شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
يوم مع

يوم مع "الغُواة" في سوق الحمام بدمياط

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب

الأربعاء 9 فبراير 202202:40 م

مع أول ساعات صباح يوم الجمعة من كل أسبوع، تختلط صيحات البشر بهديل الحمام في منطقة سوق الحدادين بقلب مدينة دمياط المصرية القديمة، فيما يعرف بسوق الحمام الذي تأسس في المدينة منذ أكثر من أربعين عاماً ويزيد. وهو السوق الذي يقصده عشاق الحمام من كل مكان في مصر، حاملين ما يريدون بيعه أو باحثين عما يرغبون في شرائه من مختلف أنواع الحمام، ليصبح يوم الجمعة من كلّ أسبوع ملتقى عشاق الحمام، أو كما يطلقون على أنفسهم "الغُواة".

السوق الذي يقع في قلب مدينة دمياط القديمة يقام في شارع يمتلئ بمحال تخصصت في بيع أدوات النجارة التي تشتهر بها المحافظة الساحلية الصغيرة. ولأن يوم الجمعة هو يوم "إجازة" تلك المحال، فيتحول الشارع إلى سوق في هذا اليوم؛ يأتي إليه عشاق الحمام من مختلف محافظات مصر، حاملين أقفاصهم التي تحوي ما ندر وتميز من الحمام الزاجل والبلدي والواغش والمراسلة والكشاكشة والقاطيفة والرحاينة والعقر واللحس وغيرها من أنواع الحمام التي يعرف سمات كلٍّ منها غواة تربية الحمام.



في السوق الذي قلّ زواره مؤخراً على غير المعتاد، بسبب سوء الأحوال الجوية في شتاء المدينة الساحلية، صادفتُ الشاب أنس عوض (30 عاماً) من دمياط، متخرج في كلية التجارة. سألته عن بداية تعلقه بالحمام فقال: "بدأت أربي الحمام منذ أن كان عمري 15 عاماً. كنت أربي أنواعاً عديدة، حيث بدأت غيتي بالحمام الغوزار بأنواعه، ثم الشقلباظ المصري. والزاجل، حتى وقعت في غرام الحمام الباكستاني منذ عام تقريباً، وقررت أن أتفرغ لتربيته".

أيام الجمعة يأتي إلى الشارع عشاقُ الحمام من مختلف محافظات مصر، حاملين أقفاصهم التي تحوي ما ندر وتميز من الحمام الزاجل والبلدي والواغش والمراسلة والكشاكشة والقاطيفة والرحاينة والعقر واللحس وغيرها من أنواع الحمام 

يحكي أنس بشغف واضح عن حمامه الباكستاني فيقول: "اسمه الحمام الباكستاني الطيار. أصله من باكستان، ونسول جيدة منه موجودة في الخليج. ويتميز عن غيره بقدرته على الطيران لـ12 ساعة متواصلة، ويختفي خلف السحاب. لذلك تقام له سباقات في دول الخليج".

يؤكد لنا أنس أن الحمام الباكستاني جديد على غواة الحمام المصريين، لذلك يأخذ على عاتقه نشر أنواعه المختلفة بين عشاق تربية الحمام في محافظات مصر المختلفة من خلال لقاءاته بهم في سوق الحمام كل أسبوع. كما يرتب لإقامة سباقات خاصه به في مصر على غرار ما يتمّ في دول الخليج المختلفة.

ويثق أنس أن الحمام الباكستاني سوف يسرق قلوب الكثيرين كما سرق قلبه، فإلى جانب سرعته المميزة في الطيران، يمتلك هيئة مختلفة؛ فله جسماً ممشوقاً وأكتافاً بارزة. ويضيف: "له هيبة في وقفته زي الصقور".


ويضيف أنس أن الحمام الباكستاني الذي كان موجوداً في مصر في السابق هو حمام "مخلط"، ليس أصلياً مائة بالمائة، لذلك نجد منه أنواعاً في سوق الحمام لا يتخطى سعر الزوج منه 200 جنيه. على عكس الحمام الباكستاني الأصلي الذي يجلبه أنس من أساتذة تربيته في دول الخليج المختلفة. ويقصد بالأستاذ هنا المربي الذي يمتلك نسولاً جيدة يدخل بها سباقات ويحصد الشهادات. ويضيف: "إحنا بنشتري حمام يكون متجرب وباسم الاستاذ حمام (بيور طيار) بيجي كله من السعوديه والامارات والبحرين، وبنفرخه هنا. متوسط سعر الحمام اللي دمائه كويسة من 500 إلى 4000 جنيه".

متعة أنس في تربية الحمام واقتنائه ليست في بيعه أو الاتجار فيه، فكما قال لي: "متعة الغاوي في تفريخ الحمام وتربيته صغيراً، وتدريبه على الطيران حتى يحفظ مكان غيته. متعة التجربة في إطعام الفروخ الصغيرة وعلاجها وتنظيفها وتدريبها لا تضاهيها متعة".

لكل غاوٍ مزاج

وإن كان أنس غاوياً للحمام الباكستاني، فعمرو ياسر الدمياطي الذي درس القانون بجامعة المنصورة، وتخصص في حمام المراسلة المصري، ووصل في تربيته إلى مستوى عال جداً، فأصبح اسمه معروفاً في سوق الحمام بدمياط والقاهرة أيضاً.

يوم الجمعة من كلّ أسبوع ملتقى عشاق الحمام، أو كما يطلقون على أنفسهم "الغواة"

يقول لنا عمرو: "بدأت أربي الحمام منذ ما يقارب 15 عاماً، وعلى الرغم من تربيتي لأنواع عديدة في البداية، إلا أنني مع الوقت وجدت غيتي في حمام المراسلة المصري، الذي يتميز بمنقاره. فمنقاره يختلف عن منقار أي نوع آخر من الحمام. وهو نوع مصري أصيل". ويؤكد عمرو أن اسم الحمام مكتسب من شكل جسمه القوي وقدرته على الطيران، لكنه لا يُستخدم في المراسلة كالزاجل.


وعن سعر هذا الحمام سألت عمرو فقال: "يتنوع سعر حمام المراسلة المصري بحسب مستواه؛ فالعالي منه يبدأ سعره من ألف جنيه ويزيد على العشرة آلاف جنيه".

يؤكد عمر أن سوق الحمام بدمياط يعد أكبر سوق للحمام في منطقة الدلتا، وثاني أكبر سوق في مصر كلها، حيث يأتي في المركز الثاني مباشرة بعد سوق الحمام في منطقة السيدة عائشة بالقاهرة. وذلك من حيث مريديه وأنواع الحمام المعروض فيه.

"الأرباش مابينزلش السوق"

عرفت من عمرو المنير (35  عاماً)، وهو غاوي حمام شهير في دمياط،  أن ليس كل أنواع الحمام تعرض في سوق الحمام. فبعضها عزيز لا يليق بالعرض العام، كالنوع الذي وقع المنير في غرامه وهو "الأرباش".

عمرو المنير الذي يملك مصنع أثاث، يحدثنا عن هذا الحمام: "الأرباش يتميز بهيئته التي تشبه هيئة الراهبة المسيحية، لذلك يطلق عليه في الدول الأوربية اسم (الراهبة). يتفاوت سعره حسب مواصفاته فقد يصل سعر الزوج منه إلى 15 ألف جنيه، ويبلغ سعره خارج السعودية مثلاً إلى عشرة آلاف ريال".

بدأت علاقة عمرو بالحمام منذ أن كان صبياً صغيراً حيث كان جدّه يربي الحمام وغاوياً قديماً على حد وصف عمرو. لذلك ارتبط منذ طفولته بالحمام، ومع الوقت تخصص في الأرباش الذي أحضره معه من السعودية والكويت، وقام بتفريخه بنفسه وتسويقه إلكترونياً؛ حيث يذهب عمرو للسوق فقط لرؤية أصدقائه من عشاق الحمام القادمين من مختلف أنحاء مصر، أو للاتفاق على عمليه بيع. لكنه لا يعرض حمامه في السوق أبداً.

"أصله من باكستان، ونسول جيدة منه موجودة في الخليج. ويتميز عن غيره بقدرته على الطيران لـ12 ساعة متواصلة، ويختفي خلف السحاب. لذلك تقام له سباقات في دول الخليج"

يؤكد عمرو أن موطن الأرباش الأصلي يعود إلى هولندا، ولكن قامت ألمانيا بتطوير سلالته وتحسين هيئته التي أصبحت مميزة جداً، لذلك يباع الأرباش عن طريق المربي فقط، وبشكل إلكتروني، لأنه ثروة في حد ذاته لا يمكن المخاطرة بعرضها في الأسواق.

الشيء لزوم الشيء

أشرف خضير، هو واحد من علامات سوق الحمام، و على الرغم من أنه يغيب عن السوق منذ جائحة كورونا، لكنني حينما كنت أبحث عن معلومات عن سوق الحمام تردد اسمه كثيراً، فكان يجب البحث عنه.

من محله الخاص الذي تخصص في بيع مستلزمات تربية الحمام وعلاجاته المستوردة حدثني أشرف خضير عضو الجمعية المصرية للحمام الغزار والزينة عن رحلته مع الحمام التي بدأها صغيراً جداً، حيث تفتحت عيناه على الدنيا فوجد "غية الحمام" في قلب منزله، فكان والده غاوياً قديماً للحمام النش.


قال لي أشرف: "بدأت غوايتي بتربية حمام المراسلة المصري، ووصلت فيه إلى مستويات عالية جداً، حيث شاركت بمعارض مختلفه وحصدت شهادات عدة. وعندما ذاعت شهرتي بين غواه الحمام قمت ببيعه للبعض في الكويت والسعودية. ومن خلال تلك البيعات تعرفت على أدوية الحمام المستوردة، وبدأت أقوم بإحضارها لغيتي. وعندما لمست فاعليتها قررت أن أعمم فائدتها على باقى الغواة في دمياط والدلتا، فعرضتها للبيع في سوق الحمام لذي يعدّ أقدم سوق حمام في مصر يزيد عمره على أربعين عاماً، وهو الأمر الذي لاقى استحساناً من روّاد السوق؛ فتوفير العلاجات والأمصال واللقاحات المختلفة الخاصة بالحمام لم تكن متاحة للغواه في دمياط والمحافظات المجاورة، كما أننا نضطر للسفر إلى القاهرة أو إلى خارج البلاد لإحضارها. لذلك مع الوقت فكرت في تأسيس محلّ تجاري يقدّم هذه الخدمة لأهل الدلتا من عشاق الحمام.

وأصبح مع الوقت قبلة الغواة وملاذهم الذي يقصدونه للحصول على كلّ مستلزمات الحمام من أدوات وعلاجات وحبوب وأعلاف وأمصال.

يؤكد أشرف أنه ساهم في تحسين سلالات الحمام لدى الكثير من الغواة، فتوفير العلاجات يساعد في تقليل الوفيات، وهذا ما شجع العديد من الغواه لاقتناء ما ندر نوعه وارتفع ثمنه من الحمام، ما جعل دمياط مركزاً لأندر أنواع الحمام في مصر والعالم العربي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image