أمضى نشأت منذر، الذي كان قد ادّعى أنه "مرسل من السماء"، ليلته الثانية في نظارة أمن الدولة في بيروت، بعد اعتقاله ليل الثلاثاء الماضي من قبل المديرية العامة لأمن الدولة في لبنان، بناءً على الإخبار المقدَّم ضده، بتوجيه من مفتي الجمهورية، عبد اللطيف دريان.
تتلخص الاتهامات الموجهة إلى منذر، بجرائم "ادّعاء النبوة، وتهديد مجموعة من الإعلاميين، والإساءة إلى دولة صديقة"، في إشارة إلى مصر، وفق ما ورد في الإخبارات المقدمة ضده باسم كل من أمين دار الفتوى، أمين الكردي، والقاضي الشرعي السني في بيروت، وائل شبارو، والمحاميَين محمد زياد جعفيل، ونور الدين بعلبكي.
وبرز اسم نشأت منذر، أو "الحكيم نشأت مجد النور"، كما أطلق على نفسه، مطلع العام الجاري، بعد أن انتشرت حلقة يوتيوب تعود إلى شهر أيلول/ سبتمبر 2021، وقدّمته حينها المتنبّئة الفلكية كارمن شماس، على أنه "مُرسل من السماء لمساعدة البشر والأرض انطلاقاً من أرض لبنان"، ما خلق موجةً كبيرةً من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي.
تتلخص الاتهامات الموجهة إلى منذر، بجرائم "ادّعاء النبوة، وتهديد مجموعة من الإعلاميين، والإساءة إلى دولة صديقة"
سرعان ما باتت قضية "النبي الجديد"، من الأكثر تداولاً على وسائل التواصل الاجتماعي في لبنان ومصر، مع انتشار أحاديثه عن لقاءاته مع أرواح الأنبياء السابقين، وزياراته المكوكية إلى الكواكب، كما وتناولت قضيته أبرز البرامج التلفزيونية المصرية، بعد توجيهه انتقاداتٍ حادةً إلى المصريين الذين سخروا منه، مهدداً إياهم بـ"كوارث طبيعية يسلّطها على بلادهم".
واعتاد "النبي نشأت" الظهور إلى جانب شمّاس في حلقات مسجلة على يوتيوب، ويشاركها على مواقع التواصل الاجتماعي، حاملاً عصا برأس غريب، وطابعاً على جبينه رموزاً غير مفهومة. وتتركز دعوته، كما كان يزعم، على اعتماد الحمية النباتية، وترك أكل لحوم الحيوانات بشكل تام، ويرى أن وباء كورونا هو إنذار للناس لاعتماد الحمية النباتية، ويحذّر من كوارث قادمة إذا ما استمر الناس في قتل الحيوانات وأكل لحومها.
وطغى التهكم على حكاية الرجل قبل أن تتخذ طابعاً جدياً، مع دعوى دار الفتوى ضده في 20 كانون الثاني/ يناير الماضي، وصولاً إلى اعتقاله هذا الأسبوع، على يد جهاز أمن الدولة، الذي "تنحصر مهامه في تحصين الدولة ضد الأخطار الداخلية والخارجية"، وفق الفقرة الخامسة من المادة السابعة من قانون الدفاع الوطني في لبنان.
المحامي نور الدين بعلبكي، أحد مقدّمي الدعوى، أوضح لرصيف22، أن تحرك جهاز أمن الدولة لاعتقال نشأت منذر، يأتي كونها مقدمةً من مرجع ديني هو دار الفتوى، وبسبب تهديد منذر للسلم والأمن، متهماً إياه بأنه "أثار النعرات الطائفية من خلال مسّه بالديانة الإسلامية، وتحريفه القرآن وإهانته النبي محمد، في بلد نصف سكانه على الأقل من المسلمين".
يزعم أحد مقدمي الدعوى أن تحرك جهاز أمن الدولة لاعتقال نشأت منذر، يأتي كونها مقدمةً من مرجع ديني هو دار الفتوى، وبسبب تهديد منذر للسلم والأمن
وقال بعلبكي إن هذه الاتهامات تستند إلى "إدعاء الأخير النبوة، وتالياً أن النبي محمد ليس خاتم الأنبياء، بالإضافة إلى نشر كلام فيه تشويه لسورة النازعات، بشكل فيه تحريف للآيات القرآنية"، رافضاً نفي منذر علاقته بالصفحات والمجموعات التي نشرت العبارات التي تحاكي الأسلوب القرآني. وأكد بعلبكي أنه تقدّم بالإخبار ضد منذر، "بصفتي قانونياً ومسلماً، ومعنيّاً بالدفاع عن وطني بكل السبل، لا سيما إذا تعلق الأمر بتهديد ديني واجتماعي".
بدوره قال المدير العام السابق للأوقاف الإسلامية في دار الفتوى، وإمام مسجد "الأوزاعي" حالياً، الشيخ هشام خليفة، إن دار الفتوى "تتحرك لحماية العقيدة من الدعوى الكاذبة بالشكل والجوهر للمدعو نشأت منذر"، عادّاً أن الدستور اللبناني "ينص على حماية حرية المعتقد، وهذه الحماية تكون من خلال حماية المعتقد من الأمور الطارئة والمهاترات الفكرية أيضاً".
في المقابل، وقبل اعتقاله، نفى نشأت منذر بشكل قاطع علاقته بصفحات "مزيفة ومركبة ضدي، وتحمل اسم النبي نشأت"، محمّلاً إياها المسؤولية عن الترويج للقب "نبي"، ونشر آيات قرآنية مزورة. ونشر منذر مقطع فيديو على قناته الرسمية على يوتيوب، بعد ثلاثة أيام من تقديم الدعوى ضده، أعلن فيه نيته ملاحقة المسؤولين عن "الصفحات المزيفة" من خلال القضاء، وأكد في الفيديو نفسه أنه "لم يدّعِ النبوة مطلقاً"، وتابع: "أعتذر وأطلب السماح من كل الأديان، وخاصةً من دار الفتوى ومن كل شيخ وفقيه فيها، فأنا لم أقصد أنني نبي أو رسول".
أحد مقدمي الدعوى يقول: "بصفتي قانونياً ومسلماً، ومعنيّاً بالدفاع عن وطني بكل السبل، لا سيما إذا تعلق الأمر بتهديد ديني واجتماعي"
وخفف الشيخ خليفة من أهمية "الاعتذار وطلب المسامحة"، عادّاً خلال حديثه إلى رصيف22، أن "القضية يجب أن تبقى في يد القضاء، وأن يتم التحقيق فيها، خصوصاً أن منذر صادم الدستور اللبناني والأديان المحمية".
قبل اعتقاله، نفى نشأت منذر بشكل قاطع علاقته بصفحات "مزيفة ومركبة ضدي، وتحمل اسم النبي نشأت"، محمّلاً إياها المسؤولية عن الترويج للقب "نبي"
وقالت دار الفتوى في الدعوى المقدمة ضد منذر، إنها تطالب بمحاكمته وفق نص المادتين 473 و474، من قانون العقوبات، اللتين تنصان تباعاً على أن "من جدّف على اسم الله علانيةً، عُوقب بالحبس من شهر إلى سنة"، و"من أقدم (..) على تحقير الشعائر الدينية التي تُمارَس علانيةً أو حث على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عُوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات".
ورأت المحامية فداء عبد الفتّاح، أن المواد التي تطلب دار الإفتاء محاكمة نشأت منذر على أساسها، لا تنطبق على أفعاله، "فهو يقول أفكاراً لا يمكن عدّها مسّاً بالأديان، ولا تجديفاً باسم الذات الإلهية، وهو لم يحقّر أي شعائر خاصة بالأديان والطوائف"، لافتةً إلى أن "هناك أشخاصاً تحدثوا بأمور وأفكار غريبة عجيبة كأفكاره قبله، ولم يمسّهم أحد".
