تزامناً مع احتفال الأردن بأسبوع الوئام بين الأديان، وهو المقترح الذي تقدّم به ملك الأردن عبد الله الثاني، في الأمم المتحدة عام 2010، لتعزيز السلام الثقافي ونبذ العنف، يحتفل البهائيون في الأردن بمئوية تأسيس عباس أفندي (الابن الأرشد لحضرة بهاء الله مؤسس الدين البهائي)، لمشروع العدسية.
وبين الاحتفالات والتجاهل، يقف بهائيو الأردن في المنتصف، آملين بتغيّر حقيقي يعطيهم حقوقهم المسلوبة في مواطنة غير منقوصة في بلادهم.
يؤمن البهائيون بوحدانية الله، واستمرارية الرسالة، والنبوة، وبأن بهاء الله هو رسول هذا العصر. عددياً، تُعدّ البهائية الدين الثالث في الأردن، بعد الإسلام والمسيحية، إذ يبلغ عدد البهائيين قرابة ألف شخص.
لا جنسية لبهائي
"دولة ما عاشت فيها، ولا زارتها، منحتها الجنسية، ودولة عاشت فيها، وخدمتها، رفضت منحها الجنسية، لأن زوجها بهائي فحسب"؛ بهذه العبارة بدأ قدرت قمي، حديثه إلى رصيف22، عن فشل محاولاته على مدار 11 عاماً لمنح زوجته فريدة قمي الجنسية الأردنية، ما اضطره إلى منحها الجنسية التركية التي اكتسبها لأن والدته تركية.
"نحن لا نطالب بالاعتراف بديننا، بقدر ما نطالب بالاعتراف بالمكوّن البهائي الأردني، وبمنحنا حقوقنا التي من المفترض أن يكفلها لنا الدستور"
يقول قمي، "إن البهائي المتزوج في الأردن، يُمنَح دفتر عائلة منقوص، يفتقد رقم واقعة الزواج، وتاريخ الواقعة، ولا تُصدر له شهادة زواج، وهي مطلب رئيسي في الكثير من المعاملات المدنية، وخاصةً المتعلقة بتجنيس الزوجة. وعلى الرغم من أن القانون يسمح للأردني بتجنيس زوجته، إلا أن البهائي هو الاستثناء الوحيد، في دولة يُفترض أنها تطبّق القانون على الجميع.
يختم الرجل حديثه قائلاً: لست أدري لماذا ترفض الدولة منحنا إجازاتٍ في مناسباتنا الدينية، مثلما تفعل مع المسلمين والمسيحيين!
ميراثكم وفق الشريعة الإسلامية
المفارقة أن البهائيين يتوجهون إلى المحاكم المدنية، حيث يتم توزيع ميراثهم حسب الشرع الإسلامي، وهو ما يلتزم به بهائيو الأردن صورياً فحسب. أما فعلياً، فيعيدون توزيع الميراث في ما بينهم، حسب الدين البهائي الذي يضمن للذكر وللأنثى المقدار ذاته بخلاف الدين الإسلامي. إلا أن المشكلة تكمن في أن المسألة تعود إلى الوازع الديني للورثة، لذا يطالبون بتطبيق قانون ملزم لتحقيق العدل والمساواة.
شكوى أخرى يضيفها أحد البهائيين، هي مواجهتهم تحدياً في تسجيل الممتلكات، سواء الأراضي أو المباني التي تخصهم، لعدم وجود هيئة اعتبارية بهائية معترف بها من قبل الدولة، يمكن للبهائي اللجوء إليها، وحفظ ممتلكاته فيها. لذا ما زالت الممتلكات تُسجَّل بأسماء أفراد أو مجموعة أفراد، لعدم ضياع الملكية، وقد نضطر إلى تسجيلها بأسماء أشخاص ليسوا المالكين الحقيقيين، ما يرتب عليهم ضرائب ومخاطر"، لافتاً "إلى أنه يترتب على هذه المسألة دفع ضرائب ومبالغ مالية كبيرة عند وفاة أي شخص، لنقل ملكيته إلى الورثة، ما يتطلب إجراءاتٍ عدةً يمكننا الاستغناء عنها بوجود هيئة اعتبارية بهائية".
المتحدثة باسم البهائيين في الأردن، تهاني روحي، تقول لرصيف22: نحن لا نطالب بالاعتراف بديننا، بقدر ما نطالب بالاعتراف بالمكوّن البهائي الأردني، وبمنحنا حقوقنا التي من المفترض أن يكفلها لنا الدستور"، وتضيف روحي: "نتحدث دائماً عن أننا بخير، ولكن عندما نرى تعليقات الكثيرين على المنشورات ذات الطابع الديني المختلف، يقلقنا الأمر، ونشعر بأننا لسنا بخير كما نرجو، وخاصةً أن وسائل التواصل الاجتماعي باتت تساهم في تشكيل الرأي العام، وإحداث الانقسامات".
وترى روحي "أن الحل يكمن في تجديد الخطاب الديني بالدرجة الأولى، وترسيخ مبادئ التسامح والعيش المشترك وقيمهما في المناهج الدراسية لصعوبة تقويمها عند الكبر، وهذا بدوره سيؤثر على الإرادة السياسية"، لافتةً إلى ضرورة وجود جلسات حوار لجميع مكونات المجتمع، برعاية الدولة، لمعرفة الآخر، وفهمه، وفهم أن العلاقة مع الآخر لا يمكن أن تؤدي دورها إلا إذا كانت مبنيةً على أسس وقواعد متينة تتمثل في إدراك أن هذا العالم متنوع، وأن لا أحد يملك صلاحية تكفير الآخر.
الدستور لا يعرفنا
قانونياً، تقول المحامية نور الإمام، لرصيف22: "الدستور كفل حرية القيام بالشعائر لكافة الأديان وفق المادة 14 منه، إلا أن الإشكالية تكمن في تعديل مجلس النواب لقانون مجلس الطوائف الذي بات يقتصر على الطوائف المسيحية، بينما قيّد حقوق البهائيين في الأردن، وأضعف التنظيم القانوني للكثير من المسائل المتعلقة بهم.
المواد 103 و104 و105 من الدستور الأردني، تحدثت عن قانون الأحوال الشخصية، الذي شمل الدينين الإسلامي والمسيحي فقط، فالمسلم يتقاضى أمام المحاكم الشرعية، والمسيحي يتقاضى أمام المحاكم الكنسية، أما البهائيون فإن الدستور لم يشِر إليهم. وترى الإمام أن الحل هو الاعتراف بالحقوق الدستورية والقانونية للبهائيين، وتنظيمها إما بقانون محدد بالدين البهائي، أو بإجراء تعديل على قانون مجلس الطوائف".
يؤمن البهائيون بوحدانية الله، واستمرارية الرسالة، والنبوة، وبأن بهاء الله هو رسول هذا العصر. عددياً، تُعدّ البهائية الدين الثالث في الأردن، بعد الإسلام والمسيحية، إذ يبلغ عدد البهائيين قرابة ألف شخص
أما النائب السابق وعضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، قيس زيادين، فيقف على الجانب الآخر متحدثاً إلى رصيف22، ويقول إن "الدستور الأردني كوّن قاعدةً أساسيةً تتمثل في المادة السادسة التي تمنع التمييز بين الأردنيين والأردنيات في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق، أو اللغة، أو الدين، وهذه القاعدة مساحة يمكن البناء عليها، من خلال سن قوانين تحترم الأقليات الدينية، وتمنحهم حقوقهم كاملةً، كالاعتراف بهم، وهي مسؤولية تقع على عاتق المشرّع الأردني".
ويضيف زيادين، أن الأردن دولة مدنية تحمي جميع مواطنيها بأديانهم ومعتقداتهم كافة، فلا يمكن النظر إلى المواطن بناءً على دينه، أو جنسه، أو أصله، فالعلاقة يحكمها القانون، وكل من يحمل جواز السفر الأردني له حقوق وتترتب عليه واجبات، وله الحق في أن يمارس حياته وعبادته بالطريقة التي يراها مناسبةً، طالما لا يتعدى على حريات الآخرين، وهذا ما يقوم به البهائيون".
عقدة الاضطهاد
"البهائيون نموذج إيجابي في التخلص من عقدة الاضطهاد والظلم اللذين تعرضوا لهما في إيران"؛ هكذا يبدأ عامر الحافي، أستاذ علم الأديان في جامعة آل البيت حديثه إلى رصيف22، ويقول: الكثيرون يجهلون الدين البهائي وتعاليمه، والذي يشترك في الكثير من المسائل مع الدين والتراث الإسلاميين، لذا فإن التوعية والتعريف بالأديان وتدريسها في الجامعات والمدارس، باتت أمراً ضرورياً يساعد على تقبّل الآخر وتفهمه واحترامه" .
مئة عام على مشروع العدسية
تمتد جذور البهائيين في الأردن إلى عام 1901 ميلادي، عندما اشترى عباس أفندي قطعة أرض كبيرةً في منطقة العدسية في شمال الأردن، وجلب مزارعين بهائيين من إيران إليها، جلبوا معهم الباذنجان العجمي الذي سُمّي نسبةً إلى مزارعيه العجم، وأنواعاً عدة من الحمضيات. وتحولت الأرض الجرداء إلى نموذج في الزراعة الحديثة.
المزارع نبيل أشجي، يقول لرصيف22: "نحن حوّلنا العدسية إلى منطقة زراعية غنية ومنتجة، على الرغم من التحديات وقلة المياه، والثمار التي نحصدها يكتفي بها سكان العدسية، ونرسل منها إلى فلسطين وطبريا"، ويضيف: "علّمنا عبد البهاء الصدق والأمانة والعمل، وتربّينا على هذه المبادئ الثلاثة، ومن شبّ على شيء شاب عليه".
خلافة "بهاء الله"
هذا وقد أحيا البهائيون الأردنيون الذكرى المئوية الأولى لصعود عباس أفندي، بعرض فيلم وثائقي بعنوان "عباس أفندي رؤية تقدمية"، وثّقوا فيه رحلة حياته، وأهم القيم التي أوصى بها، ودوره في شرح المطالب الروحية والمادية بإسهاب، كما تناول العرض التطور الروحاني والمجتمعي والمادي للبهائيين في قرية العدسية، كأنموذج زراعي ومجتمعي مميز.
تقول المتحدثة باسم البهائيين: عباس أفندي خليفة بهاء الله، شخصية فريدة بالنسبة إلى العالم أجمع، وقد ساهم في نشر الدين البهائي في بقاع الأرض كافة، وقاد البهائيين لبناء عالم جديد تسوده الأخوّة والسلام، وحتى بعد صعوده استمر البهائيون ملتزمين بوصيته، فلا توجد في الدين البهائي طبقة رجال دين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...