شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عيد الحب في حلب عام 2004

عيد الحب في حلب عام 2004

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الجمعة 14 فبراير 202001:27 م

لطالما ارتبط اللون الأحمر بالقلب، على حائط المدرسة هناك العديد من القلوب مع أحرف لعشاق مجهولين. قلب أحمر مع سهمين، ودائماً ما يكون السهمان متجهين باتجاه واحد، أو لربما هناك سهم متجه بجهة رأس السهم الأول. بالأسهم بدأ يتوضح مفهوم الحب، هناك أحد ما نتشارك معه الحب، ولكنّه بطريقة ما يميل باتجاه آخر.

اليوم هو الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير من عام 2004، المكان: مدينة حلب، سوريا.

اليوم هو الرابع عشر من شهر شباط/ فبراير من عام 2004، المكان: مدينة حلب، سوريا.

ككل سنة، يتم اتفاق غير معلن بين البنات في مدرسة "أدهم مصطفى الثانوية للفتيات" على ارتداء اللون الأحمر، غير آبهات بكل تلك التحذيرات القادمة من مديرة المدرسة ومن الأساتذة: "إياكن وارتداء الأحمر في هذا اليوم".

في هذه السنة بالذات، لم نعد نسمح لأحد بأن يملي علينا ما نريد، حتى وإن كان العقاب شديداً. هكذا قالت لي حلا، في ذاك اليوم ونحن في طريقنا إلى المدرسة، وتابعت: "خلص صرنا كبار ما عدنا إعدادي".

أقنعتني حلا في ذاك اليوم، رغم أني لم أفهم إصرارها، وأنا أعلم جيداً بأنها ليست من هذا النوع، أعني من الفتيات اللواتي يرتدين أحمر في عيد الحب.

ربما هو فعل تضامن إذن؟

فكرت جيداً قبل أن أسألها عما إذا كانت تفكر بأحد ما، أو أن هناك من يفكر بها وتريد أن تعطيه هذه الإشارة بارتداء اللون الأحمر، ولكني تراجعت لأن الجميع في علاقة! كيف يمكن أن تكوني في الصف الأول الثانوي ولا تكوني متورطة عاطفياً؟

مع الشاب "الكوول" المنتظر أمام الباب.

مع الجار، طالب الجامعة السرحان.

مع البائع... بائع الكاسيتات "الجغل".

في عيد الحب، الكل في المدرسة في حالة حب.

تسألني حلا: "بعمرك جربتي تحبي هيك من قلبك؟". كان سؤالها مفاجئاً وغريباً بعض الشيء، وقفت أمام المدرسة وفي رأسي ألف سؤال.. لنبدأ بجملة بعمرك؟ لم أكن حينها قد تجاوزت سنّ الرابعة عشر، كيف يمكن أن تسألني حلا سؤال كهذا!

بعد مجادلة طويلة مع صديقتي، قررت ارتداء شال أحمر من الصوف، كانت قد صنعته لي خالتي العام الفائت وأهدتني إياه في ليلة الميلاد. بعد سنة كاملة قررت أن أرتديه اليوم، ليس لأنني في حالة حب، بل تضامناً مع كل الفتيات اللواتي يحبسن أنفاسهن في الدقائق الأخيرة من الدرس وهن يفكرن بهدايا عيد الحب، لكي يتباهين بها في اليوم التالي.

" دبدوب أحمر، أحمر دبدوب، أحطه في سريري أوعدك أدوب"، "وردة حمرا لمتلي سمرا"... والكثير من الكليشهات التي فجأة تصبح مهمة في هذا اليوم بالذات.

حسناً، في هذا اليوم سأضرب كل مبادئي التي تقول بأن يوماً واحداً في السنة يقوم بتسخيف الموقف، ويضع الطرفين في حالة بلاستيكية من الحب، كتلك الورود التي يتراوح سعرها من 5 إلى 100 ليرة سوري، عندما كان الدولار بـ 50 ليرة.

سأرتدي شالي الأحمر غير مكترثة بكل ما ستقوله الجارات عني، مستمتعة بكل تلك النظرات التي تأتيني من الناس، وكأني ذاهبة لمقابلة حبيب ما مجهول وغير مهم في تلك اللحظة، المهم الحب.

تسألني حلا: "بعمرك جربتي تحبي هيك من قلبك؟".

كان سؤالها مفاجئاً وغريباً بعض الشيء، وقفت أمام المدرسة وفي رأسي ألف سؤال.. لنبدأ بجملة بعمرك؟ لم أكن حينها قد تجاوزت سنّ الرابعة عشر، كيف يمكن أن تسألني حلا سؤال كهذا!

هل فعلا تأخرت؟ هل يجب أن أكون قد جربت الحب من قبل؟

هل هي في حالة حب وتقوم بمهاجمتي حتى لا أكشفها؟

لدقيقة كان العالم الأحمر يدور في رأسي وكأنني فهمت كل شيء، إلى أن أيقظتني جملة مبتذلة من شاب كان ينتظر البنات، نعم كل البنات: "اللون الأحمر يغطي حلب".

قالها وهو يغمز لصديق له، بإشارة كأن يتعلم منه مهارة "تلطيش البنات". سألت نفسي حينها هل فعلاً الجملة السابقة كانت جملة غزلية ملغومة لم أفهمها؟ هل كان الشاب أعمق من أن أفهم ما يقوله؟

ضحكت في سرّي، فبغض النظر عما قاله، نعم أنا الآن أنتمي لتلك المنظومة التي ترتدي اللون الأحمر بأدرينالين عال، خارقة كل العادات والتقاليد والقوانين المدرسية.

في الصف الثاني الثانوي لا يوجد يوم عادي... كل يوم هو مصيري فعلاً بالنسبة لنا، كل حركة وكل نفس قابلان للتحليل والتفكير لأيام وليال متتالية. لم نكن نعرف غوغل: "غوغل، شو يعني أنو بعتلي وردة مع رفيقه؟"

في الصف الثاني الثانوي لا يوجد يوم عادي... كل يوم هو مصيري فعلاً بالنسبة لنا، كل حركة وكل نفس قابلان للتحليل والتفكير لأيام وليال متتالية.

لم نكن نعرف غوغل: "غوغل، شو يعني أنو بعتلي وردة مع رفيقه؟".

وصلنا إلى المدرسة خبأت شالي الأحمر خوفاً من عقاب حتمي، ابتسمت ابتسامة خبيثة، مع نظرة تضامنية مع كل تلك اللواتي أخفين بقايا اللون الأحمر أيضاً، خوفاً من العقاب مثلي.

رن الجرس.

اليوم هو عيد الحب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image