شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"خوف دائم وتمييز يصل إلى حد العنف"... روايات متعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأربعاء 19 يناير 202203:31 م

"التهميش والوصمة التي يمكن أن تلاحقني، هي أكثر ما يخيفني. علمت بأنني متعايشة مع فيروس الـHIV، منذ شهرين تقريباً. انتقل إلي من علاقتي مع شريكي. الخبر ليس عادياً، على الرغم من أن وضعي الصحي مستقر".

برسالتين نصّيتين، وبحديث من طرف واحد، تتحدث أليسار باختصار شديد عن قصتها، من خلال "حساب وهمي" على فيسبوك، بعد سؤال على مجموعة مخصصة للنساء، حول نساء يردن مشاركة تجربتهن في التعايش مع فيروس نقص المناعة البشرية.

تقول أليسار في رسالتها: "لا يعرف إلى الآن سوى أربعة أشخاص من أصدقائي المقربين. هاجسي الأول ألا تعرف عائلتي بالأمر. عائلتي لن تتقبل الموضوع، وسيشكل الأمر خطراً على حياتي. العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج من الخطوط الحمراء في البيئة التي خرجت منها. بدأت بأخذ العلاج المقدَّم من البرنامج الوطني لمكافحة الإيدز، وأحاول جاهدةً أن أخفي أدويتي عند وجودي في المنزل".

تتعدد أشكال التهميش والتنميط التي يتعرض لها الأشخاص المتعايشون/ات مع فيروس نقص المناعة البشرية، والفئات الأكثر تهميشاً في المنطقة، كمجتمع الميم-عين، والنساء عرضة للخطر أكثر من غيرهم.

الفيروس التهمة

أليسار هي واحدة من بين 78 ألف امرأة متعايشة مع فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حسب تقرير برنامج الأمم المتحدة المخصص للإيدز، وتشكل نسبة النساء المتعايشات مع فيروس نقص المناعة 33.9%، من بين العدد الإجمالي، وهو 230 ألف شخص. وحسب التقرير، هناك نحو 37.7 مليون شخص متعايش مع الفيروس حول العالم، 53% منهم من النساء.

تتعدد أشكال التهميش والتنميط التي يتعرض لها الأشخاص المتعايشون/ات مع فيروس نقص المناعة البشرية، والفئات الأكثر تهميشاً، كمجتمع الميم-عين، والنساء عرضة للخطر أكثر من غيرهم

ويوضح التقرير أن النساء المعرَّضات للعنف الجنسي، منهن عاملات الجنس، هنّ عرضة لالتقاط فيروسHIV ، أكثر بمرة ونصف من النساء غير المعرّضات للعنف. يرجع ذلك إلى أسباب عدة، منها عدم استخدام سبل الوقاية في أثناء العلاقة الجنسية، وخوف المرأة من أن تقترح على شريكها أو شريكتها سبل وقاية.

ويحذّر التقرير من أن "عدداً كبيراً من النساء المتعايشات مع فيروسHIV، يتعرضن للعنف من قبل أزواجهن وعائلاتهن، وهنّ مهددات بالحرمان من العلاج، وبذلك تنتقل النساء إلى المرحلة الثانية من المرض، أي مرحلة الـAIDS، وهي مرحلة متقدمة من المرض تؤثّر بشكل كبير على الجهاز المناعي".

حدودنا الوطن الأم

"فلتسمّني أملاً. مضى على تعايشي مع فيروس نقص المناعة البشرية خمس سنوات، قررت خلالها أن أركز على الأمل من هذه التجربة، فأخذت التغييرات التي طرأت على حياتي بطريقة إيجابية، وغيّرت مجال عملي، وأصبحت من الناشطات مع الأشخاص المتعايشين والمتعايشات مع الفيروس. أكمل حياتي بشكل شبه طبيعي مع ابني وزوجي، ولا أحب أن يتم نشر اسمي كاملاً لخصوصية الموضوع".

اكتشفت أمل (40 عاماً)، وهي من المغرب العربي، إصابتها بفيروس HIV، صدفةً خلال زيارة عمل لها إلى الإمارات العربية عام 2016. بعد إجراء الفحوصات الطبية اللازمة لتجديد إقامة العمل لها هناك، جاءها اتصال من المختبر يخبرها بضرورة إعادة واحد من الفحوصات بسبب خطأ.

زيارتي الثانية إلى المختبر كانت مثيرةً للريبة. رجال الأمن رافقوني منذ وصولي. أدخلوني إلى غرفة إجراء الفحص، وأقفلوها. نحو ستة أطباء في الغرفة معي، وكذلك رجال الأمن، يهمسون ويرمقونني بنظرات اشمئزاز

"زيارتي الثانية إلى المختبر كانت مثيرةً للريبة. رجال الأمن رافقوني منذ وصولي صباحاً، وأدخلوني إلى غرفة إجراء الفحص، وأقفلوها. نحو ستة أطباء في الغرفة معي، وكذلك رجال الأمن، يهمسون ويرمقونني بنظرات اشمئزاز. سألتهم مراراً وتكراراً ما الذي يحدث، ولماذا كل هذه الإجراءات الغريبة. لا جواب".

بعد إجراء الفحص في المختبر، أخذ رجال الأمن "أمل" إلى غرفة الحجر الصحي في المستشفى، ولكن من دون توضيح السبب. "المعاملة كانت قاسيةً"، أربعة أيام كاملة مكثت فيها "أمل" في الحجر الصحي، والشرطيات يحرسن الغرفة، فيما يدخل الأطباء والممرضون إليها، لإجراء تحاليل إضافية من دون توضيح ما يجري.

تشكل نسبة النساء المتعايشات مع فيروس نقص المناعة، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 33.9%، من بين العدد الإجمالي، وهو 230 ألف شخص

تقول أمل: "بعد هذه الفترة، دخل إليّ رجل الأمن مع الفريق الطبي، ليقولوا لي إنهم اكتشفوا إصابتي بالـAIDS. استغربت الأمر كوني لا أعاني من أي عارض صحي ينبّهني إلى الأمر، وبعد أسئلتي، عرفت أنني متعايشة مع فيروس الـHIV. ليس من السهل أبداً تلقّي هذا الخبر، ولكن ما عشته في تلك الفترة في الحجر قبل معرفتي، كان أصعب بكثير".

تم ترحيل "أمل" قسرياً إلى بلدها المغرب، من المستشفى مباشرة إلى المطار: "وصلت إلى المطار بمرافقة رجال الأمن، ووضعوني في غرفة الحجز، كأنني مجرمة. كان ينقص تكبيلي بالأصفاد. ركبت الطائرة وعدت إلى المغرب".

حسب "أمل"، هي التقطت عدوى الفيروس من زواجها الأول عام 2016، إذ علمت لاحقاً أن طليقها كان على علم بأنه متعايش مع فيروس الـHIV، ولكنه لم يخبرها. تقول: "كنت أراه يأخذ الأدوية خفيةً عني، لكن لم أتوقع أبداً أن يكون متعايشاً مع الفيروس، وعندما حملت بطفلي الأول كان يريد مني إجهاضه من دون توضيح السبب، وبعد فترة قصيرة أجهضت لأسباب صحية، وحصلت على الطلاق، ومنذ ذاك الوقت لم أتواصل معه".

حواجز اجتماعية

توضح "أمل" في خلال حديثها إلى رصيف22، أن "الحواجز التي يمكن أن توضع أمامنا نحن المتعايشات، ليس الفيروس سببها، بل هي اجتماعية بحت، وتختلف حسب المحيط الاجتماعي للنساء. كثيرات هن اللواتي تعرّضن للتمييز والتهميش. لا يمكنني وصف تجربتي في الإمارات، وما عشته هناك، أسبوع كامل في المجهول".

تضيف: "بعد عودتي قررت ألا أسمح لأحد بأن يكرر هذه المعاملة معي. تزوجت مرةً ثانيةً، وزوجي متعايش أيضاً مع فيروس نقص المناعة، وأنجبت طفلي، وسأخبره بعد مدة قليلة بأنني ووالده متعايشان مع الفيروس".

بعد عودتي من الإمارات، قررت ألا أسمح لأحد بأن يكرر هذه المعاملة السيئة معي. تزوجت مرةً ثانيةً، وزوجي متعايش أيضاً مع فيروس نقص المناعة، وأنجبت طفلي، وسأخبره بعد مدة قليلة بأنني ووالده متعايشان مع الفيروس

اختارت أمل أن تنجب طفلها في مستشفى خاص في المغرب، وذلك تجنباً لما يمكن أن تتعرض له من تمييز في المستشفيات الحكومية. فعلى الرغم من أن النساء المولّدات لا يمكن علمياً أن ينقلوا فيروس الـHIV، إلى الطاقم الطبي، ولكن لا تزال النساء عرضةً لهذا النوع من التمييز في الكثير من البلدان".

من أبرز العواقب التي تواجه المتعايشين/ ات مع فيروس نقص المناعة البشرية في الدول العربية، هو عدم قدرتهم على الحصول على إقامة خارج وطنهم الأم، ولا يمكنهم الحصول سوى على تأشيرات سياحية للسفر إلى الخارج. كما أن المتعايشين/ ات يحصلون على علاجهم من الحكومات في البرامج الوطنية، ولكن لا يمكنهم/ ن الحصول على تأمين صحي من أي شركة تأمين.

استبعاد النساء

لفترة طويلة جداً، بقيت ألين تعاني من أوجاع في جسدها، وعوارض كثيرة مثل الحرارة والإرهاق الشديد من دون معرفة السبب على الرغم من كل التحاليل وصور الأشعة التي خضعت لها طوال سنوات.

"عام 2017، كنت أمرّ بعارض صحي شديد، وكان من أصعب ما مررت به. دخلت المستشفى، وأجريت التحاليل اللازمة والمعتادة، إلى أن قرر طبيب أن يجري فحص الـHIV، ليتبيّن أنني متعايشة مع الفيروس طوال هذه المدة".

من أبرز العواقب التي تواجه المتعايشين/ ات مع فيروس نقص المناعة البشرية في الدول العربية، هو عدم قدرتهم على الحصول على إقامة خارج وطنهم الأم، ولا يمكنهم الحصول سوى على تأشيرات سياحية للسفر 

تضيف ألين، خلال حديثها إلى رصيف22: "لو كنت رجلاً كان الفريق الطبي سيجري لي الفحص منذ البداية. من المستبعد بنظرهم أن تكون امرأة متعايشةً مع فيروس نقص المناعة البشرية، ويتردد عادةً الأطباء في إجراء هذه الفحوصات لنا، لهذا تأخّر تشخيصي، وامتدت معاناتي".

فكرت ألين بدايةً بردة فعل المجتمع، وهي لبنانية وتعيش في لبنان، أو في ما يمكن أن تتعرض له من تمييز أو تهميش: "ليس من السهل أن تسمعي بالخبر، ولكن نوعاً ما ارتحت لمعرفة سبب تدهور صحتي، فأخبرت والدتي بالأمر، وشرحت لها وضعي الصحي، وهي الآن من الداعمين لي".

بعد شهرين، خرجت ألين من المستشفى، وأصبحت ناشطةً في مجال المتعايشين والمتعايشات مع فيروس الـHIV. تقول: "بعض الأشخاص قطعوا علاقتهم بي، بعدما عرفوا بأنني أحمل الفيروس، فكثيرة هي المعتقدات الخطأ عن هذا الموضوع، وخاصةً طريقة انتقاله. لا أقبل أن يكون هذا الفيروس وصمةً للنساء أو الرجال، لذلك أحب دائماً أن أتحدث عن هذه القضية، وأستمد قوتي من هذه التجربة".

لا تعلم ألين كيف انتقل إليها فيروس نقص المناعة البشرية: "ربما انتقل إلي بعد سفري إلى الهند، حيث رسمت وشماً على جسمي، وقد يكون من علاقة جنسية سابقة. معرفة كيفية انتقال الفيروس إلي شكّل هاجساً بدايةً، وخضعت للعلاج النفسي بسببه، ولكن مع الوقت بدأت أتقبّل الأمر".

لا تنكر ألين الضغوط التي يمكن أن تتعرض لها المتعايشات مع فيروس الـHIV. تقول: "هناك بعض الفتيات المتعايشات، لا ينزلن إلى المركز الصحي في الكرنتينا لأخذ علاجهن، خوفاً من أن يراهن أحد من عائلاتهن".

"تابو" التثقيف الجنسي

تؤمّن حكومات الدول العربية العلاج كله للمتعايشين/ ات مع فيروس نقص المناعة البشرية في برامجها الوطنية، ولكن تشير المنسّقة الإقليمية في جمعية MENA ROSA، ريتا وهاب، لرصيف22، إلى أن "هناك ضعفاً في المعلومات حول فيروس نقص المناعة البشرية لدى المجتمعات في الشرق الأوسط والعالم العربي، بالإضافة إلى تراجع التثقيف الجنسي وطرق الوقاية التي قد تؤدي إلى توسع انتشار الفيروس، بالإضافة إلى تراجع نسب التحاليل التي تكشف عنه".

وتوضح وهاب: "كثيرات هن النساء اللواتي يحملن الفيروس من شريكهن، ولا يعلمن بذلك، وقد يكونون حوامل، وهنا تكمن ضرورة إجراء الفحوصات للمرأة الحامل في بداية حملها، لأن على المتعايشة مع الفيروس في بداية حملها (أول ثلاثة أشهر)، أن تأخذ علاجاً يمنع انتقال العدوى إلى الجنين".

بعض الفتيات المتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية، لا ينزلن إلى المركز الصحي لأخذ علاجهن، خوفاً من أن يراهن أحد من عائلاتهن

النساء المتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عرضة للعنف والتمييز من قبل المجتمع، هذا ما يشدد عليه كلٌّ من وهاب وداني حنا المتخصص في الدفاع عن الفئات المهمشة المتعايشة مع فيروس نقص المناعة البشري.

يحذّر حنا، من ممارسات قد تحرم بعض النساء من الحصول على العلاج، وهو شكل من أشكال العنف الموجّه ضد المتعايشات مع فيروس نقص المناعة البشرية. ويضيف مدير تحالف ميم في المؤسسة العربية للحرية والمساواة: "جزء من الجسم الطبي لا يُجري فحص كشف الفيروس لدى النساء باكراً، خاصةً في الدول العربية، بل يتم أجراؤه للرجال أكثر، نظراً لاستبعاد فكرة أن تكون النساء متعايشاتٍ مع الفيروس على الرغم من أن الأرقام تشير إلى عكس ذلك". 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard