شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!

"هتالرة عرب"... كيف عملت الدعاية الإسرائيلية على الربط بين هتلر وقادة عرب؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

السبت 19 فبراير 202210:56 ص

في كتابه "ما يفوق الوقاحة: إساءة استخدام اللا سامية وتشويه التاريخ"، يستنكر الكاتب نورمان فنكلستاين، وهو ابنٌ لناجٍ من الهولوكوست، الطريقة الابتزازية التي تتعامل بها الصهيونية مع الهولوكوست، وكيف أنه "في تطور شديد الغرابة، والشذوذ، أصبح الفلسطينيون والعرب عموماً، يُعَدّون مذنبين بصفة مباشرة بارتكاب الهولوكوست، أو يُنظَر إليهم كذرّيةٍ لمرتكبيها".

ويروي أنه "في عشية حرب عام 1948، وصف بن غوريون أعداء الصهاينة بأنهم تلاميذ لهتلر، بل معلمون له، ولا يعلمون سوى طريقة واحدة لحل المشكلة اليهودية، ألا وهي التدمير الكامل، كما كان سعي بن غوريون الدؤوب في محاكمة (المسؤول النازي الذي اختطفه الموساد من الأرجنتين ليُحاكم في إسرائيل، أدولف) أيخمان، هو إثبات أنها ستكشف عن الصلة بين النازيين، وبعض الحكام العرب".

وصل الأمر، كما وصفته الكاتبة إديث زرتال، إلى تشويه صورة الهولوكوست بصفة كبيرة، والتقليل من حجم الفظائع التي ارتكبها النازيون، وإضفاء تفاهة على عذابات الضحايا والناجين، من أجل إضفاء سمات شيطانية على العرب، وقادتهم.

في كتابه "الأمل والذاكرة: خلاصة القرن العشرين"، يشرح الفيلسوف تزفيتان تودروف، السلطة اللغوية التي تفرضها كلمة "نازي". ففضلاً عن كونها تعبيراً شعبياً مرادفاً لـ"وغد"، أو "سافل"، إلا أنها تستدعي شخصية الزعيم النازي أدولف هتلر، التي تصلح في جميع الأغراض. ويقول إنه على الرغم من أنه من المفترض أن تكون إبادة اليهود حدثاً فريداً لا يتكرر، فإن إسرائيل لا تنفكّ عن بعثه من جديد، كلما مات، وكأن هنالك إرثاً من "الهتلرة" الدائمة، ترعاه.

الحسيني أخطر من غوبلز!

استغلّت الحكومات الإسرائيلية قضية مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، وعلاقته مع جيش هتلر في الحرب العالمية الثانية، أيّما استغلال، في الترويج لصورة سيئة للقادة العرب، والفلسطينيين بشكل أخص، وتصويرهم على أنهم "هتالرة للعرب"، ولاتّهام العرب بمعاداة السامية، والتأهب لإبادة اليهود.

يشير جوزيف مَسعد، في كتابه "ديمومة المسألة الفلسطينية"، إلى أن الحاج أمين الحسيني يحتل موقعاً مهماً في لائحة الاتهام بالنازية، فقد كُتبت عنه، في الموسوعة الإسرائيلية الأمريكية للهولوكوست، مادة أطول من أي مادة أخرى، باستثناء هتلر، بحيث يبدو مفتي القدس وكأنه أسوأ من هملر، وهيس، وغورنج، وغوبلز. وكأن ما ارتكبه هؤلاء القياديون النازيون من فظائع بحق اليهود في أوروبا، أقل شأناً من مجرد نزوة انتابت الحسيني في التحالف مع موسوليني وهتلر، بعد أن هرب من البطش البريطاني الذي وعد إسرائيل بإقامة دولة.

وإنْ كان الحسيني أقدم شخص حاولت إسرائيل تصويره على أنه "هتلر عربي"، فإن محاولات تكريس صورته هذه لا تزال مستمرةً حتى اليوم، فرئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، قال عام 2015، قبل سفره إلى ألمانيا: "لم أسعَ أبداً إلى تبرئة هتلر من المسؤولية التي يتحملها، بل كنت أريد أن أشير إلى أن والد الشعب الفلسطيني، حتى آنذاك، حينما لم تكن دولة إسرائيل موجودةً، ولم يكن هناك ما يُسمى احتلالاً، ولم تكن هناك أي مستوطنات، المفتي (أمين الحسيني)، كان يمارس التحريض الممنهج على إبادة اليهود، وللأسف الشديد، لا يزال يُعدّ شخصيةً يحتذى بها في المجتمع الفلسطيني كوالد له".

عبد الناصر... طبعاً

قائمة مَن صُوِّروا على أنهم "هتالرة عرب"، طويلة وجاهزة دائماً لإضافة شخصيات جديدة إليها. في كتابه "فكرة إسرائيل: المعرفة والسلطة"، يحدّثنا المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه، كيف استخدم دايفيد بن غوريون "الهتلرة" في وصم جمال عبد الناصر عام 1956، حين قال، في خطاب له أمام الكنيست يدعو فيه إلى التحضير لشن حرب على مصر: "إن الخطر الذي يمثله الطاغية المصري، يشبه ذلك الخطر الذي حل بيهود أوروبا".

من المفارقات الغريبة أن الدعاية الإسرائيلية اتهمت غالبية الزعماء العرب المعادين لها بـ"الهتلرية"، باستثناء المُعجب العلني الصريح بهتلر بينهم: أنور السادات

وفي أحيانٍ أخرى، وُصف عبد الناصر بـ"الفرعنة"، بعد هجرة اليهود المصريين، خاصةً في أعقاب العدوان الثلاثي.

وتأثر الإعلام الأمريكي بـ"هتلرة" عبد الناصر، كما يبيّن جويل بنين، في كتابه "شتات اليهود المصريين". فقد أُفردت مقالة كاملة في "نيويورك تايمز" تحت عنوان: "هتلر على النيل"، تحدثت عن سمات التشابه بين هتلر وعبد الناصر.

ونرى مناحيم بيغن يذكر دائماً أن عبد الناصر محاط بمبعوثين نازيين هاربين من ألمانيا المنكوبة، وهذا ما تكرر صداه، كما يورد جوزيف مسعد، في مقالة للكاتب الحائز على جائزة نوبل، إيلي فيزل، الذي أشار إلى أن خروج معظم اليهود المصريين من مصر بعد عدوان 1956، خطط له رجال من بوليس العاصفة النازي.

ولم يكفّْ بن غوريون عن الترديد، في خطاباته أمام الكنيست، بأن الدبابات المصرية مرسوم عليها الصليب المعقوف.

ويورد مسعد أيضاً في كتابه، أن جريدة "هآرتس"، قبل اندلاع حرب 1967، نشرت مقالاً يقارن بين عباراتٍ لهتلر، وعباراتٍ لجمال عبد الناصر، تندد باليهود، وتتهمهم بأنهم سيجرّون العالم إلى حربٍ ستنتهي بالقضاء عليهم، وإبادتهم.

في الواقع، يهرول الرأي العام الغربي أحياناً، لتبني هذه الدعاية، وهذا الربط، مثلما يؤكد سامح الشريف، في كتابه "الشعارات السياسية دراسة نظرية وتطبيقية"، حين يتحدث عن فعالية شعار "ليس مجدداً"، الذي روّجت له الدعاية الصهيونية، وتبنّاه الإعلام الغربي، والذي يصوّر أن الشعب اليهودي سيتعرض للذبح مرةً ثانيةً على يد النازيين العرب، كما فعل هتلر باليهود في أوروبا. ولكن طبعاً هنالك إضافةً، فهذه المرّة سيصمد الشعب اليهودي، ويتصدى.

أبو عمار في بيروت

استُغلّت "الهتلرة" في وصم منظمة التحرير الفلسطينية، مع أنها، حين جرى ذلك، كانت في وضع الدفاع، وليس الهجوم، وذلك خلال غزو لبنان عام 1982.

فحين اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت، وفرضت حصاراً على المكان الذي تحصّن فيه ياسر عرفات، صوّر الإعلام الإسرائيلي العاصمة اللبنانية، وكأنها برلين في أيام النازية الأخيرة، وعرفات هو هتلر الذي ينتظر مصيره في مخبئه، كما يخبرنا إيلان بابيه.

حين اجتاحت القوات الإسرائيلية بيروت، وفرضت حصاراً على المكان الذي تحصّن فيه ياسر عرفات، صوّر الإعلام الإسرائيلي العاصمة اللبنانية، وكأنها برلين في أيام النازية الأخيرة، وعرفات هو هتلر الذي ينتظر مصيره في مخبئه

كما أن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، شُبّه هو الآخر بكتابٍ لأدولف هتلر، "كفاحي"، وقاد تلك الحملة رئيس الوزراء الإسرائيلي، مناحيم بيغن. وهنا مفارقة تستحق الوقوف أمامها: فمن الحكومة العمالية اليسارية المتمثلة في شخص بن غوريون، إلى الحكومة الليكودية اليمينية المتمثلة في شخص مناحم بيغن، يبدو أن الاتفاق الأيديولوجي يتقاطع في هتلرة القادة العرب.

وصْمُ عرفات بـ"الهتلرة"، كان ممتداً حتى في فترات السلام. ففي أعقاب اتفاق أوسلو، علّق الضابط الإسرائيلي، دوف شيلانسكي، بسخرية على دعوة عرفات لزيارة معسكر أوشفيتز، بقوله: "سيذهب عرفات إلى أوشفيتز، كي يتعلم من أستاذه هتلر، كيف يدمرنا".

وفي عام 1998، أقنعت إدارة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، عرفات، بالقيام بزيارة إلى المتحف التذكاري للمحرقة في واشنطن، كلفتة انفتاحٍ من الفلسطينيين على الإسرائليين، إلا أن المتحف رفض ذلك، ونشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالاً يشيع أن أفراداً من المجتمع اليهودي الأمريكي حذّروا مدير المتحف، والتر رايخ، من أن عرفات هذا هو هتلر بذاته.

كل البَيض في سلة واحدة

لا تفرّق دعاية "الهتلرة" في الواقع، بين الأيديولوجيات المختلفة التي يحملها ويتبناها القادة العرب، فيكفي أن تكون معادياً لإسرائيل لتكون هتلر، سواء أكنت اشتراكياً قومياً كعبد الناصر، أو بعثياً كصدام حسين، الذي هو "أخطر من هتلر"، حسب وصف الرئيسين الأمريكيين، جورج بوش الأب، وجورج بوش الابن، أو كنت ثورياً كياسر عرفات، أو كنت إسلامياً.

فتهمة الهتلرة طالت أيضاً الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله. وفي الواقع، يدرك الساسة الإسرائيليون قيمة ورقة "الهتلرة"، بل يعترف رئيس الوزراء السابق ووزير الدفاع السابق، إيهود باراك، بأن إسرائيل ترى في نصر الله هتلر جديداً، وبأنها تبحث دائماً عن هتلر جديد، قد يكون نصر الله، أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

يكفي أن تكون معادياً لإسرائيل لتكون هتلر، سواء أكنت اشتراكياً قومياً كعبد الناصر، أو بعثياً كصدام حسين، الذي هو "أخطر من هتلر"، أو كنت ثورياً كياسر عرفات، أو كنت إسلامياً

وأحياناً، تأتي بعض التصريحات لتصبّ في خدمة إسرائيل، وماكينة دعاية "الهتلرة"، كما حدث مع الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، وتصريحه حول موضوع المحرقة، وهو ما سارعت الحكومة الإسرائيلية إلى تلقفه بأسرع ما يمكن، وأطلقت حملةً لشجبه عالمياً، وصورت نجاد على أنه هتلر جديد يهدد العالم بحربٍ يُباد فيها اليهود.

تبقى إسرائيل طالما بقي هتلر!

دفْعُ الشعب الإسرائيلي ليكون دائماً في حالة من التأهب للحرب، أو في حالة حرب حقيقية، لم يكن متعلقاً بوصم العدو بالهتلرة، كما يرى إيلان بابيه، ولكن كانت هنالك حاجة إلى ذعر مستمر، تُمكن إثارته بسهولة من خلال استدعاء ذكرى الهولوكوست.

يقول عالم الاجتماع في جامعة تل أبيب، موشيه زوكرمان، لبابيه، إن السلطات الإسرائيلية تسعى إلى إعادة إحياء المصيبة في المجتمع اليهودي الجديد، والإبقاء على القلق والذعر حيال احتمال وقوع الهولوكوست من جديد، والدليل ما حدث في حرب الخليج، عام 1991، وموقف الحكومة الإسرائيلية منها، إذ يصف زوكرمان الوضع بأنه ترويع لا داعي له، كان الهدف منه تجديد الهلع من هولوكوست وشيكة، لتقول السلطة للشعب، إن الدولة اليهودية هي الوحيدة القادرة على إنقاذهم من هذا المصير.

يفسر الكاتب الأردني، جوزيف مسعد، مردّ تلك الحالة، في كتابه "ديمومة المسألة الفلسطينية"، بالقول إنه منذ لحظة بدء الصهيونية لمشروعها الاستيطاني الاستعماري في فلسطين، أصبح التاريخ اليهودي والصهيوني تاريخاً واحداً، فلذلك لم يُنظر إلى الصهيونية على أنها تمثل قطيعةً مع التاريخ اليهودي، بل هي تكملة له، فلا عجب إذاً من استعارة الهولوكوست، واحتكارها كمأساة "إسرائيلية صهيونية"، وليس كمأساة بشرية.

ويدلل على فكرته هذه، بما اقتبسه من "إعلان قيام دولة إسرائيل"، وفيه: "من دون شك، أثبتت المحرقة التي ارتُكبت بحق شعب إسرائيل مؤخراً، وذُبح في أثنائها ملايين اليهود في أوروبا، ضرورة العثور على حل لمشكلة الشعب اليهودي الذي افتقد الوطن والاستقلال، وهذا الحل هو تجديد إقامة الدولة اليهودية في إسرائيل التي ستمنح اليهودي هويةً ذات منزلة مساوية، وحقوقاً مساويةً كبقية الأمم".

وهكذا، صار لا يمكننا فهم المحرقة اليهودية إلا عبر الوساطة الصهيونية، ووساطة إسرائيل، فقد أصرّت إسرائيل على تجميد اللحظة التي أصبح فيها اليهود ناجين من المحرقة، وأصرّ بن غوريون دائماً على أن إسرائيل هي وريثة الضحايا الوحيدة، فهؤلاء لو عاشوا، برأيه، لكانوا بغالبيتهم سيأتون إلى إسرائيل.

لماذا نجا "الهتلري" الصريح؟

مفارقة غريبة في استخدام "الهتلرة"، يلفت النظر إليها الكاتب جلبير الأشقر، في كتابه "العرب والمحرقة النازية: حرب المرويات العربية-الإسرائيلية". يقول إن عبد الناصر لم يعبّر عن أي إعجاب بهتلر، لا هو، ولا أي ضابط من الضباط الأحرار، باستثناء واحدٍ هو أنور السادات.

فالسادات، فضلاً عن تورطه في العمالة للنازيين في أثناء الحرب العالمية الثانية، ظل على موقف ثابت حتى عام 1953. فحين دعت جريدة المصور عدداً من الشخصيات إلى كتابة رسالة إلى هتلر، أبدى فيها عدد من الوزراء السابقين تحفظاتٍ واستياءً حيال أفعال هتلر، إلا أنور السادات الذي نظر إليه على أنه رجل وطني، مؤمن ببلاده وشعبه.

وعلى الرغم من تلك المودة التي يكنّها السادات لهتلر، والتي جاهر بها علناً، لم تتم "هتلرة السادات" أبداً من السياسة الإسرائيلية، فعلى أي أساس تتم هتلرة العرب في الرأي العام الإسرائيلي؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image