نعى الفلسطينيون/ ات صباح الثاني من شباط/ فبراير 2022، الكاتب والشاعر والمعلّم الفلسطيني، حنّا أبو حنّا، الذي توفي عن عمر ناهز الرابعة والتسعين، قضاه في خدمة فلسطين، في تربية أجيال في السلك التعليمي وحبّ اللغة العربية، وفي كتابة الأدب والشعر. وقد وُورِيَ الثرى في الثالث من الشهر نفسه في مقبرة "كفر سمير" في حيفا، المدينة التي عاشها وعاشته إلى آخر أيامه.
يُعدّ أبا الشعراء والكتاب الذين قاوموا مساعي الاحتلال لاقتلاعهم من أرضهم.
"إنه إحدى 'حلقات الوصل' النادرة بيننا وبين فلسطين ما قبل النكبة..."، كتب المسرحي الفلسطيني، عامر حليحل، عبر صفحته في فيسبوك.
أما الشاعر الفلسطيني، علي مواسي، فكتب راثياً أستاذه عبر صفحته: "محظوظ هو الإنسان الذي اقترب منك، ليس لأنّك الأديب، فكثرٌ هم الأدباء، وليس لأنّك المربّي، فكثرٌ هم أيضاً الأساتذة الممكنون في الطريق، وليس لأنّك المثقّف الذي أمضى عمره قابضاً على الجمر، فالمثقفون من هذا النوع قافلةٌ في بلادٍ مصابةٍ بالاستعمار والاستبداد، لكن لأنّك كنت في كلّ ذلك، الجماعي العالي، بصوفيةٍ شاسعة البياض.
لقد كنت رحلةً، وسمحت لنا أن نركب معك ما استطعت، وقد وثقنا بالسائق الجبلي البدوي الريفي الساحلي، يحفظ القرآن في كتّاب أسدود، لينشده في كنائس الرينة، ويعربه في حصص العربية في الكلية الأرثوذكسية العربية في حيفا، ثم يقول: إيماني الحكمة وحدها".
نعى الفلسطينيون/ ات صباح الثاني من شباط/ فبراير 2022، الكاتب والشاعر والمعلّم الفلسطيني، حنّا أبو حنّا، الذي توفي عن عمر ناهز الرابعة والتسعين، قضاه في خدمة فلسطين، في تربية أجيال في السلك التعليمي وحبّ اللغة العربية، وفي كتابة الأدب والشعر
سيرة ذاتية
وُلد "أبو الأمين"، عام 1928، في قرية الرينة الواقعة في الجليل الأسفل، شرق مدينة الناصرة. كان ذلك إبّان الانتداب البريطاني لفلسطين. وتنقّل مع عائلته من الرينة إلى عسفيا إلى القدس إلى رام الله ثم جفنة، ثم إلى أسدود في الجنوب، وبعدها عاد إلى حيفا حيث بدأ بالدراسة في المدرسة الابتدائية.
عند عودة عائلته إلى قرية الرينة، عاد معها والتحق بمدرسة اللاتين، ثم انتقل إلى مدرسة المعارف في الناصرة. واختير بعد أن أنهى دراسته فيها للالتحاق بالكلية العربية في القدس لمتابعة دراسته، وأقام فيها مدة أربع سنوات (1943-1947). وكان أبو حنا في تلك الفترة يكتب الشعر وينشره في المجلات في حيفا والقدس وبيروت.
بعد تخرجه، حصل على بعثة حكومية للسفر إلى بريطانيا لمواصلة الدراسة، لكن السّفر لم يفلح بعد احتلال فلسطين عام 1948، فاستمر أبو حنا في التدريس في المدرسة الثانوية في الناصرة. وشارك لاحقاً في تأسيس "اتحاد الشبيبة الديمقراطية" في الناصرة، لينضم بعد فترة بسيطة إلى اتحاد الشبيبة الشيوعي عقب انضمام الشيوعيين العرب إلى "عصبة التحرر الوطني في فلسطين" في الحزب الشيوعي الإسرائيلي في تشرين الأول/ أكتوبر 1948.
"إنه إحدى 'حلقات الوصل' النادرة بيننا وبين فلسطين ما قبل النكبة..."
وبسبب نشاطه السياسي والحزبي، تعرّض أبو حنا للفصل السياسي التعسفي من السلك التعليمي، واحترف العمل الحزبي في الحزب الشيوعي، وشارك عام 1950 في تحرير صحيفة الاتحاد التابعة للحزب الشيوعي، والتي أصبحت له فيها زاوية أسبوعية تحت عنوان "وحي الأيام"، يكتب فيها شعراً وخواطر في الأحداث.
وفي أيار/ مايو 1958، اعتُقل إدارياً وتنقّل بين العديد من المعتقلات والسجون الإسرائيلية، ومن معقله كان يبعث بقصائده من أجل نشرها في صحيفة الاتحاد، ومجلتي "الغد" و"الجديد".
في العام 1959، عاد إلى سلك التدريس في القطاع الخاص معلّماً للغة العربية وآدابها في المدرسة الأرثوذكسية في حيفا، وعُيّن عام 1974 مديراً للمدرسة، فعمل على تطويرها والارتقاء بها من النواحي الثقافية والتربوية والفنية، وصار يحاضر في دائرة اللغة العربية في جامعة حيفا حتى عام 1993.
هذا عدا عن نشاطاته العديدة والكثيرة في الجوانب الثقافية والفنية والأدبية في مجتمع الداخل الفلسطيني، كما أنه يُعدّ أبا الشعراء والكتاب الذين قاوموا مساعي الاحتلال لاقتلاعهم من أرضهم.
التفاؤل والصمود
في حديث لرصيف22، مع الكاتب الفلسطيني علاء حليحل، حول دور أبو حنا في الحياة الثقافية والأدبية في الداخل الفلسطيني، قال: "أعتقد أنّ أقوى كلمة تتبادر إلى ذهني حين التفكير في الراحل حنا أبو حنا، هي 'التفاؤل'. لقد بثّ التفاؤلَ بحضوره الطويل في كلّ محطات حياته: معايشة النكبة والنجاة منها والانخراط بشكل شبه فوري في العمل الثقافي والسياسي الميداني، ومن أبرز تلك المحطات تأسيس جوقة الطليعة عام 1948 (حين كان الفلسطينيون ما يزالون يحاولون التقاط أنفاسهم!)، ومشاركته في إنشاء 'اتحاد الشبيبة الديمقراطية' في الناصرة، ثم مصارعة الحكم العسكري، وفصله من السلك التعليمي بسبب نشاطه السياسي والحزبي واعتقاله، ودوره البارز في إقامة المهرجانات الشعرية في القرى والبلدات العربية وتنظيمها، والاهتمام بالمواهب الأدبية الناشئة وتشجيعها. وتُضاف إلى ذلك قدرته على المضي والاستمرار في التطوّر والتطوير في مجالات التدريس والثقافة والأدب حتى يومه الأخير".
ويضيف: "وأقول إنّ هذا يشير إلى التفاؤل لأنّه أكثر من فعل الصمود العادي الذي نعرفه: الصمود يعني البقاء والتشبث، أمّا التفاؤل فهو البقاء والتطوّر وحُبّ الناس والحياة والعمل على العطاء في ظلّ الصمود. أعتقد أنّ هذه رسالة أبو حنا الأهم لنا جميعاً كفلسطينيين، وهذا لم يكن ليكون -برأيي- لولا شبوبيته الدائمة والمستمرّة حتى بعد تقاعده الرسمي، وربما تحديداً بعد تقاعده. ما زلت أذكره يروح ويجيء مع الراحلة روضة بشارة عطا الله، كرئيس لجمعية الثقافة العربية، مبتسماً وضاحكاً وباعثاً الطاقات في كلّ من حوله، وكأنّ السنين الطويلة لم تزده إلّا تفاؤلاً ورغبةً في الحفاظ على ما تمكّن من فلسطينه التي وُلد فيها عام 1928، وتحوّل فيها إلى أيقونة زاخرة ونادرة".
الكاتب علاء حليحل لرصيف22: "وأقول إنّ هذا يشير إلى التفاؤل لأنّه أكثر من فعل الصمود العادي الذي نعرفه: الصمود يعني البقاء والتشبث، أمّا التفاؤل فهو البقاء والتطوّر وحُبّ الناس والحياة والعمل على العطاء في ظلّ الصمود. أعتقد أنّ هذه رسالة أبو حنا الأهم لنا جميعاً كفلسطينيين"
تثقيف الطلاب واهتماماته
أما المؤرخ الفلسطيني، جوني منصور، فيقول لرصيف22: "لقد كان أبو حنا مربياً ومديراً ومعلّماً دقيقاً جداً، ويهتم بالتّفاصيل الّتي تتعلّق باللّغة العربية كافةً، واهتم كثيراً بتخريج طلابٍ متمكنين من لغتهم حتى لو تخصصوا في مجالاتٍ أخرى غير اللغة العربية لاحقاً. لقد اهتم كثيراً وتفرّد في تدريس الأدب المقاوم، وفي تثقيف الطلاب حول تاريخهم ولغتهم، مثل محمود درويش وراشد حسين اللذين كانا ممنوعين في المنهاج الإسرائيلي للفلسطينيين".
لحنّا أبو حنّا منشورات شعرية وأبحاث في التراث والتاريخ الأدبي وفي أدب الأطفال وكذلك السيرة الذاتية.
وتابع منصور: "على الصعيد الثقافي، اهتم أبو حنا بجمع التراث الفلسطيني الضائع، فكان يبحث عن شخصياتٍ فلسطينية غير معروفة من مرحلة ما قبل النكبة، وفي فترة الحكم العسكري، ويسلط الضوء عليها، فعلى سبيل المثال لا الحصر، اهتم كثيراً بالحياة المسرحية في حيفا خلال العشرينيات من القرن الماضي، فبحث في سيرة حياة جميل البحري، وهو رجل اهتم كثيراً بالمسرح، وأوّل من اهتم بالترجمة عن الفرنسية والإنكليزية في ذلك الوقت، وأخذ يلائمها للناس، فاهتم أبو حنا كثيراً بتسليط الضوء على تلك المرحلة المهمة. كما أنه اهتم كثيراً بدور المؤسسات الروسية في فلسطين، وعلى رأسها دار المعلمين في الناصرة التي كانت تُسمّى بالمسكوبية، التي درس فيها ميخائيل نعيمة أحد أهم الكتاب اللبنانيين والعرب، فكتب حول تاريخها ودورها".
ويتابع: "ليس ذلك فحسب، بل اهتم كثيراً بتوثيق المهرجانات الشّعرية والنّدوات الأدبية التي تمّ تنظيمها خلال الخمسينيات والستينيات حين كان فاعلاً في الحزب الشيوعي، وعمل محرراً في مجلتي الجديد والغد، وساهم في تعريف الناس على شعراء وأدباء فلسطينيين بقوا في أرضهم خلال فترة الحكم العسكري. وقد كان سبّاقاً في تنظيم هذه الندوات والاجتماعات وترتيبها، إذ ساهمت هذه الاجتماعات بشكلٍ كبير في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية للفلسطينيين في الداخل، في ظل عملية الأسرلة التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية في التعامل مع الفلسطينيين".
لحنّا أبو حنّا منشورات شعرية وأبحاث في التراث والتاريخ الأدبي وفي أدب الأطفال وكذلك السيرة الذاتية، أبرزها كتاب "ظل الغيمة"، وهو سيرته الذاتية، ومن خلاله حصل على جائزة فلسطين. وقد كتب الكثير من المقالات في العديد من الصحف والمجلات في الداخل. بالإضافة إلى تأسيسه مجلتَي الجديد والغد، بالتعاون مع جمال قعوار وفوزي عبد الله، وأسس أيضاً مجلة مواقف التي اهتمت بالمجالات الأدبية والثقافية والتراثية. كما أنه شارك في العديد من المؤتمرات في المجالات الثقافية والسياسية والاجتماعية في العديد من الدول العربية.
المؤرخ جوني منصور لرصيف22: "على الصعيد الثقافي، اهتم أبو حنا بجمع التراث الفلسطيني الضائع، فكان يبحث عن شخصياتٍ فلسطينية غير معروفة من مرحلة ما قبل النكبة، وفي فترة الحكم العسكري، ويسلط الضوء عليها"
حبّ اللغة العربية
يختم جوني منصور حديثه قائلاً: "لقد كان أبو حنا فاعلاً في المجال السياسي من بداية الخمسينيات، لكنه في نهاية السبعينيات ولأسباب عدة، انفصل هو ومجموعة من الأشخاص عن الحزب الشيوعي، وقاموا بتأسيس الحركة الوطنية التقدمية، ثمّ حزب التجمع. لقد كان دوماً يسارياً، يهتم بالحفاظ على البقاء والوجود والاستمرارية، وقد ترك أثره فيّ بشكلٍ خاص في حبي للغة العربية، لقد كان أستاذي ثم زميلي لاحقاً. لقد كان إنساناً مطّلعاً ليس على الأدب العربي فحسب، إنما العالمي أيضاً، واهتم دوماً بكلّ الإصدارات خارج البلاد، واهتم بالحصول عليها، وتمريرها لطلابه حتى لا ننفصل عن المشهد الثقافي في الخارج. لقد تعلّمت منه الكثير بسبب مرافقتي له في العديد من المؤتمرات والمشاريع. كان شخصاً مبدئياً لا يحيد عمّا يعتقد، وعما يؤمن به، وظل حتى نهاية عمره متمسكاً بحبّه للغة العربية واحترامه لها وعلى المبادئ القومية والعربية ذاتها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون