إن السعي إلى رؤية النور في نهاية نفق مظلم، هو وصف حال المرأة العربية اليوم، بسبب حقوقها الضائعة في المجتمع.
لن أكون آمنةً إلا عندما يتم تعديل قوانين الأحوال الشخصية وتغييرها، وخاصةً في الدول العربية التي تزداد فيها نسب تعنيف النساء والفتيات. ما الذي يمنع المرأة العربية من منح جنسيتها لأطفالها؟ سؤال لا إجابة له حتى هذه اللحظة. ربما لو كانت حقوق المرأة مصانةً في المجتمع العربي، لما رأينا في وقتنا الحالي نساءً يتسوّلن على الطرقات، وبين إشارات المرور. وأما من جهة أخرى، فأشعرُ بالأمان عندما أقرأ قصص نجاحات بعض النساء والفتيات على محركات البحث ووسائل الإعلام، بدلاً من القراءة عن حوادث التعنيف والتحرش.
لن أكون آمنةً إلا عندما يتم تعديل قوانين الأحوال الشخصية وتغييرها، وخاصةً في الدول العربية التي تزداد فيها نسب تعنيف النساء والفتيات.
لن أكون آمنةً عندما تطغى العادات والتقاليد على الشرائع الدينية، فتتبنى هذه العادات ما يناسبها من أحكام لدعم مكانة الرجال. وفي هذا السياق، تذكرتُ قصةً مرتبطةً بهذا الموضوع في أثناء وجودي في إحدى القرى الريفية في سوريا، تلك المناطق التي تُرغم النساء والفتيات على العمل في الحقول الزراعية، بالإضافة إلى واجباتهن المنزلية. تتطلب هذه الأعمال من النساء أن يخرجن منذ الصباح الباكر حتى غروب الشمس، وكالعادة، ينتظر الرجل زوجته ليأخذ منها راتبها، أو أجرها اليومي. وفي أحد الأيام، سألتُ إحدى الفتيات: "لماذا لستِ في المدرسة؟"، فأجابت: "لا يحق لنا نحن الفتيات الدراسة، كما لا يحقّ لنا الميراث أو اختيار الزوج. مثل هذه الأمور تحقّ للرجال فحسب في بلدتي"، علماً أن تلك البلدة السورية تتّبع تعاليم الديانة الإسلامية التي شرّعت حق الميراث للنساء.
لن أكون آمنةً حتى تتم محاسبة صانعي المحتوى الفكاهي، أو " الكوميديا الصفراء"، والرسم الكاريكاتوري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تلك الأفعال التي زادت من العنف الأسري، وخاصةً خلال الحجر المنزلي الذي تزامن مع جائحة كوفيد19. وحسب تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية بتاريخ الثالث من أيلول/ سبتمبر 2021، "فإنّ امرأةً واحدةً من بين كل ثلاث نساء، أي نحو 736 مليون امرأة، تتعرض للعنف البدني خلال حياتها".
لن أكون آمنةً حتى تلغي المسلسلات السورية كلمة "حرمة" من قاموسها، فهي كلمة مسيئة لكرامة النساء ومكانتهن في المجتمع. وفي معظم هذه المسلسلات، تؤدّي الممثلات أدواراً نمطيةً تؤدي إلى تعتيم مكانة النساء اجتماعياً وسياسياً.
لن أكون آمنةً حتى تلغي المسلسلات السورية كلمة "حرمة" من قاموسها، فهي كلمة مسيئة لكرامة النساء ومكانتهن في المجتمع. وفي معظم هذه المسلسلات، تؤدّي الممثلات أدواراً نمطيةً تؤدي إلى تعتيم مكانة النساء اجتماعياً وسياسياً. والجدير بالذكر أنّ النساء قد حقّقن إنجازاتٍ عظيمةً على مدى التاريخ، فنازك العابد، على سبيل المثال، أسّست أول منظمة نسائية "نور الفيحاء" في دمشق، بهدف تعليم البنات. وتتعدد مهام المرأة وواجباتها، فهي زوجة، وأم، وربة منزل، وموظفة، ووزيرة، وغيرها من الأدوار، ومن المعيب أن يتم التعامل مع النساء على أنّ إمكاناتهن محدودة، وعلى أنهنّ جزء فرعي من المجتمع.
لن أكون آمنةً حتى يتم إلغاء ربط حق المساواة بين النساء والرجال بالقوة البدنية فحسب، علماً أنه توجد نساء حاصلات على مراكز مرموقة في مجال رفع الأثقال، منهنّ "محاسن فتّوح"، التي تأهلت إلى أولمبياد طوكيو 2020، كأول لبنانية تتأهل إلى الألعاب الأولمبية.
لن أكون آمنةً طالما أن السؤال الذي يُطرح عليّ باستمرار لا يزال قائماً: "كيف لكِ أن تكوني نسويةً وناشطةً ضمن هذا المجال، وأنتِ محجبة؟".
يمنع اختراق جدار الخصوصية
إن من أكثر الأمور إيلاماً، هو التحكم بأجساد الفتيات وختانهنّ، أي تشويه أعضائهن الأنثوية، إذ لا تنجو ولا تسلم الفتيات من هذا الفعل الهمجي في بعض البلاد العربية، بحكم العادات والتقاليد. وكانت قد خصّصت المنظمات الأممية اليوم السادس من شهر شباط/ فبراير من كل عام، لتسليط الضوء على فكرة تشويه الأعضاء الأنثوية. وعلى الرغم من الجهود المبذولة للحد من هذه الظاهرة إلى أنّه لا حياة لمن تنادي. وفي هذا السياق، روتْ لي ناشطة في مجال حقوق المرأة في مصر، تجربتها قائلةً: "رفض خطيبي الزواج مني فقط لأني رفضت أن أجري عملية الختان".
إن الخيارات الخاصة بشكل المرأة، أمرٌ عائد إليها جملةً وتفصيلاً، وتُخترق هذه الخصوصية عندما يتم تفضيل المرأة واختيارها، حسب شكل جسمها، سواء أكان نحيفاً أو ممتلئاً، ذات شعر طويل أو قصير، وما إذا كانت تميل وتهوى خوض عمليات التجميل، أو العكس، وتفضيلها اللباس الرسمي أو الكاجوال؛ كل هذه القرارات تُعدّ شخصيةً، ولا يحقّ لأحد التدخل فيها.
عندما تخرجتُ وبدأت بالبحث عن فرصة عمل في سوريا، كنتُ أشتري جريدةً متخصصةً في نشر شواغر وظيفية، ولا زلت أذكر المعايير المستفزة التي كانت تطلبها معظم الوظائف، مثل: "مطلوب موظفة ذات مظهر لائق للعمل"، وبعدها تندرج المهام المهنية والوظيفية.
ألم تكن النساء في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، محجبات ومدافعات وقائدات؟ فالسيدة عائشة رضي الله عنها، زوجة النبي محمد، مثلاً، اشتهرت بفصاحة لسانها وبلاغتها
حجابي لا يغطّي فكري
لن أكون آمنةً طالما أن السؤال الذي يُطرح عليّ باستمرار لا يزال قائماً: "كيف لكِ أن تكوني نسويةً وناشطةً ضمن هذا المجال، وأنتِ محجبة؟".
لا يقيّد الفكر النسوي حريات المعتقدات والانتماءات الدينية، طالما أنّ هذا الفكر قائم على فكرة المساواة، من دون التمييز بين المرأة والرجل.
ألم تكن النساء في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، محجبات ومدافعات وقائدات؟ فالسيدة عائشة رضي الله عنها، زوجة النبي محمد، مثلاً، اشتهرت بفصاحة لسانها وبلاغتها. ألم يجمع كتاب "نساء حول الرسول"، نماذج عن نساء عُرفن بالمهاجرات المضحيات والمجاهدات الفدائيات؟ ألم يشهد وقتنا الحالي نساءً قياديات من ثقافات مختلفة، سواء وُثقت أسماؤهن، أم لا؟ لن أنجو من الانتقادات اللاذعة التي لم تسلم منها نساء الأرض، إلا عندما يتمّ التعامل معي بناءً على طريقة تفكيري، بدلاً من مظهري الخارجي.
إن موضوع حقوق المرأة ليس نظريةً، أو مجرّد بحث، إنما هو السعي إلى توحيد مسارات الحياة بين النساء والرجال على اعتبارهم بشراً فحسب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين