شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
شعوب تخشى التغيير... على السلطات العربيّة أن تمدّ رجليها

شعوب تخشى التغيير... على السلطات العربيّة أن تمدّ رجليها

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 10 فبراير 202212:27 م


إذا كان يحقّ لأبي حنيفة أن يمد رجليه، فللسلطات الحاكمة في العالم العربي الحق ذاته. فما مدُّ الرجلين، هاهنا، إلا دليل عافية واسترخاء، فلا باب تأتي منه الريح لتسدّه، وإن كانت الريح هانئةً مطمئنةً، فالحديث عن العواصف تطيّر وسوداوية.

ولا ضرورة لسرد حكاية أبي حنيفة مع مدّ الرجلين ودلالتها، فالرفيق "غوغل" يتكفل بذلك، مع أنّ الحكاية لا تستدعي أن يُتوكأ عليها كلما "دق الكوز بالجرة"، ولكننا ورثنا بلاغةً لفظيةً نحب أن نتباهى بها، فلربما تسعف النفسَ الجريحة، والوعي الجمعيّ القلِق.

ومن أعراض ذلك الوعي القلِق، الخوفُ من التغيير، ثم في درجة لاحقة ممانعته والتصدي له، على ما نشهد من حادثات تتفجّر حولنا وتثير فزعاً يهدد الحرية ومساحة التعبير، ويناهض الإبداع، ويؤازر المستبدين، ويتنمّر على المستضعَفين اجتماعياً، ويحاصر مَن اختار الانشقاق عما يعدّه قطيعاً.

الناس، جلّهم، في العالم العربي، تتبدى عليهم سمات الحداثة الشكلية، لكنهم في الواقع، طاعنون في القِدم، ويعيشون، ذهنياً، في عصور لم تشهد حضارةً، ولم تألف نهضةً، فتراهم يمتلكون مخزوناً من الأفكار السلفية (بالمفهوم السلبي)، ضد أي حراك يمكّن النساء، أو يُظهر الاختلافات الثقافية في المجتمع، أو يكسر "التابو" في العلاقات الشخصية، أو الكتابات الإبداعية، أو في الأعمال السينمائية، أو في الغناء والموسيقى والرسوم، وسوى ذلك من مشاغل العقل وعواصفه.

الناس، جلّهم، في العالم العربي، تتبدى عليهم سمات الحداثة الشكلية، لكنهم في الواقع، طاعنون في القِدم، ويعيشون، ذهنياً، في عصور لم تشهد حضارةً، ولم تألف نهضةً، فتراهم يمتلكون مخزوناً من الأفكار السلفية (بالمفهوم السلبي)

السوشال ميديا ميدان فسيح لهذا الاشتباك الضاري، وقد رأينا ماذا يفعل فيلم أو مسلسل عُرضا على "نتفلكس". ولا يزال الحديث قائماً ولن يتوقف عن حرية النساء، كأنّ ما تحقق على المستوى الكوني لا يعني غالبية العالم العربي المشغول بفرض مدوّنته الخاصة، وهي مدونة تتجاوز التعاليم الدينية التي يتم إخراجها من سياقها الزمني ومن مقاصدها، بل يتم في إطار فرض تلك المدوّنة "العجيبة" استدعاءُ أخلاقيات هي بمثابة وصفة للتقوقع والانسحاب من التاريخ.

في قضية المرأة، على وجه التحديد، تُختبر روح المجتمعات، وهذا ليس ثرثرةً مستعادةً (أو هذا ما يأمله الكاتب)، وإنما تعميق للحفر في آبار النفس العربية التي تتيح لشاب تخرّج من أرقى الجامعات الغربية أن يقيم علاقةً مع أنثى (Girlfriend)، ولا يحتمل أن يشاهد أخته تتحدث عبر "الواتساب" مع شاب، وهذا يحدث الآن في 2022. وما لم نفكك هذه الأحجية، لن نتمكن من فهم الاتجاه الذي تتحرك فيه ونحوه الكتلة الاجتماعية العربية الشابة. (أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان في 2020، أنّ نسبة الشباب بين عشر سنوات و24 سنةً تبلغ نحو 28% من إجمالي عدد السكان في العالم العربي).

جرى استثمار خيبة "الربيع العربي" على نحو جعل الناس تقرنه بالدمار وتهديم البلدان وقتل البشر.

هل نلج، بعد ذلك، إلى التعميم بأنّ عملية التفكيك المضنية لمعاناة المجتمعات العربية تتطلب عزوَها إلى مشكلة ثقافية تتفرخ منها مشكلات السياسة والاجتماع؟

ما سبق ربما يستدعي سؤالاً: لماذا، على الرغم من تبرّمها من سوء أوضاعها، لا تهبّ تلك المجتمعات لتغيير واقعها، وهي التي يردّد أفرادها دائماً الآية: "لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"؟

نظن، وليس كلُ الظن إثماً، أنّ هناك ممانعةً اجتماعيةً للتغيير، بذريعة أنّ الأوضاع الراهنة ربما تكون أفضل من تغييرات المستقبل المجهولة، فننصاع لإكراهاته التي تغدو محبّبةً، وهذا ما يحيل إلى "عقدة ستوكهولم"، حيث تتآلف الضحايا مع الجلاد وتتعاطف معه، وتشرع في تبرير أفعاله، وقد تدافع عنه وعنها.

الناس تخشى التغيير، فتقاومه؛ لأنها غير مستعدة لدفع كلفاته. لذلك يطمئن الطغاة، وينام الاستبداد ليله الطويل. وربما يحلم بنوارس تحلّق في أقاصي البحار وتبتلعها العاصفة!

والناس يألفون الحياة، على الرغم من مشقتها، ويتكيفون مع الظروف على الرغم من مأساويتها، ويشغّلون ماكينة التبرير، كلما هبّت أزمة، أو أدلهمّ خطب. فالانقلاب على "السكينة المفخّخة"، مع أنها مملّة وتذوّب أغصان العمر، لا يحبذه كثيرون.

وثمة من لا يرغب حتى في تغيير منزله القديم، المتآكل، والآيل للانهيار، بذريعة أنّ الرحيل شأن لا يُحتمل، لأنه يستدعي النوستالجيا إلى المكان، لا سيما إذا كان أولاً، ما يستحضر روح الشاعر: "كم منزل في الأرض يعشقه الفتى، وحنينه أبداً لأول منزل".

ولما جاء "الربيع العربي" محمّلاً بوعود التغيير ووروده، ولمّا آل إلى ويلاتٍ بفعل ارتفاع وتيرة الاستبداد والقتل التي قدّمت نموذجاً دموياً للربيع، صار التعوّذ من الثورة ليس شيمة الناس العاديين فحسب، بل والثوريين، واليساريين على وجه الخصوص، الذين رأوا في "الربيع" مفجِّراً، وحسب، شقائقَ نعمان موغلةً في الحُمرة والجحيم.

وجرى استثمار خيبة "الربيع العربي" على نحو جعل الناس تقرنه بالدمار وتهديم البلدان وقتل البشر. وهو استثمار خبيث، بلا ريب، هدفه إخافة الناس، المذعورين أصلاً، من التغيير. فتراجعت نداءات الديمقراطية، واستعيض عنها بالمشاركة الشعبية، أو البناء الديمقراطي، أو التحوّل نحو الديمقراطية، ما يعني إنعاشاً لقوى التسلّط والتوريث وغياب المساءلة والشفافية، وتأجيل النظر في القضايا الملحة لأنّ "اللحظة التاريخية الحرجة غير ملائمة"!

هذه المجتمعات في غالبيتها، لم تتمكن من الثقافة الديمقراطية، وعاشت، السواد الأعظم من أعمارها، في ظل أنظمة أبوية أو وراثية أو سلطوية أو كلها معاً

لكنّ ذلك، لا يصلح أن يكون شمّاعةً نعلّق عليها فشل المجتمعات العربية في الوصول إلى المرحلة الديمقراطية التي يجري في غضونها تداول السلطة وفق آلية صناديق الاقتراع. فهذه المجتمعات في غالبيتها، لم تتمكن من الثقافة الديمقراطية، وعاشت، السواد الأعظم من أعمارها، في ظل أنظمة أبوية أو وراثية أو سلطوية أو كلها معاً. وكانت أجهزة الأمن هي التي تحكم وتتحكم بأنفاس الناس وأقدارهم، ما جعل التقرب إلى السلطة وسيلةً للحفاظ على العيش وضمان الحد الأدنى من المستقبل، إن لم يكن للشخص نفسه، فلأبنائه، على ما ألِفتْ ترديده الذاتُ الهلِعة التي انطفأ شغفها في التغيير، وتماهت مع ذهنية ذلك الفاسد الباطش القاتل، لأنها باتت تعرفه وتتوقع ردود أفعاله، وتخشى أن يأتي عوضاً عنه عادلٌ رشيدٌ نزيهٌ لم تعتد ميكانيزماتها النفسية عليه.

دعونا، إذاً، نتوقف عن الحديث حول قوى الشد العكسي لأنها فئة قليلة. فلربما يكون المجتمع في غالبيته قوى شد عكسي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image