وأفكار منذر ليست جديدةً على المشهد اللبناني، إذ تحدثت مريم نور قبله عن لقاءاتها بالكائنات الفضائية وزيارتها الكواكب، فيما يتنبأ المنجم مايك فغالي على سبيل المثال، بالأحداث قبل وقوعها، بناءً على ذبذبات صوتية يرصدها، كما يقول، وفغالي ونور ضيفان دائمان على الشاشات اللبنانية. كما وينتشر المنجمون والمتنبئون على الشاشات اللبنانية ذاتها، وفي أوقات الذروة، ليقدّموا للناس "تنبؤاتهم" للمستقبل، مدّعين قدرات خارقة في قراءة المستقبل ومعرفة الغيب، ما جعل منهم نجوماً في لبنان.
وعلى الرغم من هذا الواقع، توقّعت عبد الفتاح خلال حديثها إلى رصيف22، ألا ينال منذر "حظوة أقرانه من أصحاب الأفكار العجيبة"، مبديةً تخوفها من ألا يحصل على حقه بالمحاكمة العادلة، لأن صاحبة الادعاء هي دار الفتوى، "فعلى الرغم من أن ملف القضية ضده ضعيف، لكن إرضاء السلطة الدينية هو الذي سيحكم".
يتخوف قانونيون من ألا يحصل نشأت على حقه بالمحاكمة العادلة، لأن صاحبة الادعاء هي دار الفتوى، "فعلى الرغم من أن ملف القضية ضده ضعيف، لكن إرضاء السلطة الدينية هو الذي سيحكم"
المدير التنفيذي لمنظمة "سمكس"، المتخصصة بالحقوق والحريات الرقمية، محمد نجم، رأى بدوره أن مبررات محاكمة نشأت منذر "ما هي إلا حجج واهية، إذ تستعمل مواد قانونيةً فضفاضةً كأدوات لقمع حرية التعبير لدى شخص لديه كامل الحق بالتعبير عن أفكاره ومكنوناته مهما كانت"، عادّاً أن اعتقال منذر هو "انتهاك لحرية الإنسان في التدين أو عدمه، وفي التعبير عن رأيه وعن أفكاره وهي كلّها حريات شخصية".
وخلال حديثه إلى رصيف22، انتقد نجم بشدة الأجهزة الأمنية "التي تمتنع عن تنفيذ أوامر قاضٍ بجلب مسؤولين سياسيين متهمين بالتورط في جريمة انفجار مرفأ بيروت وإحضارهم، بينما تتحرك بسرعة لتنفيذ مذكرات توقيف في قضايا بهذه الهشاشة، تستند إلى مواد فضفاضة من هذا النوع، بهدف القمع"، رافضاً استعمال تهمٍ من نوع التحريض وإثارة النعرات بحق الرجل، "مهما كانت أفكاره غريبة الأطوار"، في بلد "كل ما يتفوه به سياسيوه مثير للنعرات وتحريضي".
يعتبر مدافعون عن الحريات أن نشأت منذر سيُظلم لأنه لا ينتمي إلى المنظومة الحاكمة، فيما كُثر غيره قاموا بادعاءات مثله، لم يتم التعرّض لهم لكونهم لديهم علاقات وارتباطات بأجهزة أمنية
كذلك، وضع المدير التنفيذي لـ"سمكس"، انتشار المنجمين على الشاشات اللبنانية، "على الرغم من أنهم يمارسون النبوة من خلال تنبؤاتهم، حتى لو لم يدّعوا أنهم أنبياء"، في إطار "حفاظ المنظومة السياسية على هؤلاء لأنهم يُعدّون مرتبطين بها وبأجهزتها الأمنية والاستخبارية، وأدوات في ألعابها السياسية"، وفي المقابل، فإن هذه المنظومة تحركت اليوم من خلال مؤسساتها الدينية والأمنية، "لقمع نشأت منذر الذي يمارس الممارسات والادعاءات ذاتها، لكن الفارق أنه من خارج المنظومة، وليس تابعاً لها".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 5 ساعاتالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت