"ما الأرض إلا وطن واحد والناس سكانه
يا أهل العالم، إنكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد
اسلكوا مع بعضكم بكل محبة واتحاد ومودة واتفاق".
هذه واحدة من الرسائل الحياتية التي يسير عليها بهائيو العالم، وفق ما جاء على لسان نبيّهم، حضرة بهاء الله، وهذا ما منح الفرصة لبهائيي الأردن بالبوح به علناً وليس سراً، وعلى مرأى ومسمع الكثيرين، خلال الاحتفال الذي نظموه قبل أيام بمناسبة دينية بهائية، هي مرور 200 عام على مولد "أباب" المبشر بنبيهم بهاء الله.
لم يتمكن بهائيو الأردن سابقاً، من إقامة مناسبات دينية تخصّهم داخل مركزهم البهائي الموجود في العاصمة عمان منذ خمسين عاماً، فقبل عامين مثلاً تم منعهم أمنياً من الاحتفال بمناسبة دينية أخرى، وهي الذكرى المئوية الثانية على مولد بهاء الله، ذلك المنع الذي جاءت إحدى تبريراته: "حماية" للبهائيين في الأردن من "احتمالات قد لا تحمد عقباها"!
لم يتمكن بهائيو الأردن سابقاً، من إقامة مناسبات دينية تخصّهم داخل مركزهم البهائي الموجود في العاصمة عمان منذ خمسين عاماً
لكن يبدو أن العصبة حول حرية ممارسة البهائيين لطقوسهم ومعتقداتهم في الأردن قد "ارتخت" قليلاً، والدليل أنهم أقاموا حفل استقبال داخل مركزهم البهائي، بمناسبة يحتفل بها بهائيو العالم كل 200 عام، وهي ولادة المبشر لرسول الديانة البهائية.
ما هي البهائية؟
البهائية هي دين توحيدي، ظهر في إيران في أواسط القرن التاسع عشر، وقد سبقت البهائية دعوة دينية تسمى بـ"البابية" بدأت عام 1844، وكان مؤسسها علي محمد بن محمد رضا الشيرازي، الملقب بـ"الباب"، والمولود في شيراز الإيرانية في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 1819، واللقب مأخوذ من المعتقدات الشيعية، وهو يعني الوسيط بين الله أو الولي المقدس والإنسان، لكن البابية لم تقدم نفسها كحركة إصلاحية شيعية، وإنما اعتبرت نفسها ديانة مستقلة، كما أن الباب وضع لها كتاباً مقدساً خاصاً بها هو "البيان"، الذي يعتبره البابيون تنزيلاً سماوياً.
في جذورها الدينية، ترتبط دعوة الباب بفكرة المهدي المنتظر، والتي كانت مدرسة "الشيخية" من الشيعة الإثنا عشرية، تبشّر بقرب ظهوره قبيل ظهور الدعوة البابية، التي رفضها الشيعة بشكل عام والشيخيون منهم بشكل خاص.
"لا خاتم للأنبياء"
ويؤمن البهائيون أنه لا يوجد خاتم للأنبياء، وهذا ما شرحته المتحدثة باسم البهائيين في الأردن، تهاني روحي، لرصيف22، والتي بينت خلال حديثها أن الدين البهائي هو امتداد للأديان الثلاثة التي سبقته، اليهودية، المسيحية والإسلام.
وتوضح أنه من غير الممكن أن تعتنق الديانة البهائية وأنت غير مؤمن بالأديان التي سبقته، موضحة في الوقت ذاته أن من يعتنق البهائية ليست مرتداً عن الدين الإسلامي كما يشاع، بل هو دين مستقل جاء في عصر مختلف.
وتتابع: "الأديان والرسل شيء لا يتوقف، كل عصر له رسله وله أديانه التي تتناسب مع روح وجوهر العصر"، مبينة أن اعتناقها لدينها الذي يعتنقه أهلها وأجدادها هو امتداد لأديان سابقة، لكن الدين البهائي يحاكي روح هذا العصر الذي هو منه.
وتؤمن تهاني كغيرها من البهائيين، أنه وفي عصور لاحقة، ستكون هناك أديان أخرى تتناسب وحاجات وجوهر وروح العصر الذي تُخلق به.
وعن البهائيين في الأردن، أشارت تهاني إلى أنهم متواجدون في الأردن منذ قرابة الـ 120 عاماً، وموزعون على كافة محافظات المملكة من مختلف الأصول والمنابت، ولا توجد إحصائية دقيقة لعددهم في الأردن، لأنه لا يوجد تسجيل رسمي لهم في وثائقهم الرسمية والثبوتية، لكن يبلغ عددهم حوالي الألف بهائي وبهائية.
"أمورنا في الأردن أقرب للممتازة"
وعن المناسبة التي احتفلوا بها، قالت تهاني: "اعتبرنا هذه المناسبة المميزة بوجداننا كبهائيين من هذا الجيل، والتي لن تتكرر لا بالجيل القادم ولا بعده، مبادرة لفتح باب مركزنا البهائي في عمّان، والمغلق منذ خمسين عاماً، لنظهر للآخر من نحن ونعزز هدفنا ورسالتنا، وهي التعايش مع الآخر، كل الآخر، والحوار".
وتضيف: "وقد تكون هذه المناسبة التي شاركنا بها أصدقاء يدعموننا من أديان أخرى، باكورة انفتاح حقيقي لتعزيز قيم التسامح والحوار والتعايش المشترك"، وأضافت: "سأكون غير منصفة إذا قلت إننا كبهائيين في الأردن مضطهدون، بالعكس، نحن ومقارنة بالبهائيين في دول أخرى يعيشون تحت الاضطهاد والترحيل القسري والاعتقال، أمورنا أقرب للممتازة، لكن بلا شك نطمح للأفضل، فنحن لسنا دخلاء على الأردن، نحن جزء أصيل من مكوناته وواحدة من أحجار فسيفسائه".
ويعتقد البهائيون كما أشارت تهاني، بأن الأنظمة الدينية العظمى التي تولت هداية البشرية على مدى آلاف السنين، يمكن اعتبارها في الجوهر ديناً واحداً يتجدد من عصر إلى عصر، ويتطور بانتقال البشر من مرحلة من مراحل النمو والتقدم الجماعي إلى أخرى.
فالدين، بحسب معتقداتهم التي يؤمنون بها، نظام من المعرفة والممارسة، دفع بالحضارة والمدنية قدماً، جنباً إلى جنب مع العلم، عبر التاريخ، كما ويؤمنون إيماناً راسخاً بأن البشر جميعاً خُلقوا كي "يحملوا حضارة دائمة التقدم"، وإن ما يستلهمونه من هذه النهضة الفكرية والروحية هو كيفية أن يكونوا أداة فاعلة في خدمة المجتمع والارتقاء به، ولهذا فإنهم يحاولون من خلال مساهماتهم في الحوارات السائدة في المجتمع أن يرتقوا بالوعي والفكر في مواضيع تهم مجتمعهم، من قبيل تحقيق العدالة الاجتماعية، مكافحة الفساد، قيم المساواة والحرية والتعددية، تعزيز الهوية والمواطنة الصالحة، قبول الآخر وغيرها الكثير مما يؤرقهم كأردنيين.
يبدو أن العصبة حول حرية ممارسة البهائيين لطقوسهم ومعتقداتهم في الأردن قد "ارتخت" قليلاً، والدليل أنهم أقاموا حفل استقبال داخل مركزهم البهائي، بمناسبة يحتفل بها بهائيو العالم كل 200 عام، وهي ولادة المبشر لرسول الديانة البهائية
"الدين البهائي عمره قبل تأسيس دولة الاحتلال، وأن عكا التي هي قبلتنا وحيفا التي هي مركزنا الديني والروحي، مدينتان موجودتان قبل تأسيس دولة الاحتلال"... بهائيون أردنيون يتحدثون لرصيف22
"عبادتنا نمارسها داخل بيوتنا"
قدرت قمي، بهائي أردني متزوج من بهائية يمنية، فريدة سنائي، وخلال حديث عابر لها مع رصيف22، "زل" لسانها قبل أن تنزل دموعها عندما ذكرت: "والدي محبوس في اليمن لأنه بهائي... اشتقتله وخايفة عليه".
هنا تفضل إنهاء النقاش الذي بدا أنه سيشغلها عن دورها في استقبال الزوار للمركز البهائي بمناسبتهم الدينية، ليتدارك زوجها قدرت الموقف، ويسيّر الحديث إلى منحى مختلف.
وقال لرصيف22: "احتفالنا اليوم هو جزء من احتفال جميع بهائيي العالم بمناسبة غالية ومميزة على قلوبنا، فـ "أباب" المبشر جاء ليمهد الطريق ويُعدّ الناس لاستقبال المظهر الإلهي الجديد، وهو ورفاقه من شكلوا ثورة على الأنظمة الفاسدة في القرن التاسع عشر في إيران، تلك الثورة الفكرية التي مهدت الطريق لمجيء حضرة بهاء الله".
ورداً على سؤال: "ماذا اختلف اليوم عن قبل عامين عندما تم منع بهائيي الأردن من إحياء مناسبة دينية لهم؟" أجاب قدرت: "الحمد لله بتنا نلمس حالة من الانفراج، مع العلم أننا كبهائيين ليس لدينا طقوس عبادة جماعية، وكل عباداتنا نمارسها داخل بيوتنا، لكن حاجتنا اليوم لمساحة أوسع لنا تحقيقاً لخدمة مجتمعنا الذي هو ركيزة أساسية في ديننا".
"البهائيون يجب ألا ينخرطوا في السياسة"
فالبهائيون يجب ألا ينخرطوا في السياسة ولا الأحزاب، كما يوضح قدرت، ودورهم يجب أن يكون في الأعمال التي تخدم المجتمعات، حتى لو كانت على مستوى الخدمات التي تقدم في الأحياء السكنية، مثل تشكيل مجموعات لتنظيف الشوارع أو إصلاح الحدائق أو أي خدمة اجتماعية.
وأنكر قدمت أن هناك تضييقاً بحق بهائيي الأردن في زيارة حيفا، حيث مركزهم الرئيسي هناك، مبيناً أنه قبل فترة قليلة ذهب بهائيون من الأردن إلى هناك لتأدية الحج.
وعن أبرز المعلومات المغلوطة حول البهائيين يجيب قدرت: "غير أننا نعتبر من قبل البعض كفاراً، هناك تهمة تشاع عنا أننا على ارتباط مع إسرائيل، دون الإدراك أن الدين البهائي عمره قبل تأسيس دولة الاحتلال، وأن عكا التي هي قبلتنا وحيفا التي هي مركزنا الديني والروحي، مدينتان موجودتان قبل تأسيس دولة الاحتلال".
ويضيف: "حتى التاريخ يثبت عدم صحة أننا مرتبطون بإسرائيل، فحضرة بهاء الله نُفي من إيران والدولة العثمانية إلى عكا، التي كانت وقتها مدينة القصاص، وكانت تتبع للدولة العثمانية، وذلك قبل ستين عاماً من دولة الكيان، ووجود مقدسات لنا هناك لا يعني ارتباطنا به، فالمسجد الأقصى وكنيسة القيامة هناك قبله أيضاً".
مرت مناسبة البهائيين بسلام، بصرف النظر عن بعض الانتقادات التي خرجت هنا وهناك على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي ليست بزخم يستحق الحديث عنه، أو لربما لا يعني دينهم والتعرف عليه وعلى أتباعه أحداً من الأردنيين.
فالبال مشغول والهم يزيد و"جيبة" الأردنيين تعبانة، وهناك أهم من البحث عن جواب لسؤالهم: "أصلاً شو يعني بهائي؟"، وكما قالها سامي حوّاط:
"لا دينك رح يوفي الدين
ولا ديني رح يغنيني".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...