في العام 2009، أصدر الشاعر سيد حجاب (1940 – 2017) ديوانه "قبل الطوفان الجاي" عن دار ميريت، وفي ذلك الديوان تحدث حجاب عن ثورة ستشهد نزول الشعب إلى الشارع والميادين، بل وحدد ميدان التحرير، والأدهى أنه تنبأ بأن هؤلاء الثوار سيُتَهمون بأنهم عملاء مدسوسون وأن هناك من يدعمهم ويمولهم من الخارج، حتى أنه تنبأ في الديوان بأن تطالهم اتهامات بتلقّي وجبات ماكدونالدز من تلك الجهات المشبوهة.
وبعد صدور الديوان بسنتين بالضبط، تتحقق النبوءة بحذافيرها، لم يكن هناك فرق بين النبوءة الشعرية والواقع الذي بدأ في 25 يناير 2011 سوى أن الاتهامات انتقلت من "ماكدونالدز" إلى "كنتاكي"!
تلك البصيرة الشعرية الحادة، والقدرة على الاستقراء والاستشفاف والاستنباط ومن ثم التوقع والتنبؤ، هي بالضبط ما جعلت من هذا الشاعر الكبير، الرائد الأول في مجال كتابة كلمات أغنيات "التترات" لأشهر وأهم المسلسلات المصرية.
إذ كان حجاب يتسلم سيناريو المسلسل، مثله كمثل باقي فريق العمل من مخرجين وممثلين، ليفهمه ويهضمه ومن ثم يخرج بخلاصة يقوم بصياغتها شعرياً، على غرار الخلاصات التي استخرجها من الواقع وحوّلها لنبوءات شعرية.
والمدهش، أن هذه المسألة –أي القدرة على التوقع والاستخلاص والتلخيص والتنبؤ – لم تكن حكراً على حجاب، بل امتلكها شاعر آخر من شعراء العامية المصرية، وهو الراحل أحمد فؤاد نجم (1929 – 2013)، الذي كتب قبل سنوات طويلة في إحدى قصائده: كل ما تهل البشاير/ من يناير كل عام/ يدخل النور الزنازن/ يطرد الخوف والظلام.
بل وتجاوز الأمر ذلك إلى ما يشبه المعجزة في قصيدته "أوراق من دفتر القضية" التي قال في مطلعها: يوم 25 الماضي إيه مشّاك عند التحرير؟"، في إشارة تنبؤية واضحة وجلية إلى ثورة 25 يناير.
لذلك، كان حجاب في المقام الأول، ومن خلفه أحمد فؤاد نجم، ومجموعة أخرى من الشعراء، قادرين بسهولة ويسر على استخلاص قصائد وكتابة الكلمات لسيناريوهات يُقدمها المخرجون لهم ليصيغوا تترات للمسلسلات، وهو أمر يبدو يسيراً للغاية مقارنة مع قدرة هؤلاء الشعراء على قراءة سيناريوهات الواقع، ومن ثم تلخيصه والتنبؤ بشكل يكاد يكون إعجازيا بما هو آت.
افتتاح التلفزيون المصري... بداية التدفق
اتُخِذ قرار افتتاح التلفزيون المصري قبيل عام 1956، إلا أن العدوان الثلاثي أخّر أول إشارة بث إلى 1960، ومنذ تلك اللحظة بدأ تدفق نهر الدراما المصرية، وإن لم تكن التترات وقتها سوى عرض لأسماء فريق عمل كل مسلسل، يقول محمد عبد السلام في كتابه "أشهر تترات المسلسلات المصرية": "كان التتر مجرد أسماء تظهر وترتفع وتنخفض وتختفي". وتكون تلك المقدمة مصحوبة بموسيقي تناسب أجواء العمل، وربما نستطيع التدليل على ذلك بتتر بداية مسلسل (القط الأسود – 1964).
في نهاية السبعينيات، بدأت الخطوات الأولى لتطوير التتر التلفزيوني، وتجسدت في مشاركة أبطال العمل في غناء تتريْ بداية ونهاية المسلسل، كنوع من التشويق واستثماراً لنجومية وشهرة الممثلين
من بطولة محمود المليجي وتوفيق الدقن ومديحة سالم وعمر الحريري. وكان ذلك هو نسق التترات الذي اعتادت الدراما المصرية على تقديمه في حقبة الستينات وشطر كبير من السبعينات.
