يترقب سينمائيون في الجزائر على أحرّ من الجمر، دخول قانون السينما الجديد الموجود حالياً على طاولة الأمانة العامة للحكومة، لإحياء السينما الجزائرية التي ظلت طوال السنوات الماضية، تتأرجح بين مدّ وجزر بسبب انخفاض التمويل الحكومي، وانعدام نظيره الخاص.
مشروع القانون المرتقب عرضه للمناقشة والمصادقة على البرلمان الجزائري بغرفتيه (المجلس الشعبي الوطني، ومجلس الأمة) بعد مروره على مجلس الحكومة ومجلس الوزراء برئاسة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، يطرح مجموعة من الاقتراحات المتعلقة بالفن السابع، على رأسها تحرير القطاع من هيمنة الدولة، ولا تبقى هي حصراً الممولة لها، وطرحها للمبادرات الخاصة، على أن تسند لها مهام المرافقة والمتابعة وتطبيق الإجراءات القانونية، الكفيلة بحماية الآداب العامة وحقوق الأشخاص.
يقترح مشروع القانون تخفيف الإجراءات البيروقراطية والإدارية.
كذلك يسلط المشروع الضوءَ على ضرورة ربط قطاع السينما بالواقع الاقتصادي حتى لا تبقى الأعمال السينمائية حبيسة الأدراج فقط، ومن ثم تحولها إلى جزء من الاقتصاد المحلي مثلما يحدث في الهند وتركيا، ولذلك يقترح مشروع القانون تخفيف الإجراءات البيروقراطية والإدارية على الراغبين في الاستثمار في هذا المجال.
يعلق نبيل حاجي، مستشار بوزارة الثقافة لشؤون السينما في الجزائر قائلاً لنا: "مسودة المشروع المتعلق بالصناعة السينمائية الذي تقدمت به وزارة الثقافة والفنون لمصالح الأمانة العامة للحكومة للدراسة مع بقية القطاعات، هو ثمرة جهد طويل ومضنٍ أقدمت عليه الوزارة منذ إنشاء كتابة الدولة للصناعة السينمائية، وشكَّل محور لقاءات ومشاورات طويلة مع مهنيي القطاع من مخرجين ومنتجين ومختصين وخبراء".
والهدف من هذا العمل، كما يقول حاجي، هو إعادة مراجعة قانون السينما الصادر في عام 2011، ومحاولة تحيينه وتكييفه مع المتغيرات السياسية، الاجتماعية والاقتصادية والتقنية، المتعلقة بقطاع السينما في البلاد، والتطلعات التي يصبوا إليها صناعه المحليون، إضافة إلى تحرير القطاع من الإجراءات الإدارية، والدفع بالاستثمار فيه من خلال تشجيع المبادرات الخاصة والواعدة، التي تجعل منه مصدراً للثروة والتنمية على أكثر من صعيد.
هل تنجح القرارات؟
دخلت السينما في الجزائر مرحلة ركود كبيرة، بعد تميزها في حقبة الرئيس الجزائري الأسبق، هواري بومدين (ثاني رئيس البلاد) التي كانت ثرية وغنية بالقرارات المشجعة للعمل السينمائي، وهي الميزة التي تنطبق على حقبة الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، إذ فاجأ أهل القطاع في الجزائر وخارجها في بداية يناير/كانون الثاني 2020، باستحداث منصبين هامين يتعلق الأول بكتابة للدولة مكلفة بالصناعة السينماتوغرافية، وكتابة مكلفة بالإنتاج الثقافي، في سابقة تعدّ الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، وبعد أيام قليلة فقط، صادق مجلس الوزراء على عرض يتضمن تطوير قطاع الثقافة والسينماتوغرافيا، واقترح تطوير إستراتيجية لتطويره في الفترة المتراوحة من 2020 إلى 2024، تتم بالتشاور والتنسيق مع العديد من القطاعات الوزارية الأخرى.
وتطرح هذه التوجهات سؤالاً هاماً هو: هل تنجح هذه القرارات في نقلنا إلى عصر جديد أو حتى تعيدنا إلى حقبة عرّابي السينما الجزائرية وعشاقها أحمد راشدي ولخضر حمينة؟
يشتاق جزائريو اليوم إلى تجارب سينمائية مماثلة لفيلم "عمر قتلاتو الرجلة" من إخراج مرزاق علواش، و"الطاكسي المخفي"، كوميدي تم إنتاجه عام 1989، و"كرنفال في دشرة". كل هذه الأعمال لا زالت راسخة في الذاكرة.
أبي ومرحلة السبعينيات
سبعينيات القرن الماضي لا زالت تشكل بالنسبة لوالدي مرحلة جميلة مفعمة بالمشاعر، لا تكاد تفارق مخيلته.
يسرد أبي العم الهادي، في العقد السادس من عمره، وقلبه ينبض بحنين وشغف العودة لأيام "الشباب والشقاوة" قضاها رفقة شقيقه وأصدقائه في حي "لاكونكورد"، أحد الأحياء الشعبية لمدينة "بئر مراد رايس"، الضاحية الغربية للعاصمة الجزائرية.
"أتذكر كيف كنا نقضي ساعات طويلة في قاعات السينما لرؤية الفيلم الهندي الشهير المعروف باسم "جانيتو"، وبعض الأفلام الجزائرية الأخرى كفيلم "ريح الأوراس"، و "الأفيون والعصا"، و "دورية نحو الشرق" للمخرج الجزائري عمار العسكري و"نوة".
"تعيشون عصراً لا مكان للسينما فيه، منذ أن ارتمت الجزائر بين أحضان النار والدم، وجيلكم لا يعرف شيئاً عن الفن السابع" هل تتفقون مع هذا الرأي؟
"نعم عشنا العصر الذهبي، فالسينما الجزائرية في سنوات الستينيات والسبعينيات وحتى الثمانينيات زُيّنت بألمع النجوم المحليين، وكانت أرضنا قبلة لكبار المخرجين العالميين الذي قدموا إلى أرض الوطن من أجل تصوير أفلامهم".
يضيف والدي: "يختلف الماضي كثيراً عن الحاضر، فأنتم تعيشون عصراً لا مكان للسينما فيه، عجلة السينما الجزائرية فُرملت منذ تسعينيات القرن الماضي حينما ارتمت الجزائر بين أحضان النار والقنابل اليدوية والدم، وجيلكم لا يعرف عن الفن السابع شيئاً".
أوكار للعشاق
في شارع خليفة بوخالفة، وسط العاصمة الجزائرية، حيث تتواجد قاعتان للسينما "إفريقيا" و "الونشريس" بالقرب من جامع "الرحمة" والمشهورة بـ"سينما فرنسي"، طرحنا على أربعة شباب تتراوح أعمارهم بين 28 والـ 35 سنة، سؤالاً.
-"هل أنتم من رواد السينما؟"
-"لا"
أخبروني أن معظمهم لم يدخلوها إطلاقاً، ويفضلون مشاهدة آخر ما يعرض على شبكة "نتفليكس"، بينما يستغلها العشاق لقضاء بعض الساعات الحميمية.
يعلق الكاتب الجزائري والناقد السينمائي، جمال محمدي، على هذه الوضعية بأنها نتيجة لتظافر وتشابك العديد من المعطيات التي أدت إلى تراجع وهج السينما الجزائرية، فـ"الأزمة ليست مشكلة عنصر بشري أو أزمة إبداع أو إنتاج فكري بقدر ما هي أزمة مشروع ثقافي وطني محدد المعالم".
"السينما كانت أحد أبرز القطاعات التي كانت توليها الدولة اهتماماً إلى نهاية الثمانينيات، وهو العهد الذهبي للسينما الجزائرية، التي عرفت إنتاج أفلام ذات مرجعية مهمة في مسار السينما الجزائرية".
ويضيف جمال محمدي: "الدولة بعد هذه الفترة تخلت عن هذا القطاع، الذي يعتبر كغيره من القطاعات مصدر صناعة واستثمار، لكنه للأسف ظل مغيباً، تم شلّ وتفكيك مؤسسات هذا القطاع ومؤسساته، مثل: الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينماتوغرافية (ONCIC)، والمركز الجزائري للفن والصناعة السينمياتوغرافية (CAIC)، وهما المركزان اللذان شهدت في عصرهما السينما الجزائرية أجمل فتراتها، من حيث غزارة الإنتاج وعدد التتويجات، وخير دليل على ذلك أفلام مثل (معركة الجزائر) و(وأولاد نوفمبر) ،ووصول السينما الجزائرية إلى جوائز الأوسكار العالمية من خلال إنتاج فيلم (z) سنة 1969، والتتويج بالسعفة الذهبية بمهرجان (كان) سنة 1975، وإنتاج أفلام أخرى كبيرة، لا تقل أهمية مثل (ريح الجنوب) و (الطاكسي المخفي)".
ومن بين العوامل الأخرى التي ساهمت في ركود هذا المجال، بحسب جمال، عدم تسليط الضوء على الإبداع والعنصر البشري ضمن ثلاثية الدولة الحديثة، المتمثلة في الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يشتاق جزائريو اليوم إلى تجارب سينمائية مماثلة لفيلم "عمر قتلاتو الرجلة" إخراج مرزاق علواش، و"الطاكسي المخفي"، و"كرنفال في دشرة"، فهل تنجح مواد القانون الجديدة في إعادة الروح للقاعات؟
ولكي تؤدي السينما وظيفتها كقطاع سيادي ومؤثر، يماثل كل القطاعات الأخرى التي تعتبرها الدول المتقدمة كقوة ناعمة إلى جانب كونها حقاً دستورياً، من أهم الحقوق المدنية للفرد، مثل الحق في التعليم والصحة وغيرها.
يقترح الناقد السينمائي الجزائري، إعادة هيكلة القطاع بما يخدم الصناعة السينماتوغرافية بطرق وأساليب مهنية وأكثر حرفية، من خلال كثرة الإنتاج وتعدد أنواعه، وهو ما يتطلب اعتماد إستراتيجية جديدة في أنماط الإنتاج، وطرق وآليات التوزيع والتسويق، وتبنّي آليات مهنية، انطلاقاً من توفير الحد الأدنى من القاعات السينمائية، وتذليل صعوبات، مثل استصدار رخص التصوير، والانفتاح على المنتجين والمخرجين الأجانب من خلال التصوير في الجزائر والإنتاج المشترك.
ويعتقد جمال محمدي أن المرحلة الحالية تقتضي خلق هيكل وحيد للسينما في الجزائر، والمتمثل في المركز الجزائري للسينما لأنه قادر على معالجة الخلل الناتج عن تعدد الهياكل، إذ يوجد ما يزيد على 5 مؤسسات للسينما دون أن تقوم بالإنتاج السينمائي، بالإضافة إلى ضرورة تنفيذ المهام المنوطة بها، خاصة الأساسية منها وهي "تنظيم هذا القطاع والمنتسبين إليه من تقنيين، وصنّاع أفلام، ومحتوى سمعي بصري".
تذكرت كلمات والدي عن العصر الذهبي للسينما، وذكرياته التي سكرتني، وتساءلت: هل يمكن أن تعود قاعاتنا السينمائية إلى سابق عهدها وأحسن، في بلادنا الجزائر؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع