تندرج المادة في ملف "كان صرحاً من خيال... لعبة التاريخ البديل"
بدأ مذيْعَي قناة الشروق بعد نهاية الشارة بتقاسم الأدوار، تقول المذيعة: "حصادنا الإخباري لعام 2023 مغاير عن طريقة الأعوام الماضية، فسوف نركز على قضية واحدة كانت مثار جدل هذا العام، وما زال استمرارها هذا يثير تكهنات ومبالغات وتفاؤل البعض واعتراض البعض".
تنظر إلى زميلها المذيع الذي يقول: "وربما التجاهل، فقد اعتبرها بعضهم مجرد ظاهرة عابرة للتضامن بين الفقراء، اكتسبت قوة الأمل بسبب التصريح الحزين لبعض رؤساء الدول الأكثر فقراً في العالم". ينظر إلى زميلته التي تتابع: "بينما يعتبرها البعض بداية للخروج من مألوف ساد لعقود طويلة، فذلك التصريح ليس السبب وراء هذه الموجة الجديدة من التضامن، بل نتيجة لتضامن موجود مسبقاً". تنظر إلى زميلها الذي يقول: "لنتابع التقرير المفصل حول هذه الظاهرة، وفيه تنقل طاقم الشروق حول العالم لإجراء المقابلات".
تظهر مجموعة من البشر قاتمي البشرة بلباسهم التراثي الملون، خلف كومة من اللواقط الصوتية، ويقول أحدهم: "لقد أنقذتنا تلك الدول من مجاعة حقيقية هذا العام. نحن منذ عقد نعاني نقصاً متزايداً في الغذاء، ووصلنا إلى حدود الفناء. تستطيع شعوبنا في العامين القادمين أن تأكل وتنام مرتاحةً. إنني، وباسم شعبي، أنحني لكل معدة حرمت نفسها لتبتكر فائضاً في غذاء قدم لنا وبدون شروط أو تبعات أو طلبات".
يركع ذلك الشخص إلى الأرض ويلحقه من كان معه من شخصيات، بينما تصور الكاميرات الدموع التي تسيل على الوجه الجامد لأحد المرافقين المسلحين.
"معركة البطون الجائعة"
يظهر على الشاشة مطار إحدى الدول الإفريقية ووصول عشرات الطائرات التي تحمل معونات غذائية ودوائية، وينطلق صوتٌ أنيقٌ معلقاً على الحدث: "هي عشرات الطائرات التي وصلت من إيران وسوريا واليمن ومصر والهند والجزائر وروسيا، كانت الفارق بين بقاء شعوب هذه الدول على قيد الحياة أو الموت هذا العام.
وصلت بصمت وبدون أي تعليق، باستثناء بيان مقتضب من وزارة خارجية الجزائر تحدث عن فائضٍ متحققٍ للطعام في رمضان هذا العام لا معنى لبقائه في مستودعاتنا وأخوتنا في الإنسانية جياع. ما دفع البعض لاعتبار الجزائر محركاً لهذه الفكرة".
يتابع الصوت وقد انتقل مشهد العرض إلى الأسواق الشعبية في بعض الدول الإسلامية: "كُتب الكثير عن فائض المواد الغذائية الحاصلة عاماً بعد عام بسبب صيام المسلمين حول العالم وتأثيرها على أسعار السوق، ما شكل ضغوطاً على منتجي المواد الغذائية المصنعة محلياً، والشركات المصدرة والمستوردة والتي تضطر بدورها إلى البحث عن أسواق جديدة تقبل ولو بأسعار أدنى هذا الفائض. وأشير إلى حركات الصيام المتطرفة التي رفعت شعارات الصيام الدائم، وتأثير انتشارها على طبيعة الاستهلاك. حملنا أسئلتنا إلى خبير اقتصادي بشؤون دول العالم الثالث عبد المطيع مصروف".
يظهر عبد المطيع وخلفه مكتبة كبيرة، ويقول بثقة: "إن قوانين العرض والطلب في السوق العالمية ثابتة منذ عقود، وقوانينها مستقرة لا يربكها إلا عواملها الداخلية التي لا تتعلق بالإنتاج أو الاستهلاك. نعم، إن صيام مليار ونصف شخص في الدول الإسلامية خلق تذبذباً أصبح مدروساً، وأسواقاً هامشية حققت دورات وأسواق استهلاك جديدة بين أسواق هذه الدول إقليمياً، وكل هذا لا يمكن أن يشكل فارقاً للدول الأكثر فقراً في العالم، فهي عالقة بين فكي الدَّين والجوع.
فوصول كمية من الطعام إليها لا يعني شيئاً. إن الدول التي تبرعت بفائض مستودعاتها بمعظمها خرجت من حروب وأزمات سياسية مدمرة، وهي منذ فترة تستعيد دورات إنتاجها وتعافيها الخاصين، وما زالت تستقبل في نفس الوقت مساعدات منتظمة، فكان من الطبيعي أن ترسل فوائض ضخمة لأكثر دول العالم حاجة، ولكل دولة رسالتها السياسية الخاصة إلى العالم القوي. وبكل بساطة، التقطت الجزائر هذه الحاجات والرسائل ونظمتها باتجاه زملائها في نفس القارة، محاولة منها لتزعم محل دور مصر المختفي في القارة منذ عقود، ودور ليبيا الذي سيبقى ضائعاً حتى لو حصل توافق لنهاية مأساتها الخاصة".
يبتسم الخبير الاقتصادي بسخرية مجيباً: "العالم لا يعاني من نقص في الطعام كي تشكل حركات الصيام الطوعية فارقاً، وهي لن تحل الأزمة الحقيقية لفكي كماشة العالم الفقير. سمعت مثلكم عن انتشار هذه الحركات، وهي لن تكون أكثر من جمعيات إنسانية خيرية أو ذات صبغة اشتراكية، تحاول التعامل مع الفقر ونتائج العولمة تحت مسميات اشتراكية متضامنة أو أناركية محلية".
الرسول لا يصوم شهراً كاملاً إلا في رمضان
يعود صوت المعلق الأنيق: "انتقلنا إلى المفكر الإسلامي ومفتي منظمة المؤتمر الإسلامي، الشيخ حسام ومالو، ليحدثنا عن هذه الظاهرة والرأي الشرعي عنها". ظهر الشيخ بثيابه التقليدية الأنيقة وخلفه مكتبة ضخمة، وقال بصوت متردد: "الصيام من أركان الإسلام الثابتة، وممارسته بشكل متطرف لا يمكن الإفتاء ضده أو معه باعتباره مخالفاً أو مقبولاً في الإسلام، ولكنه يبقى ممارسة متطرفة يرفضها الدين وتحت أي مبرر إنساني وأخلاقي. أخبرنا قدوتنا رسول الله، والحديث معروف: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصوم الدهر.
وكان الرسول لا يصوم شهراً كاملاً إلا في رمضان. قد يظهر لنا غداً من يطرح تخصيص المسلمين لأموال نفقات الحج لقضية مؤثرة، وبالتأكيد سيجد آذاناً صاغية، ولكنه سيلغي ركناً من الإسلام في أحسن الأحوال، ويقدم فهماً متطرفاً لهذا الركن، لما يتصوره الداعي لحل مشكلة إنسانية".
يصحح الشيخ حسام ومالو: "نعم، لا تلغي هذه الحركات ركناً إسلامياً، ولكنها تحمل هذا الركن والإسلام والمسلمين فوق طاقتهم من المعنى والمبنى، لا أفتي معه ولا أفتي ضده. إن الأصل في الصيام تدرب روحي وجسدي بين الصائم وخالقه، للتأمل في العالم والكون المثال أمامه وعظمة الخالق فيه".
هل هناك ما يستحق الجدل عندما يتعلق الأمر بموت الناس جوعاً حول العالم؟... تقرير حصاد عام 2023 من سلسلة رصيف22 "كان صرحًا من خيال... لعبة التاريخ البديل"
ممثلو حركات الصيام الأبدي
يعود صوت المعلق الأنيق للحديث: "انطلقنا نبحث عن ممثل لحركات الصيام الأبدي، ورغم أننا صادفنا الكثير من أصحاب هذا التوجّه ولكنهم رفضوا الحديث باعتبارهم يمثلون أنفسهم فقط. واستغربنا من ظاهرة اللاتمثيل لما هو مجسد بوضوح كظاهرة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولها وجود واسع على بلدان العالم العربي والإسلامي. توجهنا إلى مدير إحدى أكبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لهذا التوجّه، فكانت زيارتنا اللطيفة إلى دمشق، ومقابلة المهندس مصطفى الحصن الذي استقبلنا بسعادة وقبل الحديث معنا". يظهر شاب في الثلاثين من العمر ويتحدث بثقة:
"نحن تجمّع لتوجّهٍ ولسنا حركة لها تمثيل، وصحيح ما شاهدتموه على وسائل التواصل أننا انقسمنا بداية هذا العام إلى فريقين، وما زال هذا الانقسام يأخذ مداه في جمهور التوجّه. يستطيعون تسميتنا بأي اسم، حركة اشتراكية أو متطرفة أو خيرية أو بيئية، ولكننا لسنا كذلك. إن أي شخص من هذا التوجّه يستطيع طرح أي فكرة فتكتسب قوة النقاش والقرار والحركة. ليس لدينا أفكار لنبشر ونجادل بها، فهل هناك ما يستحق الجدل عندما يتعلق الأمر بموت الناس جوعاً حول العالم".
معركة البطون الجائعة وحركات الصيام الأبدي...في سلسلة رصيف22 "كان صرحًا من خيال... لعبة التاريخ البديل"
يصحح مصطفى بانفعال: "نحن توجّهٌ انطلق بقوة سلبية ورفض الجوع! ببساطة القضية على الشكل التالي (يسحب مصطفى كتيباً من مجوعة كتيبات) هذا تقرير منظمة الأمم المتحدة من أجل التغدية والزراعة لعام 2006، وبالأرقام التفصيلية يثبت أن الزراعة وعلى وضعها الراهن في العالم يمكنها أن تغذي دون مشكلة، وخصوصاً دون الزراعة المعدلة جينياً، 12 مليار إنسان يومياً، بكمية 2700 حريرة للإنسان البالغ. عدد سكان الأرض حالياً 6,2 مليار، ولكن هنالك كل خمس ثوان طفل دون العاشرة يموت من الجوع! هناك إنسان يفقد بصره كل أربع دقائق نتيجة افتقاره إلى الفيتامين A، والكثير من هذه التقارير التي تشكل عاراً على الإنسانية. ليس هناك أي حتمية اقتصادية أو سياسية أو لوجستية! ليس هناك بالتأكيد أي نقص أو ندرة عامة أو خاصة! الحتمية الوحيدة الموجودة، أن كل طفل يموت جوعاً هو يموت قتلاً. إن كل الإنسانية بلا مبرر أخلاقي لهذه النتيجة، وبالتالي هناك سياسات اقتصادية واجتماعية مخطط لها أن تكون قاتلة. لماذا ليس أنا؟ كان السؤال الأول الذي تجمهر تحته الكثير من رافضي هذا العار".
عدد سكان الأرض حالياً 6,2 مليار، ولكن هنالك كل خمس ثوان طفل دون العاشرة يموت من الجوع!
يوضح المهندس مصطفى: "قمنا بتصحيح السؤال بعد أشهر من انطلاق صفحاتنا الرافضة للجوع على وسائل التواصل الاجتماعي: متى يحين دورنا كمجتمعات تأكل بتوازن ثلاث وجبات مغذية؟ فالموضوع لدينا إحساس داخلي، ثمة من يسمع غضبنا فيبرم شفته ويهز كتفيه، فلا نستطيع ولا نريد إقناعه بقضيتنا".
يرد مصطفى موضحاً: "بدأ الانقسام عندما اقترحت فتاة من العراق أن يحسب كل منا ثمن وجبتي الفطور والغذاء التي تم الاستغناء عنهما، ونجمعها للقيام بمشاريع تلغي الجوع، لاقت الفكرة القبول الشديد، وبدأ كل صائم وصلت له الفكرة بتجميع ماله الخاص ريثما تعلن المشاريع القابلة للتطبيق. رأى البعض أن ما نحتاج إليه هو بناء دور عبادة وجمعيات خيرية. إنهم لم يشعروا بمقدار قوة وطاقة الرفض التي انطلقت لتشمل أصنافاً من البشر لا يمكن أن يتفقوا على قضية! تصور عزيزي أنني أريد إقناع أعضاء توجهنا من الصائمين، وبينهم الملحد والعلماني والمثلي والمسيحي، أننا سوف نقوم ببناء مساجد وجمعيات خيرية لحل قضية الجوع!! وهنا بدأ الانقسام".
يشرح مصطفى بصوت متحمس: "نحن لا نفكر بمشاريع تساعد الفقراء، نحن نريد إلغاء سبب موتهم. بدأ بعض خبرائنا الاقتصاديين بدراسة بعض الدول ووضع تصورات حول مشكلات الجوع في تلك الدول، وهو مجهود مجّاني لأعضاء في هذا التوجّه من خبراء اقتصاديين وزراعيين. لا نريد تغيير الأنظمة السياسية، فهي وما يمكن أن يكون بديلها، وبوضع النظام العالمي الحالي، مهترئان بالحسابات السياسية. وأعلن من قناتكم أننا لن نقبل بأي تبرع لجهة دولية أو شركة أو شخصيات اعتبارية، وقد أخذ هذا الموضوع بين أعضاء فكرتنا نقاشاً طويلاً، سنعتمد على بطوننا الجائعة حصراً".
يضحك المهندس مصطفى: "لا أملك إحصاء عن عدد وخلفية الصائمين، ولكن بيننا كل ما يخطر في بالك من أصناف وشرائح وانتماءات، وأزيدكم أن معظم من أعرفهم لا يعني لهم الصيام طقساً دينياً، إنما شعورهم الأخلاقي بالتضامن، وهناك البعض من يعتبر الأمر طقساً دينياً فيه ثواب وتقرب من الله، والكل مشكور لإحساسه العالي بالآخر".
يعود صوت المعلق الأنيق: "إنها ظاهرة محيرة تتفاعل مع واقع اجتماعي شهدته الكثير من الدول الإسلامية منذ أقل من عقد، لما يسمى دور اللهو البريء التي انطلقت في رمضان، واستمرت بزخم غريب ويربط البعض بين الظاهرتين. انتقينا تركيا ودور اللهو التي افتتحت فيها، كونها الأقدم في الفكرة والأكثر عدداً وجمهوراً. قابلنا أصحابها وروادها بمختلف نشاطاتهم".
يظهر رجل خمسيني يقول: "يعتبر مقهاي الأقدم في تركيا. أعلنت فيه ومنذ الافتتاح عن دورات بخصوص لعبة الشطرنج كبديل عن مقاهي القهوة والنرجيلة والشدة الاعتيادية. وفعلاً، الحمد لله، وجد فيه الشباب متنفساً لتسلية راقية استمرت بقوة، رغم نهاية شهر رمضان. جيراني المقابلون لي بدأوا بعدي بعام ومختصون بموضوع الرسم ووفقهم الله، وثمة زبائن مختلطون بيننا وبينهم (يضحك ثم يصغي ويرد بجدية) لم أسمع بحركة الصائمين السلبيين".
ذهبنا إلى المقهى المقابل ورفض أصحابه مقابلتنا، ولكنهم رحبوا بنا أن نقابل روادهم، وتحدث معنا أحدهم: "ساعات المساء هي الأكثر احتشاداً بالرواد، جميعنا نرسم وكل منا له زاويته المفضلة، كنت أحيا حياة ليلية بشعة، وجربت رمضان الفائت أن أصوم، وبالتالي انقطعت عن حياة الليل ذلك الشهر، وتعرفت إلى شباب المقهى وبدأت بالرسم. نعم، أنا من الصائمين السلبيين والكثير هنا منا، ولكن معظمهم لا يجب أن يعرف عن نفسه بهذه الصفة". يعرض الشاب بعض لوحاته ويقول: "جميعها سوداوية مشوهة لشخوص تشبه العالم الذي كنت أحيا فيه، والجميع يخبرني أنهم ينتظرون لوحة النور".
تنتقل الكاميرا بين شوارع أنقرة ويتحدث المعلق: "هنا تجد مقاهي للقراءة وأخرى للنحت، وثمة ما هو أكثر غرابة: مقهى لحياكة الصوف بجمهوره من الجنسين أو التطريز، لا بل خلال أيام سيفتتح مقهى لإصلاح الساعات". توجهنا إلى رئيس قسم الدراسات الاجتماعية في جامعة أنقرة الوطنية، الدكتور حارس حقيق، لنستفسر منه عن ظاهرة المقاهي وعلاقتها بحركة الصائمين.
هو التغيير الذي لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه. إنهم الجائعون طواعيةً من أجل جائعين كراهيةً... فهل ينتصر الجائع قهراً بتضامن البطون؟ ... تقرير حصاد عام 2023 من سلسلة "كان صرحًا من خيال... لعبة التاريخ البديل"
يعلق الدكتور حارس: "يصعب الربط بين الظاهرتين، وأنا أتابع باهتمام بداياتهم في العالم الافتراضي بحكم عدم وجود أي كتاب دعائي وما يشابه من أساليب الإذاعة، فمثلاً، سبقت المقاهي في تركيا العالم الإسلامي في انطلاقتها، ولكن حركة الصائمين في سوريا ومصر كانت أسبق بالظهور والتعبير عن ذاتها، ونجدها في العراق أكثر حدة في التعبير، وهو طبعاً بغياب دراسات إحصائية جادة يصعب اعتباره كلاماً نهائياً. أستطيع ان أقول بثقة إن حركة الصائمين لا تمثل صبغة دينية عقائدية، الظاهر بمجموعها، وبمعظم من استطعت إما التعرف عليه أو متابعة سلوكياته الافتراضية، أنهم أبناء الطبقة الوسطى من حملة الشهادات الجامعية أو أدنى بقليل، المصنفون عادةً باعتبارهم الأعداء التقليديين للثورات الكلاسيكية، وهو ما يفسر السلبية الشديدة التي بدأت بها الفكرة والإيجابية الرافضة التي تحركها مشاعر أخلاقية فردية تحتج بطريقتها على الموت جوعاً، ويبدو أنها في الفترة الأخيرة تزداد إيجابية، وبدأت تفكر بشكل عملي وبطريقة ديمقراطية غير مألوفة، فلا هيئات أو لجان أو مسؤول ينظم، الجميع يناقش ويقرر ويلتزم بالقرار الأفضل. وثمة ملاحظة جديرة بالتنبيه لطبيعة علاقاتهم بين الدول، فثمة كما يبدو وعيٌ متفق عليه بينهم بعدم التعاون تهرباً من منزلقات السياسة وألاعيبها".
يصحح الدكتور: "لا أبداً! علاقتهم بالحالة الدينية شكلية جداً ولا تثير رعب إلا من يرغب في عدو! إنهم شبيه للحركات المناهضة للعولمة التي ظهرت في الغرب، ولكن بخلفية ثقافية ذات بيئة إسلامية، تعي وبشكل أخلاقي علاقتها بالعالم والآخر، وما تقدمه من مخاوف هو واقعي ويجب أن نصغي إليه. ويبدو من انطلاقتها أنها أمام طريق طويل وصعب، ولكنه سيكون مشاريع تنموية تصارع في أكثر دول العالم فقراً بطوباوية أخلاقية. أتصور أن طبيعة الحركة لا تحتمل أي حالة تطرف، وبالتالي ستلفظ في مسيرتها الكثير. ولاحظوا معي أنهم إلى حد اللحظة لم يتعرضوا إلى سخرية ما أو انتقاد قاس، وهذا دليل على قبول اجتماعي مبطن، يحترم أبعاد اللحظة التي لا يُعرف بعد ماذا تعني بوضوح وما هي بالتحديد".
يقف مراسل شروق أمام أحد مقاهي دمشق ويقول: "هنا في دمشق، وخلفي مقهى لتعليم الفنون النسوية بجمهور من الذكور والإناث، يحطمون الكثير من الأعراف الاجتماعية القديمة. لا يعنيهم وجود مقهى يشبه مقهاهم في العراق أو تركيا أو الأردن. أخبرنا البعض أنهم من الصائمين السلبيين رافعين نخباً من كؤوس الشاي، فصيامهم على وجبتين وسوائل طوال اليوم هو أسلوبهم.
يحدثونك عن هواء جديد تتنفس من خلاله المجتمعات الإسلامية والعربية خارج حدود الشريعة والأكاديميات والنظريات السياسية والسلطات والمجتمع، وما زالت كل القوى التقليدية في المجتمع غير قادرة على مواجهته أو الاعتراض عليه. ربما هو التغيير الذي لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه. إنهم الجائعون طواعيةً من أجل جائعين كراهيةً... فهل ينتصر الجائع قهراً بتضامن البطون؟ معكم سليم الحسنات، حصاد عام 2023 محطة الشروق".
* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...