقة عادية من دون أي رومانسية، ففكرت أنه من الأفضل أن نعود إلى الطقوس القديمة التي يحبها. المهم في الهدية أن تُقدَّم برومانسية، مهما كانت قيمتها، ويكفيني أنه يتذكر هذا اليوم، ويقول لي كل سنة وأنت طيبة".
بشكل مشابه تقريباً، لا يهتم سعيد عادل، وهو تاجر يقيم في محافظة الغربية، بموضوع الهدايا في عيد الحب. يتذكر المناسبات، لكنه لا يحرص على شراء الهدايا، على عكس خطيبته التي تحب الهدايا وتشتري له زجاجات العطر وربطات العنق والأحذية، في حين يفضّل هو توفير النقود لتجهيز الشقة، كما يحكي لرصيف22. ويضيف: "في عيد الحب الماضي، دعوتها إلى الغداء في مكان مناسب، وفاجأتني بهدية. المهم أنها تتفهم أنني حريص على إنفاق النقود في شيء مفيد. وربما بعد الزواج يكون حالنا أفضل".
"زوجي لم يعتَد شراء الهدايا في عيد الحب، وحتى في عيد ميلادي، ومع الوقت أنا أيضاً أصبحت لا أميل إليها. مرةً طلبت منه أن يشتري لي هديةً، فأخبرني بأنها مكلفة بلا داعٍ، وأن نصف كيلو كبدة لنا وللأولاد سيكون أكثر فائدةً، بينما الهدية لن تسد جوعنا"
فرصة لإنعاش الحب
أسماء عبد الحليم، وهي استشارية علاقات أسرية وعاطفية، تحدثت إلى رصيف22، عن أهمية الاحتفال بعيد الحب: "قد يعتقد الرجل أن تعبيره عن حبه لزوجته أو خطيبته، وتقديره إياها لا يكون إلا بالهدايا غالية الثمن، ولكن هذا غير صحيح. في معظم الأحيان المرأة تسعدها أبسط الأشياء التي لا يستطيع الرجل حتى تخيّلها، لذلك لا يجب أن تكون قلة الأموال أو ضيق الوقت مانعان في وجه السعادة، إذ يمكن التفكير في أشياء بسيطة يحبها الطرفان".
وأضافت المتحدثة مقدمةً بعض النصائح للاحتفال البسيط: "الاحتفال بعيد الحب فرصة لا تضيّعاها، وخاصةً إذا كنتما قد شعرتما ببعض الملل في العلاقة، فهذه فرصة لإنعاش الحب، وبعض الأفعال البسيطة تكفي، ولها مفعول السحر، مثل الكلمات الجميلة والغزل الرقيق أو الهدايا البسيطة، مثل قطعة من الشوكولا أو وردة. يمكن للزوجين أيضاً مشاهدة فيلم مع بعض المسليات، وتحضير أجواء رومانسية بالشموع مع وجبة خفيفة، أو حتى يمكن لهما أن يتشاركا في لعبة مع الأولاد، أو الخروج معهم وقضاء يوم جميل في الهواء الطلق".
بدوره، يتحدث خبير التنمية الذاتية ومستشار العلاقات الأسرية، كامل ناصر الأبيض، إلى رصيف22، عن طرق بسيطة للاحتفال بعيد الحب: "يمكن إعداد أطباق يحبانها، أو أن يشتريا هدايا تسعدهما، فهذه الأشياء لا تكلف، ويكون لها وقع عند الشخص الآخر. لو كانت الحالة الاقتصادية لا تسمح، يجب الاحتفال من دون مغالاة، فلا ينبغي أن يضع أحد الطرفين الطرف الآخر تحت تأنيب الضمير بسبب الهدية، فليس من المهم أن نشتري باقة ورود كبيرةً، وقد تفي وردة واحدة بالغرض. الفعل الجيد جدير بأن يجدد الحب في دواخلنا، ويثبت الحب والاحترام".
ويشير الأبيض إلى أن أبسط الهدايا لا بد أن تسبب السعادة، كما أن الاحتفال بعيد الحب يجعل الأولاد يتعلمون منذ الصغر معنى الحب، ويشعرهم بالأمان، ويؤكد لهم حالة المودة بين الأبوين ويزيد من الألفة في الأسرة، فيتأكدون أن العلاقة الأسرية مهمة جداً، ويجب الاهتمام بها، فنجاحها لا يأتي من فراغ، بينما عدم الاهتمام والتجاهل يسببان تفككاً أسرياً ويزيدان من الخلافات.
"الاحتفال بعيد الحب فرصة لا تضيّعاها، وخاصةً إذا كنتما قد شعرتما ببعض الملل في العلاقة، فهذه فرصة لإنعاش الحب، وبعض الأفعال البسيطة تكفي، ولها مفعول السحر، مثل الكلمات الجميلة والغزل الرقيق أو الهدايا البسيطة، مثل قطعة من الشوكولا أو وردة"
غلاء باقات الورود
"أنا لست ضد عيد الحب، ولكني لا أفضل شراء الورود بأسعارها المرتفعة لتوضع في الماء لأيام قليلة ثم تذبل. وعلى الرغم من أن زوجتي تحب الورد كثيراً، فأنا أشتري لها أي هدية أخرى تكون في حاجة لها وتفضّلها، وقد نكتفي بالخروج وتناول الطعام في مكان ما"، يقول حسن سالم (38 عاماً) لرصيف22، ويضيف أنه وزوجته يضحكان عندما تذكّره بفيلم "أحلى الأوقات"، وما كان يفعله الفنان خالد صالح عندما كان يشتري لزوجته هند صبري كباباً، وهي تطلب الورد. "أنا حقيقة مع الكباب"، يضيف ضاحكاً.
ويشير حسن وهو يعمل مدرّساً في محافظة كفر الشيخ، إلى أنه "من المهم بالنسبة لها ألا أنسى هذا اليوم، والهدية مهما كانت بسيطةً تسبب لها السعادة، ولكن أنا أرفض الربط بين عيد الحب وبين الورد والدباديب التي ارتفعت أسعارها ولا أهمية لها".
بشكل مشابه، تحب خطيبة ياسر أحمد الورد كثيراً، وهو لا يستطيع شراءه لها في عيد الحب. "لكن، في حديقة منزل جارٍ لنا تنمو الورود، وأطلب منه أن أقطف بعضها لأهديها إليها، وهذا يسعدها جداً، وليس شرطاً أن يكون ذلك في عيد الحب، بل في أي وقت، عندما أجد الورود وقد تفتحت". ويضيف الشاب العشريني بأنه يعمل في مصنع في قريتهم في محافظة كفر الشيخ، والأجر يكفي للأكل والشرب وتجهيز البيت للزواج فحسب.
وعن المواقف الطريفة التي يمكن أن تحدث في عيد الحب، يحدثنا شريف صابر، وهو يعمل محاسباً في شركة خاصة في محافظة الجيزة: "ذات مرة أرسلت إلي حبيبتي باقة ورد إلى مكان عملي بمناسبة عيد الحب، وشعرت بالحرج لأنني لم أرسل لها شيئاً، والراتب لا يكفي لمثل هذه الهدايا، فأعدت إرسالها إليها بمعايدة جديدة، وكأنها هدية مني".
وأضاف الشاب الثلاثيني: "تقابلنا وسألتني عن الورد وشعرت بالحرج، ولكنها ضحكت. أخبرتها بأن الورود غالية، واشتريت لها هديةً في ذلك اليوم".
"الاحتفال بعيد الحب يجعل الأولاد يتعلمون منذ الصغر معنى الحب، ويشعرهم بالأمان، ويؤكد لهم حالة المودة بين الأبوين ويزيد من الألفة في الأسرة"
فسح الغلابة في الفالنتاين
سرحتْ قليلاً عندما سألتُها عن عيد الحب، ودعكت جبهتها، لترد وهي تضحك: "أعرف عيد الحب. في هذا اليوم أذهب إلى الأرض مع زوجي، ويكون معي الطعام، ونأكل حتى نشبع، وأقول له اليوم هو عيد الحب، ونلفّ في الحقل معاً، وأساله عن الهدية ونضحك. أجهّز الطعام في المنزل، وعندما يعود الأولاد من اللعب في الشارع نأكل". هذه كلمات سعيدة حمود (34 سنةً)، وهي من محافظة البحيرة.
أضافت سعيدة: "الحب هو أن نعيش مستورين، ويكون لنا منزل ويكون أولادنا بصحة جيدة. والحب طوال العام. زوجي لا يبخل علينا بشيء، ولا يوفر مجهوداً، وهذا هو المهم".
"أركب الموتوسيكل وراء زوجي، وندور في الشوارع ثم يشتري لي أرزاً بلبن". هكذا تقضي رانيا عيد الحب مع زوجها، وهو عامل توصيل في أحد محال الطعام الشهيرة في محافظة الجيزة.
وأضافت السيدة الثلاثينية لرصيف22: "لا أهتم كثيراً بأن يشتري لي زوجي هديةً غاليةً، ولكن يكفيني أنه يتذكر هذا اليوم، ويهنئني به. أي فسحة مهما كانت بسيطةً، تسبب لي السعادة".
"اكتشف خيالك ونفسك، واكتشف ما يسعد حبيبك، فلن تتخيل أثر ذلك على معاملة زوجتك لك، أو زوجك لكِ في الفترة القادمة، فقد يقلب هذا اليوم حياتكما، وتكتشفان باباً جديداً للسعادة"
ضمن هذا السياق، تقول الخبيرة أسماء عبد الحليم ناصحةً: "اكتشف خيالك ونفسك، واكتشف ما يسعد حبيبك، فلن تتخيل أثر ذلك على معاملة زوجتك لك، أو زوجك لكِ في الفترة القادمة، فقد يقلب هذا اليوم حياتكما، وتكتشفان باباً جديداً للسعادة. لا تدعا الحياة اليومية بمشاغلها تمنعكما عن السعادة، ولتكن عادةً دائمةً، وليس يوماً واحداً في السنة".
وتضيف خبيرة العلاقات الأسرية الدكتورة زينب نجيب، في حديثها إلى رصيف22: "كلمة بحبك كافية، ولا تحتاج إلى أي إمكانات. المهم الطريقة والأسلوب. القبلة كافية، والحضن والاحتواء مهمان جداً. يجب على الزوجين أن يتكاتفا، وعندما تحدث مشكلات يتذكران هذه الذكريات الجميلة، وتمر الأشياء السيئة التي حدثت. لا حاجة إلى هدية كبيرة، فعشاء على ضوء الشموع كافٍ، أو مشية على النيل، فالتعبير عن الحب لا يحتاج إلى شراء الذهب والهدايا الغالية".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...