خطوة أولى
لاحقاً، في نهاية السبعينيات، بدأت الخطوات الأولى لتطوير التتر التلفزيوني، وتجسدت في مشاركة أبطال العمل في غناء تتري بداية ونهاية المسلسل، كنوع من التشويق واستثماراً لنجومية وشهرة أولئك الممثلين، ويصعب على وجه الدقة تحديد المسلسل الأول الذي شهد تلك النقلة، ففي 1977 اشترك الممثل الكوميدي الراحل محمد رضا مع هدى سلطان في غناء تتر مسلسل "نجم الموسم"، في قفزة ظريفة لاقت قبولاً لدى الجمهور، لتتوالى بعد ذلك المسلسلات التي يغني تتراتها أبطال العمل نفسه.
حدث الأمر ذاته مع مسلسل "برج الحظ" للفنان محمد عوض في 1978، ثم كررت نيللي نفس الأمر في فوازيرها الشهيرة التي أذيعت في فترة مقاربة، وكذلك شيريهان في فوازيرها التي أذيعت في 1985
وبلغ هذا النوع من التترات ذروة نجاحه مع مسلسل )هو وهي – 1985) عندما تشارك أحمد زكي وسعاد حسني تأدية أغنية التتر
وأيضاً تكرر النجاح مع تتر مسلسل (أنا وأنت وبابا... في المشمش – 1988) الذي غناه الفنان الراحل حسن عابدين بالشراكة مع الفنانة فردوس عبد الحميد.
في سنوات حقبة التتر الغنائي الذي يغنيه ممثلو العمل، كان هناك مسار آخر ومحاولات جادة لابتكار تترات تبدو أكثر جدية، ترتبط بالعمل الدرامي من حيث كونها مقدمة أو خلاصة له، لكنها تصلح بالمثل كقطعة فنية مستقلة
لكن، ورغم نجاح تلك الخطوة وانتقال تترات المسلسلات من مرحلة "التتر الموسيقي" إلى مرحلة "التتر الغنائي"، إلا أنها كانت هي نفسها كطفل صغير في سنواته الأولى، لم يصل لمرحلة النضج ولم يشتد عوده.
وفي سنوات حقبة التتر الغنائي الذي يغنيه ممثلو العمل، كان هناك مسار آخر ومحاولات جادة لابتكار تترات تبدو أكثر جدية، ترتبط بالعمل الدرامي من حيث كونها مقدمة أو خلاصة له، لكنها تصلح بالمثل كقطعة فنية مستقلة، يُعطى فيها لمسألة "الغناء" قدر أكبر من الاهتمام، والتعامل معه بوصفة "فن" يستحق الاشتغال عليه أكثر. ولذلك في الفترة بين 1977 و1988 بدأ وبشكل هادئ ظهور التتر المغنّى الذي يؤديه مطربون حتى وإن كانوا مشاركين في العمل، إلا أنهم لا يقدمونه كـ "اسكتش" أو طقطوقة غنائية ضاحكة، وإنما كأغنية تصلح للعرض لوحدها.
المسار الآخر
قدمت وردة تتر مسلسل (أوراق الورد – 1979)، من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان بليغ حمدي، وعلى الرغم من أن وردة مثلت في "أوراق الورد" إلا أنها منحت ذلك التتر طابعاً خاصاً جرفه بعيداً عن تترات "الممثل المغني". ولحقت بها ياسمين الخيام في المسلسل التاريخي (محمد يا رسول الله – 1980) بألحان جمال سلامة وكلمات عبد الفتاح مصطفى.
كان هذا المسار يشق طريقه برويّة وهدوء وسط حالة من توهج النوع الآخر من التترات الذي أشرنا له آنفاً، وهي تترات "المغني الممثل". وكلا المسارين تجاورا إلى جانب النوع الأصلي، والذي هو عبارة عن تتر موسيقي فقط لا تصحبه كلمات أو غناء، فقد شهدت فترة الثمانينيات حضور بعض المسلسلات ذات التتر الموسيقي جنباً إلى جنب مع المسلسلات ذات التتر الذي يغنيه الممثل والمسلسلات التي لها تتر يغنيه مطرب. ومن مسلسلات تلك الحقبة التي اقتصرت تتراتها على الموسيقي فقط (دموع في عيون وقحة – 1980) و(رأفت الهجان– 1988) و (الراية البيضاء – 1988) وثلاثتهم بألحان عمّار الشريعي.
مرحلة النضج
في أواخر السبعينيات، التقى الشاعر سيد حجاب بالموسيقار عمار الشريعي، وقررا معاً أن يؤسسا فنّاً يضعان أصوله ويطوّرانه هو فن التتر. يقول حجاب في الوثائقي "بصمات: سيد حجاب" الذي أنتجته شبكة الجزيرة: "ما قبل عمّار الشريعي وسيد حجاب كان الغناء في الدراما زينة أو زخارف مكمّلة، لكن لم تكن متضافرة مع الدراما كما كنت أفعل مع الشريعي. وكان هذا هو التأسيس الحقيقي، وليس البداية الحقيقية".
وتجلى هذا التعاون بين القامتين الفنيتين في تتر بداية مسلسل (الشهد والدموع - 1983) الذي غناه المطرب علي الحجار، ليدشنا بذلك، مرحلة النضج والاكتمال، لهذا النوع من التترات المغناة، وليتوالى بعدها التعاون بينهما فيحدثان القفزة الكبرى في تاريخ تترات المسلسلات المصرية، وليتحولا رفقة شريكهما الثالث علي الحجار، إلى المثلث الذهبي الذي اجتاح المشهد الدرامي، وتقريباً وضع هذا المثلث الذهبي كلمة النهاية في مسار التتر الذي يغنيه الممثل، إذ إن نجاحهما في تتر "الشهد والدموع" أدى إلى استنساخ التجربة مراراً وتكراراً.
فأذيع مسلسل "غوايش" في 1986 بكلمات سيد حجاب التي غناها علي الحجار ولحنها عمر خيرت، وفي نفس العام أذيع مسلسل "أولاد آدم" الذي كان تتره بكلمات سيد حجاب وألحان ميشيل المصري وغناء علي الحجار، ثم "ليالي الحلمية" في 1987 بكلمات حجاب أيضاً وألحان ميشيل المصري (تناوب مع الشريعي على تلحين باقي الأجزاء) وغناء علي الحجار، وغيرها الكثير من المسلسلات.
ومن الجلي احتكار سيد حجاب لكتابة كلمات غالبية تترات المسلسلات المصرية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، مع اختراقات طفيفة هنا وهناك، ففي 1985 كتب عبد الرحمن الأبنودي تتر مسلسل "رحلة أبو العلا البشري" وغناها الحجار بألحان الشريعي، وكتب الأبنودي أيضاً كلمات تتر مسلسل (ذئاب الجبل – 1992) التي غناها علي الحجار بألحان جمال سلامة.
كما نال أحمد فؤاد نجم نصيباً من التترات القليلة التي أفلتت من يد سيد حجاب، فكتب كلمات تتر مسلسل (زيزينيا – 1997) التي غناها محمد الحلو بألحان عمار الشريعي.
ورغم هذه التنويعات القليلة، التي أفلتت كاستثناءات تثبت القاعدة من قبضة سيد حجاب، يبقى هذا الأخير الملك المتوج على عرش تترات المسلسلات المصرية في تلك الحقبة.
سيد حجاب... ملك التترات
وُلد سيد حجاب في مدينة المطرية بمحافظة الدقهلية، وأثّرت نشأته على ضفاف بحيرة المنزلة في تكوينه، إذ كان والده يصطحبه معه إلى السجالات الشعرية التي اعتاد الصيادون على عقدها، واعتاد الطفل سيد حجاب أن يدوّن ما يقولونه ومن ثم يحاول تقليدهم.
وفي شبابه، التقى حجاب بالأبنودي وبصلاح جاهين، وقد آمن هذا الأخير بموهبته ودعمه وشجعه ليواصل مشواره في كتابة الشعر، وأصدر ديوانه الأول "صياد وجنية" في 1964، ثم كتب في السبعينيات الأشعار الغنائية لعدة مسرحيات، قبل أن ينتقل بعد ذلك لكتابة تترات المسلسلات.
وعن التترات، يتحدث حجاب عن تطور الأغنية من الذاتية والغنائية إلى الدرامية واتساع موضوعاتها، ربما تكون هذه الصفة – أي دراميّة القصيدة وأحيانا ملحميَّتُها – هي التي جعلت تترات سيّد حجاب أساساً راسخاً في وجدان ملايين المستمعين والمشاهدين. ويقول عن تأثير كتابة الأغنية فيه، إنها علمته التكثيف والبساطة والاتكاء على الموروث الشعبي. وهي أمور لها وزنها المعتبر في تبوّء فن التتر تلك المكانة على مدار هذه العقود. فالكثير من جمل سيّد حجاب قد ضربت أمثالاً، وأصبحت تختلط بالأمثال الشعبية أو العبارات التي يتناقلها الناس. ويذكرنا هذا ببعض أشعار المتنبي، فكما تتردد على ألسنة الناس إلى يومنا هذا في الشوارع والأسواق "ما كل ما يتمنى المرء يدركه... تجري الرياح بما لا تشتهي السفن"، تجري كذلك: "ليه يا زمان ما سبتناش أبريا؟" و"اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني". ويشك سامع تتراته أحياناً ما إذا كان هذا الكلام لحجاب أم مثَلٌ يردده عامة الناس مثل: "أهلك يا تهلك، دة أنت بالناس تكون".
يقول القاضي الفاضل في تفسير بقاء وتداول أشعار المتنبي على مر الزمان أنه كان ينطق عن خواطر الناس. وهذه الجملة تذكّر بقصة دارت بين سيد حجاب وأحد أساتذته الذي حذّره إن هو اكتفى بالكتابة الذاتية فسيكتب عن عدد من المشاعر الزائلة مهما أجاد، ثم ينحدر إلى مرتبة "الصنايعي"، بينما في قريته آلاف الصيادين، بإمكانه أن يبحث فيهم عن القصائد وأن يدوّن هذا التراث. من البداية إذن كانت هذه بوصلة حجاب، والتي ستكون بوصلة تأسيس فن التتر في فترة نضجه على يد سيد حجاب وعمّار الشريعي وياسر عبد الرحمن، وهو أن هذا الفن ينطق عن خواطر الناس.
شيء آخر من عبقرية صفات التتر الذي أسّس له سيد حجاب، كونه عنصراً أساسيّاً وجزءاً لا يتجزّأ من العمل الدرامي، وأحياناً يكتب الأغاني داخل المسلسل، ومن ينسى "يا شمس يا منوّرة غيبي" التي سمعها "رُحيّم" لأول مرة من "حسنات" ووقع في غرامها، ثم نفس الأغنية التي غنتها حين مات بطل "الليل وآخره" الذي قد يُعد تتره أفضل تتر صعيدي لمسلسل مصري.
الأمر الثاني أنه رغم تضافر التتر في العمل الدرامي، فهو كذلك مستقل بذاته، وقد يفوق انتشاره انتشار المسلسل نفسه، ويرجع الكثيرون إلى الاستماع إلى بعض أغنيات سيد حجاب وإن لم يعودوا يذكرون المسلسلات التي كانت هذه الأغنيات تترات لها.
في الحديث عن الأدب العالمي يجري الحديث عن تيمات أو موضوعات أساسية تلمس البشر في كل زمان ومكان، وسبب من أسباب الانتشار الهائل لأعمال مثل الأمير الصغير لأنطوان دو سانت إكزوبيري، ودون كيخوتي دي لا مانشا لميجيل دي ثربانتس، وأغنيات البراءة والتجربة لوليم بليك، هو حديثها عن رحلة الإنسان من براءته الأولى مروراً بالتجارب المختلفة التي تأخذ من رصيد ذلك البياض الأول، وتصبح الحياة الطريق بين البراءة والتجربة.
ها هو سيد حجاب في ثلاثة من أعظم تترات الدراما المصرية، يمزج فيها أحد موضوعاته الملحّة مع السؤال الذي دائماً يطلّ في قصائده. الموضع الأول في تتر مسلسل (ليالي الحلمية 1987) الذي يعد واحداً من أعمدة الدراما المصرية، يقول فيه حجاب من ألحان عمار الشريعي:
ليه يا زمان ما سبتناش أبريا؟
وواخدنا ليه في طريق ما منوش رجوع؟
والموضع الثاني في تتر مسلسل الوسيّة من ألحان ياسر عبد الرحمن يقول حجاب:
جينا الحياة زي النبات أبرياء
لا رضعنا كدب ولا اتفطمنا برياء
طب ليه رمانا السيف على الزيف؟
وكيف نواجهه غير بالسيف والكبرياء؟
وهذا اللحن يشبه ألحان ياسر عبد الرحمن مع سيد حجاب، هذه الألحان الملحمية، مختلفة عن ألحان عمار الشريعي الذي كان شديد الإعجاب بموسيقية أشعار حجاب، وبالتالي كان يأخذ منها ويضع ألحانه، أما ياسر عبد الرحمن فهو موسيقي كلاسيكي في موسيقى الدراما المصرية، يصنع أصرحة عملاقة، وهو ما يجعله في أحيان كثيرة قادراً على بناء هذه الملحمة بتترات موسيقية دون أغنية، مثل ملحمته الخالدة "الضوء الشارد" والتي تحتفظ بمكانها ضمن أبقى التترات في وجدان المصريين، ويجاورها تتر "رأفت الهجّان" لعمّار الشريعي.
الموضع الثالث من مواضع البراءة والتجربة كموضع الملحمة الكبرى، هو تتر مسلسل "المال والبنون"، الاجتماع الأقوى لسيد حجاب وياسر عبد الرحمن مع علي الحجار. يقول حجاب:
إيه معنى دنيتنا وغاية حياتنا؟
إذا بعنا فطرتنا البريئة الرقيقة؟
وإزاي نبصّ لروحنا جوّا مرايتنا
إذا احنا عيشنا هربانين م الحقيقة؟
سنوات الازدهار
قاد سيد حجاب سفينة التتر المغنى، الذي بدأ خجولاً في السبعينيات ثم تطور في الثمانينيات وبلغ ذروة مجده في التسعينيات من القرن المنصرم، أما على مستوى الألحان، فقد كان عمار الشريعي هو المعادل الموسيقي لكلمات سيد حجاب، وإن زاحمته من حين لآخر أسماء مثل ميشيل المصري وياسر عبد الرحمن ومحمود طلعت وجمال سلامة وراجح داود. أما على مستوى الغناء، فإن علي الحجار كان الصوت الأبرز، والذي احتكر نصيب الأسد من تلك التترات، وعن ذلك قال الحجار في حوار إذاعي: "كنت أقبل التترات ويرفضها زملائي المطربون في هوجة حقبة شريط الكاسيت، كانوا يتعالون على التتر ويفضلون الكاسيت. الآن وبعد سنوات اتضح أن رهاني كان صائباً، وبعض هؤلاء الذي رفضوا أن يغنوا التترات ندموا. وأنا سعيد برصيدي من أغاني التترات لأنها ضمنت لي البقاء ولأغانيّ الاستمرارية".
وإلى جانب الحجار، غنى محمد الحلو، مدحت صالح، محمد ثروت وهشام عباس التترات التي أفلتت من قبضة الحجار.
قاد سيد حجاب سفينة التتر المغنى، الذي بدأ خجولاً في السبعينيات ثم تطور في الثمانينيات وبلغ ذروة مجده في التسعينيات من القرن المنصرم
ويمكن رصد أبرز تترات المسلسلات المصرية المغناة في التسعينيات ومطلع الألفية – وبعد أن استتب الأمر للتتر الغنائي في الثمانينيات – على النحو التالي:
• ليالي الحلمية (الجزء الأول 1987) غناء محمد الحلو، كلمات سيد حجاب، ألحان ميشيل المصري.
• الوسية (1990) كلمات سيد حجاب، ألحان ياسر عبد الرحمن، غناء محمد الحلو.
• بوابة الحلواني (الجزء الأول 1992) غناء علي الحجار، ألحان بليغ حمدي، كلمات سيد حجاب.
• ذئاب الجبل (1992) كلمات عبد الرحمن الأبنودي، ألحان جمال سلامة، غناء علي الحجار.
• المال والبنون (1993) والثاني (1995) كلمات سيد حجاب، ألحان ياسر عبد الرحمن، غناء علي الحجار.
• أرابيسك (1994) كلمات سيد حجاب، ألحان عمار الشريعي، غناء حسن فؤاد.
• من الذي لا يحب فاطمة؟ (1996) – كلمات سيد حجاب، غناء محمد ثروت، ألحان ميشيل المصري.
• زيزينيا (1997) كلمات أحمد فؤاد نجم، غناء محمد الحلو، ألحان عمار الشريعي.
• هوانم جاردن سيتي (1997) غناء هدى عمار، ألحان راجح داود، كلمات سيد حجاب.
• أوبرا عايدة (2000) كلمات سيد حجاب، ألحان عمار الشريعي، غناء عفاف راضي.
• حديث الصباح والمساء (2001) كلمات فؤاد حجاج، غناء أنغام، ألحان عمار الشريعي.
• أميرة في عابدين (2002) كلمات سيد حجاب، ألحان عمار الشريعي، غناء هشام عباس.
• الأصدقاء (2002) ألحان ياسر عبد الرحمن، غناء محمد قنديل، كلمات سيد حجاب.
• الليل وآخره (2003) كلمات سيد حجاب، ألحان ياسر عبد الرحمن، غناء علي الحجار.
أما أبرز التترات الموسيقية في تلك الحقبة فكانت كالتالي:
• دموع في عيون وقحة (1980) ألحان عمار الشريعي.
• رأفت الهجان (1988) ألحان عمار الشريعي.
• الراية البيضاء (1988) ألحان عمار الشريعي.
• ضمير أبلة حكمت (1991) ألحان عمر خيرت.
• أم كلثوم (1991) ألحان عمار الشريعي.
• الضوء الشارد (1998) ألحان ياسر عبد الرحمن.
• عائلة الحاج متولي (2001) ألحان ميشيل المصري.
حقبة أيمن بهجت قمر
كان المشهد الدرامي بعد مطلع الألفية الجديدة آخذاً في التغير، بالذات على المستوى الإنتاجي، فقد أصبحت شركات الإنتاج تطلب أن ترى الحلقات الأولى المكتوبة من السيناريو، فإذا وافقت عليها يُطلب من السيناريست استكمال كتابة المسلسل. وساهم موسم الدراما الرمضانية السنوي في هذه المسألة، فقد بات الأمر أشبه بالسباق المحموم، الكل يريد جزءاً من الكعكة، وباتت بعض المسلسلات تُبث في الموسم الرمضاني، تحديداً حلقاتها الأولى، بينما لا تزال باقي الحلقات قيد التصوير، وأحياناً قيد الكتابة، ويسابق فريق العمل الزمن للانتهاء من باقي الحلقات. وكانت لهذه المتغيرات انعكاساتها على التترات، فقد أصبح الشاعر المسؤول عن كتابة التتر، مطالباً في أحيانٍ كثيرة، بكتابته قبل الاطلاع على الحلقات كلها في صيغة سيناريو، الأمر الذي يصعّب على هذا الشاعر أن يحذو حذو سيد حجاب وباقي الشعراء الذين كتبوا تترات الدراما المصرية في حقبة الثمانينيات والتسعينيات. وبالتالي بات هذا الشاعر مضطراً لكتابة التتر بعد الاستماع لملخص من السيناريست أو مسؤول شركة الإنتاج، وفي بعض الأحيان تتم كتابة كلمات التتر من واقع عنوان المسلسل، وليس أدل على ذلك من تتر مسلسل "أهل كايرو" والذي أُذيع في 2010، إذ يحكي المسلسل عن حكاية مقتل ممثلة في اليوم التالي لزفافها ليتولى أحد الضباط التحقيق في القضية. أما التتر الذي كتبه أيمن بهجت قمر (1974) وغناه حسين الجسمي ولحّنه وليد سعد، فيبدو على علاقة واهية وباهتة بسير الأحداث في العمل.
وأيضاً، من ضمن المتغيرات التي برزت في المشهد الدرامي، عملية إذاعة تتر المسلسل في الأيام الأولى من شهر رمضان، ولعدد محدود من الأيام، ثم يعقب ذلك تجاهل بث التتر لصالح مجموعة من الإعلانات، يعقبها الدخول مباشرة إلى الحلقة الجديدة من المسلسل، الأمر الذي جعل التتر يتراجع خطوة إلى الوراء على أساس إكراهات إنتاجية.
شهد العام 2020 قفزة جديدة في عالم التتر الغنائي، ففي مجازفة فنية لاقت نجاحاً وقبولاً كبيرين، أقدم فريق عمل مسلسل "بـ 100 وش"، على جعل تتر المسلسل، أغنية مهرجان بعنوان "مليونير"، من غناء "المدفعجية" بمشاركة نيللي كريم
إلا أن تلك الإكراهات الإنتاجية لم تمنع الشاعر أيمن بهجت قمر من تسيد المشهد في ما يتعلق بكتابة كلمات تترات المسلسلات المصرية في حقبة ما بعد العام 2000، إذ يبدو أن قمر ورث العرش الذي احتكره لسنوات الراحل العملاق سيد حجاب. ويمكن هنا رصد بعض المسلسلات التي كتب قمر كلمات تتراتها:
• إمام الدعاة (2003) – غناء محمد فؤاد، ألحان محمود طلعت.
• عباس الأبيض في اليوم الأسود (2004) ألحان محمود طلعت، غناء مدحت صالح.
• سكة الهلالي (2006) ألحان محمود طلعت، غناء مدحت صالح.
• يتربى في عزو (2007) غناء هشام عباس، ألحان محمود طلعت.
• قلب ميت (2008) ألحان محمود طلعت، غناء رامي عياش.
• عرفة البحر (2012) غناء طارق الشيخ، ألحان وليد سعد.
• الكابوس (2015) غناء آدم، ألحان وليد سعد.
• ذهاب وعوة (2015) غناء صابر الرباعي، ألحان وليد سعد.
• حالة عشق (2015) غناء نانسي عجرم، ألحان وليد سعد.
أحدث صيحة... أغاني المهرجانات كتتر
شهد العام 2020 قفزة جديدة في عالم التتر الغنائي، ففي مجازفة فنية لاقت نجاحاً وقبولاً كبيرين، أقدم فريق عمل مسلسل "بـ 100 وش"، على جعل تتر المسلسل، أغنية مهرجان بعنوان "مليونير"، من غناء "المدفعجية" بمشاركة نيللي كريم، من كلمات "شندي"، و"كنكا" وألحان: "ديزل".
وعلى الرغم من أن تلك الخطوة كانت نقلة كبيرة في عالم التتر، من حيث إدخال لون غنائي لم يلق في الأساس قبول كافة الشرائح العمرية، إذ يشهد انتشاراً بين الشباب بينما يلقى صدّاً وممانعة من الأجيال الأكبر، إلا أن أغنية التتر حققت رواجاً كبيراً، وساهم في ذلك ربما جودة المسلسل وإحكام حبكته ونجاحه بين المشاهدين.
ولم تكن القفزة مقتصرة على دخول هذا اللون الغنائي إلى عالم التترات، وإنما جاءت الخبطة الثانية بمشاركة نيللي كريم في غنائه، لتعيد بذلك الأمجاد الغابرة للتتر الذي يغنيه ممثلو العمل.
وهكذا، يمضي نهر الدراما المصرية متدفقاً، متنوعاً، وتمضي معه التترات بكافة أشكالها، أحياناً يستقر وضعها لسنوات وأحياناً ترجع إلى أنواع قديمة، ومن حين لآخر تستحدث صيغة جديدة لها أو تهجّن نوعين ببعضهما. وستظل تترات الدراما المصرية تقدم لنا مع كل مسلسل جديد احتمالات فنية وجمالية مختلفة، سواء في صيغة كلاسيكية تثير النوستالجيا أو أخرى حداثية تطرق أبواب التجريب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نايف السيف الصقيل -
منذ 5 ساعاتلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 5 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف