لا يمكن لأي مدينة أخرى خارج الحدود الإيرانية أن تنافس هذا العالم الصغير النابض بالحياة والجامع لحياة الإيرانيين من مختلف الأطياف. "تهرانجلوس" عاصمة الإيرانيين في الولايات المتحدة، وموطن لمجتمع يضم ما لا يقل عن 700 ألف إيراني، يعود تاريخه إلى أكثر من نصف قرن. إنه أحد أكبر الأحياء الإيرانية في لوس أنجلوس الأمريكية، الاسم غير الرسمي له "تهرانجلوس"، ويُطلق عليه أيضاً "بلاد فارس الصغيرة" (Little Persia). يقع الحي الإيراني عند تقاطع Westwood Boulevard و Wilkins Streetفي مدينة لوس أنجلوس. وأطلقت هذه المدينة على التقاطع اسم "تقاطع الطرق الفارسي" عام 2009. ورغم أن "تهرانجلوس" هو أحد الأحياء في مدينة لوس أنجلوس إلا أن البعض صار يطلق هذا الاسم على المدينة نفسها، تلميحاً إلى وفرة الإيرانيين فيها!
بداية الهجرة إلى لوس أنجلوس
أصبحت لوس أنجلوس قاعدة صناعة الثقافة الشعبية الإيرانية العالمية منذ انطلاق الثورة الإسلامية في إيران (1979)، عندما هاجر (هرب) آلاف الفنانين والموسيقيين الإيرانيين من وطنهم إليها، وسط حالة من عدم اليقين السياسي وصعود حكومة ذات موقف معارض تجاه موسيقى وثقافة البوب.
في السنوات التي تلت ذلك، أنشأ الإيرانيون في الولايات المتحدة شركات تسجيل وصالات موسيقى، وبحلول التسعينيات أصبحوا يبثون القنوات الفضائية الفارسية حول العالم ومباشرة إلى إيران.
وعلى الرغم من أن إيران ما بعد الثورة لديها صناعة قوية في الإنتاج السينمائي والموسيقي والفني، إلا أن لوس أنجلوس لا تزال مؤثرة بشكل كبير في تشكيل اتجاهات الثقافة الإيرانية عبر العالم، إذ لا يشمل هذا 75 مليون إيراني في إيران وحسب، بل یرتبط بما يقدر بـ3 ملايين إيراني استقروا في دول ومناطق مختلفة مثل السويد والإمارات العربية المتحدة وفرنسا وبريطانيا وتركيا وإسرائيل، بالإضافة إلى الولايات المتحدة.
ويستوود من أفضل الأماكن لتجربة الحلويات الإيرانية، وخاصة الآيس كريم الإيراني. وأفضل النكهات المتعلقة به هي الخلطة اللذيذة مع ماء الورد الممزوج بالفستق والقشطة، أو الآيس كريم مع عصير الجزر
برزت تهرانجلوس كعلامة خاصة بين المناطق التي تحتضن الإيرانيين في خارج بلادهم، وبينما انتشرت مراكز كـ"تهرانتو" في تورنتو الكندية، وفي دبي، وغيرهما، فإن لوس أنجلوس لا تزال فريدة لا مثيل لها في هذا المجال.
منذ الستينيات عندما بدأ الطلاب الإيرانيون الحاصلون على مُنح حكومية في اختيار الاستقرار في لوس أنجلوس بدلاً من العودة إلى ديارهم، انتشر الأمريكيون الإيرانيون عبر النسيج الحضري مترامي الأطراف للمدينة، وقاموا ببناء بيوت في مجموعة متنوعة من المناطق المختلفة.
جلبت ثورة 1979 الموجة الكبيرة الثانية من الاستيطان الإيراني، وتلتها عشرات الآلاف بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، حيث قدم الكثيرون إلى هنا بحثاً عن الاستقرار والفرص الاقتصادية. وخلال سنوات لاحقة، تراجعت هجرة الإيرانيين ببطء إلى لوس أنجلوس، لكن الآلاف لا زالوا يواصلون تجربة حظّهم هنا، بين من انضموا إلى العائلات، ومن قدموا باحثين عن حياة أفضل، فأنشأوا مجتمعات إيرانية في هذه المدينة.
وبينما تتمركز أقدم وأعرق المجتمعات الإيرانية في غرب لوس أنجلوس وتحديداً حول "ويستوود" و"بيفرلي هيلز"، لكن اليوم المراكز الإيرانية أصبحت منتشرة في جميع أنحاء المدينة.
يقدم هذا المقال جولة قصيرة في 5 أحياء رئيسية في لوس أنجلوس، وهي ويستوود، وبيكو روبرتسون، وغلينديل، وإنسينو، وإيرفين؛ جولة بين الأذواق والروائح والأصوات التي تظهر أجزاء فريدة ومهمة من المجتمع الإيراني القاطن هنا.
ويستوود
حي ويستوود هو الحي الأكثر ازدحاماً بين الأحياء الأخرى التي تستضيف الإيرانيين في هذه المدينة، ويتميز بإمكانية المشي فيه سيراً على الأقدام أسهل وأكثر مقارنة بالأحياء الأخيرة.
هذا الحي هو القلب النابض للمجتمع الإيراني في المدينة، لدرجة أن أهل المدينة أطلقوا على هذه المنطقة "الساحة الفارسية" قبل بضع سنوات. كما أنه معقل لمؤيدي النظام الملكي السابق والأشخاص الذين يحبون أن يقدمون أنفسهم: "Persian" أو فارسيون.
شارع ويستوود مليء بمتاجر الموسيقى والمكتبات التي تقدم أحدث ألبومات موسيقى البوب الإيرانية
شارع ويستوود مليء بمتاجر الموسيقى والمكتبات التي تقدم أحدث ألبومات موسيقى البوب الإيرانية، سواء من الصناعة التي تتخذ من لوس أنجلوس مقراً لها أو التي تصل مباشرة من طهران.
يسهل العثور هنا على صفوف تعليمية لآلة السيتار أو الآلات الإيرانية التقليدية الأخرى، وكذلك الملابس والمفروشات والهدايا المزخرفة بالخط الفارسي والتصاميم التقليدية، ومحلات بيع السجاد.
في قلب كل ذلك يوجد كنيس إيراني كبير، ما تشير إلى أن لوس أنجلوس تستضيف أكبر جالية يهودية إيرانية في العالم.
ويستوود أيضاً هو مركز الطهي الإيراني في لوس أنجلوس. تقدم مطاعم مثل Flame و Shahrzad و Shamshiri وغيرها فرصاً للزائرين لتجربة أي من الأطباق الإيرانية اللذيذة، من الفِسِنجون (الدجاج المطبوخ في مرق الجوز والرمّان) إلى الأرز مع السمك، وآلبالو بُلو (الأرز مع الكرز والدجاج أو اللحم) وغيرها.
كما يُعدّ هذا الحيّ أحد الأماكن القليلة خارج إيران الذي يمكن العثور فيه على وجبات سريعة إيرانية، وهي فريدة من نوعها. يمكنكم هنا تتناول البيتزا والبرغر على الطريقة الإيرانية. و"البيتزا الفارسية" كما يسمونها، كبيرة الحجم، ويُفضَّل تناولها بعد تغطيتها بالكاتشب والمايونيز، وأفضل مكان لتجربتها هو مقهى "كلاسيه".
الأهم من ذلك هو أن ويستوود من أفضل الأماكن لتجربة الحلويات الإيرانية، وخاصة الآيس كريم الإيراني (بَستَني). أفضل النكهات المتعلقة بالآيس كريم الإيراني هي الخلطة اللذيذة مع ماء الورد الممزوج بالفستق والقشطة، أو الآيس كريم مع عصير الجزر.
وإن كنتم تبحث عن شيء أكثر حلاوة، فإنه "الفالوده"، الذي يتكون مما يشبه "النودلز" المجمد مع ماء الورد، كما أن هناك كرات معسّلة (البامية)، وكلاهما خياران جيدان للتحلية.
صور محمد رضا شاه بَهلوي منتشرة في بعض المتاجر إلى جانب علم إيران قبل عام 1979 (الثورة الإسلامية). وعلى الرغم من أن هذا المجتمع يسبق الثورة الإيرانية، إلا أن هجرة النخبة العلمانية الإيرانية المؤيدة للشاه والطبقات الوسطى العليا من المجتمع الإيراني هي التي أعطت المنطقة شكلها الحالي، والتي جعلتها منطقة ذات رفاهية.
جلبت ثورة 1979 الموجة الكبيرة الثانية من الاستيطان الإيراني، وتلتها عشرات الآلاف بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، حيث قدم الكثيرون إلى هنا بحثاً عن الاستقرار والفرص الاقتصادية
وهناك شارع بيفرلي هيلز الثري الذي يقال بأن خُمس سكانه إيرانيون، وأن ثلث طلاب مدرسة بيفرلي هيلز الثانوية إيرانيون أيضاً، كما أن إجازة الطلاب الربيعية السنوية تتزامن مع رأس السنة الإيرانية (نوروز).
بيكو
لا يفصل حي بيكو روبرتسون، وويستوود إلا بضع بنايات فقط، وهذا الحي قلب الجالية اليهودية الأرثوذكسية في لوس أنجلوس.
يصف حوالى 80.000 يهودي إيراني، لوس أنجلوسَ بأنها موطنهم، ويشكلون ما لا يقل عن 10٪ من إجمالي الجالية الإيرانية. عدد اليهود الإيرانيين في لوس أنجلوس ينافس تل أبيب الذي يبلغ عدد سكانها الإيرانيين اليهود حوالى خمسين ألفاً، وطهران التي تضم حوالى عشرين ألفاً منهم. وهذا هو المكان الذي ستجدون فيه طعام اليهود الحلال "كوشير" على الطريقة الإيرانية.
هنا اندمج اليهود الإيرانيون مع الجالية اليهودية الأرثوذكسية الأمريكية بطريقة لم يسبق لها مثيل في أي مكان آخر. وأصبح المكان مركزاً للمجتمع اليهودي الإيراني، والذي تشبه الحياة فيه الحياةَ اليهودية في طهران والقدس أكثر مما تشبه حياة الإيرانيين في ويستوود المجاورة.
غلينديل
ويقع حي غلينديل وسط مدينة لوس أنجلوس، وهو قلب المجتمع الأرمني. هنا يسكن الأرمن القادمون من أرمينيا وروسيا إلى جانب الأرمن الإيرانيين الذين يبلغ عددهم 50 ألفاً، ويضمّ المكان كذلك الأرمن من كلٍّ من لبنان وفلسطين والعراق وسوريا.
قلب المنطقة الإيرانية الأرمنية في مدينة لوس أنجلوس هو مطعم Raffi's، الذي يقع في حديقة في وسط غلينديل، ويشتهر بالكَباب (المشاوي) الإيراني اللذيذ، وأجوائه الجميلة.
ويعد Nersses Vanak مكاناً رائعاً للحصول على تحفة أخرى في هذا الحي: "ديزي" أو "آبگوشْت"، وهو عبارة عن حساء لحم يُقدم بطريقة فريدة. من الصعب أن تجدوا "ديزي" جيداً خارج إيران، فاستمتعوا به هنا!
إنسينو
في شمال جبال سانتا مونيكا في وادي سان فرناندو، توجد أحياء إنسينو وتارزانا ووودلاند هيلز، ذات الكثافة السكانية الإيرانية. التأثير الإيراني هنا ملحوظ في اللافتات الكبيرة باللغة الفارسية التي تغطي العديد من مراكز التسوق وإعلانات المطاعم المتخصصة في الكباب.
إنسينو عبارة عن مزيج متجانس من الإيرانيين والأرمن (وغيرهم) والروس والإسرائيليين.
عندما تصلون إلى وسط الحي، هناك معلمان رئيسيان يستحقان الزيارة؛ الأول هو سوق وودلاند هيلز، وهو سوبر ماركت كبير لديه محطة بيع للكباب الإيراني في الداخل، ومجموعة رائعة من الأطباق إيرانية الصنع في الولايات المتحدة.
تغطي الجدران الإعلانات الخاصة بالحفلات الفارسية، وهناك منضدة لبيع تذاكر الحفلات، كما أنها تعتبر نقطة بيع حصرية لأشهر إنتاجات موسيقى البوب الإيرانية في لوس أنجلوس.
هنا تجدون أيضاً الخبز الإيراني من الدرجة الأولى بأنواعه من خبز "البَربَري" اللذيذ إلى "لَافاش"، وأنواع أخرى.
يوجد في الشارع أيضاً صف من المقاهي والمطاعم ومحلات العصائر والآيس كريم الإيرانية، وكلها تعكس أحدث اتجاهات الطهي في إيران (والتي تختلف مع النسخة التقليدية من المأكولات الإيرانية في أماكن أخرى من المدينة).
أما المكان الثاني الذي يجب زيارته هنا هو "The Spot" (يُدعى "یاران" باللغة الفارسية)، وهو عبارة عن مقهى كبير لتدخين النرجيلة في الهواء الطلق، مليء بالأسرّة الفارسية الخاصة بالجلوس، وهي أسرّة كبيرة يجلس عليها المدخنون ويسهرون إلى وقت متأخر من الليل مستلقين على الأسرّة! وهو أمر شائع في إيران، ولكن يصعب العثور عليه في الولايات المتحدة. هنا يتسكع الإيرانيون حتى الصباح.
هذا الحي، هو أفضل مكان للحصول على "البِرياني" الإصفهاني في عطلات نهاية الأسبوع
هذا الحي، هو أفضل مكان للحصول على "البِرياني" الإصفهاني في عطلات نهاية الأسبوع. والبرياني الإصفهاني يختلف عن البرياني في جنوب آسيا، فهو نوع خاص من لحم البقر المفروم والدسم، يقدم في قطعة خبز.
محل البرياني مليء بالتذكارات الإيرانية مثل التذكارات الصوفية والملابس الإيرانية الشعبية وصور لا حصر لها للإيرانيين المشهورين.
إيرفين
المحطة الأخيرة في جولتنا السريعة في تهرانجلوس هي إيرفين. هذا الحيّ موطن لنوع مختلف إلى حد ما من المجتمع الإيراني، وهم للإيرانيون الذين سئموا حركة المرور في لوس أنجلوس، وهربوا إلى الضواحي، أو أولئك الذين وصلوا مؤخراً من إيران واختاروا حياً أقل تعقيداً من الناحية الأيديولوجية في لوس أنجلوس، للاستقرار فيه.
في حين أن الملكيين متمسكون جدّاً في سياساتهم ومواقفهم في الأحياء الأخرى في لوس أنجلوس، إلا أن إيرفين يسكنه الكثيرُ من المهاجرين الإيرانيين الجدد الذين هم أقل حماساً في الأيديلوجية مقارنة بالآخرين، ومن همومهم الكبرى أن يحسّنوا وضعهم الاقتصادي.
هنا يمكنكم أيضاً، العثور على خمور إيرانية (العرق الإيراني المصنوع من الزبيب). في إيران، يمزح الناس قائلين إن العرق هو المشروب المفضل، لأن كل شيء آخر باهظ الثمن ولا يمكن تهريبه.
وبينما تتنافس محلات السوبر ماركت الإيرانية في لوس أنجلوس، قامت شركة Wholesome Choice بإضفاء الطابع الفارسي على مأكولاتها، كما أنشأت محطة طعام صغيرة بها طعام صيني وهندي ومكسيكي وإيراني.
أفضل وقت لزيارة الأحياء الإيرانية هي بعد مرور 13 يوماً من عيد نوروز، ففي اليوم الثالث عشر من العيد يتجمع الإيرانيون تقليدياً بشكل جماعي في الحدائق والجبال وأي مساحة خضراء أخرى من الصباح إلى المساء، ويسمّى هذا اليوم في الفارسية "سيزدَه بِدَر". وفي هذا اليوم من كل عام تستضيف كثير من المتنزهات في جميع أنحاء لوس أنجلوس عشرات الآلاف من المحتفلين الإيرانيين.
لم يكن هذا سوى لمحة موجزة عن ثراء الحياة الإيرانية الأمريكية في لوس أنجلوس، في محاولة لمنح الزائرين إحساساً بالجغرافيا المتنوعة لعاصمة المجتمع الإيراني في أميركا.
لا شك أن الحياة الإيرانية ـ الأمريكية اليوم لها أبعاد أكثر بكثير مما عُرضت هنا. ولكن هذه لأماكن بداية جيدة لتجربة وتذوق طهران الحديثة وجمالها ومجدها وغرابتها خارج الحدود الإيرانية.
باعتباري عضواً من الجالية الإيرانية في لوس أنجلوس، فإن كل ما كتبته مليء بأقصى درجات الحب والاحترام لمجتمع نجا من ثورة، وتمكن من إعادة بناء نفسه في المنفى على بعد آلاف الأميال من موطنه. لقد نشأ هؤلاء الإيرانيين على أحلام إيران بذكرياتهم وحنينهم إلى الماضي، وخلقوا عالماً في حد ذاته، مكاناً يشبه إيران ما قبل 1979 أكثر مما يشبه إيران ما بعد هذا العام. وكانت النتيجة شيئاً غير متوقع، بل رائعاً؛ نكرهك، نحبك، لكن في نهاية المطاف، لا يمكننا الابتعاد عنك يا تهرانجلوس.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 22 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.