شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
هل الخلاف مع نتفلكس ذو أبعاد تنافسية؟

هل الخلاف مع نتفلكس ذو أبعاد تنافسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 3 فبراير 202202:37 م

منذ أيام نشرت مقالاً عن فيلم "أصحاب ولا أعز" الذي عرضته مؤخراً منصة نتفلكس الأمريكية كأول انتاج عربي لها، وماهي إلا ساعات حتى وصلني وابل من العتب من بعض الأصدقاء، سواء الذين أعرفهم بشكل شخصي أو الافتراضيون منهم الذين ضمهم حسابي على فيسبوك .

وكان العتب في مجمله حول رأيي في الفيلم والذي بدا لهم محابياً لمضمونه ومؤيدا لأفكاره، رغم أن المقال يشير وبالخط العريض إلى أن الفيلم مجرد تجربة مستنسخة، بحذافيرها، عن عمل إيطالي تم نقله سابقاً إلى بيئات عدة من ضمنها العربية، وأن التجربة في نسختها الأخيرة قد أثبتت نجاحاً كبيراً، والدليل على ذلك ما حركته من نقاشات ومداولات، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في وسائل الإعلام.

لن أخفي حزني من العتب وربما ما هو أكبر من العتب،  وخاصة من تعليقات أصدقائي حين وضعوني موضع محاكمة، لدرجة تأكدت فيها أن الناقد والمشاهد الذي لا يستطيع التمييز ما بين  العمل الدرامي كفن والواقع كحياة، وما بين الدور الذي يؤديه الممثل والممثل كإنسان، ليس بقادر أيضاً على التمييز ما بين مقالي كناقدة وما بين عقيدتي كإنسانة. فتأييدي للفيلم ليس نابعاً  بالضرورة من إقراري وقبولي بأفكاره، على الرغم من أنه فيلم بدا واقعياً إلى حد كبير، والدليل على ذلك بعض التعليقات التي قرأتها على منشوري نفسه، والتي يؤكد أصحابها أنهم عاشوا نفس التجربة أو لديهم نماذج منها في محيطهم .

الأمر الذي دفعني لأكتب مقالاً أشير من خلاله لكل من عاتبني، إلى أنه لا يمكننا أن نعترض على الإنتاجات العربية لنتفلكس، المنصة الأمريكية، بحجة أنها مدسوسة ومقصودة وموجهة لإفساد مجتمعاتنا، بينما بالمقابل تقدم بعض المنصات العربية، وحتى بعض الفضائيات التي تديرها وتقوم بإنتاج أعمالها عقول عربية، بعرض أعمال درامية لا تقل خطورة على مجتمعاتنا، وتحمل الكثير من التناقضات عاداتنا أو أخلاقنا.

لا بد بداية من التنويه إلى أن الدراما التلفزيونية والسينمائية كانت لسنوات تنتج ما أطلق عليه مصطلح الأعمال النظيفة، ولقد ارتبط هذا المصطلح بشكل أساسي بالسينما. يقول الكاتب والمخرج المصري حازم متولي: "بدأ استخدام ذلك المصطلح مع ظهور شبكات قنوات راديو وتلفزيون العرب ART، وهي شبكة خصصت لنفسها فورمات جديدة للأعمال التي ستشتري حقوق عرضها الحصري من المنتج حتى قبل ظهورها للنور، وكانت مقابل ذلك البيع المريح تفرض شروطاً ومعايير للعمل، بحيث يكون مناسباً للجمهور الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً".

ولكن منذ ظهور هذا الكم من الفضائيات ولاحقاً المنصات، مُنح القائمون على الدراما، بشقيها التلفزيوني والسينمائي، حرية أكبر، وخاصة في ظل غياب الرقيب بشكل شبه نهائي عن المنصات، فبدأت تتجرأ وتطرح مواضيع كانت يوماً ما من التابوهات أو الممنوعات، وبالتالي كلما زادت غربة العمل وتغلغله في  المضمون عما تعود  مشاهدته الجمهور، كلما كان مقبولاً لإنتاجه وعرضه من قبل المنصات.

بناء عليه، ظهرت عشرات الأعمال الدرامية وحتى السينمائية التي تتناقض وصورة المجتمع التقليدي، وتخالف بدورها عاداته وقيمه التي ينادي بها، سواء كانت هذه القيم موجودة بالفعل أو يدعيها.

لا يمكننا أن نعترض على الإنتاجات العربية لنتفلكس، بحجة أنها مدسوسة ومقصودة وموجهة لإفساد مجتمعاتنا،لأن المنصات العربية، وحتى بعض الفضائيات العربية، تعرض أعمال درامية لا تقل خطورة وإشكالية

مسلسل عروس بيروت... قصة استنساخ

فعلى سبيل المثال، تم عرض مسلسل "عروس بيروت" المستنسخ عن مسلسل "عروس إسطنبول" على منصة "شاهد"، بالإضافة لإدراجه ضمن عروض شبكة MBC العربية، في "عروس بيروت"، لم تكتف الشركة المنتجة بدبلجة العمل إلى العربية كما يحصل عادة، بل قامت باستنساخه مع ممثلين عرب من تونس وسوريا ولبنان، فكان من بطولة كل من ظافر عابدين، كارمن بصيبص، تقلا شمعون، رفيق علي أحمد، لينا حوارنة وغيرهم من النجوم. صوِّر العمل في تركيا وأخرجه نفس مخرج النسخة التركية، بينما قام مجموعة من الكتاب بإعادة ترجمة النص إلى العربية بتصرف بسيط جداً.

 ربما تكون فكرة الاستنساخ قد جاءت نتيجة لظروف تسويقية وكحلّ لتجاوز منع عرض الأعمال التركية على شاشات بعض المحطات لأسباب سياسية باتت معروفة، وللحق، العمل نجح بشكل كبير لدرجة قامت الشركة بإعادة استنساخ أجزائه الثلاثة .

ورغم أن بطل "عروس بيروت" فارس (ظافر عابدين) كما هو بطل "عروس إسطنبول"، كان قد أنجب طفلا ًمن علاقة غير شرعية، لدرجة لم يعلم بوجوده إلا بعد سنواتـ ولأسباب درامية تخص والدته، تقبل المجتمع العربي الحكاية، ربما من منطلق أن العمل في الأصل تركي وليس عربياً، أو ربما تجاوز هذه النقطة لأسباب لا نعرفها، في كلا الحالتين، لم يستنفر الشارع العربي لتلك القضية (شكل من أشكال الزنا) على الرغم من أن الممثل نجم مشهور، ولم يقم عليه محكمة  ومحاكمة كالتي جرت مع منى زكي على سبيل المثال.

لن أتوقف مطولاً عند الأعمال التركية المدبلجة أو حتى المستنسخة، والتي فيها ما يناقض قيمنا أو ما ندعي أنه قيمنا العربية، ولا على عشرات الأعمال من نوع (البان آراب) التي تجاوزت ما هب ودب، لكنني سأتوقف عند عمل عربي، أنتج مؤخراً وعُرض بشكل شبه متزامن مع فيلم "أصحاب ولا أعز" ومرّ مرور الكرام دون أي صخب، لا في الشارع العربي ولا حتى السوري .

ما هي في الحقيقة الأعمال الدرامية التي تستفز النقاد والجماهير وتثير حميتهم؟ هل هي فقط الأعمال التي تنقل صورتهم ويتم نشرها على منصات أجنبية دون غيرها من منصات، أم أن الموضوع مجرد موضوع تنافسي مع منصة نتفلكس واقتسام الكعكة؟

مسلسل عالحد

إنه مسلسل "عالحد"، واحد من إنتاجات شركة "الصباح" اللبنانية، التي خصصتها للمنصات بعيداً عن منافسات رمضان، مكون من  12 حلقة تم عرضه على منصة شاهد، وهو من بطولة  السورية سلافة معمار إلى جانب رودريغ سليمان، صباح جزائري، علي منيمنه، مروى خليل، نتالي فريحه، إدمون حداد والعديد من ضيوف الشرف. كتبت السيناريو والحوار له كل من الإعلامية السورية لانا الجندي، المقيمة في الإمارات، والتي تعمل في محطة "سكاي نيوز" في أول تجربة كتابه لها، إلى جانب الكاتبة لبنى حداد، التي سبق وأن تعاونت مع شركة "الصباح"، وتحديداً مع الكاتب السوري بلال شحادات، في عدة أعمال درامية ناجحة، ومن اخراج اللبنانية ليال راجحة.

صحيح أن مسلسل "عالحد" ليس من ضمن شخصياته رجل مثلي مثلاً، وصحيح أنه ما من شابة يافعة ستستشير والدها الحنون والمتفهم قبل أن تقضي وقتاً مع صديقها في فراشه، وما من سيدة ستخلع بشكل خاطف قطعة من ملابسها الداخلية، لكن في المسلسل ما هو أسوأ من ذلك، إنه نوع آخر من التساؤل الأخلاقي، يمكن إثارة إشكالية حوله، فكيف لم يستفزّ هذا العمل الجماهير العربية وخاصة السورية، ولماذا لم يتوقف النقاد عنده كما حصل مع الفيلم المذكور؟ وأين هي المسؤولية الاجتماعية التي يجب أ،ن تتحلى بها هذه المنصة العربية إلى جانب صنّاع العمل والتي يطالب بها بعض النقاد والإعلاميين منصة نتفلكس الأمريكية؟

ومسلسل "عالحد" يدور حول ليلى الصيدلانية (سلافة معمار) تحمل الجنسية السورية، فقدت والديها منذ الطفولة وانتقلت للعيش مع خالتها (صباح جزائري) المتزوجة من لبناني والمقيمة في لبنان، وليلى اليوم تعيش مع طفلتها بعد أن هجرها زوجها السوري في رحلة اللجوء إلى السويد، وانقطع عن مراسلتها نهائياً. ويبدو أن هذه (الليلى) التي بدت حلّالة للمشاكل، ليس فقط بالنسبة لعائلتها الصغيرة، خالتها وابنة خالتها وحتى ابن خالها العاق والنصاب، بل أنها أيضاً super women  تحل مشاكل من حولها، بدءاً من صديقتها القريبة جداً وربما الوحيدة، رغم أنها تقوم بخيانتها مع زوجها، هكذا يفعل "أعز الأصحاب" ببعضهم كما يبدو في العمل، كما أنها، وفي سبيل تحقيق العدالة الإنسانية والاجتماعية، ستقوم بعدة جرائم قتل، بكل سلاسة.

 ورغم أن الشرطة ستحقق في كل الجرائم في حينها، إلا أن ليلى بحنكتها وذكائها، وحتى قوتها وجبروتها، ستبقى خارج نطاق الشك،  إلى أن تقع في يد الشرطة كحل إجباري لكاتبتي العمل،  فقط لحفظ ماء وجه الشرطة وإظهارهم بشكلهم التقليدي كأذكياء.

صحيح أن مسلسل "عالحد" ليس من ضمن شخصياته رجل مثلي مثلاً، وما من شابة يافعة ستستشير والدها الحنون والمتفهم قبل أن تقضي وقتاً مع صديقها في فراشه، وما من سيدة ستخلع بشكل خاطف قطعة من ملابسها الداخلية، لكن في المسلسل ما هو إشكالي مثل  ذلك

في العمل علاقات غير مشروعة وحتى محرمة، ليس فقط لأن ليلى تقيم علاقة حميمة في الظل مع زوج صديقتها وليد، بل لأنها سيدة مازالت متزوجه بالقانون، وهذا مخالف شرعاً، والأسوأ من كل ذلك قدمت ليلى على أنها سيدة سورية جميلة جداً، متعلمة ولديها عمل تعيش منه، فلماذا تم زجها في هذا الوضع الصعب؟

وهل كان سيحصل أي تغيير درامي في حال كانت سيدة لبنانية أو من أي جنسية عربية أخرى، فقدت عائلتها وتقيم لدى خالتها، وزوجها هجرها للبحث عن حياة أفضل في المهجر، كما حصل ويحصل مع مئات السيدات اللبنانيات، لكن العمل أساء للسيدة السورية، حين كتب خصيصاً لتؤديه سلافة معمار التي عرف عنها أنّها لا تفضل أداء أي دور بغير لهجتها السورية؟

فرغم نجاحها المدوي في المسلسل المصري "الخواجة عبد القادر" الذي قدمته مع يحيى الفخراني منذ سنوات، ونالت عنه استحساناً كبيراً وتقديراً، إلا أنها لاحقاً رفضت كل الأدوار التي رشحت لها بسبب نفس المشكلة.

ليس هذا فحسب، بل أن العمل قد يفهم  كإساءة أيضاً للاجئين السوريين، وخاصة الفقراء منهم الذين يعيشون ضمن المخيمات، حين جعل من شخصية "تلجة" تلعب دورها دوجانا عيسى الفقيرة والمتسولة مدمنة، ثم موزعة مخدرات يمكن استغلالها واللعب بها وحتى اغتصابها دون أن تحرك ساكناً، بحكم إقامتها غير الشرعية في لبنان، بل الأغرب من ذلك أنه جعلها تقوم بكل ذلك برغبة منها وليس بحكم الإجبار والضغط، أضف إلى ذلك أنه طبعها بطابع مدينة سورية بعينها، حين جعل لهجتها تنطق بها.

رغم كل ما سبق من سقطات في العمل وهفوات لا يمكن تجاوزها، وجدنا بعضاً من النقاد ممن أثارت حميتهم منى زكي في فيلم "أصحاب ولا أعز" قد أشادوا بالأداء العالي لسلافة معمار، واستطاعوا التمييز بين شخصية ليلى التي تلعبها سلافة، وبين سلافة الممثلة، لدرجة يصبح السؤال: ما هي في الحقيقة الأعمال الدرامية التي تستفز النقاد والجماهير وتثير حميتهم؟ هل هي فقط الأعمال التي تنقل صورتهم ويتم نشرها على منصات أجنبية دون غيرها من منصات، أم أن الموضوع مجرد موضوع تنافسي مع منصة نتفلكس واقتسام الكعكة؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image