شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
MAIN_Ennahda

هل يكون توقيف نور الدين البحيري ورقة ضغط لصالح حركة النهضة؟

MAIN_Ennahda

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 19 يناير 202204:48 م

توحي البيانات الحقوقية المُنددة بما تصفه بـ"اختطاف" القيادي البارز في حركة النهضة الإسلامية في تونس، ووزير العدل الأسبق، نور الدين البحيري، بأن الأخيرة نجحت نسبياً في كسر العزلة التي كانت تعيشها بعد الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، عندما جمّد الرئيس قيس سعيّد أعمال البرلمان، ورفع الحصانة عن نوابه، وأقال الحكومة المدعومة من النهضة برئاسة هشام المشيشي، بعد أن فعَّل الفصل 80 من الدستور الذي ينظّم حالة الاستثناء.

كونها خارجةً من رحم جماعة الإخوان المسلمين، تبحث النهضة دائماً عن العزف على وتر المظلومية، ما جعلها تترصد فرصةً تستعيد بها أجواء الاشتباك مع نظامي الرئيسين الراحلين الحبيب بورقيبة، وزين العابدين بن علي، وهو ما يُمكّنها من تحقيق نجاحات عدة، على غرار كسب عطف الناس، بما يسمح بتوسيع قاعدتها الشعبية التي أخذت تتآكل في السنوات الأخيرة، وأيضاً التخلّص من الأزمة الحالية التي يعيشها "البيت النهضوي"، بسبب محاولات رئيسه راشد الغنوشي المتكررة للتمديد له على رأس الحزب.

كسر للعزلة

منذ بدء المواجهة الفعلية بين الرئيس سعيّد والنهضة، في الأيام الأخيرة لحكومة إلياس الفخفاخ في 2020، بدت الحركة وكأنها تعيش عزلةً خارجيةً، إذ نبذها حلفاؤها قبل خصومها، بالإضافة إلى الغضب الشعبي المتنامي إزاء سياساتها، فبعد عشر سنوات من قيادة الحكومات، باتت الحركة في مرمى الاتهامات بسبب التدهور الحاد الذي يعرفه الاقتصاد التونسي، والبنية التحتية، وغيرها، لكنها لم تكترث، وفضّلت المضي قدماً في المواجهة.

استقال الفخفاخ بعد أن دفعته النهضة، وذلك إثر محاولات لإقحام حزب قلب تونس، برئاسة نبيل القروي، وهو رجل أعمال بارز وهارب حالياً خارج البلاد، في التحالف الحكومي، في خطوة رفضتها بقية مكونات التحالف، لتقدّم الحركة بعد ذلك مرشحها للرئيس سعيّد لرئاسة الحكومة الجديدة، مثلها مثل أحزاب أخرى، لكن سعيّد كان له رأي آخر، إذ دفع بوزير داخليته السابق هشام المشيشي إلى المنصب، في محاولة لتحجيم الأحزاب، لكن الرجل سرعان ما ارتمى في أحضان النهضة، وقلب تونس، وحليفهما الفتي ائتلاف الكرامة.

جعل هذا الوضع سعيّد يدخل في معركة ليّ أذرع مع النهضة، على أكثر من صعيد، على غرار المحكمة الدستورية، والتعديل الوزاري الذي أجراه المشيشي بضغطٍ من الحركة الإسلامية التي كان واضحاً أنها تُراكم غضب الشارع الذي خرج في أكثر من مناسبة للتنديد بالحكومة، وبمكوناتها، وبحالة الوهن التي باتت تعرفها البلاد.

جاء الخامس والعشرون من تموز/ يوليو الماضي، لتقطف النهضة ثمار هذه التحركات، إذ باتت تعيش على وقع عزلة بدت واضحةً من خلال دعوة الغنوشي أنصار الحزب إلى الاحتشاد أمام البرلمان، لكن لم يستجب له سوى العشرات، بالإضافة إلى رفض الأحزاب السياسية والنقابات، على غرار اتحاد الشغل، والتيار الديمقراطي، وحزب العمال، وغيرها، التنسيق مع حزبه لمواجهة الواقع السياسي الجديد.

ولادة جديدة؟

لكن، منذ الحادي والثلاثين من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تاريخ وضع نائب الغنوشي نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية، وجدت النهضة نوعاً من التناغم مع بعض الأوساط السياسية في البلاد، والتي يصفها البعض عادةً بأنها من "وكلاء وحلفاء" الإسلاميين، وأيضاً مع أوساط حقوقية.

وعكس ذلك بوضوح تنديد قيادات حزبية في تونس بطريقة التوقيف، وأيضاً بيان منظمة "هيومن رايتس ووتش" الذي أصدرته في السابع من كانون الثاني/ يناير الحالي، ودعت فيه تونس إلى "الإفراج الفوري عن البحيري المحتجز تعسفياً"، وفق وصفها.

وعلى الرغم من توجيه بعض الأوساط السياسية في تونس سهام النقد إلى المنظمة، عادّين أنها مقربة من الإسلاميين، إلا أن الواضح أن النهضة نجحت بتصعيدها، في استقطاب سعيّد إلى ميدان تُجيد التحرك فيه، فالحركة تريد اللعب على وتر المظلومية، لحشد دعم حقوقي، وحتى دولي، وهو ما سعت إليه في السابق بمناشدة الإدارة الأميركية التدخل وفرض عقوبات على سعيّد.

منذ وضع نور الدين البحيري قيد الإقامة الجبرية، وجدت حركة النهضة نوعاً من التناغم مع بعض الأوساط السياسية في تونس، والتي يصفها البعض عادةً بأنها من "وكلاء وحلفاء" الإسلاميين

ويرى المحلل السياسي، محمد صالح العبيدي، أن "توقيف البحيري، وبهذه الطريقة الاستعراضية، ومن دون توجيه تهم رسمية إليه، يمنح الحركة هامشاً من الأريحية، فهي بصدد لعب دور المظلومية".

وبدوره، رأى بشير العبيدي، الكاتب العام للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن "الرابطة تعارض طريقة توقيف البحيري، وهذا الرفض مبدئي لتطبيق المرسوم عدد 50 لسنة 1978، وكنا بلّغنا سواء الرئيس الحالي قيس سعيّد، أو غيره، بتصورنا، وبمقترح لتغيير هذا المرسوم. هذا القانون غير دستوري، وغير إنساني أيضاً، ولا ينسجم مع المعاهدات والمواثيق لاحترام الحرية وظروف المحاكمة العادلة، لذلك نحن نرفض طريقة التوقيف".

وشدد بشير العبيدي، في حديث إلى رصيف22، على أنه ''والرابطة مع محاكمة كل "المجرمين" (المشتبه بهم)، ومن بينهم البحيري وغيره من قيادات النهضة، ومن يواجهون تهماً بشأن التسفير إلى بؤر التوتر، وغيرها، لكن مع توفير شروط المحاكمة العادلة. لا ينبغي السماح لهؤلاء بالاستفادة من لعب دور الضحية. من دون شك، النهضة استفادت من وضع البحيري قيد الإقامة الجبرية".

إرجاء الخلافات

قبل توقيف البحيري، كانت النهضة تعيش على وقع أزمة داخلية حادة في ظل تشبّث رئيسها الغنوشي بالتمديد له، وهو ما يخالف النظام الداخلي للحزب، ما جعل الأخير يشهد موجة استقالات جماعية وفردية لقيادات مؤسِّسَة، وأخرى بارزة على غرار لطفي زيتون، وعبد الحميد الجلاصي، وسمير ديلو، وعبد اللطيف المكي، وغيرهم.

غير أن توقيف البحيري سمح للقيادة الحالية للحركة بأن تدفع الجميع لإرجاء تلك الخلافات، وفقاً لمحللين، إذ يقول محمد صالح العبيدي، إن "الجماعات الإسلامية معروفة بتضامنها الداخلي وقت الأزمات، وهذا ما جعل قياداتٍ مستقيلةً من النهضة تعود للتضامن مع البحيري، والنهضة في الوقت نفسه، ولعل ديلو أبرز مثال على ذلك".

ويُعدّ ديلو من فريق الدفاع عن البحيري، وكثّف من تحركاته في محاولة للضغط على الحكومة على ما يبدو إذ ما انفك يُندد بعدم إطلاق سراحه.

مع ذلك رأى محمد صالح العبيدي، في تصريح لرصيف22، أن الحركة لن تعود إلى تماسكها المعتاد، قائلاً: ''ستسمح لها الملاحقات الحالية والمحتملة في المستقبل، بتأجيل الخلافات فحسب. النهضة انتهت سياسياً، ونبذها الشارع حتى قبل الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي''.

وكانت الخلافات قد تفجّرت داخل النهضة، وخرجت إلى العلن العام الماضي، بسبب دعوة الغنوشي إلى عدم الترشح للتمديد له في منصب رئيس الحركة، لكنه تشبّث بذلك قبل أن يتعهد بتنظيم المؤتمر الحادي عشر قبل نهاية العام الماضي، وهو ما لم يتحقق.

وأفضى ذلك إلى ما يشبه الزلزال الداخلي، إذ قدم 113 قيادياً استقالتهم في أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي، قبل أن يلتحق بهؤلاء 16 عضواً من مجلس شورى الحزب قرروا تجميد عضويتهم، وسط تبادل للتهم بشأن تفرد الغنوشي بالرأي.

بوادر تحالفات جديدة؟

يُعيد التضامن مع حركة النهضة وقياداتها إلى الواجهة فرضية تحالف بعض الأطراف السياسية في تونس معها، وهو ما حصل حالياً مع بعض الأحزاب، على غرار الحزب الجمهوري برئاسة عصام الشابي، وحركة أمل برئاسة أحمد نجيب الشابي، وغيرهم، وهو ما يُذكّر التونسيين بتحالف 25 تشرين الأول/ أكتوبر 2005، المناهض للرئيس الراحل بن علي.

وتحالفت وقتها النهضة مع أحزاب قومية وأخرى يسارية، وخاضت قياداتها إضراباً عن الطعام، للاحتجاج على الوضع الحقوقي.

يرى المؤرخ والمحلل السياسي محمد ذويب، أن ذلك غير مستبعد، "فنجيب الشابي مثلاً، متحالف مع النهضة منذ الخامس والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، لكن يبقى السؤال الأهم: أي وزن لهؤلاء؟ الإخوان والشابي وحزباهما مثلاً، لا وزن سياسياً ولا شعبياً لهما، لذلك سيكون تحالفاً لا فاعلية ولا نجاعة له، ولن يقدر على تغيير الواقع".

توقيف نور الدين البحيري نائب رئيس حركة النهضة، قد يؤدي إلى إحياء فكرة "المظلومية" التي عاشت عليها حركة النهضة خلال حقبة الديكتاتورية. فهل تجد "شرعية" جديدة في أوساط الشارع التونسي؟

وحسب وجهة نظر ذويب، فإنه "إذا نجح القضاء التونسي أيضاً في إثبات التهم على البحيري، ستفقد حركة النهضة أي هامش للمناورة، وتنكشف المسرحية السمجة التي تمارسها، ولن يكون لهذه التحالفات أي تأثير وقتها".

وتدعو النهضة وأحزاب سياسية أخرى معارضة للرئيس سعيّد، إلى التعبئة، وكانت أبرز محطاتها مظاهرات الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير الحالي، لإنهاء ما يصفه هؤلاء بالانقلاب، واحتفالاً بتاريخ إحياء الثورة الذي غيّره الرئيس قيس سعيّد.

وفي مواجهة الانتقادات بشأن طريقة التوقيف وغيرها، كانت السلطات التونسية قد قالت على لسان وزير الداخلية، توفيق شرف الدين، خلال ندوة صحافية، إن "القضاء لم يتعاون معنا عندما أحلنا عليه ملفاً متكاملاً. لقد أصبح هؤلاء يمثّلون خطراً على الأمن العام"، ليكرر بعدها الرئيس سعيّد انتقاده للقضاء، وخاصةً المجلس الأعلى للقضاء الذي يبدو أنه دخل في مواجهة مباشرة مع سعيّد.

وتعكف السلطات التونسية على تغيير القانون الأساسي للمجلس، وهو ما يرفضه الأخير، ما دفع مؤخراً بمطالبات لحل المجلس الأعلى للقضاء، محملوً إياه مسؤولية التباطؤ في حسم بعض القضايا الحساسة، على غرار الاغتيالات السياسية التي طالت قياديين يساريين، هما شكري بلعيد ومحمد البراهمي، والقيادي في حركة نداء تونس لطفي نقض.

وقال بشير العبيدي: "ما دام المجلس الأعلى للقضاء بهذه التركيبة، وفي هذا الوضع، سوف تستمر التعطيلات إلى أبعد حد. المشكلة في المجلس المتردّد، وفي أنه في الكثير من الحالات يحاول التغطية على بعض رؤوس الفتنة، مثل بعض القضاة"، مضيفاً: "لابد من حل مشكلة المجلس الأعلى للقضاء، ولا بد من أن يُحلّ، وتتم إعادة تشكيل هيئة أخرى تقوم بمهمته، حتى يتنفس القضاء، ويجد القضاة الشرفاء السبل لفتح قضايا الفساد والاغتيالات وغيرها". 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard