عند المرور من أمام محال الرهان الرياضي، ترى الشباب في حالة تركيز تام أمام شاشة الكومبيوتر، وكلهم أمل وترقب، إذ تراهم يخططون ويدققون ويبحثون ويتابعون في الأرقام، من أجل التكهن بالرابح، سواء في مباريات كرة القدم، أو في سباق "الزوايل"، أي سباق الخيول، وغيرها من الرياضات.
وتُعدّ "البروموسبور"، و"الفورزا"، و"البات"، من أبرز الألعاب والتطبيقات في تونس، التي تدغدغ أحلام فئة مهمة من الشباب بتحصيل الثروة السريعة. فما الذي يدفع الشباب التونسي إلى الإقبال على ألعاب "الحظ" التي تتحول إلى إدمان على القمار؟
دوافع اجتماعية
ارتفعت معدلات البطالة في تونس، أواخر العام 2021، لتصل إلى نسبة 18.5 في المئة، حسب ما أعلن المعهد الوطني للإحصاء، في آخر تقرير له، ومن المرجح أن ترتفع هذه الأرقام نتيجة مخلفات فيروس كورونا الذي أدى إلى إفلاس عدد من المؤسسات، وإغلاق بعض المتاجر أبوابها، ناهيك عن حالة التخبط وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تشهده البلاد منذ ثورة كانون الثاني/ يناير 2011.
هذه العوامل كانت كافيةً لأن تجعل من الشاب التونسي لقمةً سائغةً في يد شركات الرهان الرياضي التي غزت الساحة التونسية بطريقة غريبة، وأصبحت تملأ كل شوارع العاصمة والمحافظات، وتبيع الوهم للحالمين بالثروة السريعة.
لا تمنع الدولة التونسية الرهانات الرياضية، نظراً لغياب نص قانوني ينظّمها، وهو ما يدفع إلى انتشار كبير لمتاجر الرهان التي يلجأ إليها الشباب الحالم بثروة سريعة
ويُقبل الشباب في تونس، بكثرة، على مواقع الرهان الرياضي، طمعاً في تحقيق مداخيل مادية سهلة، وكسب ثروة في وقت وجيز، من دون معاناة، بعدما فشلت الدولة في احتواء ظاهرة البطالة وتوفير فرص للشغل.
تعاني بعض الفئات في مجتمعنا من الحساسية المفرطة الناتجة عن سرعة التأثر بما يدور من حولنا، ولعل محدثنا اليوم من بين هذه الفئة التي يمكن القول إنها تعيش صراعاً مع الذات.
يقول طارق، وهو في العقد الثالث من عمره ويعمل في أحد محال بيع الأقمشة، إنه يشعر بإحباط كبير عندما يشاهد على منصات التواصل الاجتماعي حياة بعض نجوم عالم كرة القدم، أو العالم الفني، وكيف يعيشون في منازل فاخرة، ويركبون سياراتٍ فارهةً، ولهم زوجات ممشوقات جميلات وحسناوات.
هذه الصورة جعلت من طارق، حبيس هاتفه المحمول لمدة تجاوزت حتى الآن ثلاث سنوات، إذ ينشغل يومياً بـ"القمار"، أو الرهان الرياضي الإلكتروني كما يلطّفه البعض، وغايته الأساسية في ذلك، الفوز بمبلغ مالي ضخم يمنحه جزءاً مما يعيشه هؤلاء النجوم.
يقول طارق الذي يتحدّر من عائلة محدودة الدخل من محافظة تطاوين في جنوب تونس، لرصيف22، إنه يسعى دائماً إلى تغيير حياته المادية، لكن الأجر الذي يتقاضاه اليوم لا يسمح له حتى بشراء سيارة، أو بناء منزل وتكوين أسرة، لذلك لجأ إلى الرهان الرياضي علّه يصيب ذات يوم في تكهناته، فتتغير حياته إلى الأفضل.
وتنتشر محال الرهان الرياضي في كل شوارع العاصمة وأزقتها، بطرق قانونية، وأخرى غير قانونية، وذلك لعدم وجود قانون واضح ينظمها.
سحر خاص
تقوم اللعبة أساساً على اختيار عدد من المباريات الرياضية في كرة القدم، أو السلة، أو المضرب، أو غيرها، والتكهن بنتائجها، أو بعدد الأهداف التي ستسجَّل خلالها، على أن يحصل المقامر الذي يهتدي إلى التكهن الصحيح، على أضعاف المبلغ الذي دفعه، وعادةً ما يتسلم المبلغ الذي فاز به، إما من صاحب متجر الرهان، أو من خلال السحب عبر بطاقة بنكية.
ويقول خالد، وهو صاحب محل للرهان الرياضي، إن هناك إقبالاً كبيراً من جميع الفئات، كباراً وصغاراً، وذكوراً وإناثاً، ويضيف محدثنا أن نسب الإقبال ترتفع أكثر نهاية الأسبوع، وعندما تكون هناك مسابقات وبطولات دولية، مثل "كأس العرب" الذي أُقيم في قطر، أو "كأس إفريقيا" الذي يُنظّم حالياً في كاميرون.
عندما يسمع أحد المراهنين حديثنا، واسمه سفيان، لا يتردّد في الدخول في الحوار للحديث عن سبب إقباله على الرهان: "هذه اللعبة لها سحر خاص. كلما أردت الابتعاد عنها، تجذبك إليها، وتجود عليك بالربح والمال، فتراك تركض وراء الفوز مرةً أخرى، أياماً وشهوراً، وفي ذلك الوقت تجد نفسك مورطاً في مبالغ كبيرة اقترضتها، وحينها لا يمكن أن تتراجع حتى تستعيد ما خسرته من أموال، وحتى إن استرجعت أموالك، فإنك تطمع في الربح مرةً أخرى. وخلال هذا الطريق تجد نفسك قد أدمنت على هذه اللعبة".
غول يترصّدهم
تحذّر الطالبة الباحثة في علم الاجتماع صابرين المومني، من مخاطر التعلق بالرهان الرياضي، وتعدّه وسيلةً ناعمةً لسلب أموال الشباب، والتلاعب بعقولهم، وتزرع فيهم حب الربح السهل الذي سيؤدي إلى نفورهم من العمل. كما تؤكد أنها تمثل أيضاً خطراً على صحة الإنسان، لما فيها من تشنج وقلق وتلاعب بالأعصاب.
هذا الضغط النفسي قد يؤدي أحياناً إلى الانتحار. وكان شاب ثلاثيني من محافظة القيروان في وسط البلاد، قد أقبل على إضرام النار في جسده، بعد خسارته مبلغاً مالياً في رهان رياضي.
"عمري 35 سنةً، ولم أتزوج بعد، وليس لدي عمل قارّ، ولا أملك منزلاً، برأيكم هل سأفلح في سنة أو سنتين في تحقيق كل هذه المخططات التي تتطلب آلاف الدولارات؟" القمار الرياضي...حل الشباب التونسيين لحياة أفضل
وتؤكد صابرين أن القمار موجود منذ القِدم في المجتمع التونسي، وكانوا يلعبونه في مناسبات معيّنة، خاصةً في ليالي رمضان، أو خلال الاحتفال بـ"الزردة"، وهو احتفال يقام في بعض الأرياف، تخليداً لذكرى بعض الأولياء الصالحين، وكانوا يلعبون القمار خفيةً. أما اليوم، فقد أصبح يمارَس علناً، ولم يعد الإنسان مجبراً على الذهاب إلى محال القمار، بل إنه يستطيع ملء رصيده، واللعب عبر هاتفه المحمول.
ولا تمنع الدولة التونسية هذه المراهنات، نظراً لغياب نص قانوني ينظّمها، وقد طالبت أكثر من جهة مثل شركة "برومسبور"، بضرورة تنظيم هذا القطاع، إلا أن بعض المسؤولين يصمّون آذانهم عن سماع هذه الدعوات المتكررة.
اختزال المسافات
سامي الحاجي (35 عاماً)، عاطل عن العمل، ويمارس هذه اللعبة منذ خمس سنوات، يقول إنه انخرط في الرهان الرياضي، بعدما انتهت كل الحلول أمامه. إذ عمل نادلاً في مقهى، وشيفاً في أحد المطاعم، وبائعاً متجولاً، إلا أنه لم يفلح في تحسين مستوى عيشه، ويضيف قائلاً: "حسابياً عمري 35 سنةً، ولم أتزوج بعد، وليس لدي عمل قارّ، ولا أملك منزلاً، برأيكم هل سأفلح في سنة أو سنتين في تحقيق كل هذه المخططات التي تتطلب آلاف الدولارات؟".
يرتشف سامي قهوته، وملامح اليأس بادية على وجهه، قائلاً: "لقد جرّبت كل الحلول الممكنة، حتى أنني حاولت الهجرة غير النظامية، لكن لم أفلح في ذلك أيضاً، لذلك لجأت إلى الرهان الرياضي، أملاً بالفوز بمبلغ مالي استدرك به حياتي الضائعة".
ويضيف الشاب أنه يشعر بالضعف أمام أصدقائه، عندما يعود إلى مسقط رأسه في محافظة القصرين في وسط غرب تونس، حيث يجد أصدقاءه يمتلكون سيارات ومنازل، ولهم مشاريعهم الخاصة. يصمت سامي قليلاً، وينفث ما تبقى من سيجارته قائلاً: "تلك هي الحياة"، ثم يعود لينهمك في حساباته، استعداداً للعب ورقة رهان جديدة. هكذا يقضي محدثنا معظم وقته في متابعة مباريات كرة القدم، بعدما أصبح مدمناً حقيقياً على الرهان الرياضي.
ويحذر مختصون في علم الاجتماع، من مغبة التعمق في هذه اللعبة، وعدّها مصدراً للربح والثروة، وينبّه الأستاذ محمد الجويلي من خطورة الإدمان على هذه اللعبة، مؤكداً أن العمل مهم جداً في حياة الناس، لأن الفراغ دافع كبير نحو خوض تجارب المسابقات والرهانات، ويمكن أن يؤدي إلى الإدمان، ويأخذ قسطاً كبيراً من الأموال والاهتمام.
كما يؤكد أن سطوة المال وحاجة الناس إليها، في ظل غياب العمل، هو ما يدفعهم إلى سلك نهج "الرهان"، ولو صار إدماناً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع