توفي أحد المشاركين في المظاهرات التي دعت إليها أحزاب وشخصيات معارضة لسياسات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يوم 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، احتفالاً بذكرى الثورة التونسية، وتنديداً بتواصل الإجراءات الاستثنائية المعلَن عنها يوم 25 تموز/ يوليو الماضي، وذلك بعد إقامته لمدة خمس أيام في إحدى مستشفيات العاصمة تونس.
وفاة رضا بوزيان، أثارت جدلاً واسعاً في تونس، وعُدّت نتيجةً لاستعمال العنف المفرط ضد مواطنين عزّل في ما رأت السلطات التونسية أن وفاته كانت نتيجة جلطة دماغية، وأنه لا وجود لآثار عنف على جثته.
ردود أفعال
تعليقاً على وفاة رضا بوزيان، قال الباحث الجامعي والناشط السياسي، الأمين البوعزيزي، إن الهالك كان "ضحية عنف مروع مارسه بوليس الانقلاب على آلاف المواطنين العزّل... وضحية تعنيفٍ واختطافٍ، ومنع المنظمات الحقوقية والمناهضة للتعذيب من زيارته... وها هو اليوم يظهر جثةً هامدةً في أحد مستشفيات العاصمة"، مضيفاً في تدوينةٍ له: "الشهيد رضا بوزيان تم اختطافه ساعة كان بصحبة آلاف التونسيين، يحيون ذكرى 14 كانون الثاني/ يناير، ويعلنون رفضهم للسطو الانقلابي على كل السلطات، والدوس على الدستور".
وبيَّن أستاذ القانون الدستوري والناشط السياسي، أن رضا بوزيان أول ضحايا اعتداءات 14 كانون الثاني/ يناير، على المتظاهرين نتيجة تعرّضه للعنف الشديد من طرف البوليس في أماكن حساسة من بدنه.
وأضاف في تدوينةٍ له: "رضا بوزيان لم يرد اسمه في قائمة الموقوفين، على الرغم من السؤال المتواصل عنه من طرف المحامين. الآن عُرف سبب منع دخول المحامين للقاء المتظاهرين المعتقلين، والسماح لهم فقط بعد خروج سيارة الحماية المدنية، لأنها حملت المصابين إلى المستشفى، ومنهم بوزيان رحمه الله. بقي مفقوداً وسط تعتيم كبير من إدارة المستشفى والجهات الأمنية، وتوفي اليوم متأثراً بجروحه".
رضا بوزيان مواطن تم اختطافه من قبل الأمن يوم 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، خلال مسيرة إحياء عيد الثورة، ليعلَن اليوم عن وفاته في مستشفى الحبيب ثامر!" المعارضة التونسية تتهم السلطة بقتل متظاهر
وقالت المحامية ورئيسة جمعية "أوفياء" لعائلات شهداء جرحى الثورة، لمياء الفرحاني: "رضا بوزيان مواطن تم اختطافه من قبل الأمن يوم 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، خلال مسيرة إحياء عيد الثورة، ليعلَن اليوم عن وفاته في مستشفى الحبيب ثامر!".
من جانبه، قال رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، جمال مسلم، إن المعلومات التي استقتها الرابطة من المستشفى، تؤكد أن الهالك مصاب بضغط الدم، وأنه لا وجود لعنف خارجي على جثته، ومع ذلك على القضاء القيام بدوره وإثبات حقيقة وفاته، خاصةً أن عشرات الشهود كانوا حاضرين خلال عملية إيقافه وتحويله إلى مركز الإيقاف، وتوعّك حالته الصحية.
ورأى جمال مسلم، في تصريح لوسائل إعلام محلية، أن حادثة رضا بوزيان ليست أول حالة وفاة مسترابة (مريبة)، في تحركات الشارع، مشيراً إلى أن الاعتداءات باستعمال الهراوات والدراجات النارية وخراطيم المياه، تُعدّ عنفاً كبيراً، وغير مبرر.
أحزاب على الخط
رأت حركة النهضة في بيانٍ، أن رضا بوزيان، وهو أحد المنخرطين فيها، فارق الحياة "متأثراً بإصابته بعد تعرّضه للعنف الشديد من طرف أعوان الأمن في أثناء مشاركته في تظاهرة الاحتفال بعيد الثورة، نتج عنه نزيف حادّ في الدماغ"، محمّلةً رئيس الجمهورية المسؤولية في "قتل الهالك، نتيجة السياسات التي انتهجها منذ 25 تموز/ يوليو الماضي".
وطالبت الحركة، حسب بيانها، بإقالة المكلف بتسيير وزارة الداخلية، توفيق شرف الدين، كونه المسؤول المباشر عن العنف الذي سُلّط على المتظاهرين السلميين، مشيرةً إلى أن "السلطات تعمّدت إخفاء وضعية الهالك عن أهله، فلم تعلمهم طوال خمسة أيام قضاها في قسم الإنعاش في مستشفى الحبيب ثامر".
وفي ندوة صحافية عقدتها حركة النهضة، لإنارة الرأي العام بخصوص ملابسات "وفاة الشهيد رضا بوزيان"، أوضح القيادي في الحركة، عماد الخميري، أن بوزيان استجاب لنداءات النزول إلى الشارع للاحتفال بالثورة ضد كل محاولات تزييف التواريخ، وتمت مجابهة المتظاهرين بقمع غير مسبوق وعنف مفرط من قبل بعض الوحدات الأمنية، مطالباً بفتح تحقيق قضائي جدّي في حادثة الوفاة.
"هذه الوفاة تحت أحذية بوليس سلطة الأمر الواقع، ولكماتهم، ليست الأولى في سياق انفلات أمني غير مسبوق، يغذّيه الخطاب الشوفيني الشعبوي لقيس سعيّد، وأركان سلطته". وفاة متظاهر تونسي شارك في احتجاجات 14 يناير
وقال الخميري: "نحمِّل سلطة الانقلاب مسؤولية تعنيف المتظاهرين، ومسؤولية وفاة رضا بوزيان في إطار مشاركته السلمية في الاحتجاجات، وما حدث دليل على أن الحركة وكل الأحرار في تونس، لم يُزايدوا حين عدّوا أن العنف يوم 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، كان مجانياً وغير مبرر تجاه مواطنين عزّل، وهذا من شأنه أن يهدد الاستقرار والسلم الأهلي، كما أنه تعدٍّ على الحقوق والحريات، ونوع من تقسيم التونسيين. تعدّ الحركة أن الحادثة تخويف للتونسيين، لكيلا يدافعوا عن الثورة والدستور والعدالة الاجتماعية".
كما أدانت الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية، (التيار الديمقراطي والجمهوري والتكتل)، العنف المفرط الذي واجهت به قوات الأمن المتظاهرين، محمّلةً وزير الداخلية المسؤولية المباشرة لما حدث، ورئيس الجمهورية المسؤولية السياسية الكاملة عن انتهاك الحقوق السياسية، والتضييق على الحريات العامة والفردية منذ انقلابه على الدستور واستحواذه على كل السلطات وفق نص البيان.
وطالبت الأحزاب النيابة العمومية بالكشف سريعاً عن ملابسات هذه الوفاة، وتتبّع كل من شارك أو تسبب فيها، أمراً وتنفيذاً.
من جهته، رأى حزب ائتلاف الكرامة، أن وفاة رضا بوزيان كانت نتيجة العنف البوليسي المفرط الذي مورس عليه، وأشار في بيانٍ له إلى ضرورة أن "نلفت انتباه الرأي العام والقائمين على مؤسسة العدالة وهياكل المجتمع المدني، إلى أن هذه الوفاة تحت أحذية بوليس سلطة الأمر الواقع، ولكماتهم، ليست الأولى في سياق انفلات أمني غير مسبوق، يغذّيه الخطاب الشوفيني الشعبوي لقيس سعيّد، وأركان سلطته".
بدورها، حمّلت مبادرة مواطنون ضد الانقلاب، "سلطة الانقلاب المسؤولية الجنائية في هذه الجريمة النكراء"، داعيةً إلى تتبّع الجناة أمام القضاء التونسي ومحكمة الجنايات الدولية، وإلى إقامة جنازة وطنية للشهيد تنديداً بممارسات الانقلاب، ووضع حدّ للحكم الفردي القمعي حسب نص البيان.
النيابة العامة تنفي
في المقابل، أكدت المحكمة الابتدائية في تونس، أنه من خلال المعاينة التي أُجريت من طرف ممثل النيابة العمومية (العامة)، تبيّن أن المتوفى لم يكن يحمل أي آثار عنف ظاهرة، وقد تم فتح بحث في الغرض، وأُذن بعرض جثة الهالك على قسم الطب الشرعي.
ونقلاً عن وكالة الأنباء التونسية، قالت المحكمة إن النيابة العمومية لدى المحكمة الابتدائية في تونس، تلقت بتاريخ 19 كانون الثاني/ يناير الحالي، إعلاماً صادراً عن أعوان مركز الأمن في سيدي البشير في العاصمة، مفاده أنه تم إخطارهم من طرف إدارة مستشفى الحبيب ثامر، بوفاة شخص تم إدخالهه يوم 14 كانون الثاني/ يناير 2022".
وأوضحت المحكمة الابتدائية في بلاغ لها، أن "التحريات الأولية بيّنت أن إحدى سيارات الحماية المدنية، نقلت بتاريخ 14 كانون الثاني/ يناير 2022، شخصاً عُثر عليه بحالة إغماء، قرب قصر المؤتمرات (وسط العاصمة)، إلى مستشفى الحبيب ثامر".
جدير بالذكر أن مظاهرات 14 كانون الثاني/ يناير الماضي، جوبهت بالقمع من قبل القوات الأمنية، وتم استعمال خراطيم المياه والغاز المسيل للدموع لتفرقة المحتجين، بالإضافة إلى إيقاف عدد من المتظاهرين. وقد تزامنت الدعوة للتظاهر مع فرض تدابير استثنائية لمجابهة انتشار فيروس كورونا، من بينها منع التظاهرات والتجمعات.
من جهتها، رأت وزارة الداخلية التونسية أنها اتّخذت كل التدابير اللازمة احتراماً للقرارات المتعلقة بالوقاية من فيروس كورونا التي أعلنت عنها اللجنة العلمية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...