شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
القطيعة بين المغرب والجزائر... هل يُصلح المثقفون ما أفسدته السياسة؟

القطيعة بين المغرب والجزائر... هل يُصلح المثقفون ما أفسدته السياسة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 11 فبراير 202201:03 م

ألقت الأزمة السياسية والدبلوماسية بين المغرب والجزائر بظلالها على الوسط الثقافي في البلدين، منذ أن أُعلن عن القطيعة الدبلوماسية بينهما. لكن الأكيد أن اندفاعة السياسيين وتصعيدهم، يقابله بُعد نظرٍ لدى أهل الثقافة. رصيف22 استقى آراء مثقفين من الضفتين عن العلاقات بين البلدين اللذين يمتاز الوسط الثقافي فيهما بالتلاحم والاندماج الشديد، الأمر الذي أسفر عن شعور عام بالحزن والأسف وخيبة الأمل جراء ما آلت إليه الأمور بين الجارتين.

بناء الجسور

يكشف الروائي والأكاديمي الجزائري، الدكتور بومدين بلكبير، لرصيف22، عن تطرقه في كتاباته للأزمة بين الجزائر والمغرب من باب أدوار المثقف ومسؤولياته في بناء الجسور وتهديم الأسوار والجدران الوهمية بين شعبين جارين، تجمعهما ثقافة واحدة، وتاريخ مشترك، ودين واحد، ولغة واحدة، والأشياء التي تجمعهما أكثر من تلك التي تفرقهما، مشيراً إلى أن الكتابة في هكذا مواضيع، كالمشي في حقل ألغام، لكن يجب المغامرة، خصوصاً أن السرد الروائي الجزائري لم يتطرق إلى هذا الموضوع من قبل، لأنه يُعدّ من التابوهات السياسية التي يخشاها الجميع،  مضيفاً: "الموقف يجب أن يُسجَّل في اللحظة التاريخية المناسبة، لا بأثر رجعي بعد تساقط الأصنام السياسية، فالجميع يصبحون أصحاب مواقف بعد ذبح الثور".

ويضيف بلكبير، أن هناك أسباباً وخلفيات من وراء كتابته رواية "زوج بغال"، التي تطرقت إلى العلاقة المغربية الجزائرية المتوترة، لافتاً إلى أنها ضمن مشروعه الروائي الذي يشتغل عليه، والذي بدأه برواية "خرافة الرجل القوي"، عادّاً أن الكتابة ليست تمظهرات تقنيةً تبقى أسيرة الشكل، بقدر ما هي تمثلات تصبو إلى المعنى والجوهر، والرواية ليست ترفاً أو أداةً لتمضية الوقت، بقدر ما هي حفر في عمق الموضوعات الإنسانية الحساسة التي تقضّ مضاجعنا، فهي قادرة على المساهمة في دعم التغيير وتوفير أهم المتطلبات لبناء مجتمع عصري ومتفتح على الآخر المختلف، وهي تساهم بدرجة أكبر من الأجناس الأدبية الأخرى، نظراً لحساسيتها ولقدرتها على تناول مواضيع شتّى، واستخدام أدوات وخطابات متنوّعة، وما تعرفه من قبول وانتشار واسعين بين مختلف فئات المجتمع .

الكتابة عن العلاقات المغربية الجزائرية كالمشي في حقل ألغام، لكن مثقفين من الضفتين يعملون على رأب الصدع أدبيا وعبر مبادرات ثقافية

ويوضح الروائي في هذا الصدد أن علاقة الأنظمة الاستبدادية ليست سويةً بالمثقفين والأدباء على مرّ العصور، فتلك الأنظمة تخشى على بقائها واستمرارها من رواية، لأنها تكشف أكاذيبها وتجعلها عاريةً أمام حقيقتها، وتنتصر أولاً وقبل كل شيء للإنسان أينما كان، وللجمال والقيم الإنسانية، وتثور ضد القبح، والظلم والتّخلف والعنف في أي زمان أو مكان، ولكن في المنطقة العربية، الرواية تجد نفسها وحيدةً ويتيمةً في التأثير الاجتماعي وصناعة التغيير. ومتى اجتمعت عناصر التغيير الأخرى وظروفه وعوامله، وجدت الرواية المناخ المناسب للدفع نحو التغيير.

من ناحيته، يرى المفكر والروائي الجزائري وأستاذ الأدب العربي في جامعة جيجل، الدكتور فيصل الأحمر، أن العلاقات السياسية الجزائرية المغربية لم تكن سلسةً تماماً، ولكنها مؤخراً بلغت حداً بعيداً من التشنج، منذ التحركات الأخيرة للتطبيع واسع المدى بين المغرب وإسرائيل الذي كانت من نتائجه اعتراف إسرائيل (وحليفتها الدائمة الولايات المتحدة)، بسيادة المغرب على أراضي الصحراء الغربية، وهي قضية فيها قرارات ذات شرعية دولية.

ويشير الأحمر إلى أن العلاقات الثقافية الإبداعية سلسة جداً، والتقارب الثقافي وحتى التاريخي بين البلدين واضحان تماماً، معتقداً أن أحاديث تهديدات الحرب لن تفضي إليها، ولا أحد سيخرج رابحاً سوى الحرب نفسها، متوقعاً في القريب العاجل نزوع أحد الطرفين صوب تهدئة الأجواء والجلوس إلى طاولات المفاوضات. أما الدور الذي تلعبه الثقافة فهو إشاعة الشعور العام بعدم الرغبة في شحن الأوضاع أكثر مما هي عليه، وإثبات فكرة أنه على الجميع ألا يعملوا على الذهاب نحو التشدد في المواقف، والدفع نحو الاحتقان.

ويتابع: نعيش مرحلة تحولات عميقة، ومستجدات مهمة، مثل التواجد المكثف لإسرائيل على الحدود الجزائرية المغربية، وهي عناصر ستلعب دوراً كبيراً في رسم ملامح المستقبل القريب، وعلينا أن نستفز القيم الثقافية التي تعيش تحولات عميقةً.

 

ضريبة السياسة تؤدّيها الثقافة

يؤكد الأديب والقاص المغربي، مصطفى لغتيري، أن الأزمة بين البلدين ليست وليدة اليوم، بل هي ضاربة في عمق التاريخ، فمنذ حرب الرمال التي اندلعت بين البلدين عام 1963، عرفت العلاقات شداً وجذباً، وتميزت أهم مراحلها بالقطيعة، حتى وإن خفّت درجتها أحياناً، إلا أن الغالب عليها هو الانفصام والتباعد والنفور المتبادل، خاصةً على المستوى الرسمي. على النقيض من ذلك، كانت دائماً العلاقة بين الشعبين جيدةً ومتواصلةً، فالمغاربة كما يعترف بذلك قادة جزائريون ساعدوا الجزائريين من أجل الحصول على الاستقلال، إذ احتضنت الأراضي المغربية المقاومة الجزائرية، التي دعمها المغرب الرسمي سياسياً عبر الأمم المتحدة، وعسكرياً من خلال تزويد المقاومين بالسلاح، وفتح أول إذاعة لهم من المغرب، فضلاً عن "أن جل الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الجزائر وُلدوا أو عاشوا مدةً طويلةً في المغرب، كما أن الشعبين تجمع بينهما زيجات كثيرة خاصةً بين أهالي الشرق المغربي والغرب الجزائري، مشيراً إلى أن احتضان النظام الجزائري لجهبة بوليساريو الانفصالية، هو ما يسمم العلاقة بين البلدين"، يقول الكاتب المغربي.

رغم الصراع السياسي بين الجزائر والرباط إلا أن المثقفين من الضفتين يصرّون على العلاقات المتينة بينهم. هل يصلح الأدب ما أفسدته السياسة؟

وأكد لغتيري، لرصيف22، على وجود حركية كبيرة جداً على المستوى الثقافي، على الرغم من الصراع السياسي، فالمجموعات الغنائية المغربية مثل ناس الغيوان وجيل جيلالة، لها صدى كبير في الجزائر، كما أن أغاني الراي الجزائرية لها تأثير كبير على أغاني الراي المغربية، حتى أن نجم الراي الشاب خالد، الجزائري، "يحمل الجنسية المغربية ويفتخر بها وهو ومتزوج من سيدة مغربية"، مضيفاً: "على مستوى الأدب نحن في المغرب نقرأ للكتاب الجزائريين، ونقدّرهم تقديراً خاصاً، ومنهم الطاهر وطار، وعبد الملك مرتاض، وواسيني الأعرج، الذي لا يكاد يمر عام دون أن يستضيفه المغرب خلال فعاليات معرض الكتاب الدولي، كما أن الكتاب المغاربة يحضرون باستمرار في الندوات والفعاليات الثقافية الجزائرية، فيما تحتفي الجامعة الجزائرية كثيراً، وبشكل متميز، بالرواية المغربية في بحوث الطلبة والباحثين".

ويوضح الأديب المغربي أنه لا يمكن إنكار تأثير الأزمة السياسية على التبادل الثقافي بين البلدين، فالضريبة يؤديها الجانب الثقافي والإنساني، لافتاً إلى تطرقه إلى ذلك في روايته "أسلاك شائكة" التي تطرقت إلى معضلة إغلاق الحدود، وخاصةً تأثيرها الإنساني على المغاربة والجزائريين، من خلال رصد عائلات مشتركة كانت ضحية هذا الإغلاق، فتفرَّق أفرادها بين البلدين، من دون أن تتاح لهم الفرصة للقاء بعضهم البعض، في وضع مأساوي ما زال متواصلاً إلى اليوم.

إسرائيل تسمّم العلاقات؟

بينما يرى الروائي الجزائري، وليد ضاهري، أن الأزمات السابقة بين المغرب والجزائر لم يكن لها تأثير كبير على الثقافة لدى الشعبين اللذين يمثلان ثقافةً واحدةً، بل إن الثقافة كانت تساهم في التقارب أكثر من البعد والشقاق، وتمثَّل ذلك في أعمال ثقافية، حتى لو كانت نخبويةً، عند الشعبين، من أدب وفن يصّران على اللحمة على الرغم من الخلافات السياسية، مؤكداً أن الأزمة الحالية الراهنة شديدة الوطأة على المثقف الجزائري، كونه يريد تخفيف الصراع بين نظامي الجزائر والمغرب، "لكن دخول إسرائيل على الخط، جعله يصمت حزناً وألماً وحسرةً على ما آلت إليه أمور المنطقة، من صراعٍ مرتبط بالتوازنات الدولية، مشيراً إلى أن أمريكا متفرغة الآن للصين، ووكّلت إسرائيل لتلعب دور الشرطي في الشرق الأوسط، متسائلاً: كيف للمواطن الجزائري أن يتقبل تحالف نظام المغرب مع إسرائيل ضده، وضد مصالحه؟".

ويوضح ضاهري أن الثقافة قادرة على حل المشكلات السياسية، بل إن السياسة تتغذى على الثقافة وتنهل منها، لكن المثقف الحقيقي سواء أكان جزائرياً او مغربياً أو حتى عربياً، لن يسيل حبره أدباً أو فكراً أو حتى غناءً وطرباً قبل أن تخرج إسرائيل من الأزمة، ليسود الخصام بين شعب جعله الاستعمار في دولتين متجاورتين قد تتنافسان و قد تتحاربان، لكن الشعبين يبقيان شقيقين، وأغنية واحدة قد تصلح الأمر بينهما، ورواية أو فيلم كفيلان بعودة الأمور إلى نصابها، فالتدخل الإسرائيلي حصاة في حذاء أي مثقف من البلدين تلهيه عن النظر إلى قلمه.

لا تصلح النخب السياسة

ويرى الروائي المغربي، محمد البوعبيدي، أن المغرب والجزائر تبادلا دور الطليعة الثقافية والسياسية عبر التاريخ، وعلى الرغم من ذلك لم تكن مشكلة القطيعة، أو التعصب للوطن ضد الجار، واردةً، فقد كان المغرب عبر التاريخ سائداً سياسياً، وكانت جامعة القرويين في فاس محجّاً لكل الراغبين في العلم من معظم أقطار المغرب أو الغرب الإسلامي عامةً، خصوصاً بعد سقوط الأندلس وانفراد العدوة المغربية بحيازة العلوم، كما صارت الجزائر ذات زمن، خلال بداية القرن العشرين، بجامعاتها الكبرى ومفكريها الكبار المتخرجين منها على عهد الاستعمار الفرنسي، مقصداً لجيل من المثقفين المغاربة.

ويضيف البوعبيدي: "لا نجد اليوم حرجاً في الانتماء الثقافي إلى هذا القطر أو ذاك، وعلى الرغم مما أفسدته السياسة بين البلدين، إلا أن هذا التصالح بين نخبتي البلدين، لم يكن كافياً لزرع الصلح السياسي، لأنه لا ينطلق من رغبة ملحة في اجتياز الحدود، ولكن مما تتميز به الثقافة الحقة من اتساع الأفق والتّوق نحو الانتماء إلى الإنسان فحسب".

ويعتقد البوعبيدي أن القرب الثقافي أو النخبوي، "في شكله الباهت اليوم، غير قادر على إذابة الجليد بين البلدين، وذلك لأن النخب المثقفة نفسها تجد أنها تابعة للتوجه السياسي للبلاد، وأنها غير قادرة على إعلان موقف شفاف ربما يذهب ضد مهب الرصاص... وأخيراً، أُعلن أني لا أرى في الرجل الجزائري إلا أخاً وجاراً وشريكاً في السياسة والثقافة والتاريخ، وأني ملزم بالذوبان فيه كما هو ملزم بذلك، لأني أرى أن الهوة الحاصلة ليست إلا ضرباً من لعب ثلة من العسكر الذين يسهرون على تنفيذ المخطط الفرنسي البعيد المدى: فرّق تسُد".

النفخ في نار الأزمة

من جهته، يرى الكاتب والباحث الجزائري، بلحسن سيد علي، أن تأثير السياسة على الثقافة، خلال الأزمة السياسية بين المغرب والجزائر، بدأ يظهر على الساحة، مثل "توقيف ندوات علمية وأدبية كانت ستقام بين المثقفين من البلدين، أو تأجيلها، حتى وإن كانت ستقام عن بعد، فالأزمة بدأت تلقي بظلالها على الثقافة والمثقفين في البلدين، حتى وإن كان هناك الكثير ممن ينادون بتجاوزها وعدم استغلالها ثقافياً، إلا أن قلة النشاطات الثقافية بسبب أزمة كورونا وتداعيتها جعلت المشهد الثقافي الجزائري خاصةً مشتتاً وغير واضح المعالم، سواء بخصوص الأزمة، أو غيرها".

ويوضح بلحسن أن المثقفين غير المسيسين يتمنون تلاشي الأزمة، وتراجع حدّتها، لأنهم يدركون تأثيراتها السلبية على البلدين، لكنهم يدركون أن الأزمة جاءت نتيجة ظروف إقليمية ومصالح متباينة، أما المثقفون الذين لعبت بهم السياسة، أو لعبوا بها، فإنهم حتماً سينفخون في نار الأزمة طمعاً في امتيازات من هنا أو هناك، عادّاً أن دور المثقفين في حل الأزمة ثانوي، ولا تأثير له عليها، إلا أن المستقبل كفيل بتغيير الأوضاع، فتاريخ البلدين مليء بمثل هذه الأزمات على تفاوت حدتها، ولكن الإشكال الأعظم الذي طرأ هو التدخل الخارجي في هذه الأزمة.

ويضيف الكاتب الجزائري: "على أية حال فإن الثقافة ليست دائماً قادرةً على التأثير في القرارات السياسية، والمثقفون ليسوا قادرين على تجاوز الأزمة، وإن كان لهم دور، فإنه سيقتصر على الجانب النظري فحسب، هذا لأن الجانب العملي ليس في طوقهم التحكم فيه، ولا قدرة لهم على التأثير عليه في ظل الظروف المماثلة، خاصةً أن الثقافة تعاني من أزمة وجودية وأزمة فاعلية، فإذا كانت مسؤولية المثقفين في خدمة الثقافة تستوجب عليه التأثير على المجتمع من خلال نشاطاتهم، فإني أرى أن الأولوية ستكون لإصلاح الثقافة نفسها، وتجاوز أزماتها قبل التدخل في الأزمات السياسية".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard