شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!

"عَالحد"... مسلسل من صنع نساء ويورّطنا أخلاقياً

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 27 يناير 202211:23 ص

ثمة أسماء، عندما نسمع بمشاركتها في أعمال سينمائية أو درامية، تنتابنا الثقة، بأننا سنتابع عملاً يستحق المشاهدة. من بين تلك الأسماء، الممثلة السورية سلافة معمار، التي استطاعت وبتنوّع الأدوار التي قدّمتها خلال مسيرتها الفنية، أن تخلق هذا النوع من الثقة بأنها ستقدّم ما يعلق بالذاكرة.

معمار هي "ورد" في "قلم حمرة"، و"عزة" في "الغفران"، للمخرج الراحل حاتم علي، والذي عملياً هو من عرف تماماً ما تستطيع هذه الممثلة تقديمه، وهي "سلام" في "مسافة أمان" لليث حجو، و"قمر" في "الحرملك" للمخرج تامر إسحق، و"بثينة" في "زمن العار" للمخرجة رشا شربتجي... والعديد من الأدوار التي اتّسمت بالمختلف والمتنوع والمتطور أيضاً، بين دور وآخر.

نحن أمام شخصية سنتعاطف معها بلا شك، وتحديداً في الحلقات الأولى، وهي امرأة سورية تعيش في لبنان، وأم لطفلة، زوجها غائب منذ ثماني سنوات، ولا تعلم عنه شيئاً إلا في حلقات متأخرة.

حديثاً، قدّمت سلافة معمار شخصية "ليلى" في مسلسل "عالحد" اللبناني السوري، المكوّن من 12 حلقةً، ومن تأليف لانا الجندي ولبنى حداد، ومن إخراج ليال راجحة، وهذا مدعاة لتأمّل العمل الذي تساهم في صناعته مجموعة من النساء، لذلك كانت للتوقعات علاقة بكيف المرأة تكتب المرأة، خاصةً في شخصية "ليلى"، وما يدور في فلكها، والفلك هنا هو المنزل، وفيه خالتها، وابنة خالتها، وابن خالتها، وابنتها، بالإضافة إلى الصيدلية، وكل من يفتح بابيها، وشقتها الخاصة التي تلتقي فيها بعشيقها زوج صديقتها المقربة، و"ثلجة" اللاجئة السورية، بائعة البونبون في البداية، والسيارة، المكان الوحيد الشاهد على انفعاليتها ودموعها وانهياراتها الخاصة.

فنحن أمام شخصية سنتعاطف معها بلا شك، وتحديداً في الحلقات الأولى، وهي امرأة سورية تعيش في لبنان، وأم لطفلة، زوجها غائب منذ ثماني سنوات، ولا تعلم عنه شيئاً إلا في حلقات متأخرة، فيها ذلك الغضب، أو القهر بشكل أدق، الذي تلمسه في شخصية السوري بشكل عام، تحديداً بعد قيام الثورة، وفيها حنان ومسؤولية، وخدمة متفانية للآخرين. ابتسامتها متصنعة مثل ضحكتها، لكن عملياً، ومنذ بدء الحلقات، لم يسألها عن حالها أحد.

لذلك التتبع في الخط الدرامي لمثل هذه الشخصية، يتحوّل مع التحولات التي تطرأ عليها، ومهما حاولنا الدفاع عنها، سنجد أنفسنا في ورطة لا تقلّ عن ورطتها، فالحد الفاصل بين العدالة وبين الظلم، قد يتشابه، وهنا الفخ الذي نقع فيه كمتلقين ومتلقيات للعمل، وسأتحدث عنه لاحقاً.

حسناً، إن كاتبات العمل قدّمن أكبر مخاوف النساء بشكل عام؛ الاغتصاب، والتحرش الجنسي، والخيانة، والتخلي، كل هذا يحدث في كل حلقة، وكأنها دائرة متصلة، لذلك كمية المشاعر تتأجج، ونقف معها حيناً، وضدها حيناً، ونبكي أحياناً أيضاً، وقليلاً ما نضحك، فقوة العمل في هذا التكامل الذي قد ينغصه أداء بعض الممثلين والممثلات.

قدّمت سلافة معمار شخصية "ليلى" في مسلسل "عالحد" اللبناني السوري، من تأليف لانا الجندي ولبنى حداد، ومن إخراج ليال راجحة، وهذا مدعاة لتأمّل العمل الذي تساهم في صناعته مجموعة من النساء، لذلك كانت للتوقعات علاقة بكيف المرأة تكتب المرأة، خاصةً في شخصية "ليلى"، وما يدور في فلكها

أداء الممثلات

وهنا تجدر الإشارة الى أنه وبكل إنصاف، تفوقت الممثلات على الممثلين في العمل، لكن صباح الجزائري لم تقدّم أفضل أدوارها، وهذا يعود عملياً إلى غياب واضح من قبل إدارة المخرجة لشخصية الجزائري في المسلسل (خالة ليلى) السورية المتزوجة من لبناني.

في المقابل، ثمة بشرى متعلقة أيضاً بوجه على الأغلب سيكون له حضوره، وهنا الحديث عن دوجنا عيسى التي أدّت دور "ثلجة"، وكانت محركاً أساسياً للأحداث وتصاعدها في الحلقات الأولى تحديداً، فهي تمثل معنى استغلال الضعيف، القليل الحيلة، في روح وجسد طفلة لم تكن تبيع سوى البونبون.

مروى خليل أيضاً أدّت دوراً مميزاً يختلف عما قدمته سابقاً، لذلك كانت البطولة للنساء واضحةً، مع تفاوت الأداء بينهن، وتميز كبير لسلافة معمار التي استطاعت أن تعيش داخل كل شخصية في العمل، وتنتقم لأجلهن، لأنها ببساطة لا، في دور "ليلى"، فهي تؤمن بالعدالة القادمة من وراء مكاتب.

هنا الفخ الذي أشرت إليه سابقاً، وهو يتعلق بالانتقام من متحرش، ومغتصب أطفال، وخائن، وهل ستترك العدالة تأخذ مجراها عبر أروقة المحاكم، أم ستخلع شوكك، ووجعك، وقهرك، بيدك؟

الفخ في المسلسل يتعلق بسؤال الانتقام من متحرّش، ومغتصب أطفال، وخائن... هل ستترك العدالة تأخذ مجراها عبر أروقة المحاكم، أم ستخلع شوكك، ووجعك، وقهرك، بيدك؟

هذا السؤال هو ما تركه العمل في نفسي، وهنا تكمن خطورته. من الصعب ألا نبرر ما فعلته "ليلى"، ومن الصعب ألا نخاف من أن يتم القبض عليها، ولكن في الوقت نفسه لن نتحمل فكرة أنها تحوّلت إلى مجرمة، ولا فرق بين المجرمين، والأهم أننا سنعود بفكرة أن لا أحد انتبه لها وللتغييرات فيها، ولم يسألها أحد ببساطة عن حالها. لو سألها أحد، لربما تغيّر كل شيء وقتها، ولربما لم تبدأ بخيانة صديقتها.

يُذكّرنا بـ "قلم حُمرة"؟

من العناصر القوية في هذا العمل، أن وقع الحس فيه أعاد إلى الجمهور علاقته بمسلسل "قلم حُمرة"، للمخرج الراحل حاتم علي، الذي عُرض عبر اليوتيوب، بحيث لم تشترِ حقوق عرضه أي قناة عربية حينها، وعلى الرغم من ذلك حقق نسبة مشاهدات عالية، نافس من خلالها مسلسلاتٍ عربيةً عديدةً، خاصةً أن عرضه كان في شهر رمضان. ومع مسلسل "عالحد"، ثمة ما يشبه حضور الشخصيات، وبالتأكيد الشخصية الرئيسية فيه التي تناجي وتخاطب نفسها كثيراً، وهذا الإحساس هو ما جعل المتلقي يقاربه مع "قلم حُمرة"، على الرغم من الاختلاف الكبير في تفاصيل الصناعة ذاتها، وفي الحكاية طبعاً.

الجمل والمشاهد التي تبقى عالقةً

من ضمن الجمل التي انتشرت ضمن مناجاة ليلى لنفسها وللمشاهدين: "أحياناً في أخطاء بتكون أفضل الخيارات الممكنة... أنا ما عم برر... أنا عم بعيش".

وأيضاً جملة "الخوف مجرد فكرة... وَهم... وهي الحجة اللي منصدقها وبتكتفنا وبتخلّينا عاجزين.

ومن الجمل العالقة أيضاً: "مثل ما بصير معنا كلنا... ما منتعود على شي إلا إذا مات شي فينا".

 تجدر الإشارة الى أنه وبكل إنصاف، تفوقت الممثلات على الممثلين في العمل، لكن صباح الجزائري لم تقدّم أفضل أدوارها، وهذا يعود عملياً إلى غياب واضح من قبل إدارة المخرجة لشخصية الجزائري في المسلسل (خالة ليلى) السورية المتزوجة من لبناني

ومن المشاهد القوية أيضاً، التي كانت في الحلقة الأخيرة تحديداً، المشهد بعد أن تم كشف أمر "ليلى"، وهي مشاهد حوارها مع ابنتها عبر الخاصية المرئية، فهي قررت إرسال ابنتها إلى السويد. في هذا المشهد، يرى المتلقي من هي ليلى الحقيقة، وما الذي عانته وتسبب دائماً في رجفة صوتها وأطراف أصابعها، وعيونها التي تذهب يميناً ويساراً. سيجد المشاهدون/ ات أمامهم امرأةً ببساطة تم انتهاكها بشكل كامل، مثلما حدث مع وطنها.

والكرة في ملعب المتلقي كي يحكم.

في المحصلة، إن مسلسل "عالحد" هو عمل جيد، والنص فيه لربما ستفهمه النساء أكثر من الرجال. أما عن التمثيل، فهو متفاوت، وقوته تكمن في أداء سلافة معمار، وحضورها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel


* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image